عزيزي القارئ

عزيزي القارئ

ثقافة الهزيمة.. أم حضارة الحوار؟

تثير قصص العنف المتبادل بين المسلمين وسواهم، أو داخل كيان المسلمين أنفسهم، أكثر من سؤال. ويؤكد رئيس التحرير على حتمية أن تدفعنا هذه الأحداث إلى التفكير مليا في أحوالنا الثقافية، وأوضاعنا الاجتماعية، وممارساتنا تجاه أنفسنا والآخر، فنحن نتجاهل ما يجري من انتهاكات للإنسان المسلم والعربي، إذا ما تمت داخل أوطاننا، وبأيدينا نحن، أما إذا تمت بيد عمرو، فهذا هو المستنكر، بعد أن اتخذت الثقافة العربية المعاصرة ـ المستعيدة لاستقلالها ـ موقفا عدائيا مطلقا من الغرب، باعتباره العدو المستعمر دون أن تفرق بين مفهوم العصرنة كرافد غربي، وبينه كتطور طبيعي لأي مجتمع يبتغي النهوض.

في مقابل تلك الثقافة الانهزامية ـ التي ينتقدها حديث الشهر ـ تحاول «العربي» أن تجدد من ثقافة المنتصر، وهي ثقافة الحوار مع الآخر، التي شاعت في أوج الازدهار الحضاري الإسلامي، من وجهة نظر تملك القدرة على اتخاذ الموقف، والدفاع عنه، وتبني القضايا، والسعي لإنجاز مهمة الإنسان على الأرض في إعمارها، وليس خرابها.

ستمضي سطور هذا العدد الذي بين يديك ـ عزيزي القاريء ـ بين سبر البعد المتوسطي في تعزيز حوار الحضارات، لكون الحوار الصادق من دون خلفيات مسبقة سيسمح باستعادة دور حوض البحر المتوسط كرافعة للقيم الإنسانية من أجل حوار منتج ومبدع بين الحضارات والأفكار.

هو حوارٌ ممكن، وأمل تسعى لتحقيقه الدول في مشارق الأرض ومغاربها، وهو ما يؤكده استطلاع العدد في فيتنام (آخر قلاع المطرقة والمنجل)؛ أرض العناد الأسطوري التي تحاول الخروج ـ بحوار الحاضر ـ من مشهدٍ تسيطر عليه ثلاثة أزمنة تصطرع في معركة البقاء للأجلد، زمان الماضي الأحمر المتمنن بأمجاد الماضي والكرامة الوطنية المنتزعة من بين أنياب القوى العظمى، وزمان الحاضر المنشطر بين الوفاء لعهد الاشتراكية والاستجابة لمتغيرات العصر، وأخيرا زمان المستقبل الجاثم على تخوم قوانين التبدل الحتمية.

حوار آخر تتناوله «العربي» في ملفها عن الرواية العربية المعاصرة، من خلال الأسئلة التي وضعها محللو النصوص على عتبات الكتابة لتمرح كرمح حر في مسالك متعددة إن لم تكن متشظية، مثل ألوان قوس قزح ابتدعها منشور زجاجي من شعاع شمس، أو كتبها مطر غارب في يوم شتائي. وحوار مواز مع الماضي من خلال صور ووثائق وحنين يستطلع مقتنيات فنان كويتي عشق تراث مصر. إنه حوار مع التاريخ، ونحن بحاجة إلى كل أشكال الحوار، مع الذات والآخر، لاكتشاف حضارتنا، لتعرية سلبياتنا، لاكتشاف وجهنا المشرق، ولصناعة مستقبلنا. وفي «العربي» جوانب أخرى تكتشفها بنفسك عزيز القاريء للحوار في الفنون والآداب والعلوم.

 

 

المحرر