معرض العربي

معرض العربي

امرأة وجرة ماء

(جان فيرمير) هو أحد أساتذة الفن الهولندي في القرن السابع عشر بعد أن تسلمت المدرسة الهولندية شعلة عصر النهضة من المدرسة الإيطالية التي ذاع صيتها في القرن السادس عشر.

وهو أقل الفنانين العالميين حظاً. توفي في الثالثة والأربعين ويرجع فضل إعادة اكتشافه ربما من العدم إلى (السير رينولدز) ذلك الرسام الشهير الذي كان أول رئيس للأكاديمية البريطانية عندما زار هولندا في أواسط القرن الثامن عشر.. فأذهلته موهبة هذا الفنان.

وكان تقدير أبناء عصره له يدعو للسخرية حيث قال عنه (دي مونكينز) وهو من كبار النبلاء في عام 1663 (قابلت فيرمير ببلدته (دلفت) ورأيت لوحة له بمنزل أحد الخبازين اشتراها بمبلغ ستمائة (فلورن) وهي لا تساوي أكثر من ستة (بستولات) والبستول عملة إسبانية تكاد لا تساوي شيئاً. وكانت اللوحة التي تحدث عنها هي (امرأة وجره ماء) التي أصبحت فيما بعد سبب شهرته الأول حيث قال عنها السير رينولدز : (إنها أعظم ما رسم فيرمير).

وقد نال من الإجحاف أعلى درجاته حيث كانت تنسب لوحاته إلى معاصره الفنان (بيتردي هويتش) وعندما أعيد اكتشافه تهافت الجميع على شراء لوحاته القليلة (أربعين عملا) فزادت أسعارها بدرجة خيالية فكان من أكثر الرسامين تعرضا للسرقة عن طريق تزوير لوحاته.

قلده فنان هولندي آخر هو (فان ميجرن) فيما بين عامي 1935 و1945 فرسم له ست لوحات, كان آخرها (خادمة تصب اللبن) وقد باعها لأحد القادة الألمان, بلغ من دقة التقليد أن صنع ألوانه من المواد الخام التي كان فيرمير يصنع ألوانه منها كعادة الفنانين القدماء وكان يرسم على قماش بالغ القدم ولكن بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية صودرت أملاك القادة الألمان وكانت هذه اللوحة ضمن ما صودر واتهم (فان ميجرن) بالتعامل مع الأعداء ففضل الاعتراف بالتزوير على تهمة الخيانة العظمى بعد أن كسب من خلال تزويره هذا نصف مليون دولار.

وهذه اللوحة (خادمة تصب اللبن) بها من الدقة ما يجعلها تتفوق بجدارة على الفوتوغرافيا فقد سجل بها أدق التفاصيل في سكون الصباح الهاديء وكل شيء مصنوع كما ينبغي فالقماش على اختلاف أنواعه هو قماش والخبز خبز والسلال المصنوعة من الخيزران والأوعية المعدنية والفخارية راعى فيها الفنان الملامس المختلفة لكل مادة وكذلك ضوء الصباح المنساب على الأشياء والخادمة يؤكد سكون المكان إلا من غناء هذه الخادمة الرقيق الخافت.. إنها حياة بكاملها داخل هذه اللوحة وإذا نظرنا جيدا لها عرفنا كم نحن نفتقد مثل هذا الفن الجميل الذي يستقي أصوله من المدرسة الفنية الأولى في التاريخ, ألا وهي الطبيعة في خضم هذه النعرات الحديثة التي لا هم لها سوى الاستغراق في التغريب والبعد عن المتعة البصرية والذهنية والتشخيص المحبب للنفس البشرية.

 

علاء حجازي