الكويت.. وأدب الحرب

الكويت.. وأدب الحرب

وجهة نظر بولندية

في بولندا ـ بعد الحرب العالمية الثانية ـ اختص الكتاب البولنديون بأدب الحرب, ولم يكتبوا غيره طوال الأربعينيات والخمسينيات وحتى السبعينيات من هذا القرن. حيث إن أدب الحرب في الأربعينيات والخمسينيات كان موجودا بقوة, وليس من أدب سواه ثم خف تأثيره في الستينيات والسبعينيات, حيث تخلله إنتاج آخر ولكن هذا النتاج الآخر لم يلغ أدب الحرب في بولندا في تلك الفترة.

في الكويت, نلاحظ أن الأمر يختلف بعض الشيء, حيث إننا لا نجد هذا الحجم من التخصص في أدب الحرب, حيث إن مختلف المؤلفات الأدبية بشتى أغراضها ظلت تسير جنبا إلى جنب, أضف إلى ذلك تأخر ظهور نتائج الحرب في الكويت وبخاصة في القصة والرواية. وإن كان الشعر قد سبقهما كما قرأنا في مرحلة مبكرة من الاحتلال قصائد للشاعر د. عبدالله العتيبي الذي نشرت له قصيدة عن الغزو في الأشهر الأولى في صحيفة (صوت الكويت الدولي) كما قرأنا للشاعرة د. سعاد الصباح والشاعر د. خليفة الوقيان وغيرهم. ويمكن لنا أن نرجع هذا التأخر مقارنة بما حدث في بولندا, بأن الحرب في بولندا استمرت ست سنوات بينما في الكويت, فكلكم يعرف أن سبعة شهور ليست كافية ليلتقط الكاتب أنفاسه على المدى الطويل. وأن القصة والرواية أبطأ إلهاما من الشعر, أضف إلى ذلك أن الحياة في بولندا أثناء الحرب كانت مستقرة من نوع آخر, بينما في الكويت فقد حدثت فوضى لا مثيل لها, فمن الأدباء والشعراء من سافر ومنهم من ظل هنا لا يعرف المصير, فالذهول هنا كان أكبر, أما هناك أي في بولندا فقد استقرت حياة الناس بطريقة ما من خلال تعايشهم مع الحرب فظهرت المجلات الثقافية والأدبية حيث بلغت حوالي الأربعين. فبولندا لم تكن وحدها مستهدفة في الحرب بل كانت طرفا, هنالك مسألة أخرى وهي أن الناس في بولندا كانوا قد تعودوا على الحرب فليست الحرب العالمية الثانية هي أولى الحروب التي تنثر شظاياها فوق سماء بولندا. أما في الكويت فقد كانت الصدمة الأولى, ففي بولندا كانت هناك قاعدة من أدب الحرب سابقة استفاد منها الأدباء البولنديون في تجربتهم اللاحقة, أما في الكويت فهي التجربة الأولى ـ وإن شاء الله تكون الأخيرة!

ملامح أدب الحرب

نستطيع أن نقول إن أدب الجمال في بولندا توقف حين بدأت الحرب, وبدأ معها أدب الكوارث.

وقد ظهر الشعر سباقا في التعبير عن تلك الكوارث. وأصبح الشعراء البولنديون يتساءلون عن مفهوم ومعنى الإنسان ومكانته الإنسانية في المجتمع. وراحوا يطالبون باحتياجات الإنسان التي كانت عادية ومتوافرة قبل الحرب حيث أصبحوا يحلمون بمنزل, أو رغيف خبز, ثم صاروا يكتبون عن معاناة الإنسان مثل الخوف, والجوع, والعطش, والبرد, والعذاب. وإذا كانوا من قبل الحرب يكتبون عن جسد امرأة جميلة, وعن الحب, فإنهم بعد الحرب صاروا يصفونه وهو مشوه ومعذب ومحطم! ومع ذلك فقد كان هناك ثمة تفاؤل, بأن الجمر البولندي لن ينطفئ بماء الألمان بل سيعود ليشتعل نارا حامية من جديد. إذن لقد عبر الشعراء مثل روجيفيش وستاف عن المعاناة. أما القارئ الآن الذي لم ير الكوارث بنفسه فقد أصيب بصدمه أخلاقية حين وصله هذا الأدب. أما بالنسبة للقصة القصيرة, فهناك عدد من الكتاب البولنديين كتبوا بشكل تسجيلي مثل بوروفسكي, نوكوفكا, بياوتشفسكي.

وهؤلاء كتبوا عن الحدث بشكل واقعي, فلم ينقلوا الإيجابيات فقط بالنسبة للبولنديين. بل رصدوا, كذلك الجوانب السلبية لديهم, ففي قصة لبوروفسكي بعنوان (وداعا يا ماريا) نراه يكتب عن كارثة الحضارة والثقافة المعاصرة تبين سبب هذه الحرب.

وبطل هذه القصة إنسان بلا مبادئ أو قيم يستفيد من هذه الحرب. صورة رجل يجسد قوته بين الضعفاء. الحرب بالنسبة له فرصة للعيش. والكاتب أشار إلى أن هذا البطل لم يمت, لأنه كان يختبئ من مواجهة الحرب, حتى أنه كان على استعداد لأن يضحي بالبولنديين من أجل أن يعيش هو. وفي هذه القصة بالذات نلمح كيف اختفى أدب الجمال.

وهذا البطل السلبي نجده عند ثريا البقصمي في قصتها (دائرة البساطير) من مجموعتها (رحيل النوافذ). وإن كانت القصتان تختلفان في الطرح إلا أن المشهد اللاإنساني والشخصية السلبية والقلب الحجري. كل ذلك كان الرابط. في قصة ثريا البقصمي نرى صورة سجان عراقي قاسي القلب حتى على أبناء بلده, هذا السجان استفاد من طلب زعمائه بأن يسود القمع والديكتاتورية, لكي يعيش هو. فكانت ضحاياه من النساء اللواتي يجب أن يمتن عاريات, ولكي تعطي ثريا وضوحا أكبر, لهذه الصورة, فقد ذكرت تواريخ الذين ماتوا على يديه منذ عام 1964, أي أنهن من بنات بلده وجلدته حتى تاريخ 2/9/1990 وأن هذه الأخيرة كانت فتاة كويتية!

المعتقل كموقع مكاني أو دلالة على التعذيب, كان له أثره في أدب الحرب البولندي. صور الكاتب بوروفسكي معتقل أوتشفتـيسي, حيث يدخل الأسرى فيه على أنه منتجـع يعمـل فيه المعتقلون ويلعـبون, وفي الطرف الآخر من المعتـقل يقبع حمام ولكنه في الواقع ليس كذلك فهو عبارة عن غرفة إعدام بالغاز! ولكنها مخفية عن أعين ممثلي الصليب الأحمر الذين لا يرون في المعتقل إلا الجانب الإيجابي منه.

كذلك الأمر نجده عند الكتابة نوكوفسكا. فلديها قصة بعنوان (إنسان قوي) حيث إن ولدا يرى أباه وهو يتجه إلى غرفة الغاز ومع ذلك ليس بإمكانه أن يفعل شيئا سوى أن يقنع والده بأن المكان الذي سيتوجه إليه هو غرفة حمام وليست غرفة للإعدام.

كما أن هناك الكاتب كروتشكوفسكي, ألف كتابا عنوانه (الألمان) ويتحدث عن عائلة ترتكب في الصباح مختلف الجرائم وفي المساء يعود الجميع مطمئنين إلى بيتهم وأطفالهم, والمفارقة أن أب هذه العائلة يعتبر قمة في المثالية بالتعامل مع أبنائه.

وكنا قبل ذلك نعتبر أن الألمان وحدهم هم المجرمون في حق بولندا, ولكن اكتشفنا بعد فترة أن الروس كذلك قتلوا البولنديين, وقد سلط الضوء على ذلك الكاتب البولندي جوستاف هيرلينك كروجينسكي حيث ألف كتابا عنوانه (العالم الآخر) كشف فيه جرائم الروس, حيث أوضح أن هناك اتفاقا كان بين الألمان والروس في بادئ الأمر.

ومثلما كان للمعتقل الدور الكبير في الكتابات البولندية, كذلك كان الأمر بالنسبة لأدب الحرب في الكويت فنجد عند الكاتب وليد الرجيب في مجموعته (طلقة في صدر الشمال) ـ الطلقة الرابعة والطلقة السادسة. ففي الطلقة الرابعة يوضح الكاتب الرجيب صمود الشعب الكويتي أمام قسوة الاحتلال. فالولد الذي عذب بشدة, فضل الموت على الاعتراف, حيث اقتلعوا عين الطفل ثم قطعوا يديه واطلقوا الرصاص عليه.

ويقول الرجيب في ص 64:

(كيف لهذه الشفاه التي قالت أجمل الكلام أن تمزق).

(كيف لهاتين العينين اللتين نظرتا بوله أن تقلعا).

(كيف لهذه الأصابع التي امتدت إليك بحنان أن تقطع).

(كيف لهذا الجسد الذي منك أن يحرق بالكهرباء والأسيد).

(كيف لهذا الرأس الذي ضممته إلى صدرك أن يفجر بطلقتين.. كيف يموت أحمد..?).

كذلك نجد الأمر عند الكاتبة ليلى محمد صالح في قصتها (نوافذ يوم جديد) من مجموعتها (موسم الورد) حيث تحكي معاناة رجل يعالج في مستشفى من أثر الاعتقال والتعذيب, فهي تشرح ذلك من خلال وصف آلام الرجل بين لحظة وأخرى فتقول في ص 63: (كان يتألم.. يتذكر بصمت.. يذوي بصمت تماما كسراج قديم بدأ يفقد زيته.. ببكاء داخلي هي تراه والورد كان يراه.. والسماء تشهد وكل المواسم تشهد لحظة ألمه من حرب ابتلاع قرص الشمس حتى تناول جرعات الدواء المدفون في الأضلاع).

ونرى أن المشاهد إياها كانت بطريقة شاعرية تجعلك تتعاطف مع البطل.

الكاتبة ثريا البقصمي كتبت كذلك عن التعذيب في مجموعتها الجديدة (رحيل النوافذ) وبخاصة في قصتها (رجل بلا عينين) فالمدخل لديها شاعري إلى أبعد الحدود, حيث تقوم فتاة بإطلاع زوجها الذي تحبه على كتاباتها الشعرية أثناء القصف والدمار, ثم تنتقل من هذه العلاقة الشاعرية إلى وصف مشهد اعتقال هذا الزوج ثم تعذيبه, حيث تقول: (ذكر أحد رفاقه الذي كان يشاركه زنزانته, أنهم عذبوه بوحشية غريبة, ثم تم إعدامه ودفنه في قبر جماعي, لقد كان وجهه لحظة الموت هادئا معذبا وغريبا!) (ص23).

وكذلك الأمر في قصة الكاتبة ثريا (كانت هي الشاهد), وذلك من خلال رصد مدينة كانت هي الشاهدة على الأحداث. فالمدينة تتحول من خلال الزمن إلى جسم إنسان تحكى قصص التعذيب والدمار, وبذلك تصور المدينة قسوة الجندي المحتل, وذلك عندما يطالب الأهالي بدفن الجثث المتناثرة بالعراء ويرفض الضابط العراقي ذلك بقوله: (لا.. لا.. لن ندفنهم.. ليبقوا على هذه الصورة درسا لكل من تسول له نفسه مقاومة ثورتنا المجيدة (ص30) أما الكاتبة ليلى العثمان فنجد أنها تتناول صورا أخرى من التعذيب في كتابها (الحواجز السوداء) التعذيب المعنوي, ولكن ليس بمفهومه المطلق, ليس التعذيب النفسي في السجون, ولكنه تعذيب الكرامة والكبرياء.

ونعود إلى مسألة المعتقل فنجد أن الكاتبة ثريا البقصمي تناولت هذا الأمر بكثرة كما في قصة (عطش أبوصخير) وهي تجربة شخصية لرجل عاش في المعتقل, كان يطالب بالماء لأصدقائه الذين أصابهم ظمأ شديد. حين استجاب المسؤولون عن المعتقل لهذا الطلب, حيث جلبوا لهم ماء ولكنه آسن وقذر. كما نرى الحديث عن المعتقل في قصة (أشجار بعقوبة) لنفس الكاتبة.

بدايات الغزو

عن بداية الغزو كتب وليد الرجيب في قصته (طلقة في صدر الشمال) ففي الطلقة الأولى حدثت القصة في زمن سابق على الاحتلال وانتهت المشكلة وانتهى الأب أيضا بالنسبة إلى الولد الذي سخط كثيرا عندما اكتشف أن والده ترك له مسدسا وفضل التعليم والثقافة عليه, ولكنه اكتشف قيمته وأهميته بعد الغزو, حيث لا قيمة للتعليم بل القيمة الحقيقية للمسدس عند التعامل مع عدو لا يحترم ولا يهتم بالعلم والثقافة. وفي بداية الغزو أيضا كتبت ثريا البقصمي في قصة (صور معكوسة) من مجموعتها (رحيل النوافذ) في الصورتين الثالثة والرابعة. وفي الصورة الثالثة في بداية الغزو جاءت طائرة هيلوكوبتر تحمل الأعلام العراقية. كما كتبت عن تصرفات الناس في الكويت. فجزء من الناس ذهبوا لمخفر الشرطة للبحث عن أسلحة, والجزء الثاني ذهبوا للسوق والجمعيات ليشتروا أطعمة, وليخزنوا. بل إن البعض تاجروا بهذه الأغذية. والصورة الثالثة تكلمت فيها عن الناس بشكل عام. والصورة الرابعة تكتب عن امرأة تراها بطلة لا تصدق أن هناك غزوا وتريد إثباتا لذلك الغزو, وأثناء مسيرها في الشارع ترى دبابة عسكرية تمشي وتحطم الإسفلت تحت جنازيرها في الشوارع, وتسير تلك الدبابة عكس اتجاه السير وترى الطريق يتكسر فتعرف أن هذا هو التخريب للبلد.

وأيضا في مجموعة (رحيل النوافذ) في قصة (عمو خليفة) تناولت نفس الموضوع وهو بداية الغزو, ولكن هذه المرة عن أجانب, وبطل هذه القصة من بلد عربي اسمه (عمو خليفة) عرف بالغزو فلقد قام أحد أصدقائه بالاتصال به تلفونيا محذرا إياه بأن عليه أن يغادر الكويت! فرد بأنه لا يستطيع, لأن مكتبه في الوزارة, فيه كل مذكرات حياته. وقصد المكتب رغم وجود خطر جيش الاحتلال الذي يحيط بالوزارة. كان في ذلك الدرج صور عائلته ومذكرات كثيرة كتبها عبر سنين. فالدرج كان يحتوي على ملف حياته كاملة. وحين اصطدم بجندي عراقي أخبره ذلك العسكري: لماذا رجعت إلى مكتبك? فأجاب: لأحصل على صورة حفيدتي اسمها (ميرفت), ألم تر صورة حفيدتي الجميلة? فأخبره العسكري:

ـ هل أنا مجنون لأجمع صور الفتيات? نحن هنا للحصول عليهن لحما طريا يتحرك أمامنا.. لقد انتهى يا جدي الخرف, عهد تقبيل صورة الجميلات (ص70), ثم يجهز الجندي على الرجل: وحين يسأله الضابط لماذا قتلته? يقول لأنه يحمل منشورات معادية للثورة! إلا أن صورة حفيدته ميرفت كانت تطل من جيب سترته.

نعود للكاتب وليد الرجيب ففي (الطلقة الخامسة) من كتابه (طلقة في صدر الشمال) حين يقول: رغم أن الكويتيين كانوا يصيحون الله أكبر, فإن ذلك لم يوقف الجنود من قتلهم بدم بارد دون أن يردعهم دين, فالمحتل مسلم والكويتي مسلم أيضا ولكنه لم يكن يهتم حتى بهذه القضية.

أما حول ما كتب من أدب السخرية عن الحرب فيمكن ملاحظة قصة ثريا البقصمي (أبواب مجنحة) من مجموعتها (شموع السراديب), وكيف أن جنود الاحتلال العراقي يدخلون البيوت ويسرقونها. فحين يرون أضويه جميلة من الكريستال يخبر الجندي الآخر: الأضوية إذا وصلت لبغداد ستنكسر في الطريق! فلا يفكر الجندي بتركها, بل يكسرها لعدم فائدتها ولا يتركها ليستفيد منها أهل البيت! بل إن عملية التدمير هي الأساس الذي جاء الجندي الغازي محملا به.

وتصف الكاتبة ثريا كل هذا التدمير بلغة شعرية مكثفة ولغة تصويرية لكونها فنانة تشكيلية وتأتي الصورة في (ص41) في قصتها (أبواب مجنحة) حين تقول:

(لبشاعة المنظر طأطأت تيجان النخيل رءوسها خجلا وأشاح البحر بوجهه صوب ساحل (خرمشهر) الإيراني بينما واصلت طيور النورس البحرية البحث عن رزقها في أكوام المزابل المحروقة).

أما عن نماذج من صور المقاومة فنجد عند وليد الرجيب في (طلقة في صدر الشمال) الطلقة الثالثة حين تكونت مجموعة مقاومة منظمة الجميع فيها يقاتل, الأطفال والتلاميذ, من قال إن العروق تنزف عبثا (ص31) فبعد الصدمة جاء رد الفعل وأصبحت العمليات العسكرية أكثر تخطيطا وتنظيما وأصبحت المقاومة مهمة الجميع. كما أن في الطلقة السابعة نموذجا آخر:

امرأة ورغم قهرها فإنها صمدت, وفضل خطيبها الهرب خارج الكويت, وفضلت هي احتضان الوطن بدلا منه لانه الحبيب الحقيقي. كان خروجها مريبا ودخولها مريبا. ولكن المجتمع احترمها لأنها ضحت بحياتها في سبيل الوطن. وتوضح هذه القصة أن أعمال المقاومة لا تتوقف عند قتل أحد المواطنين, كما يظن المحتل, بل تستمر إلى أن تتحقق الحرية ويندحر الغزاة. ورغم أن تقرير المخابرات يقول أن (المجرمة) ماتت ولن تكون هناك تفجيرات فإنه في اليوم التالي حدث انفجار كبير.

صور المقاومة عند ثريا البقصمي تتضح في قصة (عاشق الجدار) وقصة (زمن الانحدار) وأيضا في قصة (جمر الذاكرة) ففي (عاشق الجدار) و(زمن الانحدار) تكتب ثريا عن الشباب الصغار من الفتيان والفتيات الذين يوزعون المنشورات ويقومون بطرقهم الخاصة بمقاومة المحتل, ونلاحظ أن الكاتبة ثريا تستخدم لغة تصورات أدبية مناسبة لمثل هذه الحوادث والتجارب الإنسانية, واللغة الأدبية والشعرية, وهي هنا تمزج بين الحس الشعري والتسجيلي واللغة الأدبية السلسة.

أحزان الأسرى

أما القاص طالب الرفاعي فلديه قصتان ولكنهما تمثلان قصة واحدة الأولى بعنوان (أحزان صغيرة) والثانية (أغمض روحي عليك). القصة الأولى على لسان زوجة أسير, وفي هذه القصة تظهر معاناة هذه الزوجة وألمها فسؤال حارق يملأ لحظتها: إلى متى سيبقى زوجي أسيرا وهل سيرجع? أما القصة الثانية فتأتي على لسان الزوج الأسير, وهو في الزنزانة, وتتكرر نفس المعاناة حيث الملاذ الوحيد هو الحلم في العودة إلى الوطن والأهل. وتظهر هذه القصة المصير المجهول الذي لم يزل يلف قضية الأسرى الكويتيين وسط ذهول الناس, وعدم تصديقهم بزوال هذا الكابوس الذي جاء فجأة ورحل فجأة. ولقد جسدت مجموعة: (شموع السراديب) للكاتبة ثريا البقصمي هذه الأحاسيس وجاءت رصدا لتجربة الكاتبة الشخصية. وفي موضوع انتهاء الحرب تناول وليد الرجيب في قصته (الطلقة الأخيرة).. الطلقة الثامنة أعلنت نهاية الاحتلال أطلقت في الهواء احتفالا بالنصر وبنفس المسدس الذي انتقل من يد إلى يد يقاوم الاحتلال حتى مثل جميع أبناء الشعب الكويتي وتحولوا إلى طلقة أو طلقات في صدر العدو, ويبقى البطل متيقظا وتبقى طلقة احتياطية تحسبا للمستقبل.

ومن مجمل ما تحدثت به سابقا يمكن ملاحظة أنه بعد الاحتلال العراقي للكويت حدث تغيير نوعي للأدب في الكويت, فلقد ولد ما يمكن أن نسميه بأدب المقاومة أو أدب الحرب.وعكس هذا الأدب ألما وحسرة كبيرين بسبب كون هذا الاحتلال جاء على يد عربي يحمل نفس القومية والدين واللغة, وربما حتى الأحلام المشتركة. كما أنه أفرز مفردات جديدة في الأدب الكويتي مثل: الاحتلال, الأسر, الغزو, والمقاومة, ودائما الحرية.. وتميز أدب الاحتلال في الكويت بأنه نقل تجربة معيشة وملموسة, فمعظم الأدباء الذين كتبوا هذا الأدب عاشوا تجربة حية ونقلوا أحاسيسهم عبر هذه التجربة واشتركوا جميعا بنقل ظاهرة التكاتف بين مختلف فئات الشعب الكويتي أثناء الاحتلال وأرادوا جميعا نقل رسالة فخر إلى العالم حول صمودهم ضد الاحتلال.

في النهاية لابد لي من القول: إن ما سردته كان مجرد نماذج استطعت الوصول إليها, كما أنه لم يكن لدي الوقت الكافي لقراءة جميع ما كتب عن الغزو والاحتلال وأحتاج إلى دراسة عميقة, ولسوف أقوم مستقبلا بدراسة موسعة أتناول فيها أدب الحرب والذي في حقيقته هو أدب ضد الحرب ومع السلام. ونحن كبشر علينا أن نتمسك بمثل هذا الأدب أخلاقيا, وليكن هدفنا في الحياة الحرية والسلام والأمن والاستقرار.

 

بربارا ميخالاك بيكولس

 
  




آثار الدمار الذي خلفه الغزو العراقي





د. عبدالله العتيبي





د. خليفة الوقيان





د. سعاد الصباح





تدمير شامل لمظاهر الحياة والعمران من جراء الغزو





وليد الرجيب





ثريا البقصمي





طالب الرفاعي