عوض الدوخي: قيثارة كويتية لا تفنى

عوض الدوخي: قيثارة كويتية لا تفنى

رواد الثقافة والفكر في الكويت

غنى للوطن في أفراحه, فهلل له أبناء الوطن. وداعب القلوب بالكلمات الرقيقة في أغانيه العاطفية. رافق البحّارة, فكانوا يأنسون بصوته الشجيّ. وحين شرعت إذاعة الكويت بالبث, كان صوت عوض الدوخي من أحب الأصوات لدى جمهور المستمعين.

لم يقتصر طرب عوض الدوخي على لون, وإنما تعددت ألوانه وتنوّعت ينابيعه, تأثر كثيراً بألحان الموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب وبما غنته كوكب الشرق, فردد أغانيها بالكلمات والألحان نفسها, ولكن بصوت شجيّ آخر... استمرت رحلة عوض الدوخي حتى يوم 27/12/1979 حيث رحل الجسد وبقي صوت الدوخي يؤنس السهارى بنغمات صبا نجد, وبقيت ضربات عوده ترافق أجمل محاكاة خليجية لفن سيدة الغناء العربي.

ومازالت أصداء أغانيه تتردد في آذاننا, وصوته الذي يكشف عن الأصالة الفنية الكويتية خاصة, والعربية عامة, يحرّك الأحاسيس. وترانيمه الجميلة ترجعنا إلى أيام الغوص والسفر, والماضي الجميل. إنه مثال الفنان الذي يعتبر نموذجاً مشرفاً للأغنية الكويتية الأصيلة, والمطوّرة والحديثة.

فنان... ونصف عود!

وُلد عوض فرحان دوخي في منطقة شرق بمدينة الكويت عام 1932م تقريباً, درس في مدرسة النجاح, وفي عام 1944م تقريباً بدأ حبه للفن عندما يستمع للأغاني البحرية, وأغاني الأصوات من شقيقه الأكبر وأستاذه عبداللطيف الدوخي الذي كان عازفاً على آلة العود ونهاماً بحرياً, ومطرباً على السفـن الكويتية التي تذهب للسفر والتجارة, ثم تعرّف عوض على صديقه سلطان أحمد, وكانت بينهما جلسات فنية لحفظ الأغاني إلى أن اتفقا على شراء عود حيث تقاسما سعر العود وقررا شراءه بشرط أن يكون العود ليلة عند عوض وليلة عند صديقه سلطان أحمد, وعندما بدأ يتقن عزف العود والغناء, كان يؤدي الأصوات التي سمعها وحفظها من ألحان عبدالله الفرج, وأغاني البحر والنهمة التي شارك فيها أثناء دخوله البحر مع شقيقه الأكبر وكذلك الأغاني التي سمعها من النهامة أمثال محـمد العميري, حسين بن علي, أبوزايد المرطة, شد الجيماز, سعد العجيل, عبدالله الدويش, سعد بن شريده وغيرهم.

يقول الفنان الراحل عوض دوخي: (عندما كان عمري أربعة عشر عاماً ركبت البحر على سفن الغوص مع النوخذة عبدالرحمن بن عثمان سباباً, وفي العام الذي تلاه مع علي بن خميس غواصاً, وكان معي أخي الأصغر يوسف, وفي أثناء الرحلة, كنت أستمع للفنون البحرية بأنواعها والأصوات من المطربين والنهّامين فكنت أتعلم وأحفظ منهم الغناء والعزف على الطبل البحري, وفي عام 1947 طلبني النوخـذة يوسف بن يعقوب للسفر معه بحّاراً, فقلت له أنا لست بحّاراً, أنا مطرب, فنظر إليّ متعجّباً من كلامي فاشترط أن يسمع بعض غنائي وعزفي على العود أمام البحّارة يوم الجمعة التالي فوافقت, وكان الخجل يتملكني من مواجهة الجمهور, وأيّ جمهور, كلهم بحّارة, فواجهت الموقف بإصرار وتحدّ, وغنيت أمامهم صوت (يا غصين البان) فوافق النوخذة وبحارته فوراً وذهبت معهم مطرباً وكنت فرحاً جداً).

وفي عام 1947 بعدما رجع من رحلة الغوص, افتتحت في الكويت أول إذاعة تجريبية, وكانت تسمى إذاعة (شيرين) وسجل فيها عوض أول أغنية صوت (يشوّقني برق) وكان عوض يعشق فن وغناء الفنانين البحرينيين محمد بن فارس وضاحي بن وليد وتأثر بهما كثيراً, حيث غنى لهما مجموعة من الأصوات, وفي لقاء معه في مجلة عالم الفن قال: (بحكم السن لم أتقابل مع الفنان ضاحي بن وليد, أما الفنان محمد بن فارس فأذكر أني شفته مرّة واحدة وكنت صغيراً في ذلك الوقت), أما عن الصوت البحريني فقال عوض دوخي: (الصوت البحريني توقف عند الفنانين محمد بن فارس, وضاحي بن وليد ومحمد زويد, ولم يأت من بعدهم مَن يقوم بالحفاظ على تراث الصوت عامة في الخليج, علماً بأن الصوت البحريني هو امتداد للصوت الكويتي, ومن هنا كان لزاماً عليّ أن أقوم ببعض الواجب تجاه هذه الأصوات خوفاً عليها من الضياع والاندثار).

صوت كويتي وفن عربي

يعتبر الفنان عوض دوخي أحد أبرز مَن غنى الصوت في المدرسة الكويتية الحديثة, وحول رأيه في الصوت الكويتي قال: (الصوت الكويتي له مدرسة خاصة تمثلت في الفنان رائد الموسيقى في الخليج والكويت عبدالله الفرج وتلاميذه, ومازال الصوت الكويتي يواصل مسيرته, إذ لا خوف على الصوت الكويتي من الضياع والاندثار).

كما تأثر الفنان عوض دوخي بأغاني السيدة كوكب الشرق أم كلثوم والموسيقار محمد عبدالوهاب ورياض السنباطي مع ملاحظة أنه لم يترك أصالته الفنية المتمثلة في عشقه وحبّه للفنون الشعبية الكويتية الأصيلة, فقد كان يذهب إلى الفرق الشعبية وخاصة فرقة بن حسين البحرية التي تؤدي أغاني البحر, ويشارك معهم في الغناء ويستزيد منهم في حفظ الفنون البحرية والنهمة, وكان كذلك يتردد على فرقة المرحومة الفنانة عودة المهنا أم الفنانين دائماً ليحفظ الكثير من أغاني الفنون الشعبية الأصيلة كالخماري والنجدي وغيرهما من الفنون الأخرى.

وفي عام 1956 عندما أنشئ مركز رعاية الفنون الشعبية أخذ المركز على عاتقه دعوة كل الفنانين الكويتيين والفرق الشعبية آنذاك, وكان من ضمنهم الفنان عوض دوخي, لتسجيل الأغاني الكويتية وحفظها من الضيـاع والاندثار, وإمكان الاستفادة من الأغاني للأجيال اللاحقة, وفعلاً سجل عوض دوخي الكثير من الأغاني التي بقيت إرثاً فنياً غالياً لا نزال نسمعه ونستمتع به.

وفي عام 1959م وبعدما جاءت الفرقة الموسيقية للإذاعة, كان أول أعمال الفنان عوض الدوخي التي سجلت صوت (يا من هواه) وهي بداية انطلاقته الفنية الحقيقية كملحن ومطرب.

وفي عـام 1960 غنى الـدوخي صـوت (ألاياصبا نجد) من كلمات عبدالله بن الدمينة وهو شاعر من شعراء العرب القدامى وألحان الفنان الكبير الملحن أحمد الزنجبـاري الذي استخدم نهجاً جديداً في صياغته اللحنية لأغاني الصوت الكويتي الحديث, حيث أدخل عليه الفواصل الموسيقية المحددة, والصولوهات للآلات الفردية واستخدم المقدمة والسكتات الموسيقية.

وفي أعياد الاستقلال لدولة الكويت, تفاعل الدوخي مع المناسبة الوطنية وقدّم أغنية (الفجر نوّر يا سلام), (وسط القلوب يا كويتنا), وظلت الأغنيتان تذاعان كل يوم لمدة أربع سنوات تقريباً بناء على طلب المغفور له أمير الكويت الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح.

ثم قدم الكثـير من الأغـاني الوطنية مثل (أبدي باسمـك يا كـويت, رايات الفرح, عادت الأفراح, قصر دسمان)... وأرشيف الدوخي يذخر بأجمل الأغاني مثل (بـاركوا يا حباب) والتي مازالت تتردد حتى الآن كواحدة من أغاني الأعياد العامة, إلا أن أداء الفنان في هذه الأغنية كان مميّزاً ويعطيك إحساسا بالفرح والخفة والمرح, إضافة إلى التطريب في اللحن الخفيف.

ملحن مميز

لقد كان عوض دوخي فناناً مميزاً في ألحانه وأدائه وخاصة بالبحة التي في صوته والتي ميّزته عن غيره من المطربين الآخرين, فقد استطاع أن يقدم أنواع الأغاني مختلفة القوالب كأغاني الصوت, والأغنية العاطفية, والوطنية, وأغاني البحر والنهمة, والسامري, وأغاني المناسبات كالأعياد,وقد ترك بصمة بارزة في تاريخ الأغنية الكويتية والخليجية خاصة والأغنية العربية عامة على مدى حياته الفنية.

وحين رحل عوض الدوخي خلّف إرثاً فنياً أثرى به مكتبة الأغنية العربية, ولاتزال أغاني ذلك الفنان - رحمه الله - تطرب البحارة في عرض البحر, وتشجي المستـمعين أينما كانوا.

 

بندر عبيد

 
 




رحلة فنية زاخرة برفقة العود





بحة صوت تتجاوب مع أوتار العود