المغول.. ذلك الإعصار المدمر

المغول.. ذلك الإعصار المدمر

شهدت سهوب آسيا قيام مملكة قوية من المحاربين, تعد من أكبر الإمبراطوريات التي عرفها التاريخ, مملكة تعددت انتصاراتها في الصين وروسيا, ومعظم الشرق الأقصى. المغول أو التتار.. كما كان الاوربيون يطلقون عليهم ـ عبارة عن قبائل بدوية عاشت في منغوليا ومنشوريا وسيبيريا. وعرفوا بتربيتهم للخيل والجمال والثيران ـ وبأنهم جند مميزون واشتهروا بأنهم أكثر الفاتحين وحشية في التاريخ, حيث كانوا يقومون بالتمثيل بجثث ضحاياهم ويقومون بأكل أكبادهم وقلوبهم, ويذكر أن جنكيز خان قام بذبح قبيلة من التتار ليحكم التتار تحت صولجانه.

كان جنكيز خان أول من وحد التتار وجعلهم قبائل محاربة ذات شأن وأخذ من مدينة قرة قوروم عاصمة له وأسس مجلسا وطنيا عرف بالكوريلتاي, واستطاع أن يبدأ فترة فتوحات متميزة حتى موته في عام 1227م. وكان شعار جنكيز خان ( شمس واحدة في السماء وملك واحد على الأرض) لذا عمل على تنظيم جيش قوي ذي بأس حقق المزيد من الفتوحات كما أجاد جنكيز خان وجيشه فن الحصار الذي كان السبب المباشر في كثير من انتصاراته. وتركزت فتوحات جنكيز خان الأولى في جنوبي الصين وشماليها ثم تحول إلى أواسط آسيا وشرق أوربا حيث اقتربت جنوده من فارس والقسطنطينة فأشاع الكثير من الدمار والخراب في تلك الأراضي, فكان مثلا يستأصل سكان المدينة التي قاومته قتلا بأن يفنيهم عن آخرهم.

وقبل وفاته بقليل استطاع فتح إمبراطورية الصين الشمالية وتركها خرابا, تولى السلطة بعد وفاته ابنه أوغيداي الذي لقب بالخان الأكبر آي سيد الأسياد. لقد كان أوغيداي ابن أبيه بمعنى الكلمة فزحف بجيوشه نحو أذربيجان وجورجيا وأرمينيا وتركيا حتى أصبح الحكام العسكريون المنهزمون يعهدون بتقديم المساعدات العسكرية له مقابل قطعة أرض, وهو ما يعرف بالمقطع. وفي أثناء سير هذه الحملات التوسعية قاد أوغيداي وجنوده لمهاجمة جين في شمال الصين. وأراد المغول ذبح الصينين ولكن أوغيداي فضل أن يفرض عليهم الضرائب الأمر الذي ساد بالنفع على مملكة المغول, وفي عام 1235م غزا المغول إمبراطورية سونغ الجنوبية وأوربا, واتجه المغول شمالا إلى موسكو وأشعلوا النيران في المساكن الخشبية ثم اتجهوا إلى مدينة فالديمير شرقاً, حاصروا المدينة وقاموا بوضع السلالم لتسلق سور المدينة على حين قام الأهالي بسكب الماء الساخن عليهم وقذفهم بالحجارة, مما أدى إلى قتل بعض المغول ـ على حين واصل البعض الآخر تقدمهم وأشعلوا النيران في الكاتيدراتية حيث اختبأت الأميرة وابنتها وأحفادها وماتوا خنقا. ولا تزال الكاتيدراتية في فالديمير شاهدا على فعلتهم الشنعاء. واكتسحت موجة الدمار هنغاريل وبولندا, ويذكر أن القوات البولندية والبالغ عددها 3000 جندي كانت ترتدي زيا حديديا يغطي كل أجسامهم, وتظاهر المغول بالإنسحاب ليلحق بهم الإيرلنديون ليجدوا أنفسهم محاصرين وسط الدخان والنيران ليسقطوا واحدا تلو الآخر من شدة وطأة حرارة الملابس الحديدية.

وبعد وفاة أوغيداي تولى الحكم مونغكي في 1251م الذي أرسل جيشا إلى مملكة سونغ في الصين, وأرسل آخاه هولاكو ليوقع ببغداد ـ أكبر الدول الإسلامية في ذلك الوقت ـ وفي الطريق انحرف إلى جبال البرز حيث تقيم طائفة الحشاشين وقتل زعيمهم ودمر حصنهم المنيع.

سقوط بغداد

واستطاع الاستيلاء على بغداد عام 1258م, وذبح جيش الخليفة وكانت مذبحة مريعة, وذبح الأهالي ولون أنهار المدينة بلون الدم الأحمر. وألقوا القبض على الخليفة المستعصم وأجبروه على أن يطلعهم على مخابئ كنوزه ثم خنقوه تحت السجاجيد. ودخلوا إلى دمشق وبدا الطريق مفتوحا أمامهم نحو مصر, لكن الظاهر بيبرس وقطز قادا الجيوش المصرية وانتصروا في موقعة عين جالوت 1260م وبهذا توقف زحف المغول لاحتلال شمال إفريقيا. وفي الصين استطاع أخوه قوبلاي خان أن يهزم أسرة يوان في الصين واتسم عهده بشيء من التسامح الديني كما عمل على تحسين أوضاع المزارعين فأنشأ ما يشبه وزارة الزراعة لتوزيع الحبوب على المزارعين وازدهرت الحركة التجارية في عهده. ولكن الصينيين ضاقوا من الضرائب خاصة بعد أن استنفدت غزوات قوبلاي التوسعية ما في خزينة الدولة, واستطاعوا طرد المغول في عام 1368, وسرعان ما قاموا ببناء سور كبير حول المدينة ليحميها من أي غزو مغولي آخر والذي استغرق بناءه 200 عام ويبلغ طوله 2500 ميل والذي عرف بعد ذلك بسور الصين العظيم.

لم تدم الإمبراطورية كثيرا بسبب اتساعها الشاسع, وبسبب افتقارها إلى الوحدة الثقافية واعتمادها على الأجانب في طويلا, بسبب إدارة إمبراطوريتهم كما حدث في الصين, وانقسمت الإمبراطورية إلى عدة أقسام, ومع بدايات القرن الرابع عشر الميلادي استطاع تيمور لنك سليل جنكيز خان ـ توحيد بعض إمبراطوريات المغول ـ واستطاع أحد أحفاده ـ بابا ـ إقامة إمبراطورية في الهند عام1526 عرفت بمملكة الموغال وقد نعمت الهند بالسلام والنظام في هذه الفترة وأسس حفيده أكبر الهيكل الحكومي وسيطر على شمالي ووسط الهند وأفغانستان, وحكم ابنه شاه جهان خلال ذروة ازدهار حكم المغول وشجع العمارة وبنى المقبرة الشهيرة (تاج محل) لتدفن زوجته بها.

الذين اعتنقوا الإسلام ?

لم يكن للمغول دين واحد بعينه يعتنقونه ويجتمعون عليه, فهناك الشامانية والبوذية والمسيحية والإسلام, وعلى الرغم من هذا كانوا بعيدين عن أي تعصب لمذهب دون الآخر. كما كانوا يؤمنون بالقوى السحرية, ويعنون عناية كبيرة بالتنجيم. ويقال إنهم كانوا يعرفون الله سبحانه وتعالى بالفطرة ـ ويذكر أن كثيرا من المغول اعتنق الإسلام مثل السلطان أحمد تكودار وبركة خان. أما مجموعة القوانين التي كانت تحكمهم والتي كانت تعرف بالياسا فلها يرجع الفضل في تنظيم صفوف الجيش التي جعلتهم يغيرون على الأمم المتحضرة كأسراب الجراد التي تنزل على الحقول المورقة لتلتهمها التهاما وتأتي على كل ما فيها.

ويمكن القول إن الياسا نظمت العلاقة بين الحاكم والمحكوم ـ ومن جملة ما شرعه جنكيز خان أن من زنى يقتل, وأن من لاط قتل ومن تعمد الكذب أو سحر أو تجسس على أحد قتل, وأن عقاب السرقة والفحش القتل وكان يغضب إذا علم بولد لا يطيع أبويه أو عندما يمتنع الغني عن مساعدة الفقير. ومنع الناس من غسيل ثيابهم, وألزم عند رأس كل سنة بعرض سائر بناتهم الأبكار على السلطان ليختار منهن لنفسه ولأولاده. كما كان يدعو للاهتمام بمباريات الصيد للتدريب على مهارات القتال. والواقع أن نصوص الياسا كانت موضع اعتبار من قبل المغول إلى درجة تبلغ التقديس فلا يجرؤ شخص حتى السلطان نفسه على مخالفتها.

أم عن الحياة الأسرية والزواج ـ فقد كان للخان أن يتزوج بمن يشاء من النساء. وكان يؤخذ بمبدأ تعدد الزوجات. والعادة المتبعة أنه إذا تغلب على ملك أو أمير, فإنه كان يتزوج من أخته أو ابنته. أما إذا تغلب عليه وقتله فكان يتزوج من امرأته. ويقال إن عدد زوجات جنكيز خان كان يزيد على 500 زوجة. وكانوا يفضلون أبناءهم من الزوجة التي يؤثرونها على غيرها من النساء. وبعد موت الخان كانت تئول جميع زوجاته إلى أكبر أبنائه وكان له الحق في أن يمنحهن لأصدقائه أو يطلق سراحهن. كما كان يطلق على أقارب الخان (أروغ) بمعنى سلالة أما رعاياه فكان يطلق عليهم (أولوس).

المغول.. إدارة وحرب

كان كل مغولي مجندا في خدمة وطنه, ومستعدا لحمل السلاح إذا ما أشار عليه جنكيز خان بذلك. وكان الجيش المغولي مقسما إلى فرق كبيرة, ويتكون كل منها من عشرة آلاف رجل, ثم يتدرج هذا التقسيم إلى فرق أقل في العدد, ويرأس كل فرقة قائد من القواد على أن يأتمر الجميع بأمر جنكيز خان. وقد تعلم القواد والجنود كيف يمسكون ألسنتهم عن الكلام, ويسترشدون في الهار بإشارات البيارق المستطيلة المرفوعة على الرماح, وفي الليل بعلامات المصابيح الملونة. وهكذا كان من النادر أن ترى أو تسمع الواحد منهم حتى ينقضوا جميعا على العدو كالإعصار. وكانت الترقية قاصرة فقط على من يكون جديرا بها لكفاية أو دراية. وكان الفاشل في أداء الواجب يعاقب بالموت هو وزوجته وأولاده. وكان أكثر جنود جنكيز خان من الفقراء والمحتاجين, حتى يكونوا أكثر طاعة وأقدر على الكفاح. وكان المغول يضعون أسلحتهم وأمتعتهم في جعبات من الجلد, يمكن نفخها ليستعينوا بها على اجتياز الأنهار. فإذا جاء يوم العرض واتضح أن أحد الجنود قد نسي شيئا حتى ولو كان تافها فإنه لا ينجو من العقاب.

وكان المغول بعد أن تطرح الخطة الحربية يطلقون جواسيسهم في بلاد العدو، فيستقصون عن حالة الجيش، ويختبرون حصون المدينة، ثم يعودون بهذه المعلومات إلى بلادهم. بعد ذلك يرسل الخان رسولا لهم يدعوهم إلى التسليم، فإذا رفضوا التسليم تقدم المغول لمحاربتهم حتى إذا ما شارفوا أبواب المدينة، دعوا الناس للمرة الأخيرة فإذا خرج عظماؤهم وحملوا إليهم الهدايا، فإن المغول لا يتعرضون لهم، ويكتفون بإرسال حاكم من قبلهم. أما إذا اتخذ السكان طريق العصيان فإن الخان يأمر بقتل جميع السكان صغيرهم وكبيرهم وبتخريب البلاد. وكانوا وهم في طريقهم يسوقون سكان القرى العزل أفواجا لشد أزرهم في حصارهم للمدن الحصينة، وعند اقتحامهم الحصون كانوا يجعلون هؤلاء السكان في المقدمة لكي يتلقوا السهام.

وعلى الرغم من كل هذه الحيل الدفاعية والقوة والوحشية- تفرق المغول, بعد أن كانوا وحدة متماسكة تلقي الفزع والرعب في قلوب أعدائهم ـ لتثبت الحضارات الخارجية أنها أقوى من سلطة المغول الهمجية. ويبقى سور الصين العظيم ضريح إمبراطورية المغول الخالد مدى العصور والأزمان.

 

 

جيهان الشناوي

 
  




ضحايا الغزو المغولي لهنغاريا ... قتل 60 ألف جندي





صورة تبين الغزو المغولي الدامي لعاصمة الخلافة العباسية بغداد