بياترو لونغي «وحيد القرن»

بياترو لونغي «وحيد القرن»

بعدما أكمل الرسام بياترو لونغي دراسته للفن في محترف أنطونيو باليسترا، ومن ثم محترف كريسبي في بولونيا، عاد حوالي العام 1730م إلى مسقط رأسه البندقية. وطوال عشر سنوات، صبّ اهتمامه على رسم الموضوعات الدينية والتاريخية التي لم تجلب له أية شهرة أو أي تقدير. ولذا، تحول لونغي بدءاً من أربعينيات ذلك القرن، إلى رسم الموضوعات المستوحاة من الحياة الاجتماعية والشعبية في البندقية، وغالباً من وجهة نظر ساخرة وناقدة، متأثراً بأعمال الفرنسي واتو. فذاعت شهرته، وأصبح عضواً في أكاديمية البندقية في العام 1756م، ومن ثم مدرساً فيها من العام 1758 وحتى 1780م.

في العام 1751م، عُرض في البندقية ولأول مرة حيوان وحيد القرن، الذي كان قد جال على مدن نورمبرج وشتوتجارت وستراسبورج، وتهافت البنادقة على مشاهدة هذا الحيوان الغريب. من بينهم الرسام لونغي الذي يبدو أنه كان مهتماً بمشاهدة المشاهدين أكثر من مشاهدة الحيوان.

في هذه اللوحة نرى عدداً من أهالي المدينة الذين جاءوا لمشاهدة الحيوان النادر، وهم على المدرج، وأمامهم «في مقدمة اللوحة»، هذا الحيوان يأكل الشعير. ولكن اللافت أن ما من أحد بين الحضور يتطلع إليه.

فالسيدة الأنيقة في الصف الأول تتطلع إلى الرسام. أما مرافقتها الغامضة شبه الملثمة والمروض الذي يمسك بالسوط والقرن المقتلع من الحيوان، فيتطلعان في الفراغ، في حين أن الرجل الذي يدخن الغليون في أقصى اليمين يبدو غارقاً في أفكاره. وفي الصف الثاني من الحضور، نرى السيدة ذات الشال الأخضر تتطلع في الاتجاه المعاكس، في حين أن رفيقتها ذات القناع الأسود تتطلع خارج اللوحة.. حتى الطفلة، لا يبدو عليها أي اهتمام بمشهد الحيوان.

فما الذي نقرأه في كل هذا؟ وماذا يريد الرسام أن يقول لنا؟

في مقدمة اللوحة، نرى وحيد القرن مرسوماً بواقعية تقارب الأسلوب الساذج: أسود، ضخم، واضح التفاصيل.. ويقول الملصق المعلق فوق مدخّن الغليون: «صورة حقيقية لوحيد القرن». فعلى الرغم من غرابة هذا الحيوان، فهو «الحقيقة» الوحيدة، أما المجتمع البندقي المتمثل في هذه اللوحة بعدد محدود من الأشخاص، فهو مزيف، غير صادق، يمثل تمثيلاً الحياة التقليدية البندقية بدلاً من أن يعيشها.

فمن وجهة نظر الرسام، أصبحت الحياة اليومية في البندقية هي الغريبة، إذ لم يبقَ منها غير اللباس الأنيق والمظهر والقناع.. إنها ظل حياة كانت واقعية، ولم يعد فيها ما يدهش كما هو حال هذا الحيوان. فوحيد القرن الذي شكَّل موضوع اللوحة وأعطاها اسمها، ليس في الواقع أكثر من حجة وفرت للرسام فرصة لنقد مجتمعه الذي يبقى الموضوع الرئيسي في هذه اللوحة، بدليل الدقة والألوان الزاهية حتى البياض التي رسم بها الفنان هذه «الكومة» من الناس، فوق الحيوان الداكن الذي يكاد ينصهر لونياً مع خلفيته الخضراء الداكنة.

إنها واحدة من اللوحات التي فتحت أبواب الأكاديمية أمام الرسام، ونقلته إلى مصاف كبار أساتذة مدرسة البندقية في القرن الثامن عشر.

 

 

عبود عطية 





بياترو لونغي: «وحيد القرن»، (62 × 50 سم) 1751، كارويزونيكو، البندقية