عربسات: العرب على أبواب ثورة الفضاء فوزي الشلق

لن يتخلف العرب عن اللحاق بالتكنولوجيا المعاصرة على اختلاف مستوياتها، خصوصًا تكنولوجيا الفضاء، وما يتفرع عنها من خدمات علمية واجتماعية وثقافية وتربوية. فنحن في عصر اختصار المسافات والأزمنة، وربما اختصار مئات السنوات المستقبلية بسنة واحدة أو بسنتين".

بهذه الكلمات البسيطة والمعبرة لخص مدير المؤسسة العربية للاتصالات الفضائية "عربسات " عبد القادر البعيري طموح العرب وانخراطهم في مشاريع الأقمار الصناعية العربية. ويعتبر البعيري هذه المشاريع ثورة حقيقية في عالم الاتصالات الهاتفية والإذاعية والتلفزيونية، فضلاً عن استخدامها في مجال الخدمات الثقافية والتربوية والاجتماعية. ويقول إن نسبة الاستفادة العربية من تلك الأقمار بدأت بداية متواضعة جدًا، لكنها أخذت تتطور في الآونة الأخيرة لاعتبارات عدة من بينها المتغيرات السياسية التي يشهدها العالم برمته، والعالم العربي أيضًا.

والبعيري هو واحد من بين الذين شاركوا في الحضور إلى جويان الفرنسية، إلى جانب عدد من وزراء المواصلات العرب بينهم الوزير الكويتي حبيب جوهر حيات والسعودي علوي درويش كيال والسوري مراد القوتلي والأردني جمال الصرايرة، فضلاً عن مسئولين آخرين، للاحتفاء بإطلاق القمر الصناعي العربي الثالث "عربسات - 3" بواسطة الصاروخ الأوروبي "أريان - 4".

وكانت لحظات الإطلاق صعبة في خطواتها الأولى. عندما تأخر إطلاق "عربسات" عن موعده المحدد حوالي 25 دقيقة، تكاثرت خلالها الهمسات والأقاويل في صالة "جوبيتر"، حيث كنا جميعًا ننتظر لحظة الولادة الواعدة بالمستقبل وبالآمال الكبيرة.

لكن،

6، 5، 4، 3، 2، 1، صفر، وبضغطة زر هادئة ومتمكنة في ليلة 26 - 27 فبراير/ شباط الماضي، انطلق "عربسات - 3 " وتنفس الخبراء الفرنسيون الصعداء ومعهم تنفست قلوب العرب، وهم يرون قمرهم الصناعي منطلقًا نحو الفضاء ليستقر في مداره الجوي على ارتفاع 36 ألف كيلو متر عن الأرض، وليدخل الخدمة الفعلية على صعيد الاتصالات اعتبارًا، من شهر أبريل/ نيسان.

التحدي التكنولوجي

لماذا "عربسات"؟

بعد الخامس من يونيو/ حزيران عام 1967، تعالت الأصوات في العالم العربي تتحدث عن التخلف على الصعيد التكنولوجي، وترد الهزيمة الكبيرة إلى تفوق التكنولوجيا الإسرائيلية. وكتبت آلاف الأطنان من المقالات والدراسات عن التكنولوجيا المعاصرة وضرورة اللحاق بها وامتلاكها. وبدا، فعلاً، أن الهوة كبيرة بين العالم العربي والتكنولوجيا الغربية التي حققت ثورة من المتغيرات العلمية والثقافية. يمكن تسميتها بالثورة الثانية بعد الثورة الصناعية التي شهدتها أوربا في أعقاب اختراع المحرك البخاري.

هزيمة الخامس من يونيو غام 1967 محطة في الذاكرة العربية. محطة من الآلام الكبيرة، ذلك أنها كانت هزيمة على المستويين التكنولوجي والعسكري، الأمر الذي دفع العرب إلى التفكير في كيفية امتلاك التكنولوجيا.

وفي عام 1967 بالذات، في أثناء اجتماع مجلس وزراء الإعلام العرب في تونس، ولدت فكرة "عربسات" كخطوة أولى في السير على الطريق التكنولوجي الصعب والطويل.

ثم لم تلبث الجامعة العربية أن أنشأت في عام 1969 اتحاد الإذاعات العربية الذي تولى العمل على تحويل فكرة "عربسات" إلى واقع وحقيقة. وهكذا عقد في عام 1976 أول مؤتمر للاتصالات الفضائية العربية في الأردن، تم فيه الاتفاق على إنشاء المؤسسة العربية للاتصالات الفضائية "عربسات"، التي ولدت فعلاً في عام 1976 عندما قررت الحكومات العربية إنشاءها عن طريق الجامعة لتطوير الاتصالات بين دول الجامعة وتسهيلها عبر استخدام الأقمار الصناعية.

وفي عام 1981 وقع الاختيار، بعد مناقصة دولية، على شركة (أيروسباسيال) الفرنسية التي تعاونت مع شركة (فورد أيروسبيس) في تصنيع ثلاثة أقمار صناعية تم إطلاقها جميعًا، وكان قد حدد موعد إطلاق القمر الصناعي الأول في أكتوبر (تشرين الأول)، إلا أنه أرجئ أكثر من مرة لأسباب تقنية، تم تجاوزها، فيما بعد، وأطلق في 8 فبراير/ شباط من عام 1984 من جزيرة جويان الفرنسية في أمريكا الجنوبية، ثم تم إطلاق "عربسات" الثاني في يونيو/ حزيران من عام 1985.. والثالث في أواخر الشهر الماضي.

هوية "عربسات"

لاتختلف بنية "عربسات" عن بنية الأقطار الصناعية الأخرى، أي مبدأ الوحدات الجزئية المتكاملة التي تسهل عمليات التجميع والدمج.

وتشتمل هذه البنية على ثلاث وحدات رئيسية هي:

ا - وحدة ما يسمى بالحمولة الصافية وهي على شكل نعل الفرس وتحتوي على الأقنية القمرية.

2 - وحدة تحريك القمر ووحدات فرعية لأغراض أخرى.

3 - وحدة توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية. وتشتمل على جناحين قابلين للتوجيه يضم كل منهما ألواحًا من اللاقطات الشمسية، والبنية الرئيسية عبارة عن أسطوانة مركزية مصنوعة من مادة هي مزيج (كاربون - إيوكسى) مغلفة التركيب وتحتوي على (نخاريب) معدنية.

ولا يتجاوز عمر القمر الصناعي 7 سنوات من حيث الخدمة، لكن دورته الكاملة تستغرق حوالي 15 سنة لا يتعرض خلالها لأي حادث قد يودي بحياته.

وتقوم بمهمة التحكم في القمر العربي ومراقبته محطتان نجري بواسطتهما من الأرض قيادة العمليات في الفضاء. وقد نفذت شركة (نيبون الكتريك) اليابانية بناءهما. وتقع المحطة الرئيسية في (ديراب) قرب العاصمة السعودية الرياض، في حين تقع المحطة المساندة قرب العاصمة التونسية. ويقوم بتشغيل المحطتين الرئيسيتين مجموعة من الفنيين العرب الذين تمكنوا من الحلول محك الفنيين الأجانب بعد عامين من إنشاء المحطتين.

ثورة الاتصال

ربما يكون مجال الاتصال والمواصلات واحدًا من أكثر المجالات تقدمًا في العالم الغربي، فيما هو يعاني من تخلف بارز في العالم العربي. وقد تنبه العرب في أوائل الثمانينيات إلى ضرورة الاهتمام بهذا المجال وإيلائه الأهمية القصوى. فالهاتف العمومي، كما هو منتشر في واشنطن وباريس ولندن وطوكيو، يكاد يكون منعدم الوجود إلا في بعض العواصم العربية! والمواصلات بين المدن العربية، أيضًا، تعاني من تخلف بارز، من دون الكلام عن المواصلات بين العواصم العربية وكيفية الاتصال بين سكان تلك العواصم. فالتجهيزات الحديثة يتم التعرف إليها ببطء برغم أهميتها البالغة في الانتقال بالعالم العربي إلى مرحلة الثورة الفضائية. ومن هنا تأتي أهمية "عربسات" الثالث الذي يغطي العالم العربي برمته وبعض دول أوربا وإفريقيا وآسيا. بمعنى أن الدول العربية التي تستخدم "عربسات" يمكنها الاتصال بعضها ببعض وبدول أوربية وإفريقية وآسيوية بسهولة فائقة أقله عبر الهاتف. ف "عربسات" يؤمن ثمانية آلاف دائرة تليفونية تربط العواصم والمدن العربية بعضها بالبعض الآخر كما تربطه بعواصم ومدن أوربية وإفريقية. فضلاً عن خدمات أخرى في مجال الاتصال وفي المجالين التليفزيوني والإذاعي.

العرب، إذن، يدخلون عصر الثورة الفضائية، وفي يعد يحتاج الأمر إلا إلى استخدام "عربسات" لتطوير شبكات الاتصال على الأرض العربية، لأن هذا التطوير يضع الإنسان العربي في المشرق وجهًا لوجه أمام الإنسان في الخليج. وكذلك الأمر بالنسبة لإنسان المغرب، فننتقل إلى مرحلة التعاون الأولى وهي: التعرف إلى بعضا البعض. فهل نطلق الثورة الهاتفية في العالم العربي عبر "عربسات"؟ وهل تنفتح التليفزيونات والإذاعات العربية بعضها على بعض، ونبدأ مرحلة تبادل البرامج عن طريق "عربسات"؟

المهاتما غاندي، قال مرة، " أفضل أن أترك نوافذ بيتي مفتوحة على جميع ثقافات العام، دون أن نستطيع تلك الثقافات اقتلاعي من جذوري".

و "عربسات" هو دعوة لفتح الحدود الخشبية على يعضها البعض عبر الاتصال بأنفسنا وببعصنا البعض وبالآخرين.

هوية "عربسات - 3"

وزن "عربسات - 3" لحظة إطلاقه: 1310 كيلوجرامات.

وزنه عندما يصل إلى مداره الجوي: 600 كيلوجرام.

مقاييسه من حيث الارتفاع: 2.26 متر، وجسمه المركزي: 1.64 متر × 1.49 متر.

مقاييسه في مداره الجوي: 20.70 م.

قوته الكهربائية: 1300 وات.

معدل عمره: 7 سنوات.

قوته: 8 آلاف دائرة تليفونية و7 برامج تليفزيونية.

مهمته: توفير خدمات الاتصال والتلفزة ل 21 دولة عربية.

بنيته: لا تختلف بنية "عربسات - 3" عن بنية "عربسات - 1" " وعربسات - 2" كثيرًا.