الكوارث الطبيعية ليست بعيدة عن المنطقة العربية.. ارتفاع منسوب مياه البحر يهدد مصر والبحرين

الكوارث الطبيعية ليست بعيدة عن المنطقة العربية.. ارتفاع منسوب مياه البحر يهدد مصر والبحرين

دعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون مختلف حكومات العالم إلى توظيف المزيد من الاستثمارات لأغراض الحد من مخاطر الكوارث الطبيعة، والتي تسببت خلال العام الماضي وحده في مقتل ما يزيد على 236 ألف شخص، كما تسبّبت بأضرار لنحو 200 مليون آخرين. وفيما قال كي مون إن بلدان الخليج «لاتزال أقل تعرضاً للكوارث حتى الآن»، فقد حذر من أن ارتفاع منسوب مياه البحر، يهدد كلا من البحرين ومصر وجيبوتي، كما أن العديد من البلدان العربية الأخرى «منكوبة» بالزلازل والجفاف.

جاءت دعوة بان كي مون خلال حفل إطلاق «تقرير التقييم العالمي بشأن الحد من مخاطر الكوارث Global assessment report on disaster risk reduction (2009)»، الذي أقيم في البحرين أخيراً. ووصف المسئول الأممي التقرير بأنه: «أشمل جهد دولي لتحديد مخاطر الكوارث، وتحليل أسبابها، وإظهار ما يمكننا القيام به للتصدي لهذا التحدي»، مضيفاً أن نجاح الدول المختلفة في الحد من أثار الكوارث الطبيعية التي قد تتعرض لها، يساعد في خفض معدلات الفقر، وصون التنمية، والتكيف مع التغيرات المناخية، مما يؤدي بدوره إلى إمكان توطيد الأمن، وتعزيز الاستقرار على الصعيد العالمي.

كما أشار إلى أن: «نسبة 75 في المائة ممن يلقون مصرعهم بسبب الفيضانات، يعيشون في ثلاثة بلدان فقط، في إشارة إلى كل من بنغلادش والصين والهند». وأضاف أن التقرير: «يحث بوجه خاص على إجراء تحول رئيسي في مسار التفكير بشأن التنمية، من خلال التشديد على الصمود، وعلى اتخاذ تدابير احترازية».

والواقع أن الكوارث الطبيعية تزيل في بضع ثوانٍ عقودا من التقدم في تقليص حدة الفقر وتحقيق التنمية المستدامة. وقد زادت تأثيراتها زيادة كبيرة، سواء فيما يتعلق بفقدان الأرواح أو الخسائر الاقتصادية. ففي العام 2008، تضاعفت الخسائر في الأرواح الناجمة عن الكوارث الطبيعية ثلاث مرات لتصل إلى 235 ألفا، مقارنة بمعدل سنوي بلغ 66 ألفا خلال الفترة من 2000 - 2007. وقدرت الخسائر الاقتصادية المرتبطة بها خلال العام الماضي بنحو 181 بليون دولار، أي أكثر من ضعف المعدل السنوي البالغ 82 بليون دولار خلال الفترة نفسها.

وتشهد طبيعة الكوارث وتواتر حدوثها تغيراً مطردا. فتغيّر المناخ، والتوسع الحضري الجامح، وانعدام الأمن الغذائي، ونشوب الصراعات، هي كلها عوامل تؤدي ليس فقط إلى تضخيم الآثار المترتبة على الأخطار الطبيعية، بل وتسفر أيضا عن تفاقم المخاطر الأساسية الكامنة في ثناياها.

المخاطر الممتدة والحادة

تتركز الخسائر الناجمة عن الكوارث التي يتم رصدها دولياً في عدد قليل من الأحداث النادرة. فباستثناء الأوبئة، فقد سجلت قاعدة بيانات الكوارث الدولية (EMDAT) فيما بين يناير 1975 وأكتوبر 2008، 8866 كارثة أودت بحياة 2283767 نسمة، من بينها 23 كارثة كبرى، قُتل خلالها 1786084 نسمة، معظمهم في الدول النامية. أي أن 0.26% من الكوارث أسفرت عن 78.2% من الوفيات. وخلال الفترة نفسها بلغت الخسائر الاقتصادية المسجلة 1527.6 بليون دولار أمريكي.

الكوارث والفقر

على مدى ما لا يقل عن 30 عاماً، سلطت الأبحاث الضوء على حقيقة أن للكوارث تأثيرات كبيرة وغير متكافئة على الفقراء في الدول النامية. وقد أبرز تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي - مكتب الوقاية والتعافي من الأزمات - لعام 2004 بعنوان «الحد من مخاطر الكوارث: تحدٍ يواجه التنمية» إنه بينما يعيش 11% فقط من المعرضين للأخطار في دول ضعيفة التنمية البشرية، فإن 53% من الوفيات بسبب الكوارث تتركز في هذه الدول. وقد جمع هذا التقرير قدراً كبيراً من الدلائل التجريبية التي تؤكد أن مخاطر الكوارث مرتبطة بشكل أساسي مع الفقر على المستويين العالمي والمحلي.

وعلى المستوى العالمي، يؤكد هذا التقرير أن الدول الأكثر فقراً يكون بها مخاطر وفيات وخسائر اقتصادية غير متكافئة عند التعرض لمستويات متماثلة من الأخطار. فعلى سبيل المثال، تمثل الدول مرتفعة الدخل 39% من التعرض للأعاصير الاستوائية، إلا أنها تمثل 1% فقط من مخاطر الوفيات. وتمثل الدول منخفضة الدخل 13% من التعرض وما لا يقل عن 81% من مخاطر الوفيات.

وأيضاً على سبيل المثال، يبلغ إجمالي الناتج المحلى للفرد في اليابان 31267 دولاراً أمريكياً، بالمقارنة مع 5137 دولاراً أمريكياً في الفلبين، وكان مؤشر التنمية البشرية في اليابان 0.953 بالمقارنة مع 0.771 في الفلبين. كما أنه يوجد في اليابان حوالي 1.4 ضعف عدد الأشخاص المعرضين للأعاصير الاستوائية عن الفلبين، إلا إنه عند إصابتهما بإعصار استوائي بالشدة نفسها، فإن الوفيات في الفلبين تكون 17 ضعف الوفيات في اليابان.

كما تعاني الدول ذات الاقتصادات الصغيرة والقابلة للتضرر مثل العديد من الدول الجزرية الصغيرة النامية والبلدان النامية غير الساحلية ليس فقط من مستويات أعلى نسبيا في الخسائر الاقتصادية بالنسبة إلى حجم إجمالى الناتج المحلى بها. بل إنها أيضا تعاني قدرة منخفضة على مجابهة الخسائر، مما يعني أن الخسائر الناجمة عن الكارثة يمكن أن تؤدي إلى إخفاقات كبيرة في التنمية الاقتصادية. ونجد أن الدول الأكثر قابلية للتضرر من الناحية الاقتصادية للأخطار الطبيعية والأقل قدرة على المجابهة هي أيضاً الأقل كثيراً في المشاركة في الأسواق العالمية ومنخفضة في تنوع الصادرات.

وأوضح كم كبير من الدلائل التجريبية من جميع الأقاليم أنه بينما تؤدي الخسائر الناجمة عن الكوارث إلى نقص ملحوظ في الدخل والاستهلاك ومؤشرات التنمية البشرية، فإن هذه التأثيرات تظهر بشكل أبرز في الأسر والمجتمعات الفقيرة. فتشير الدلائل إلى زيادة عمق الفقر واتساعه والصعوبات طويلة المدى التي تواجه التعافي، والتأثيرات السلبية الشديدة على التنمية البشرية في نواحٍ مثل التعليم والصحة، والتي لها أيضا عواقب على المدى الطويل.

وفى المناطق الريفية والحضرية، يزيد الارتباط بين خطر الكوارث والفقر بسبب التدهور البيئي، حيث أبرز تقييم الألفية للنظم البيئية لعام 2005 التدهور الواضح في العديد من النظم البيئية الرئيسية. فالنظم البيئية الطبيعية مثل أراضى المستنقعات والغابات وأشجار المنجروف ومستجمعات الأمطار تؤدي وظيفة حيوية فى تنظيم مُعدلات وحدة الأخطار مثل الفيضانات والانهيارات الأرضية. كما أنها وفى الوقت نفسه تقدم مصدراً إضافياً مهماً للدخل للفقراء. فعندما تتدهور النظم البيئية، تنخفض قدرتها على توفير هذه الخدمات وهكذا تتزايد الأخطار والقابلية للتعرض على حد السواء. وتعتمد المجتمعات الفقيرة فى الدول النامية عادة بشكل غير متكافئ على الخدمات التي توفرها النظم البيئية. فطبقا لأحدث أطلس لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة حول إفريقيا، تعتبر إزالة أشجار الغابات واحدة من أبرز المشكلات فى 35 دولة إفريقية. ففي الكاميرون وحدها، على سبيل المثال، تتم إزالة 200000 هكتار كل عام.

تغير المناخ العالمي

يعتبر تغير المناخ الناتج العالمي الأكبر لعدم المساواة البيئية، حيث إنه ناتج من الانبعاثات التي أتت بالفوائد للأفراد والمجتمعات الغنية، فى حين يقع أغلب العبء على الأفراد والمجتمعات الأفقر، وخاصة الدول النامية ومواطنيها الأفقر، حيث إنهم الأكثر قابلية للتضرر.

وكان التقرير التقييمي الرابع للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ قد أكد أنه إذا ارتفعت درجة حرارة كوكب الأرض درجتين مئويتين فوق المستويات السابقة للتصنيع، فقد يكون من الممكن حدوث انهيار كارثي للنظم البيئية وسيكون له تأثيرات محتملة غير متوقعة وغير معروفة على الفقر وعلى مخاطر الكوارث . وأكدت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أيضا أن التوزيع الجغرافي لهذه الأخطار وتكرار حدوثها وحدتها قد تغيرت تغيراً ملحوظاً بسبب تغير المناخ . فالتغيرات تحدث في حجم وحدة وتكرار ونوع الترسبات، وهذا يرتبط بالزيادة في اتساع المناطق المتأثرة بالجفاف، والزيادة في عدد مرات حدوث الترسبات اليومية الكثيفة التى تؤدي إلى الفيضانات والزيادة فى حدة ومدة أنواع معينة من العواصف الاستوائية.

وعلى الرغم من ذلك، فتغير المناخ يزيد من التفاعلات بين مخاطر الكوارث والفقر. فمن ناحية، تغير المناخ يزيد من الأخطار المتعلقة بالطقس والمناخ. ومن ناحية أخرى فهي تقلل من قدرة العديد من الأسر والمجتمعات على المجابهة لاستيعاب آثار خسائر الكوارث والتعافي منها نتيجة لعوامل مثل النقص فى الإنتاجية الزراعية والزيادة فى ناقلات الأمراض والنقص في المياه والطاقة فى العديد من المناطق المعرضة للكوارث. ولذلك، فإن تغير المناخ حالياً المحرك العالمي الرئيسي لمخاطر الكوارث.

عالمياً، تزداد مخاطر الكوارث المتعلقة بالأخطار المناخية مثل الفيضانات والأعاصير الاستوائية حتى إذا استمرت مستويات الأخطار ثابتة. ومحلياً، يزداد الاتساع السريع للمخاطر الممتدة المتعلقة بالمناخ الموثقة في هذا التقرير بشكل حاد للغاية. فحتى الزيادات الطفيفة في مستويات الأخطار الناتجة عن تغير المناخ سيكون لها أثر كبير وضخم على مخاطر الكوارث.

و الأمر الخطير هو أن هذه الزيادات ستفاقم بشكل أكبر التوزيع غير المتساوي للمخاطر بين الدول الأغنى والدول الأفقر وبين الأغنياء والفقراء فى هذه الدول.

تخفيف آثار الكوارث

وعليه فإن تخفيض درجة التعرّض لتلك الكوارث في البيئة العالمية المتغيرة في الوقت الحاضر يقتضي بذل جهود غير مسبوقة: كإتاحة أفضل المعارف والمهارات، وزيادة الابتكار والتميز الإبداعي، وتعزيز القدرات البشرية والمؤسسية؛ وزيادة الكفاءة التنظيمية على الصعيد القطري والإقليمي والدولي.

وانتهى التقرير إلى عدد من التوصيات، ضمن ما أطلق عليه اسم «خطة العشرين نقطة للحد من المخاطر»، رأى أنها قد تكون كفيلة بتخفيف أثار الكوارث الطبيعية، إذا ما التزمت الحكومات المختلفة بما ينبغي عليها نحو حماية شعوبها.

ومن بين ما أوصى به التقرير، الإسراع في الجهود الرامية لتجنب التغيرات المناخية الخطيرة، من خلال «الموافقة على اتخاذ تدابير فعالة»، من قبيل وضع إطار سياسة متعددة الأطراف لخفض الانبعاثات من غازات الدفيئة، وإقرار الحد من الانبعاثات الكربونية.

كما دعا التقرير إلى "تعزيز قدرات المجابهة الاقتصادية لدى الاقتصادات الصغيرة والقابلة للتضرر"، من خلال تنسيق السياسات الخاصة بتنمية القطاع التجاري والإنتاجي، مع سياسات التكيف مع تغير المناخ والحد من مخاطر الكوارث، خاصة في الدول الجزرية الصغيرة والدول النامية غير الساحلية.

وطالب التقرير بـ«تعزيز تنمية صناديق الكوارث بين الدول، للسماح بتحويل المخاطر الرئيسية بتكلفة معقولة، وتقديم آليات أكثر أماناً لتحقيق التعافي، وإعادة الإعمار»، بالإضافة إلى «تبني أطر لسياسات تنموية عالية المستوى»، للحد من المخاطر، بدعم من السلطات السياسية.

كما تضمنت «خطة العشرين نقطة» دعوة الحكومات إلى تعزيز الاستثمار في إدارة الموارد الطبيعية، وتنمية البنية التحتية، وتحسين سبل المعيشة، بالإضافة إلى حماية وتعزيز خدمات النظم البيئية، مع ضمان توفير استثمارات إضافية لإدخال اعتبارات الحد من مخاطر الكوارث ضمن مشروعات التنمية.

 

 

أحمد الشربيني

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




انقاذ بشري وكوارث بلا حدود





مرور مائي متعثر مشهد لكارثة مستمرة