خزانة الأدب العربي موسوعة كنوز شوارد التراث

خزانة الأدب العربي موسوعة كنوز شوارد التراث

يبدو أن أجدادنا العرب المسلمين قد آمنوا بالحكمة القائلة «العلم صيد، والكتابة قيد. وإذا ضاع القيد ذهب الصيد»، وإلا فما معنى أن تقوم حضارتهم على الكلمة المكتوبة بشكل باهر شد انتباه أبناء الحضارات الأخرى فسارعوا إلى قراءة وتحقيق هذه الكلمة المكتوبة، ولقوا الكثير من الصعوبات التي يلاقيها القارئ بغير لسانه.

صحيح أن الرواية الشفوية كانت أول محاولة لنقل الثقافة العربية، واقترن نقل هذه الرواية منذ اللحظة الأولى، بالحرص والدقة والأمانة كسمات تضاعفت بعد الإسلام الذي دعا صراحة إلى الحرص البالغ والدقة والأمانة الملحوظة في نقل نصوص كتاب الله، وكثير من نصوص السنّة فالتزم القوم بالحرص الشديد والدقة الأشد والأمانة المتناهية، حين يروون شواهد التشريع في دينهم، أو حين يروون بعض أشعارهم ووقائعهم ومآثرهم، جاهلية كانت أم إسلامية. ثم كانت الكلمة المكتوبة بعد ذلك مقيدة مسجلة مدونة لكل ما يروونه من أحداث وتشريعات ومآثر وأشعار وأمثال.

وليس صدفة - إذن - أن تكون الكتابة بالنسبة للعرب من صنع الإسلام، وإلا فما معنى أن يشترط النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تكون الفدية من الأسر، في أعقاب غزوة بدر نظير أن يعلم الأسير الكتابة لعشرة من المسلمين. وأن يكون زيد بن ثابت كاتب رسول الله وزهاء أربعين كاتبا من هؤلاء الذين علمهم أسرى المشركين! والأكثر أن يكون القرآن الكريم أول نص عربي إسلامي مكتوب وصل إلينا نتيجة لتعلم الكتابة التي سعى إليها النبي الكريم.

ولعل هذا السلوك المتحضر يصبح هدياً للبعض من الذين رضوا بجهلهم ورضي الجهل بهم، ممن يرون اليوم أن الاستفادة من الفكر العالمي تحمل الشرور إن لم تبعث على الضلالة!

خوف وتصحيح

وتتسع رقعة الدولة الإسلامية في العصر الأموي مما يؤدي إلى اختلاط العرب بالأعاجم وهو ما يؤدي بدوره إلى خشية إفساد للسان العربي. وهنا بدأ التفكير في تصحيح هذا اللسان العربي وضبطه، حيث كان تأليف كتب النحو. وفي الجانب الآخر تثور الفتن وتتفرع المذاهب وتكثر الفتاوى، فكان التفكير في وضع كتب في الدين إليها يرجع القوم في أمور دينهم بعيداً عن الأهواء الشخصية والنوازع السياسية والميول العصبية فيدونون الحديث النبوي الشريف ويجتهدون في استخراج الصحيح فيه من غير الصحيح.

وتنهض الدولة العباسية ومعها تنهض الكلمة المكتوبة في جوانب الحياة العربية إلى جوار الجانب الأعظم وهو الدين. وتظهر الكتب محتفظة بالطابع الذي غلب على المؤلفين، وفي مدار هذه الكلمة المكتوبة تظهر الدعوة إلى تجديد أسلوب الحياة في أمم هذه الحضارة الإسلامية في العصر الوسيط، عن طريق نقل فكر وعلم الحضارة اليونانية.

ويكون تدوين ما تركته الحضارة اليونانية سبيلاً إلى تجديد شباب الحضارة الإسلامية، وجعلها منارة للحضارة الأوربية الحديثة في سعيها المتلمس إلى التقدم والازدهار.

خزانة البغدادي

وتتوالى العصور وتتبدل الحواضر وتبدأ عملية الأفول الحضاري للرب ونفتقد الكثير مما تركه الأجداد. حتى نكون في عصر تطاحن بين الدولة الصفوية الفارسية والدولة العثمانية التركية على بغداد.وفي هذا الوقت تتفتح كرامة الشاب الصغير عبدالقادر البغدادي على ما أصاب بعض الكتب العربية النادرة من تلف وضياع. وهنا تشغله فكرة ويحدوه أمل هو أن يؤرخ لشوارد ثقافتنا العربية حتى يحفظها من الزوال.

وينتج عن هذا التفكير وذلك الطموح كتاب ضخم يحمل عنواناً واحداً يتكرر على أحد عشر مجلداً هو كتاب «خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب» يحققه الأستاذ عبدالسلام هارون في ثلاثة عشر مجلداً مضيفاً مجلدين كفهارس فنية لهذه الموسوعة.

ولا يختلف أحد مع الأستاذ عبدالسلام هارون في تأكيداته المتكررة على أن هذه المجلدات تتضمن كنزاً عظيماً من كنوز التراث العربي في جميع جوانب الثقافة الأدبية واللغوية والعلمية والدينية. وأن هذا الكنز كان في حاجة ملحة إلى نفض مكامنه وإبراز ما به من ركائز وجواهز نفيسة. وأن مؤلفها عبدالقادر البغدادي قد هيأه القدر لأن يحفظ لنا غوالي من تراثنا كانت عرضة للضياع إلى آخر الأبد، فاستطاع أن ينقذ منها ما وصل إلينا عن طريقه بعد أن ضاعت أصولها في غياهب النسيان.

ولاشك أن هذه المجلدات - كما هو واضح - قد خلّدت اسم البغدادي، حيث تعتبر أغلى موسوعات التراث العربي. فقد شحنها بالنصوص النادرة. وحفظ لنا فيها بقايا من كتب فقدت أو اندثرت، مع عناية حازمة بالنقد والتحقيق بكل ما تورده صفحاته. هذا إلى جانب سرد للكثير من أمثال العرب وبيان معانيها ومضاربها وأصولها، وحشد للغات القبائل ولهجاتها مع حرص على إيراد أخبار العرب وذكر أيامهم في الجاهلية والإسلام. هذا إلى جانب العناية الكاملة بالمقصد الأول وهو تحقيق المسائل النحوية واستيعاب دراستها مع الاعتماد على أمهات النحو ومطولاته في علاج علمي نقدي يدعو إلى الإعجاب والدهشة والتساؤل عن كل هذا الصبر والإصرار.

صدى واقعي

إن نظرة واحدة إلى هذا الثبت العلمي الذي اعتمد عليه البغدادي في تأليفه تكفي للحكم على ما بذل من جهد ضخم وصادق. فالمؤلف - وهو بالطبع ليس من مؤلفي هذا الزمان الذين يذيلون كتبهم بحشد من المراجع والمصادر بشتى اللغات التي لا يتقنونها، وتكون المفاجأة حيث يصبح ما يذكرونه من مراجع ومصادر لاصلة له بما يؤلفونه من قريب أو بعيد. البغدادي هنا صادق وصدقه تلمسه فيما يكتب كذلك حين يرجع إلى كتب السيرة والصحابة وأنساب العرب وطبقات شعرائهم. أو حين يرجع إلى كتب اللغة وأغلاط اللغويين وإشكالاتهم أو حين يرجع إليه في كل ما يكتب. مما يضاعف من الإحساس بصدقه وأمانته ودقته من ناحية. كما يدفع المرء للحكم بأن ما قام به بمفرده عمل ضخم تعجز عنه لجان هذا الزمان.

مجلدات هذه الموسوعة الكبيرة في حجمها، الهائلة في كيفها، المتضمنة للكثير من جوانب المعرفة الإنسانية والمنسوبة لصاحبها عبدالقادر البغدادي تضم فيما تضم العديد من الكتب والنصوص العربية النادرة، التي اندثرت أو بادت أو تلفت. حتى لم يعد لها وجود إلا بين صفحات هذه الموسوعة التي نعرفها اليوم بخزانة الأدب للبغدادي.

هذه الموسوعة الضخمة كيف جمع مادتها صاحبها ونسق فيما بينها والأكثر كيف تحولت إلى عمل مؤلف من حق صاحبه أن يضع عليه كلمة «تأليف» بدلاً من كلمة جمع، ثم كيف حققها معاصرنا الأستاذ عبدالسلام هارون؟! باختصار ما هو أسلوب تأليفها ومنهج تحقيقها؟

وقبل الإجابة عن شقي هذا السؤال من حق البغدادي ومن سبقه من العرب الذين اتجهوا إلى العمل الموسوعي الإشادة بجهودهم. ذلك أن ظهور مثل هذه الأعمال الموسوعية في أمة يدل دلالة واضحة على نضج ثقافتها واتساع آفاق المعرفة فيها، ولعل هذا يرجع إلى شعور أبناء هذه الأمة بوجوب جمع المعرفة لأبناء لغتهم وتبويبها، بحيث يسهل الاطلاع عليها. وهذا ما فعله أرسطو منذ أكثر من خمسة وعشرين قرناً. ومن بعد ذلك جاء العرب فبدأوا ترتيب معارفهم على أساسين: أولهما - أساس معارف الأمم السابقة، والآخر أساس معارفهم الخاصة. فبدأ الجاحظ منذ أكثر من عشرة قرون في جمع المعارف فترجم عن أرسطو وزاد عليه كثيراً من تجاربه الخاصة بعلم العرب وتراثهم وبوّب ورتب كل ذلك فيما عرفناه بكتاب «الحيوان» وبعد الجاحظ ظل العرب قروناً يجمعون معارفهم على مدى العصور، حسب إمكانات العصر واحتياجات إنسانه، إلى أن جاء القرن الرابع عشر فإذا حركة موسوعية خاصة تجمع تراث العرب من شتى النواحي، فهذه كتب عن اللغة وأخرى عن التاريخ وثالثة عن الأدب كلها تظهر بشكل موسوعي، فظهر ابن منظور والنويري والقلقشندي. ومن بعدهم كان البغدادي عليه أن يواصل هذه الرسالة، فاتجه طموحه إلى رصد الكثير من المعارف الإنسانية بشكل يضبط اللسان العربي ويصححه، كما يحافظ على التراث العربي ويخلده، أن يتناول كتاب «شواهد شرح الرضي لكافية ابن الحاجب» بالشرح والتعليق. وكتاب «الكافية» قام بوضعه ابن الحاجب وشرحه بعد ذلك ابن الرضي في عدد من الصفحات التي تزيد على الثمانمائة متضمناً عدداً من الشواهد هي 957 شاهداً. تناولها البغدادي بالشرح والتحقيق والتعليق والتأليف لتصير فيما بعد أحد عشر مجلداً تحمل عنوان خزانة الأدب.

جُمّاع المعارف

وقد ساعد البغدادي على ذلك كونه عالماً في اللغات والأدب. فهو في تناوله لقضايا النحو التي يشرحها ويحققها في كتاب الكافية يرصد شتى المعارف الإنسانية.

فعلى سبيل المثال إذا كان الأمر يتعلق بأبيات من الشعر بحث عن قائليها، حتى يعزو كل بيت إلى قائله، وينسبه إلى قبيلته أو فصيلته، ويفرز الإسلامي من الجاهلي، والصحابي عن التابعي. وإذا كان بيت الشعر موضوعه الشرح ضمن قصيدة نادرة فإنه يوردها كاملة ويشرح غريبها ويورد سببها ومنشأها، متوخياً في ذلك تصحيح اللسان وضبطه حتى يعم النفع. إن البغدادي من عنايته بالمقصد الأول وهو شرح شواهد كتاب الكافية للرضي.

يسرد الكثير من المعارف الإنسانية من أمثال العرب ولغات القبائل ولهجاتها وتأريخ البلدان وتراجم الشخصيات، مستطرداً في ذلك إلى ذكر أخبار العرب وذكر مآثرهم في الجاهلية والإسلام. وفي سبيل تحقيق كل ذلك يتكون لديه الكثير من المعارف الإنسانية المتعددة الجوانب في مجموعها تكون موسوعة ضخمة للتراث العربي. وهو بهذا العمل خرج من نطاق التحقيق والجمع إلى مجال التأليف والإبداع.

تبقى الإجابة عن الشق الثاني للسؤال وهو الخاص بكيفية تحقيق الأستاذ عبدالسلام هارون لهذا العمل الضخم. والحديث عن أسلوب الأستاذ عبدالسلام هارون في التحقيق حديث طويل، لعله يبدأ منذ أكثر من سبعين عاماً مع بداياته في العمل بالتحقيق، ولعله شاء مشكوراً أن يوفر علينا الجهد فأخرج كتاباً عن كيفية تحقيق النصوص منذ أكثر من أربعين عاماً يعتبر أول كتاب عربي إن لم يكن آخر كتاب في فن تحقيق النصوص وتوضيح مناهجها وعلاج مشكلاتها وهو كتاب «تحقيق النصوص ونشرها» والمرجع الوحيد في الجامعات العربية المختلفة.

إرهاصات مبكّرة

والحق أن تأليف هذا الكتاب لم يأت هكذا فجأة. فقد سبقته نشاطات علمية وعملية في مجال تحقيق التراث. بدأها هذا المحقق العظيم قبل أن يبلغ العشرين. فظهر نشاطه العلمي في صورة تحقيق كتاب «متن الغاية والتقريب» لأبي شجاع الأصفهاني وهو في السادسة عشرة من عمره، ثم ظهر له تحقيق أول جزء من خزانة الأدب للبغدادي في سنة 1928 وهو في التاسعة عشرة من عمره. وفي هذه السنة نفسها (1928) نادى بإنشاء جمعية الشبان المسلمين فكان - وهذه للحقيقة والتاريخ - صاحب الفكرة الأولى في إنشائها وازدهارها على النحو الذي صارت عليه، سواء في العالم أو الأقطار الآسيوية أو الأوربية أو الأمريكية.

لكن هذا النشاط العلمي للأستاذ عبدالسلام هارون وهذا التاريخ المجيد لا يعفينا من الإشارة إلى منهجه في تحقيق موسوعة «التراث للبغدادي». إن ما يستوقفنا في تحقيقه لهذه الموسوعة التزامه بالمبادئ نفسها التي غرسها الأجداد العرب، ومنها الحرص والأمانة والدقة. فنراه يلتزم بهذه المبادئ في تناوله للموسوعة قارئاً وشارحاً ومحققاً.

فالكتاب المحقق في رأيه هو الكتاب الذي صح عنوانه واسم مؤلفه ونسبة الكتاب إليه.

وكان متنه أقرب ما يكون إلى الصورة التي تركها مؤلفه. ولهذا نجده في هذه الموسوعة يدقق في تحقيق عنوانها وهو «خزانة الأدب» كما يدقق في تحقيق اسم مؤلفها «البغدادي». كذلك يدقق بحرص شديد في تحقيق نسبة الكتاب إلى مؤلفه. إلى جانب دقته المتناهية في تحقيق متن هذه الموسوعة حتى تظهر صورة طبق الأصل للنص الذي كتبه البغدادي نفسه. وهو في سبيل ذلك لا يدخر جهداً فكرياً حين يقوم بالشرح والتعليق والتوثيق والتوضيح. وفي نهاية الأمر يخصص مجلدين كبيرين (12 ، 13) للفهارس الفنية. هما بمنزلة الكاشف لكل المعارف الإنسانية التي جاءت في هذه الموسوعة.

وموسوعة البغدادي كنص من النصوص المهمة، كيف تستثمرها العقول الجديدة؟ صحيح أن من يدخل هذه الموسوعة ذات الثلاثة عشر مجلدا تائه مفقود لما تحويه من معارف متعددة على غير حصر. معارف ومعلومات وأبحاث ودراسات وموضوعات غزيرة كالضوء المنتشر، ممتلئة كالسحاب الثقال، عظيمة عظمة من أرخت لهم من بناة الحضارة العربية.

دليل لموسوعات جديدة

إن قراءة هذه الموسوعة على اختلاف جوانبها تحقق الكثير من الفوائد فالجوانب الدينية تزود القارئ بشحنة روحانية، مصدرها مبادئ وقيم هذا الدين الحنيف، أو الجوانب التاريخية ترسم صوراً وأشكالاً من الحياة العربية القديمة في مراحلها المتتالية، وجوانب الترجمة للإعلام والعظماء تغطي ألواناً عالية من الحياة القوية البارزة عند العرب الأقدمين، والجوانب الأدبية توسع دائرة الشعور وتكشف لنا عن مواطن الجمال في ثقافتنا، والجوانب الفلسفية تنبه البصيرة وتوقظ ملكة الاستقصاء إلى غير ذلك من جوانب تنمي لدى القارئ فضيلة البحث الحر، والأكثر تحضه على حمل أمانة وجوده العربي الأصيل في زماننا الذي يموج - أحياناً - بالزيف والسطحية والادعاء حتى أصبحت هذه النقائص في التفكير عملة رائجة للتداول وطريقاً مضموناً للنجاح!

هل نحن في حاجة إلى تفضيل؟ إذا شئنا مزيداً فلنصاحب أولاً البغداي في رحلة سريعة داخل موسوعته. ولنكشف ثانياً عن نوادر الكتب العربية ولنتأمل ثالثاً الفهارس التحليلية.

إن أول ما يلتمع أمامنا في رحلتنا مع البغدادي استشهاده في شريحة بآيات من القرآن الكريم. لضبط اللسان العربي. وهو في ذلك لا يحاول أن يخلع على الآيات التي أوردها معنى يريده أو يكلفها غايات لا تريدها بل تركها وحدها إلى معانيها وغايتها النبيلة والجلية، فإذا نحن أمام صرح لغوي هائل أقامه القرآن لحساب تقويم لغة الإنسان وضبط لسانه وبعد آيات القرآن تأتي الأحاديث النبوية مستلهما إياها في ضبط هذا اللسان، واجداً منها الفيض الذي لا ينضب والعون الذي لايخذل وكأن هذه الأحاديث ما قيلت إلا لتوضيح القضايا اللغوية وحل إشكالاتها وهو باستشهاده بالآيات والأحاديث لا تستغرقه اللغويات وإنما يتجاوزها إلى تقديم المعارف والمعلومات.

تراث البغدادي

هل انتهى الأمر عند هذا الحد؟ بالقطع لا. فهذه كتب أدار حولها البغدادي أبحاثاً فيها يطوف الأرض العربية من أقصاها إلى أدناها. ويحلق في سموات للفكر نعرفها وأخرى لا نعرفها فهذا كتاب لسيبويه تدور حوله كتب بلغ عددها 26 كتاباً وهذا كتاب للزمخشري تدور حوله كتب بلغ عددها 24 كتاباً، وثالث عنوانه إيضاح الشعر يدور حوله 13 كتاباً ورابع للزجاجي هو الجمل يدور حوله 13 كتاباً وهكذا ثم هؤلاء شعراء وعظماء نجد أنفسنا نطوف معهم، آناً إلى القرن الأول الهجري، وآناً إلى القرن الميلادي، وآناً إلى ما قبل الهجرة والميلاد طبقات من فحول الشعراء يمثلون عصور الشعر العربي من جاهليين إلى مخضرمين إلى متقدمين إلى محدثين بالنسبة للعالم القديم. ومن الإعلام ملوك العرب ورؤسائهم وإلى قبائلهم العربية نتقدم لنتعرف على تكوينها ومنشئها ثم إلى الحضارة العربية سماتها وقسماتها من نظم اجتماعية وسياسية ومالية وخلقية وعادات وتقاليد ولا ينسى البغدادي أن يذكرنا بأيام العرب المجيدة ومآثرهم الخالدة، ثم رحلات إلى بلدان وعواصم الحضارة الإسلامية خطوة تقربنا من بخارى، وأخرى تنقلنا إلى بغداد، وثالثة إلى أرجاء الشام، ورابعة إلى القيروان، وخطوات أخرى إلى الكوفة وهمذان وصنعاء ومصر وغيرها.

وقد يستوقفنا في استشهادات البغدادي بالكتب أمر على جانب كبير من الأهمية، هو أنه حين سجل لأسماء كتب انقرضت حفظ لنا تراثاً غالياً، في مقدمة هذه الكتب كتاب تأبط شراً «الخط القديم» وديوان زهير بن أبي سلمى وكتاب «اللغة» للمتنبي و«شرح ديوان أبي تمام» لابن المستوفي في عشر مجلدات «والفهرست» لابن النديم بخطه و«النصوص» لأبي سعيد السكري وهو كتاب تماثل نصوصه كتاب «النصوص» للجاحظ الذي ضاع إلى الأبد والدرهم والدينار لأبي هلال العسكري وغيرها عشرات من الكتب اندثرت وانقرضت ولكن البغدادي حفظ لنا أسماءها وشيئاً من مضمونها فحفظ لنا بالتالي منابع وأصول الثقافة العربية والتي إن وجد بعضها مخطوطاً في أي مكتبة في العالم لكان كفيلاً بحل مشكلات الأخطاء التي تتسرب إلى النسخ المطبوعة.

ولا ينتهي المرء من الطواف مع البغدادي في موسوعته بما تضمنته من معارف متنوعة، وحفظ لتراث منقرض مفقود دون أن يذكر بالثناء ذلك الجهد الفذ الذي بذله الأستاذ عبدالسلام هارون سواء في تحقيقها في أحد عشر مجلدا تحقيقا قربها من روح العصر، أو بإضافة مجلدين كبيرين كفهارس تحليلية، هما المجلدان الثاني عشر والثالث عشر أن هذه الفهارس تمكّن القارئ المعاصر من الانتفاع بكل ما جاء في هذه الموسوعة من معارف. فمن دون هذه الفهارس التحليلية تصبح قراءة كتب التراث التي لم تجر في غالب الأمر على مناهج علمية منسقة - قراءة عسيرة كل العسر تحفها المشقة والعناء.

إن هذه الفهارس التحليلية تكشف عما في باطن كتب التراث من أسرار وخفايا يصعب الاهتداء إليها للوهلة الأولى، هذا إلى جانب كون هذه الفهارس معياراً دقيقاً توزن به صحة نصوصها بمقابلة ما فيها من نظائر وأشباه، بما تكيف عن خطأ المؤلف والمحقق على حد سواء، ولعل الأستاذ عبدالسلام هارون - رحمه الله - في عمله هذا كان مدركاً أن عصرنا المعقد في حاجة إلى اختزال الوقت فقد يقتضي البحث عن واقعة أن ينفض الباحث كتاباً من عشرين مجلداً للعثور على ما يبتغيه، ومن هنا يمكن القول إن ما هدف إليه المحقق من وضع فهارس موسوعة خزانة الأدب قد أتى بثمرته، حيث سهل الكثير من الصعوبات التي يقابلها قارئ هذه الموسوعة.

وبعد، فهذه مجرد انطباعات عاشق للعمل الصالح الذي يتركه الأجداد ويحترمه الأبناء في تعاملهم إياه، لا نزعم أنها قد أوفت على الغاية أو شارفت على الغرض بقدر ما تقر. وتؤكد بأنها إشارة إلى جهد عظيم من المؤلف القديم عبدالقادر البغدادي، والمحقق الكبير عبدالسلام هارون، الذي أتاح للمعاصرين الرجوع إلى تراث الأجداد.

--------------------------------------
في قلبه تنّور
النار فيه تطعم الجياع
والماء من جحيمه يفور
طوفانه يطهّر الأرض من الشرور
ومقلتاه تنسجان من لظى شراع
تجمهان من مغازل المطر
خيوطه ومن عيون تقدح الشرر
من ثدي الأمهات ساعة الرضاع
ومن مدى تسبل منها الثمر
ومن مدى للقابلات تقطع السرر
ومن مدى الغزاة وهي تمضغ الشعاع

بدر شاكر السياب

 

 

 

سامح كريم