أثر التلفزيون في تربية الأجيال

أثر التلفزيون في تربية الأجيال

تعليقاً على مقال د. سليمان العسكري بعنوان «الفضائيات العربية» بالعدد (602 يناير 2009)، أذكر أن إحدى الجمعيات الأمريكية الاجتماعية، كلفت الأخصائي البريطاني «ويليام بلسون» دراسة العنف في التلفزيون عام 1971، واستمرت الدراسة ست سنوات في بريطانيا على 1500 طفل تتراوح أعمارهم بين «13 - 16» سنة، وكان رأي هذا الأخصائي أن العنف في التلفزيون ليس فقط سبباً من أسباب العنف بين المراهقين، بل هو السبب الرئيسي لذلك، وهو السبب الأول لإفساد المجتمع! نصف الذين شملتهم الدراسة، قالوا بأنهم قاموا بتنفيذ من 10 إلى 100 مشهد من مشاهد العنف الذي رأوه على التلفزيون، ونفذوه على أرض الواقع. وتشير أغلب الدراسات الأخرى إلى أن التلفزيون يقلل من فعالية التربية المثالية، ويهدمها!

والحقيقة أن التلفزيون يدمّر الأخلاق أولاً وأخيراً من خلال المشاهد اللاأخلاقية التي تزعزع إنسانية الإنسان، ويعمل على إثارة غرائزه العدوانية والشهوانية، بل ويعمل على خلق الاضطرابات النفسية، لأنه يقتل ويسمم الضمير الحي، فضلاً عن نتائجه المدمّرة والسلبية في المستقبل، ويبعد التلفزيون الأطفال والمراهقين عن الحياة الطبيعية الحقيقية، ليسمم أفكارهم وأحلامهم وتطلعاتهم من خلال مشاهد تعلم المخدرات والجرائم الجنسية المعروضة في أغلب أفلام الرعب التلفزيونية، أو من خلال بعض المسلسلات التلفزيونية العربية أو الأجنبية التافهة والبعيدة كل البعد عن الحياة المثالية والفضيلة المنشودة للأجيال القادمة. أحد المتهمين في إحدى الولايات الأمريكية قبل إعدامه على الكرسي الكهربائي عام 1989- وحكم عليه بذلك بعد أن اغتصب 38 سيدة - قال: لقد كنت طفلاً طبيعياً أعيش مع والديّ، وفي عمر 12 سنة كانت أمي وأبي يشاهدان معاً أفلام العنف والجنس، وكنت أشاهدها خلسة بعيداً عنهما من خلال أشرطة الفيديو بعد أن يناما؟!

وقال أحد الأطفال، والذي كان لا يرى في منامه سوى الكوابيس والوحوش عندما يستيقظ وهو في حالة البكاء والذعر في الليل، كان يقول لوالديه وهو يصف ما يرى ببراءة، أعتقد بأن هذه المشاهد تخرج من التلفزيون وهو الذي سبب لي هذه المخاوف؟!

لذا من أجل حياة أفضل لأطفالكم: لا تضعوا التلفزيون في غرفة نومهم بما فيها الشبكة العنكبوتية (الإنترنت)، ولا تدعوهم يجلسون لمشاهدة الأفلام التلفزيونية، أو المحطات الفضائية بمفردهم، بما فيها أفلام الفيديو أو الإنترنت، وتحدثوا معهم عما رأوا، ومرّنوهم على النقد الحسن لتضعف استجابتهم حيال ما يشاهدونه، وتخفف ما أورثت لديهم من آثار سلبية، ويجب تحديد الوقت المخصص للطفل لرؤية التلفزيون وألا يتجاوز أكثر من ساعتين يومياً، على أن تحدد الأيام لرؤية البرامج التلفزيونية، ومن الضروري أن يتعلم الأطفال منذ الصغر رؤية برامج معينة وهادفة وتعليمية وثقافية، بما ينفع أفكارهم وتطلعاتهم المستقبلية، والتلفزيون السيئ هو سيئ، ليس فقط لأنه يفقدنا الإحساس برؤية المشاهد الجميلة لعيوننا، بل لأنه عطل ودمّر كثيراً من القيم والأخلاق في عقولنا وتطلعاتنا ومستقبل الأجيال القادمة، وكان نتيجتها كثرة الخلافات الزوجية والطلاق المبكر، ولاشك بأن الأطفال كانوا الضحية الأولى والأخيرة لذلك.

وعلى المربين والمصلحين الاجتماعيين ضرورة العمل على «تشفير» القنوات الانفلاتية واللامسئولة، والعمل على تقديم دعاوى قضائية عالمية ضدها، لأنها تدمّر أحلام الأطفال البريئة، بل تحرق مستقبلهم وأمانيهم من خلال الأفلام والمسلسلات المسمومة الأفكار. ويجب أن تعمل الفضائيات العربية الحالية والتي تجاوز تعدادها الأربعمائة على إصلاح ما أفسده العطار! كما فعل أجدادنا في الماضي، حينما كانت أوربا تعيش في بحر الظلمات، فكانوا رواداً ومصلحين للبشرية وطلائع للتحضر والتنوير، وانتشلوا أمماً وشعوباً كثيرة من عتمة الجهالة بالثقافة والعلم والمعرفة، ومن دون تلفزيون عدو الأطفال الأول، ولاشك في أن قمة الإنسانية تكون شامخة بأخلاقها، وتهوى للحضيض بفسادها وتآكل قيمها، وإن كنت أفضّل برامج التلفزيون الأولى بالأبيض والأسود، لأهدافها السامية، ولكن عندما دخلنا عصر الفضائيات الملونة، انصهرت الأفكار المضللة، ولم نعد نعرف الفرق بين الخير والشر، أو بين الحلال والحرام، أو بين الحب والكراهية، أو بين السلام والحرب، من خلال برامج الفضائيات التجارية البحتة، والتي تستهدف تدمير الإنسان في كل زمان ومكان عن قصد أو جهل، حيث أصبح الأطفال يمارسون الرياضات المختلفة بالجلوس أمام الشاشات المختلفة، وليس عن طريق الحركة الفعلية، فكثرت الأمراض الجسدية والنفسية، وأصبحوا ينامون على مقاعد الدراسة، أو يتهرّبون من العلم، فضلاً عن التفكك الاجتماعي والتشتت الأسري وضعف العاطفة التربوية، سواء في البيت أو المدرسة بعد أن أضحى التلفزيون سيد الموقف، والمربي الأول في حياتنا اليومية!.

د. مصطفى ماهر العطري
سورية