عزيزي القارئ

عزيزي القارئ

وداع فنان

(لأن أحوالنا في العالم العربي قد أصبحت أكثر إضحاكاً من قدرة أي رسام للكاريكاتير) هكذا أجاب الفنان بهجت عثمان عندما سئل عن السبب في توقفه عن رسومه الكاريكاتيرية التي اشتهر بها, كان قد طوى رسومه اللاذعة وذهب يبحث عن لمسة من العذوبة والجمال في عالم الأطفال, وهاهو الآن يطوي آخر الصفحات ويمضي في الرحيل الأكبر إلى بارئ الروح وقابضها بعد أن أصبحت أحوال عالمنا العربي هزلية إلى حد البكاء. يغيب عنا هذا الفنان الجلد بعد أن صارع مرض السرطان طويلاً دون استسلام, وتجاهل الغياب المتواصل لضوء عينيه وظل يواصل الإمساك بريشته حتى اللحظات الأخيرة, كان الرسم هو الخيط الوحيد الذي يربطه بالحياة, ولكن ظلام الراحة يلف بهجت عثمان الآن بعد أن ملأ حياتنا بدفء الألوان المتوهجة, ولد في عام 1931 ومارس العمل على صفحات مجلة صباح الخير مع بداية الثورة المصرية في عام 1952 ضمن جيل من الفنانين العظام الذين حملوا حلم المدالقومي في داخلهم كالرقية والتعويذة, وغاب منهم الكثير من الفرسان مثل صلاح جاهين والليثي وحاكم, وبقي القلائل الذين كانوا شهوداً على انحسار هذا المد, ولكن بهجت كان أشد إصراراً من الجميع, فقد فتح خزائن الطفولة وأمد المكتبة العربية بفيض من الرؤى والأحلام لا ينتهي, كما حوّل الكاريكاتير إلى سلاح ماض في وجه كل قوى الاستبداد حين اخترع شخصية الدكتاتور (بهجاتوس) وجعل منه مرآة لكل المستبدين والطغاة, وكانت صلته بمجلة العربي حميمة فقد عمل بها لفترة وجيزة في بداية الثمانينيات. ولكن رسومه لم تغادر صفحاتها حتى الآن, وكان الفنان الوحيد الذي خصصت له المجلة صفحات لرسومه الكاريكاتيرية اللاذعة, وعندما بدأت العربي الصغير رحلتها كان واحداً من أعمدتها, ولايزال يخالجنا الإحساس بأنه سوف يكتشف طريقة ما ليواصل مدنا بصفحاته الملوّنة. إن العربي إذ تنعى لقرّائها هذا الفنان الكبير لا تستطيع أن تخفي أحزانها لفقده, ولكنها إرادة الله.

ولأن الحياة تستمر فإن مجلة العربي تواصل رحلتها الشهرية بين آفاق من الفكر والثقافة, ولعل شهور الصيف الحارّة تفرض علينا القضية الرئيسية التي يشير إليها رئيس التحرير في افتتاحيته تحت عنوان: (الشباب العربي.. تلك القنبلة الموقوتة) وهي قضية تهم الحاضر وتلقي بظلالها على المستقبل, فالتحدي الذي تواجهه مجتمعاتنا مرهون بأيدي هؤلاء الشباب, كما يحفل هذا العدد بالعديد من القضايا الأخرى المهمة من الأدب إلى خفايا التاريخ, ومن الفن حتى آخر منجزات العلم والتقنية.

 

 

المحرر