هل يموت الكتاب أم أن هناك بعثا آخر؟

هل يموت الكتاب أم أن هناك بعثا آخر؟

حول ندوة (الثقافة العربية وآفاق النشر الإلكتروني)

عدسة: فريق مصوري العربي

هل تقف بنا ثورة المعلومات وتقنياتها الحديثة على أبواب مرحلة جديدة توازي في أهميتها تلك اللحظة البعيدة التي اكتشفت فيها البشرية فعل الكتابة? دعنا لا نبالغ ونحن نبحث عن الإجابة عن السؤال السابق

لكل مرحلة مخاوفها, فانتقال الإنسان من الشفاهية إلى الكتابة لم يكن أمرا سهلا ولا مقبولا, وعندما بدا الإله أوزيريس يخط أول نقوش الكتابة على الجدران صاحت فيه زوجته (إيزيس) محذرة : (هذه النقوش سوف تجعل البشر يفقدون ذاكرتهم) وقد تحقق كلامها بعض الشيئ, فالبشر قد أصابهم النسيان ولكن الذاكرة بقيت, حفظتها نقوش الجدران ولفائف البردي وألواح الطين, وعندما اخترعت المطبعة الحديثة هتف أحد رواد عصر النهضة في اشمئزاز: (إنه أمر مخجل أن يمتلك المرء كتابا مطبوعا), فقد كان يعتقد أن القيمة والجمال لا تكمنان فقط إلا في الكتب التي تخطها يد بشرية, وحرمت الدولة العثمانية دخول المطبعة إلى أراضيها لمدة تزيد على المائة عام, ولكن الكتاب المطبوع رغم ذلك ساد وانتشر, ومنذ تلك اللحظة والكتب تمنحنا العمق المعرفي والذاكرة المتجددة. وحتى بيل جيتس رائد هذه الثورة الإلكترونية لم يجد إلا الكتاب الورقي المطبوع ليضع عليه أفكاره المستقبلية والتي تتنـبأ في معظـمها بزوال المكانة التي يحتـلها الكتاب, فهل سـيموت الكتاب حقا?

إننا نواجه تحديا حقيقيا تفرضه علينا كل تلك التقنيات الحديثة, فحضارة الصورة تفرض نفسها علينا, صورة سريعة وجذابة ولكنها سطحية, تحملها إلينا شاشات التلفزيون والكومبيوتر,تقلل من درجة انتباهنا ولا تجعلنا نبحث في العمق, وحتى الكتب,لم تعد تكتب إلا من خلال جمل صغيرة لاهثة حتى توازي هذا الكم الهائل من السرعة والتدفق, لن يعود هناك مكان لذلك الصديق الصامت الذي تحمله بين أناملك, ولكن سوف يصبح الكتاب وسيطا بين وسائط متعددة تلقي عليك سيلا من الأصوات والصور,وسوف يغير هذا من أحاسيسنا الجمالية وقدراتنا الإبداعية.

هذه هي الثورة الجديدة التي نقف على أعتابها, فالكلمات التي سكنت طويلا على الورق توشك أن تغادره لتتحول إلى نبضات رقمية على شاشة الكومبيوتر,وسوف تخزن تلك النبضات في جهاز صغير مكتبات كاملة كانت تحتل عشرات الأرفف,وسوف يتوقف ذلك الاستهلاك الرهيب لآلاف من أشجار الغابات كل سنة من أجل صنع الورق, ولكن الإنسان سوف يفقد صديقا عزيزا عاش معه لمدة خمسة قرون,وعلينا منذ هذه اللحظة أن نستعد للعبور إلى هذا العالم الجديد, فهل نحن مستعدون بالفعل? وهل تقدر الثقافة العربية التي ولدت أصلا من رحم المخطوطات أن تجد لها مكانا على هذه الشبكة الرقمية العملاقة?.

من أجل هذا عقدت (العربي) ندوتها حول (الثقافة العربية وآفاق النشر الإلكتروني).

أحوال العقل العربي

خلال إعداد (العربي) لهذه الندوة, تعرفنا على خصائص عديدة من أحوال العقل العربي, فهو عقل آني, يدرك أهمية الشيء ويتحمس له ويعد ويؤكد ثم ينسى كل شيء معتقدا أنه سوف يفعل كل شيء في اللحظة الأخيرة, ولكن الزمن العربي عادة ماينسرب من خلايا هذا العقل كذرات الرمل, ولا يتم إنجاز المطلوب في موعده, هذا هو ما حدث لنا ونحن نعد لندوتنا, اتصلنا بالباحثين وكلهم كانوا أكثر منا حماسا, ورتبنا المواعيد واختار كل واحد منهم الموعد الذي يناسبه, ثم أزف الوقت ومر دون حس أو خبر, وبدأت المطاردات من جانبنا, والمماطلة من جانب البعض:

(الأسبوع القدم بإذن الله ),ولا يجيء الأسبوع القادم, نحاول تذكير الجميع أن للندوة موعدها المحدد, وأن البحث الذي تحمس لإعداده هو جزء من منظومة يمكن أن يصيبها أي تأخير بالخلل, وفي النهاية لا نتلقى إلا الجواب التقليدي (الأسبوع القادم إن شاء الله) , ثم تبدأ سلسلة من المفاجآت العربية في الحدوث, البعض يعتذر لأننا لم نمنحه الوقت الكافي لإعداد البحث وعلينا أن نسعى سريعا لإيجاد البديل, و والبعض الآخر يرشح مساعده في العمل, ولعله كاتبه السري ونحن لا ندري, البعض الآخر يفاجئك ببحث لم تتفق عليه أصلا, ولكن الأغرب منهم جميعا هؤلاء الذين كانوا يعتذرون في الصباح ثم يعلنون قبولهم في المساء, وهكذا دواليك, ثم فجأة ـ ودون سابق تحذير بدأت الأبحاث ـ تنهمر على المجلة مثل المطر, اكتشف الجميع فجأة أهمية الموضوع, إنه لا يكفي أن يكونوا موجودين وسط نقاشات الندوة فقط ولكن يجب أن تكون لهم مشاركتهم المكتوبة, ويبدو لنا طور آخر من أطوار العقل العربي هو عقل الدقيقة الأخيرة, يسبح في مداراتها بعيدا دون أن يتلامس مع غيره من العقول.

هكذا بدأت وقائع الندوة, صراع ضد الوقت, وبحث مضن عن الجودة, تجمع المتخصصون والكتاب من معظم الأقطار العربية, وطبعت الأبحاث والتعقيبات في موعدها بمعجزة ما, وطلب رئيس التحرير من الجميع أن يكونوا في حالة طوارئ مستمرة ودائمة أيضا, فالندوة هنا لم تكن مجرد نزهة فكرية, ولكنها كانت مقدمة لابد منها قبل أن تأخذ العربي موقعها على شبكة الإنترنت, لقد كان هناك إحساس عام أن المجلة وهي تستعد للدخول في مجال النشر الإلكتروني تدخل في مرحلة توازي في أهميتها تلك اللحظة التي صدرت فيها المجلة في الأول من ديسمبر عام 8591, أو بالأحرى أن العربي تستعد لولادة جديدة بعد أن بلغت من العمر ثلاثة وأربعين عاما.

كانت الأسئلة المطروحة علينا كثيرة,أولها أننا كنا في حاجة لتعريف هذا المصطلح الذي أصبح يتردد على الألسنة كثيرا, ما هو النشر الإلكتروني?, وهل هو بديل للكتاب الورقي? وما هي صلته بكل تلك المواقع التي نراها على الإنترنت? وهل يمكن أن يقدم نوعا جديدا من الثقافة مختلفا عن ثقافة الكتاب التي أصبحت تقليدية بفضل هذا التقدم الذي حصل في تكنولوجيا المعلومات? هل هناك مكان لثقافتنا العربية وسط هذه الشبكة العملاقة? أم أن هذه الثقافة سوف تظل محكومة بالتبعية وهيمنة الاحتكارات العالمية عليها?

نشر دون ورق

في العام الماضي قام كاتب روايات الرعب الشهير ستيفن كينج بنشر روايته إلكترونيا فقط, أي أنه لم يطبعها على الورق ـ رغم أنه يوزع الملايين ـ بل وضعها على شبكة الإنترنت, وعلى من يريد أن يقرأها أن يدفع رسما معينا وأن يدخل إلى الرواية مباشرة,هكذا وبكل بساطة تخطى المؤلف الدور الذي تقوم به دور النشر وكلفة الورق والأحبار ووجد طريقة يصل بها مباشرة إلى قارئه, الأكثر من ذلك أنه وفر كلفة النسخ التي لن تباع والتي سوف تتراكم في المخازن, فلن تنتج منه نسخ زائدة عن عدد القراء الذين يطلبونها, كما أن الرواية سوف تبقى موجودة ومتاحة في أي وقت وفي أي مكان في العالم, فهل يمكن أن نتصور أن هذا التطور المذهل المسمى بالنشر الإلكتروني يمكن أن يضرب كل هذه العصافير بحجر واحد?

الأمر لا يتوقف عند حد النشر من دون ورق, فهناك بعد آخر أكثر أهمية يشير إليه الدكتور سليمان العسكري في كلمته الافتتاحية للندوة : ( أن هذه التقنية الجديدة سوف تتيح للمثقف العربي, للمرة الأولى, الفرصة التي يتوق إليها للإفلات من أسر الرقابة المفروضة عليه بالحق والباطل, فأكثر ما يعوق حركة الإبداع العربي هو افتقادها لأنفاس الحرية, والقدرة على تحطيم القيود (كأنه في هذه الكلمات القليلة يلمس جرحا قديما وحلما مازال مستحيلا في نفس كل مفكر ومبدع عربي, هل يتأتى لنا أن نظفر بحريتنا أخيرا? هل يمكننا أن نفلت من أسر كل تلك الأنظمة التي تعد أنفاسنا والكلمات التي نكتبها والآراء التي ما زلنا نفكر فيها?

إن تجربة المثقف العربي مع السلطة مريرة, ومنذ محنة خلق القرآن التي تعرض فيها الإمام أحمد بن حنبل إلى السجن والتعذيب, إلى نصر أبوزيد الذي مازال منفيا عن وطنه, والمثقف العربي لا يجد أي صيغة ملائمة للحديث مع السلطة التي تملك كل شيء تقريبا, حق المصادرة والنفي والسجن وإهدار الدم, بينما لا يملك هو إلا قلما مقصوفا, هل يمكن أن يحل النشر الإلكتروني تلك القيود التي تراكمت عبر كل تلك القرون? أم أن الدكتور سليمان يحلم شأنه في ذلك شأن بقية المثقفين العرب?

بعد أن ألقى وزير الإعلام الشيخ احمد الفهد الأحمد الجابر كلمة الافتتاح رحب فيها بضيوف الندوة, وتحدث عن ثوابت السياسة الإعلامية لدولة الكويت, قام بصحبة الضيوف بافتتاح معرض العربي الذي حمل عنوان (العرب في عيون العربي), نتاج من حصيلة متميزة لأرشيف مجلة العربي على مدى عقود أربعة,طاف فيها مصوروها في مدن عالمنا العربي, صور بالحنين والأسى لمعالم طمرها الزمان, ووجوه غيبها النسيان,ومدن كانت حرة ذات لحظة, فتجولت فيها عدسة العربي ثم أفقنا جميعا لنراها تحت الأسر الإسرائيلي حتى هذه اللحظة, صور من القدس وغزة والضفة الغربية, من بيارات البرتقال ومزارع الزيتون, هي الآن متوهجة بالنار أمام صمت عربي يقترب من التواطؤ, تحكي لنا الصور في صورة باردة ومحايدة حكاية الحلم العربي الضائع على مدى هذه الأربعين عاما الضائعة, ولأن الافتتاح كان في حاجة للمسة من الفرح فقد وقف الوزير طويلا ومعه بقية الضيوف أما عرائس زميلتنا الفنانة علياء العيسى, وعلياء هي رسامة في مجلة العربي الصغير, ولكنها ترى عالم الكبار جيدا, ومن خلال عرائسها الصغيرة استطاعت أن تجسد العديد من الأنماط الكويتية والعربية بدقة غريبة, فكأننا نرى أنفسنا وعيوبنا في صور مصغرة.

هناك متسع لكل شيء

لم تكن الجلسة الأولى في الندوة تقليدية , لم يكن هناك باحث ومعقب كما جرت العادة,ولكن تم تخصيص الجلسة لثلاث من الشهادات المتفردة, أولاها كانت للصحفي المعروف عثمان العمير, وهو عاشق للصحافة العربية من زمن الورق المطبوع حتى مشارف الصحافة الإلكترونية, وهو من خلال شهادته ألقى الضوء على هذه الرحلة الطويلة التي لم يجد خلالها الاستقرار في أي بلد عربي عمل به, ولكنه وجده ـ أو توهم أنه وجده في لندن عاصمة الضباب, وهو يسعى الآن ضمن أشياء أخرى لإطلاق أول صحيفة عربية إلكترونية باسم إيلاف), كأنه يحيي بذلك تلك الرحلة القرشية القديمة التي لم تعد تتجه إلا إلى الشمال صيفا وشتاء, ولكن هذا المشروع ليس إلا جزءا من منظومة متكاملة تجول في عقل هذا الرجل, فهو يدرك أن وسائل الإعلام المختلفة قد أصبحت متداخلة, وأن (الملتي ميديا) بأذرعها الأخطبوطية تفرض عليه أن يمارس اللعبة بكل قواعدها,سمعية كانت أو بصرية,ولعله قادر على فعل ذلك.

الشهادة الثانية قدمها حسام السكري, وهو طبيب سابق,ولكن الصحافة جذبته, ثم ما لبث هو أيضا أن سعى إلى نبضها الإلكتروني, وهو يشغل الآن مدير موقع محطة الإذاعة البريطانية على شبكة الإنترنت باللغة العربية, وقد حصل هذا الموقع في مهرجان دبي على جائزة أفضل موقع باللغة العربية, وهو يحاول أن يصحح المفاهيم الفضفاضة حول النشر الإلكتروني وكيف يتم الاقتصار في وصفه أحيانا على عملية إنتاج المطبوعات الورقية باستخدام الوسائل الإلكترونية,وهو مفهوم مازال مرتبطا إلى حد ما بعالم الورق والطباعة المحدود,ولكن النشر الإلكتروني هو نوع من بث المعلومات بالكلمة وبالصورة وبالصوت أيضا. لقد أصبح المحدد هنا هو الزمن وليس المساحة كما كان يحدث في الصحافة التقليدية, كما أن المتلقي لم يعد يكتفي بالقراءة فقط, ولكنه يتلقى أيضا صورا, ومواد فيلمية, وأشكالا متحركة ورسوما توضيحية تفاعلية, تقدم كلها عبر وسيط واحد.

أما الشهادة الثالثة فقد قدمها محمد عارف حول مشروع بوابة الإنترنت العربية للعلوم والتكنولوجيا, ومحمد عارف واحد من أشعر الكتاب العلميين الذين عرفتهم الصحافة العربية, وقد أهله وجوده خارج العالم العربي لفترات طويلة أن يقيم علاقات وطيدة بالعديد من العلماء العرب الذين يقيمون في الخارج, تلك العقول المهاجرة التي لم تجد لها مكانا وسط بيئتنا العربية الطاردة, لا يتحدث عارف في شهادته عن النشر الإلكتروني بصورته المباشرة, ولكنه يلمس القضية الأبعد مدى, وهي إقامة بنية أساسية لشبكة الإنترنت في العالم العربي,وذلك من خلال إقامة تلك البوابة التي سوف تجمع شتات الجهود المتناثرة التي يقوم بها العالم العربي في مختلف المجالات وخاصة في مجال العلم والتكنولوجيا, وهي أشبه هنا بالدارة الإلكترونية التي تحتوي على منافذ عدة لا تجمع بين المواقع العربية المختلفة فقط ولكن تقيم وسائل اتصال فيما بينها, وهي تهدف إلى توفير المعلومات والأخبار وإقامة الندوات العلمية, وتوفير المعاجم والموسوعات عن العلماء العرب المعاصرين والأقدمين, إنه نشر من النوع العلمي الثقيل, و ومن هنا نرى أهمية هذه البوابة التي سوف تزيل جميع الحواجز بين المؤسسات العلمية العربية, وعندما تزول الحدود ـ كما يقول جارسيا ماركيز ـ فهناك متسع لكل شيء.

العربي وموقعها

وتعود الندوة إلى السبب الرئيسي لإقامتها فتخصص جلسة لدراسة موقعها التجريبي على شبكة الإنترنت, ويقدمه المهندس خالد صالح العسعوسي من الكويت, إذ يقدم بحثا تقييميا لهذا الموقع, والمهندس العسعوسي هو أحد الشبان المتخصصين في علوم الكومبيوتر وهو يرأس جمعية الحاسوب الكويتية, ويؤكد في بحثه أن (مجلة العربي قد وفرت قدرا من المعلومات يندر أن يجدها قارئ بهذا التنوع والشمول في أي مطبوعة عربية,فقد توفر في هذا الموقع العديد من الوثائق والمقالات والصور وكذلك مقتطفات من أفلام الفيديو التي شكلت عنصرا جديدا لم يتوافر لدى الكثير من المطبوعات العربية,كما وفر الموقع روابط لمواقع ثقافية مشابهة,تعتبر مصدرا مهما للثقافة والعلوم العربية, وقد بذل جهد كبير في إدخال هذه الكمية الضخمة والمفيدة من المعلومات بشكل تصنيفي جديد يحاكي مستوى القارئ الثقافي ويطور من إمكان الرجوع إلى المعلومة بغرض الاستفادة منه فنيا وثقافيا والرجوع إليها بحثيا).

أما محمد سيف فينظر إلى موقع العربي من وجهة نظر أخرى, وسيف شاعر ومترجم من مصر, ترجم العديد من روائع الأدب الفرنسي وهو يشغل منصب المحرر المسئول في مجلة (الإنساني) التي يصدرها الصليب الأحمر, وهو ينظر إلى موقع المجلة من زاوية احتكاكه بالثقافات العالمية, ويرى أن العربي في شكلها الورقي قد ( اكتسبت جانبا كبيرا من نجاحها لتمكنها من اجتياز الحواجز التي تعيق حركة مرور الصحف وتداول المعلومات) فما بالك الآن بعد هذه الثورة التي شهدها العالم في تقنيات الاتصال, لذا فإن الدور الجديد المنوط بموقع مجلة العربي يهدف إلى عدة أمور: أولها الوصول إلى قارئ العربية في كل مكان, وثانيها أن يعمل ( هذا الموقع) على تنمية التبادل بين الثقافات, بإبداع الإمكانات التي تؤهله لأن يكون موقعا مطروقا من جانب المهتمين بالثقافة الإنسانية بوجه عام وبالثقافة العربية بوجه خاص, وثالثها هو استمرار الحرص على المزايا التنافسية التي تحققت لمجلة العربي المطبوعة من خلال المشاركة الفعالة بالرأي والبحث في تلك الموضوعات التي تحظى بالاهتمام الإنساني).

وفي بحثه عن (النشر الإلكتروني ومجتمع المعرفة) يقدم سامي خشبة وهو كاتب ومترجم مصري معروف تجربته الشخصية في مواجهة هذه الثورة التقنية وكيف تغير النشر على المستوى الكمي, فبدلا من الأرفف المثقلة بعشرات الأجزاء من الكتب والموسوعات والقواميس اختزل كل ذلك في عدة أقراص ممغنطة, ولكن هناك تغيرات كيفية أيضا,فهذه الثورة في النهاية سوف تؤدي إلى وحدة المعرفة,وهي التي سوف تؤدي في النهاية إلى تكامل المناهج,وانفتاح التخصصات المختلفة بعضها على بعض وصولا إلى الهدف الأسمى وهو ( استبصار حقيقة التنامي اللانهائي للمعرفة).

ولكن الطريق إلى النشر الإلكتروني ليس سهلا, فهناك العديد من المشاكل التي تواجه الثقافة العربية قبل أن تجد لها مكانا في هذا الخضم التقني,ولعل أهمها تلك الهوة اللغوية التي يشير إليها الدكتور نبيل علي في بحثه (النشر الإلكتروني: المنظور اللغوي).

والدكتور نبيل علي هو مهندس طيار سابق, ولكن عشقه للثقافة العربية ومحاولاته الدءوب لإيجاد مكان لها وسط وسائط الاتصال المتعددة جعلته واحدا من أبرز الممارسين العرب, فهو لم يقف عند حد الإطار النظري, ولكنه أنتج العديد من التطبيقات والبرامج التي تساعد المستخدم العربي بوسيلة يعبر بها تلك الهوة اللغوية, وهو تعبير مبسط عن الهوة الأشمل ويقصد بها الهوة الرقمية التي تفصل بين العالم المتقدم والعالم النامي, ولن تنجح عملية توطين النشر الإلكتروني في بيئتنا العربية إلا مع توفير الدعم اللغوي اللازم لها, فاللغة هي محور منظومة الثقافة, وهي السلاح الذي تخوض به صراع الثقافات,وهي الوسيلة الوحيدة للحفاظ على الهوية والخصوصية الثقافية, كما أن التواصل اللغوي الذي نمارسه الآن عبر شبكة الإنترنت والذي يغلب عليه الطابع الكتابي,سوف يتطور ويتسع نطاقه يمتزج فيه المسموع بالمكتوب,كما أن الإنسان الذي يتحاور مع أخيه الإنسان عن طريق الآلة سوف يأتي يوم يجد فيه الوسيلة للتحاور مع الآلة نفسها.

مشكلة الترجمة العربية

ويناقش الدكتور روحي بعلبكي المشكلة اللغوية ولكن من جانب آخر,فمن الطبيعي أن يدور بحثه حول (الترجمة الإلكترونية وآفاق المستقبل ـ فهو ابن صاحب قاموس المورد الشهيرـ كما أنه عضو في العديد من الجمعيات العلمية التي تركز على التعريب وترجمة المصطلح, وهو يطرح في بداية بحثه تساؤلا مهما حول انتهاء دور الترجمة البشرية وحلول الآلة بدلا منه, وللإجابة عن هذا السؤال يتتبع الباحث تاريخ نشوء هذا النوع من الترجمة وتطوره, ويخلص إلى أن هناك إشكالية خاصة للغة العربية, فهي غنية بالمفردات, فضفاضة في المعاني, تحتاج دائما إلى تشكيل وضبط, لذا ففي الوقت الذي تنجح فيه برامج الترجمة الآلية من اللغات الأخرى, تعاني البرامج العربية من صعوبات كثيرة, بل إنها هي أيضا تعاني من أخطاء لغوية فاضحة, والأمر في حاجة للمزيد من الجهد والعمل,فالترجمة الإلكترونية مثل أي نشاط هي عملية ديناميكية ودائمة التطور, وعلينا أن نحولها من مجرد فكرة واعدة إلى وسيلة معتمدة. إن الباحث ينحاز إلى التطور الذي لا مفر منه في كل مجالات التقنية, وهو يستشهد بقول جبران خليل جبران ( إن الحياة لا تقيم في منازل الأمس).

ويلقي أسامة حجي مزيدا من الضوء على قضية الترجمة هذه في بحث بعنوان (تعريب مصطلحات الحاسب الآلي, من هنا نبدأ) وهو باحث شاب من مصر يعمل في مجال الحاسبات ويري أنه لن تحدث أي نهضة في مجال البرمجيات ما لم نقم أولا بترجمة كل مصطلحاتها,فنحن في مجتمع يتحدث السواد الأعظم منه باللغة العربية,والمحاولات التي جرت من أجل تعريب مصطلحات الحاسب الآلي لم تكن دقيقة بالدرجة الكافية بحيث وجد المتعاملون في هذا المجال صعوبات كبيرة في فهمها, ويجب أن تكون هناك معايير ثلاثة في هذا التعريب, فيجب أولا أن تكون هناك جهة (رسمية) مسئولة عن هذا التعريب, وأن يتم مراعاة معايير الاستخدام وليس فقط معايير اللغة وأن نتخلى عن فكرة أن الإنجليزية هي لغة العلم الوحيدة.

ولكن الدكتور خلدون طبازة قد أثار حفيظة المدافعين عن التراث العربي حين شن في كلمته هجوما عنيفا ضد الذين يحاولون وضع كتب هذا التراث على صفحات الإنترنت, وخلدون طبيب أردني دفعه عشقه للكمبيوتر إلى هجر الطب للاشتراك في انشاء شركة تعد إحدى شركات الكمبيوتر الرائدة في مجال تعريب البرمجيات في الأردن, وقد قدم للندوة بحثا بعنوان (العالم العربي والوسيط الرقمي ـ تحديات الإعلام الإلكتروني والإنترنت العربية) ولكنه في كلمته أمام الندوة تحدث بحماس عن حاجتنا إلى ثقافة عربية جديدة تتعامل مع شبكة الإنترنت وأنه لا يوجد معنى لنقل ما يوجد في بطون أمهات الكتب من رفوف الكتب إلى نبضات شبكة الإنترنت, وقد أثار هذا الأمر نقاشا كبيرا خاصة, أن هناك مواقع عربية قامت فقط من أجل وضع هذا التراث وجعله متاحا للعالم في أي وقت, وقد تجلى في النقاش هذا الصراع التقليدي بين الغاضبين على ثقافتنا التقليدية والتي يعتبرونها سببا للتخلف العربي, وأنه من غير المعقول أن تسخر تكنولوجيا جديدة من أجل وقائع قديمة, وبين الذين يرون في هذا التراث عنوان أصالتنا وهويتنا في مواجهة مد العولمة الجارف.

وفي الجلسات الأخيرة من الندوة عادت الأمور لتخرج عن طابعها التقليدي قليلا, فقد امتلأت المنصة بالعديد من الشهادات المهمة, واكتسبت طابعا فنيا وأدبيا,حان الوقت ليقول الممارسون من الأدباء والكتاب كلمتهم في هذه التقنية الجديدة. كانت البداية من البحرين, فقد قدم الشاعر قاسم حداد وزميله عبيد العبيدلي شهادتهما على الموقع الذي قامت شركتهما بإنشائه تحت عنوان ( جهة الشعر) , وهي تبدأ بمفارقة مثيرة للتساؤل حين تقول: (أبرز الذين ينبغي أن يكونوا على اتصال بأدوات وبرمجيات وآليات النشر الإلكتروني, سيكون الكتاب والأدباء المشتغلين بالحداثة في الثقافة العربية) فما بالك إذا كان أبرز المنظرين لعالم الحداثة لا يفقهون شيئا عن عالم الكمبيوتر? ألا يدفعنا هذا للشك في تنظيرهم?

ولد موقع جهة الشعر في عام 4991 كثمرة للتعاون بين مؤسسة النديم لتقنية المعلومات في البحرين والشاعر قاسم حداد,وهو يعنى بالتعريف الحي بتجربة الشعر العربي الحديث وتأسيس مصدر معلوماتي ومعرفي عن هذا الشعر يكون متاحا ومناسبا لجميع المستويات, وتنشر (جهة الشعر) موادها بالإنجليزية والفرنسية بجانب العربية, اللغة الأم, ويتكون من قسمين, هما الشعر والفنون التشكيلية, ويأخذ الشعر الحيز الأكبر بطبيعة الحال, ويتجلى ذلك في العديد من الملفات التي تعرض نماذج من شعر الرواد, وهناك قصائد ناطقة بصوت بدر شاكر السياب على سبيل المثال, وكذلك يحتوي الموقع على العديد من التجارب الشعرية الحديثة وينشر حوارات معهم,و يقدم تعريفا وثائقيا بكل المجلات التي تهتم بالشعر ويربط القارئ العربي بكل المواقع المشابهة.

أما الشاعر السوري المعروف نوري الجراح فهو يلقي الضوء على موقع (الوراق) وهو موقع أسس في أبوظبي وأطلقه الشاعر والمثقف محمد خليفة السويدي تحت مظلة القرية الإلكترونية التي أسسها, وهي تحتوي على عدد من المشروعات التي تسعى إلى خدمة الثقافة العربية دون السعي إلى ربح مادي,وقد استغرق إعداد هذا الموقع عامين كاملين, وشارك فيه فريق كبير مكون من المثقفين والتقنيين العرب,والموقع له طبيعة طموح, فهو لا يريد أن يتوقف عند كونه مكتبة إلكترونية تنشر الذخائر من المؤلفات القديمة والحديثة, ولكنه يسعى لأن يكون نواة مشروع حضاري متكامل يوفر الأداة المعرفية في تلك المواجهة الحضارية التي يخوضها العالم العربي في مواجهة تحديات المستقبل, وهو يرى أن الإنترنت هي فرصة ذهبية لنا كعرب. وأن علينا أن ننتهزها حتى نؤكد حضورنا في عالم اليوم.

و(الوراق) رغم أنه يحتوي على حوالي مليون ورقة من كتب التراث فإنه ليس مستودعا للكتب,وإنما يتيح للقارئ العربي منطقة للبحث وإثارة التساؤل, وهو لا يتوقف عند حدود الكتب ولكنه يسعى لجمع مظاهر النهضة العربية التي تجلت على صفحات العديد من المجلات الرائدة, لذا فقد احتوى الموقع أيضا على عدد من المجلات الرائدة مثل (المنار) لمحمد رشيد رضا, و(الجوائب) لأحمد فارس الشدياق و(الهلال) لجرجي زيدان.

إن التحدي الحقيقي الذي يراه الشاعر نوري الجراح, ليس ذلك الاختلاف بين الكتاب الورقي والكتاب الرقمي فهو يرى أن كل واحد منهما مكمل للآخر, ولكن التحدي الحقيقي يكمن في ثقافة الصورة التي بدأت في الانتشار على حساب الكتاب,تلك الصورة المرعبة من شدة جاذبيتها والتي تقدمها الفضائيات والسينما والوسائل الأخرى, هذا هو التحدي الحقيقي للقراءة التي كانت دائما عتاد العقل البشري.

نوستالجيا وأحلام

وفي الختام يقدم لنا الدكتور محمد المخزنجي ورقته المهمة بعنوان ( في انتظار الكتاب الإلكتروني ـ قراءة ثقافية نفسية), والمخزنجي واحد من أكثر القصاصين المتميزين الذين عرفهم أدبنا العربي, وهو دارس للطب النفسي وقارئ نهم, ومن خلال هذه التوليفة يقدم لنا بحثا مليئا بالحنين إلى الكتاب الورقي القديم وبالخوف من الكتاب الإلكتروني الذي يتأهب للمجيء, ولكننا يمكن أن نطلق على هذا الحنين إنه نوع من ( النوستالجيا المفتوحة العينين), فهو يرى أن الوجود الحسي للكتاب لا يتسبب فقط في نوع من التنبيه الإدراكي, ولكنه يتسبب في بعد نفسي رفيع الشأن هو العاطفة والوجدان. والعاطفة هي نوع من اليقظة الفسيولوجية التي تمثل عاملا مشتركا في كل العمليات العقلية لدى الإنسان مثل التعلم والتفكير والتخيل, وعندما يهبط مؤشر الوجدان نتيجة لاختفاء هذا المثير الحسي فإن هناك خوفا مشروعا يجب أن يطرح نفسه. ويستعرض المخزنجي تجاربه مع النماذج التي مرت عليه من أنواع الكتاب الإلكتروني, وكلها تمنح وعودا براقة في قدرتها على التخزين والحفظ والاسترجاع عند الضرورة, ولكن هل يمكن الصمود أمام هذه الشاشة البراقة صـمودا طويلا? وهل يمكن أن نقرأ على هذه الـشاشات أي رواية طـويلة, أو نستمر في مطالعة كتاب فلسفي جاد? إنها عرض مرهق للنفس والعين, أم أن كل هذه هي هواجـس التمـسك بنوستالجيا قديمة?

لقد طرحت العديد من القضايا والمخاوف, ففراق الكتاب لن يكون بالسهولة التي نتصورها, ولكن المستقبل ـ بقدر ما هو غامض ـ كان يحمل في طياته العديد من الأحلام. ولعل خير ختام استعراض وقائع هذه الندوة هو الحلم الذي أشار إليه الدكتور سليمان العسكري رئيس التحرير وهو يتصور الشكل الذي ستكون عليه مجلة العربي في زمن النشر الإلكتروني:(إن هذه التقنية الجديدة لن تحرر المجلة من قيود الورق المطبوع فقط, ولكنها ستجعلها مرئية وناطقة, إننا نتطلع إلى أن نسمع قصائدنا الشعرية بأصوات شعرائها, وأن تتلى القصص بأصوات مؤلفيها,وأن تتحول الاستطلاعات الجامدة إلى صور تصاحبها موسيقى كل بلد نقوم بزيارته, وأن تتاح مساحة دائمة لكل القراء حتى يناقشوا كل ما ينشر على صفحات المجلة من آراء وأفكار).

 

محمد المنسي قنديل

 
 




افتتاح معرض العربي المصاحب للندوة.. وزير الإعلام الكويتي الشيخ احمد الفهد الأحمد وبصحبته وزير الإعلام اللبناني غازي العريضي وبجانبهما رئيس تحرير العربي والنائبة اللبنانية غنوة جلول في حديث ضاحك مع الفنانة علياء العيسى





وزير الإعلام الشيخ أحمد الفهد في كلمته في افتتاح الندوة





وكيل وزارة الإعلام مبارك العدواني يرأس إحدى جلسات الندوة وبجانبه الباحث الأردني خلدون طبازة





الجلسة الأولى في الندوة رأستها د. رشا الصباح وكيلة وزارة التعليم العالي وشارك فيها عدد كبير من الباحثين





محمد سيف - مصر





محمد عارف - الإمارات





سالم الطحيح - الكويت





نبيل علي - مصر





نادية حجازي - مصر





د. محمد المخزنجي - مصر





وزير الإعلام يرحب بالشيخ سعيد النعماني نائب رئيس رابطة الفكر الإسلامي بإيران





د. أحمد أبوزيد





جانب من مأدبة الغداء التي أقامها وزير الإعلام الكويتي على شرف ضيوف الندوة





فؤاد البحراني





عثمان العمير





د. احمد بشارة





سهام الفريح





محمد الشارخ





سعود راشد العنزي





جانب من الندوة وقد حرص على حضورها وفد إيراني يمثل مؤسسة الفكر الإسلامي وهما الشيخ محمد سعيد نعماني وعلي رضا أكبر ضيائي





د. سليمان العسكري رئيس تحرير العربي يلقى كلمته في افتتاح الندوة





جانب من محاضرات الندوة





وزير الإعلام الشيخ فهد الأحمد محييا ضيوف الندوة





قاسم حداد - البحرين





خلدون طبازة - الأردن





نوري الجراح - الإمارات





سامي خشبة - مصر





مصطفى كركوتي - لندن





منح الصلح - لبنان





أسامة حجي - مصر





د. عبدالرحمن المحيلان





د. روحي البعلبكي





عبيدلي العبيدلي





خالد العسعوسي





مبارك العدواني





عبدالعزيز البابطين





د. عبدالمحسن المدعج





محمد العجيري





حسام السكري