طالب الرفاعي سارق النار.. روايته «الثوب» نموذجا.. د. داليا فهمي

طالب الرفاعي سارق النار.. روايته «الثوب» نموذجا.. د. داليا فهمي

أدب السيرة الذاتية لون من الألوان المستحدثة في أدبنا العربي المعاصر، شأنه في ذلك شأن القصة والرواية والمسرحية، وإذا كانت القصة والرواية قد ازدهرتا ازدهارا عظيما إلى جانب القصيدة الشعرية، فإن أدب السيرة الذاتية، ظل خجولا، يمشي على استحياء، ولم يتجرأ على دخول رحابه إلا القلة من كبار الأدباء العرب، فكانت البدايات مع عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين و«الأيـام» وأحمد أمين في «حياتي»، وعبد الرحمن شكري في «يوميات مجنون»، وأحمد فارس الشدياق في «الساق على الساق»، وإبراهيم عبد القادر المازني في «إبراهيم الكاتب»، وميخائيل نعيمة في «سبعون». وكذلك كانت هناك سير ذاتية لأحمد شوقي والزهاوي والعقاد وزكي مبارك ومحمد كرد علي ولطفي السيد وطه الحاجري ونزار قباني وسواهم. وحديثا في فن الرواية صدرت للروائي الكويتي طالب الرفاعي، عن دار المدى في دمشق، رواية جديدة بعنوان «الثوب» تتناول جزءاً من سيرته الذاتية، ويخوض بها مغامرة جديدة، حيث يشكل هو وأفراد أسرته وأصدقاؤه بأسمائهم الحقيقية«وبنبض عواطفهم واقتناعهم واختلافاتهم» شخصيات الرواية، إلى جانب أبطالها المتخيلين.

تنبه الأدباء العرب، خاصة في المغرب العربي، بعد تأثرهم بمعطيات الثقافة الأوربية إلى هذا اللون الأدبي، ووقفوا على دقائقه لدى المفكرين والسياسيين على وجه الخصوص، ورأوا أن السيرة الذاتية ضرورية للمبدع، كما هي ضرورية للسياسي والمفكر، لأنها تتيح التعبير عن الذات والتجارب، وتبيح للقلم أن يتدخل بنوع من الإضافات والزيادات أولا، وبنوع من الانتقاء والاصطفاء ثانيا، على اعتبار أن السيرة الذاتية للكاتب لا يمكن أن تطابق الواقع، لأن الذات يحكمها شرط اجتماعي معين، لذا فهي تلجأ إلى الخيال لتوليد فضاءات مختلفة.

إن الكشف عن الفني في التجربة الإنسانية (المعيشة) في الماضي والعوالم الخفية وراءها، يضعنا أمام عمل أدبي يحق لنا أن نصفه بأنه واحد من أكثر المنجزات المتحققة أهمية في الثقافة المعاصرة، لكن التحولات التي طرأت على فن السيرة الذاتية - ومنها ما كتبه «كارليل» عن «فريدريك الكبير «لم تجعل السيرة التقليدية في مخلفات الماضي، لذلك أضافت إليها مميزات جديدة هي من متطلبات العصر الثقافي والتقني الجديد، وثمة لون أكثر بروزا في الكتابات الأدبية يوظف عناصر السيرة الذاتية في نسيج الرواية، ويدخل الترجمة الشخصية والسيرة في الرواية في مزج عضوي جميل، مما دعا الباحث «محمد برادة» إلى القول: «لم يعد ممكنا وضع حدود وفوارق بين السيرة الذاتية وبين الرواية» بما يعني أن كل سيرة ذاتية تتوافر على عناصر الرواية، مثل ما تستثمر الرواية أيضا في الواقع والأحداث التي يعيشها الكاتب.

ولأن الكاتب مفكر إشكالي، وصاحب مشروع قومي حضاري، لم يكن في هذه السيرة مقلدا كغيره ممن أباحوا لأنفسهم كتابة ما مر بهم من أسباب الحياة بإيجابياتها وسلبياتها، أو بصورة أكثر دقة، بوجهيها المضيء المشرق أو القاتم المظلم، الذي يخجل كثير من المبدعين من ذكره، على خلاف ما فعل الروائي طالب الرفاعي في روايته «الثوب» إذ أعطى نفسه الحرية الكاملة في تصوير حياته، والجهر بالمسائل الجنسية مع هزءٍ ومجون واضحين في عرضه لمختلف جوانب العادات والصور، إضافة إلى السخرية المرّة من التقاليد الشرقية البالية.

لم يتح لي أن أتعرف إلى الروائي الكويتي طالب الرفاعي خارج إطار اختصاصه وموهبته العالية في مجال كتابة الرواية والقصة القصيرة، فقد ترك الرفاعي بصماته في العديد من الأعمال الروائية والقصصية التي أسهمت إبداعاته، في نجاحها وجذب القراء إليها، كما عمل بدأب إلى جانب الكبار من المبدعين الروائيين الذين أسهموا في تأسيس النهضة الكويتية المعاصرة وحولوا الكويت إلى مختبر حقيقي للتنوير في النصف الثاني من القرن العشرين.

لكن ما لم أكن أعرفه عن طالب الرفاعي هو امتلاكه لجرأة غير عادية في الكتابة وقدرة فائقة على التعبير عن مشاعره وأفكاره بواسطة اللغة اللماحة والتحديق الذكي في الكائنات والأشياء، الذي يتوافر للروائيين النابهين وسارقي النار.. ذلك ما لمسته من روايته «الثوب» الصادرة عن دار المدى الدمشقية عام 2009.

لم يجد الرفاعي أسلوبا أفضل من السخرية المرّة والكلام الموارب لمقاربة الواقع الاجتماعي الكويتي، والعربي بوجه عام، ليشمل الجماعات في سوادها الأعظم وشرائحها الأكثر اتساعا، وقد يكون تعبير «السواد الأعظم» ليس من قبيل المصادفات العارضة عند العرب بل هو كناية عن السواد وهو لون الحشود كلها وأنه ينمو بشكل طردي مع نمو معدلات السكان في دنيا العرب.. صحيح أن ثمة ألوانا أخرى معروفة لدى سكان الأرض، لكن هذه الألوان ما إن تدخل إلى المياه الإقليمية العربية حتى تتخلى عن هويتها وتصب في البحر الأبيض المتوسط الذي لا تعرف الأمة بحرا سواه، وهو ما تعكسه بامتياز رواية الثوب حيث تكتفي من اللون الأبيض بتحويله إلى خرقة استسلام أمام العدو المتمثل في التقاليد البالية وتوفر نهاية سعيدة خالية من الأذى ووجع الدماغ.

لا ينتظر ذكاء الرفاعي طويلا لكي يعبر عن نفسه، تماما كما هو الحال مع الطرافة وخفة الظل وسرعة البديهة، لا بل إن تلك البديهة تظهر بداية على غلاف الرواية حيث ينتزع المؤلف عنوانه «الثوب» من الجناس الكامل بين شهرته أو وضعيته العائلية وبين هندسة تصميم الثوب التي اشتهر بها العرب الأقحاح ليقربه من المنادمة وجلسات المسامرة، ولأن الحداثة في رأي طالب الرفاعي ليست سوى وجه من وجوه الأصالة فهو يستبدل الحكمة الشائعة «خير الكلام ما قل ودل» بحكمة أخرى تطابق أحوال الكلام العربي المعاصر، فتصبح وفق منظوره الشخصي:«خير الكلام ما هب ودب».

«الثوب» يزيح الغطاء

انطلاقا من العنوان الذكي نفسه تنفتح الرواية على عشرات المواقف التي يمكن للقارئ لو اكتفى بقراءتها أن يعثر على نص سريالي بالغ الدلالة والتأثير، أما التقنية التي يستخدمها المؤلف فهي تعتمد الانطلاق من فكرة أو ظاهرة أو حادثة أو جملة أو مفردة بعينها، حتى إذا تناولها الرفاعي بعقله وقلبه وقلمه أخذ يقلبها على جمر مخيلته المتوقد مستخرجا منها كل ما يثير الشهية للضحك، ولكنه ضحك أسود كالبكاء، كما يشير المتنبي في معرض هجائه لكافور.

كل شيء تقريبا يمر على شاشة خيال طالب الرفاعي قبل أن يتفحصه طويلا ويعمل على تفكيكه وإعادة صياغته من جديد، فهو يتناول الإعلام والإعلان والحب والشجاعة والفن والرياضة والطعام والمقهى والسياسة والحياة الزوجية والعلاقات الجنسية ونظام السوق، وكل ما يخطر على بال القارئ من هواجس وتساؤلات مستخدما كل ما يمكنه من طرافة وإدهاش ومباغتة، ومنتقيا لعباراته قاموسا لاذعا وغنيا بالمفردات المحكية التي يلتقطها المؤلف من العيش اليومي والطازج... كل ذلك يأتي مدعوما بقدرة عالية على الوصف والمتابعة والإمساك بخيوط الواقع، لغزل الثوب عن طريق استنفار مجتمعه، من أجل صياغة جديدة كفن جميل شبيه بفن البورتريه، الذي أتقنه في رسم شخصياته الحقيقية والمتخيلة، وتمرس به من خلال تصاميمه المشهدية الكثيرة، وتتبدى لنا معظم خصائص أسلوبه الذي يعتمد الاستفادة من الأمثال والحكم المأثورة، كما يعتمد على الإكثار من الطباق والجناس والرقص على حبال الألفاظ، حتى لو كان بعضها عربيا والآخر أجنبيا، كما هو الحال بإضافة الخلط بين العامية والفصحى وبين السمعي والبصري في إطار من الأسلوب الكاريكاتوري المدهش.

لكن الرفاعي ما يلبث أن يقلب المشهد رأسا على عقب ويحول ضحك القاريء المستفحل إلى إطراقة حزينة وصمت مر حين ينهي المشهد والحوار بنوع آخر من البث الحزين الذي كان يرسله المواطنون العرب في أعقاب كل هزيمة أو نزوح جديدين. هكذا يجمع طالب الرفاعي إلى مائدته الروائية الفكاهة والجمر، والضحكة والغصة، عسل الكلام ولسعة الألم، وهكذا يضيف إلى لغة الجاحظ والمازني ومارون عبود وغيرهم... تقنية المخاتلة الصعبة حيث الضحك يطفو على السطح أما الأعماق برمتها فتظل مثخنة الغصات والدموع والكوابيس.

يتبادل الواقع والتخييل الأدوار في الرواية، في لعبة فنية يخوض بها المؤلف غمار الكتابة الحديثة. فهو يترك للسيرة أن تحقق انفلاتاتها القصوى، ويترك للجرأة أن تخوض مخاطرات ليست بسيطة في مجتمع شديد الحساسية، وتجعل حال التمرد أمام منعطفات حادة.

يتكوّن نص «الثوب» من ثلاثة خيوط سردية تتوازى في مجراها، غير أنها تلتقي عند السارد الذي يحمل اسم الكاتب نفسه ويصحبنا معه في مغامرة يعيشها مع رجل أعمال ثريّ هو خالد خليفة الذي اتصل به ليكتب عنه رواية تبرز نجاحه وتفوقه، مقابل مبلغ مالي سخي جعل الكاتب يستجيب للإغراء، متنازلاً عن مفهومه المثالي للرواية. هذا المجرى السردي يشكل الإطار الحاضن لبقية المحكيات ويغدو هو العمود الفقري لنص الرواية التي يتعاقد الكاتب على إنجازها لولا تدخل عواطف زوجة خالد التي حالت دون استئناف جلسات السرد الشفوي، حماية لأسرار العائلة. إلا أن الرواية «الناقصة» تكون قد انكتبتْ أمامنا مستثمرة صراع الزوجين في تجلية جوانب من سلوك عواطف ابنة عبدالرزاق العبداللطيف تجاه خالد المنتمي إلى فئة اجتماعية وضيعة.

المجرى السردي الثاني يتمثل في الخلاف الحاد بين عدنان ابن أخي الكاتب وزوجته بدور التي تتهمه بخيانتها مع نساء أخريات... والكاتب يسعى إلى تسوية هذا الخلاف لأنه هو من ربّى عدنان وتبناه ويحس بمسؤوليته في هذا النزاع. ويبرز الخيط السردي الثالث في ما يحكيه الكاتب عن علاقاته اليومية بزوجته وابنته الصغيرة ومكالماته اليومية مع ابنته فرح التي تدرس في إحدى الجامعات الأمريكية... على هذا النحو يتشكل النص في عشرة فصول، كل واحد منها يحمل تاريخاً، وتمتد من 28 (مارس) إلى 10 (مايو)، أي من يوم اتصل الثري خالد بطالب، إلى يوم توقفت اللقاءات بينهما بعد تدخل الزوجة وإصابة خالد بأزمة قلبية اضطر معها إلى العلاج في لندن.

بنية توظف.. ولغة تكتم

يتبيّن من هذا البناء، أن الكاتب يتحول إلى شخصية روائية تساهم في الأفعال وتضطلع بدور في الأحداث، وكذلك أفراد عائلته الذين يغرونه بقبول مشروع كتابة الرواية ليستفيدوا من ريعها الوفير، ويتابعوا صراع عائلة خالد خليفة من خلال ما يعيشه ويحكيه الكاتب طالب الرفاعي... وهذا التشابك بين فضاء الرواية المحكية شفهياً على لسان خالد، وفضاء حياة الكاتب مع أسرته هو ما يُشكّل تضاريس التخييل الذاتي في وصفه افتراضاً ينقل الكاتب وأسرته من حياة عادية، محددة العلائق، إلى مجال المخيلة عبر استحضار حياة أسرة أخرى مغايرة في القيم والسلوك الاجتماعي.

وبقدر ما تتعدد مسالك السرد والمحكيات، تتباين دلالاتها. هكذا تطالعنا ثيمة أساس في قصة الثري خالد خليفة، تحيلُ على معضلة الفروق الطبقية والتصنيف العائلي اللذيْن يرسّخان تأليه المال والجاه، ويحولان دون تجديد القيم باتجاه الاعتراف بالعمل والكفاءة والذكاء... فتلك الفروق هي التي جعلت خالد يشعر بالمرارة والصغار أمام زوجته المفتخرة بثروة والدها وعراقة أصولها. ومن ثم جاءت رغبة خالد في أن يستعين بروائي «يخلد» مسيرته المذهلة التي جعلته، وهو المنحدر من أسرة فقيرة، ينافس ذوي الجاه والغنى ليصبح رجل أعمال ذائع الصيت، مقدّراً للأدب وسلطته المعنوية... ومن هنا، يتخذ صراعه مع زوجته طابعاً مأساوياً إذ يكون انهزامه أمام سطوتها ورصيدها العائلي بمنزلة لعنة قدرية لا يملك لها دفعاً.

نستشفّ من خصام عدنان وبدور الذي ينتهي بالطلاق، ملامح التغيّر التي طرأت على علاقة الزواج في ظلّ انفتاح المجتمع على «الاستهلاك» الجنسي وتضاؤل الإحساس بمسئولية الزواج... ويواجه الكاتب بدوره إغراء المال فيوافق على الصفقة قبل أن يستعيد وعيه، أمام عنجهية عواطف واحتقارها للآخرين.

يتبدى في التحليل الأخير، أن ثيمات أو خيوط «الثوب»، على اختلافها، تتصادى مع تحولات مجتمع الكويت التي انطوتْ على اهتزاز القيم واستقواء سلطة المال والتقاليد الماضية، فيتضح ذلك من حالة خالد الذي استطاع أن يتحرر من الحاجة، لكنه لم يستطع أن يحقق حريته ويتخطى موروث الماضي. والشيء نفسه تواجهه بدور التي تزوجتْ عدنان عن حب، ثم اكتشفتْ أن تحوّل المجتمع أدى إلى هدم عاطفة الحب. ونلمس في مغامرة الروائي أنه خضع، أول الأمر، إلى تأجير قلمه قـبل أن يتراجع ليراهن على سلطة الكتابة والإبداع، بتأثير من «عليان» الذي هو صوت قرينه الراصد لسلوكه ومنبّهه إلى الورطات التي تلاحقه.

يمكن القول، إجمالاً، إن «الثوب»، بتوظيفها للتخييل الذاتي على نحو خاص، وصوْغها الروائي لقصص «عائلية»، تئول إلى مجابهة بين القيم المتصارعة داخل المجتمع الكويتي، وتضع الشخوص أمام اختبار لوعيهم وضمائرهم. وعلى الرغم من أن سطوة المال والجاه قد أثبتت حضورها الطاغي، فإن الكاتب يختار أن ينتصر للإبداع المتحرر من ربقة التسخير، إذ جعل طالب آخر جملة يكتبها تجهر قائلة«سأكتب الرواية ولن ألتفت لأحد».

بتعبير آخر، بقدر ما تنجح «الثوب» في حبك مغامرة التخييل وتركيب المحكيات، نفتقد تلك اللغة المجنحة، المتدفقة، التي تُمنح من أغوار الذات ومتاهاتها المسكونة بالغرابة المقلقة.

لعل هذه المفارقة بين بنية تُوظّف تخييلاً ذاتياً في تحريك حوافز السرد وتنظيمه، ولغة «تكتم» هوجة الذات وانفلاتها، مصدرها فهمٌ خاص للتخييل الذاتي لدى طالب الرفاعي، الذي يحرص على إيلاء الأسبقية، في رواياته، للأبعاد الاجتماعية التي تجعل الذات مرتبطة بالغيرية وجدلية الفرد والمجتمع؟ من هنا نكون أمام مفهوم للتخييل الذاتي يختلف عن معظم التعريفات والتنظيرات التي ربطته، إلى جانب مطابقة اسم الشخصية الأساس لاسم الكاتب، بإعادة ابتداع شخصية الكاتب ووجوده عبر كتابة تسعى إلى إعادة ابتكار معنى لحياتنا، وتضطلع اللغة فيها بملاحقة وكشف ما تنغلق عليه الذات المُلجمَة، المشتهية، المجنونة، الرافضة، المناهضة لكل المؤسسات والمواضعات.. بعبارة أخرى، يتميز نص التخييل الذاتي عن السيرة الذاتية بكونه لا يتقيد بوقائع المعيش، وعن النص الروائي بكونه لا يخفي صوت الكاتب وهواجسه واستيهاماته.

مهما يكن، فإن نص «الثوب» الذي ميّزه الناشر بتوصيف «رواية»، يلفتُ نظر القارئ والناقد، من جديد، إلى أفق التخييل الذاتي وتفريعاته وتجلياته النصية. وهي مسألة جديرة بالمناقشة من منطلق أن التحقق النصي يُغذي التنظير والتعريف، والعكس بالعكس.

إن مكونات السردية وحساسيتها الوصفية، تدعونا إلى البحث في إطارها الذي يوحد الزمان والفضاء ويسمح لهما بالتفاعل، إضافة إلى وصف مميزات الشخصية الفانتازتيكية وتحولاتها الرواية العربية، اليوم، تعبّر عن واقع متعدد المسوخ والستارات المركبة من الزيف والوهم والحقائق المدمرة، وعالم انسحقت فيه نفسية الكائن، حتى باتت مشوهة تفرز أمراضاً متعددة.. وهي أمام اختيارين اثنين، إما أن تكون حجاباً يزيف العواطف والحقائق، فتغرق في الذاتية والبكائية التي سادت فترة طويلة من الزمن، وإما أن تكون مشهداً للتصادم والتجريب والحداثة، عن طريق خرق الستار وخلخلة البديهي الجامد وتدمير المعتقدات التكريسية.. هذا ما تحاول أن تفعله الرواية العربية الحديثة والتجريبية ذات الحساسية الجديدة، والأفق المشرع على أسئلة متقاطعة، من أجل اكتشاف المحتمل والممكن وتشريح الهوية المحتجبة للواقع والكائن.

 

 

داليا فهمي 





طالب الرفاعي