العُثمانيُّون عائدون: د. سليمان إبراهيم العسكري

       

          يتحدث كثيرون عن مظاهر غزو ثقافي تركي لمجتمعاتنا العربية، لعلَّ أبرز مظاهره التي يرصدونها دليلا على ما يقولون هو اجتياح الفنون والثقافة التركية ممثلة في المسلسلات التركية خرائط البرامج التلفزيونية في معظم الشاشات العربية. وهكذا فإن ما كان صرعة قبل عقدٍ كامل، أصبح موضة هذه الأيام، وها هو يتحول إلى أسلوب حياة للمستقبل. والسؤال الأساسي هو: هل تكمن أسباب تلك الطفرة في ما يقدمه ذلك العرض التلفزيوني الذي يمتد شهورًا، وربما سنوات، حين تتم تجزئة حلقته؟ أم أن الحقيقة هي أن وراء ذلك كله أهدافا اقتصادية ومجتمعية، بل وربما سياسية؟ الأمر بحاجة إلى قراءة متأنية لسبر أغوار تلك الظاهرة.

          «عندما وصل الجنرال بونابرت إلى الشرق الأوسط في العام 1798م، لم يكن في المنطقة غير دولتين مستقلتين، هما تركيا وإيران. وتحاول الدولتان اليوم استعادة دوريهما الذي لا مناص منه، دور القوتين العظميين في المنطقة».

«برنارد لويس»



  • كانت فائدة تركيا من ثورات الربيع العربي مزدوجة، فلم يقف الأمر عند زيادة التبادل الاقتصادي والميزان التجاري، وحسب، بل تضاعفت أعداد أفواج السياحة العربية إلى ربوع تركيا
  • في حلم «اسطنبولوود» الجديد تلعب المسلسلات التركية على أوتار كل ما هو مهمل وممنوع ومحرم في حياتنا، هذه الصورة ليست الصورة الحقيقية للحياة في تركيا، ولكنها الصورة التي يريد بها صناع تلك المسلسلات ترويجها عن تركيا
  • نشاط ودور الإستراتيجية التركية، يؤكدان أن على تركيا أن تملأ الفراغ الذي نشأ في الشرق الأوسط، لإعادة ترتيب صورته الجديدة
  • يمكن رصد تحرك تركيا السياسي إبان الربيع العربي، ودورها في العلاقات مع إيران وإسرائيل، كي نرى هذا العثماني العائد إلى بيوت عربية مشرعة الأبواب لمن يريد اقتحامها، مهلهلة البنيان لمن يشاء هدمها

          لعلنا بداية نبحث عما طرأ على العلاقات العربية التركية، على أكثر من وجه، وفي أكثر من مجال، خلال ذلك العقد الأخير الذي شهد تلك الطفرة بعد عرض نماذج الحياة التركية، التاريخية والمعاصرة، عبر المسلسلات التلفزيونية المدبلجة.

          حين نبدأ بالاقتصاد، نجد أن المنظمة العربية للتنمية الصناعية والتعدين التابعة للجامعة العربية تعلن تنامي التجارة البينية بين العالم العربي وتركيا أربع مرات، خلال الفترة منذ 2002م حتى وصلت إلى 27.7 مليار دولار عام 2009م فكانت الصادرات العربية ـ مجتمعة ـ لتركيا تساوي 7 مليارات دولار ذلك العام، بينما بلغت الصادرات التركية إلى البلدان العربية 22 مليار دولار في 2009م، وارتفعت لتقفز الى 35 مليار دولار في عام 2011م.

          ولا يقف طموح الأتراك عند حد، فقد قال وزير العلوم والصناعة والتكنولوجيا التركي نهاد إرغون بأن الحكومة التركية تستهدف الوصول بحجم التجارة مع الدول الأعضاء بالجامعة العربية إلى 100 مليار دولار في غضون السنوات الخمس القادمة!

          وتشكل الدول العربية نسبة 9 في المائة من حجم التجارة الخارجية لتركيا، لذلك يعلن الوزير التركي استعداد بلاده لتبني زيادة اتفاقيات التجارة الحرة والإعفاء من تأشيرات الدخول بين تركيا والدول العربية، وتقديم خبرتها للدول العربية في البقاع التي توجد بها مناطق صناعية منظمة وكذا المجالات التي تنطوي على مشروعات صغيرة ومتوسطة ونظام تحفيزي وحقوق للمستهلكين.

فوائد الربيع العربي.. في تركيا!

          لا تعمل تركيا في المناطق التقليدية وحسب، بل تتجه إلى الاقتصادات التي بدأت تتعافى بعد الحروب، فقد أعلن وزير الاقتصاد التركي، ظافر كاغلايان، في مؤتمر أعمال عراقي ـ تركي أقيم في اسطنبول قبل أسابيع، أن حجم التجارة بين بلاده والعراق زاد خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي، وكان ذلك مقدرًا بمبلغ 940 مليون دولار في العام 2003، وزاد في العام الفائت إلى 11 مليار دولار.

          الأمر نفسه ينسحب على العلاقات التجارية مع بلدان الربيع العربي؛ تونس ومصر وليبيا، كذلك. فقد شهد الربع الأول من العام الحالي زيادة الصادرات التركية إلى تلك البلدان الثلاثة بالتحديد، وبعد فترة من ركود العلاقات التجارية بسبب الثورات الشعبية، حيث سجلت الصادرات التركية إليها زيادة بنسبة 84 في المائة، لترتفع من 899 مليون دولار في العام الماضي إلى 1.6 مليار دولار هذا العام، وبالمقارنة بين الربعين الأولين من عامي 2011 و2012م، ارتفعت قيمة الصادرات التركية إلى ليبيا من 264 إلى 526 مليون دولار، وإلى تونس من 139 إلى 208 ملايين دولار، وإلى مصر من 496 إلى 917 مليون دولار. وتطوُّر الشأن الاقتصادي ليس ببعيد عن دول الخليج العربي التي تعد السوق المفضلة لشركات التصدير التركية، حيث أظهر استبيان أجراه اتحاد المصدرين الأتراك أن ما نسبته 62 في المائة من المصدرين يسعون لدخول هذه السوق.

          إن زيارة إلى المجمعات التجارية في تلك المنطقة، على تنوع ما تعرضه من منتجات. تكشف حجم البضائع التركية التي تغمر الأسواق، وهو أمر لا يخص منطقتنا العربية وحسب، بل يمتد للفضاء الإفريقي والسوق الإيراني على حد سواء.

          كما كانت فائدة تركيا من ثورات الربيع العربي مزدوجة، فلم يقف الأمر عند زيادة التبادل الاقتصادي والميزان التجاري، وحسب، بل تضاعفت أعداد أفواج السياحة العربية إلى ربوع تركيا، مثلما سعد الأتراك باستبدال وجهات الأجانب الذين اعتادوا زيارة مصر وتونس وسورية واليمن، إلى مقاصد على جانبي البوسفور، في مدن تركيا وجزرها.

          وبلغت قيمة الاستثمارات السياحية في الشرق الأوسط نحو 400 مليون ليرة تركية، والمؤسسات السياحية التركية تتوقع أن يزور تركيا من دولة الكويت وحدها 30 ألف سائح بنهاية هذا العام!

ترويج أسلوب الحياة

          ولكن ما علاقة ذلك كله بما عرضنا له من الفورة التلفزيونية للمسلسلات التركية على شاشاتنا العربية؟

          الأمر يتصل بشكل وثيق بما تقوم به وسائل الإعلام من دور أساسي في تغيير أنماط الحياة لدى المستهلكين. وعلى سبيل المثال نذكر كيف ساد في بدايات السينما بهوليوود أسلوب الحياة الأمريكية بشكل طاغ، مما جعل الاستهلاك للبضائع الأمريكية نموذجا للترف والقوة والمغامرة.

          ها هو نجم أفلام رعاة البقر الأمريكية جون واين يكرِّس مفهوم القوة العصرية ضد الفطرية البدائية، ومبدأ الفوز للأقوى. على مقصلة الإعدام يُسأل الشخص عما يريد قبل موته، فيطلب أن يدخن، ينطلق البطل في البراري يصدِّر حريته مع دخان سيجارته، مشاهد متكررة وملموسة تنفق عليها شركات التبغ لتنتج أجيالا من المدخنين. هكذا كرس نمط الحياة للاستهلاك. وقد استمر الأمر مع السيارات الأمريكية الفارهة التي عكست روح الترف والرخاء، وهي الظاهرة التي انتقلت بعد الطفرة النفطية لتجري تلك المركبات الضخمة في شوارع مدننا العربية المعبدة وسط رمال الصحراء.

          ونحن نجد كيف تعاني معظم المدن العربية، التاريخية والعصرية، بشكل يومي، حيث تتكدس السيارات في شوارعها وسط زحام خانق، وتضيق البيوت بسكانها بسبب أبنية خرسانية مصمتة تشبه المعلبات، وتتحفظ الحريات المجتمعية للأسر العربية تحت سقف التابوهات الدينية والأخلاقية.

          وسط ذلك كله تهبط من سماء الأطباق الصناعية اللاقطة للقنوات الفضائية أحلام طوباوية تبثها تلك المسلسلات التركية الناطقة بلسان عربي، لتقدم نموذجا بديلا لتلك الحياة: بيوتا مثل فراديس تحيط بها حدائق يطيب فيها الجلوس بسبب جوها نهارا وليلا، علاقات أسرية لا تحكمها أسقف، أزياء لا نكاد نراها في مدننا العربية، موائد ممتدة وعامرة، ووجوه مليحة لم يهدها تعب العمل، ولا أرق الهم، لممثلين وممثلات يؤدون أدوارا تناسب أعمارهم، وهذا كله عكس ما يقدمه النجوم العرب، والكتاب العرب، والشاشات العربية، لحياتنا العربية.

حلم «اسطنبولوود» الجديد

          يشبه الأمر ـ تماما ـ حلم «بوليوود»، أي حلم السينما الهندية، الذي تدلل به الشاشات حياة الفقراء والبؤساء في معظم مدن الهند. فخلال ثلاث ساعات هي متوسط مدة عرض الفيلم الهندي سينسى المشاهد بؤسه وألمه، وسيغيب عن الوعي بواقعه وحاضره، وسيتماهى مع شجعانه وأبطاله وهم يمسكون الرصاصة في الهواء، قبل أن تصيبهم، وهم يراقصون البطلة الحسناء قبل أن يتزوجوها، بعد أن يجهزوا وحدهم على جيوش من الأعداء.

          حلم بوليوود ينقل المواطن الهندي البسيط من واقعه إلى سماء أخرى، يحلق فيها، هائما ومخدرا، إلى أن يوقظه الواقع مع شاشة النهاية. وهكذا تفعل المسلسلات التركية التي تلعب على أوتار كل ما هو مهمل وممنوع ومحرم في حياتنا. إنه حلم «اسطنبولوود» الجديد. وللحق فإن هذه الصورة ليست الصورة الحقيقية للحياة في تركيا، ولكنها الصورة التي يريد بها صناع تلك المسلسلات ترويجها عن تركيا.

          إنها صورة معدة للتصدير، وليست للاستهلاك المحلي، تقدم قيم الحرية المعاصرة، حتى بما يفوق ما هو متاح في الحياة الأوربية، مثلما تقدم قيم الماضي زاهيا بأزيائه وعمارته، حتى تقدم صورة معاكسة لما تعلمناه في التاريخ عن أن العثمانيين القدامى كانوا وراء أربعة قرون من الركود والتخلف مما استدعى مقاومتهم لإزاحة ذلك التخلف، والتحرر من ذلك الأسر تحت عباءة التاريخ الراكد.

          حتى أن بعض الدول الإسلامية وجدت في المسلسلات التركية جموحًا لا تستطيع تحمله، وأذكر هنا طاجيكستان التي رأت أن الدراما التركية ستؤثر سلبا على شعبها بسبب احتواء بعضها على مشاهد جنس ساخنة وعنف، بالرغم من استعانة الدراما التركية ببعض الممثلين من جمهورية طاجيكستان للمشاركة فيها.

          يتجدد حلم «اسطنبولوود» مع كل مسلسل. ونعرف اجتياح موجات من الأسماء للمواليد العرب مع كل بطل جديد، وبطلة جديدة، وقد عرفت شهادات المواليد تسونامي «مهند»، وهي اليوم تشهد بركان «كريم»، وزلزال «فاطمة»، وإعصار «لميس»، وهي أسماء بعضها معادل مختلق من الشركات المدبلجة للأسماء التركية، ولكنها في معظمها، ونظرا للتشابه في الجذور، تعد أسماء تركية أيضا لها حسها العربي والإسلامي.

          ولا ينتهي جزء من المسلسل إلا ليبدأ آخر، لتتصارع الشاشات على عرض حصري لمسلسل ما، يذاع كل يوم، ويعاد كل يوم، ويقدم في أحد أيام الأسبوع عدة حلقات متتالية، وربما يعرض مرة مدبلجا ومرة أخرى مع الترجمة. ويتم تقسيم الحلقة الواحدة من المسلسل التركي إلى حلقتين، ليتسع للإعلانات التي تتخلله، والاستفتاءات التي تسأل المشاهدين عن أحداثه، وتستفتيهم في التنبؤ بما سيجد منها.

          ثم تنتقل الصرعة، لتصبح موضة، يتم تعميمها لتتحول إلى أسلوب حياة، فتشتري الأم خاتم أو قلادة ترتديهما بطلة المسلسل من محلات المجوهرات، وتبحث الابنة عن أزياء مماثلة ظهرت بها بطلات المسلسل، ويرتدي الشباب نظارات شمسية تحمل العلامة التجارية نفسها للأبطال. ويبدأ الجميع في التخطيط لقضاء إجازتهم السنوية في المنتجعات التركية، وتتحول المسلسلات إلى قوة شرائية وآلة ترويجية يفوق حجمها الاقتصادي ما ينفق عليها.

الوجه الآخر للصورة

          لكننا ننظر إلى الوجه الناعم للصورة التلفزيونية، وعلينا أن نمعن النظر، ونحدق بالوجه الآخر للصورة، وهو التحرك الإقليمي التركي فيما وراء شاشة التلفزيون.

          ولعل وزير الخارجية التركي؛ أحمد داود أغلو، في كتابه (العمق الإستراتيجي: موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية)، أن يقدم لنا تصورًا شاملاً لذلك التحرك الذي يبرز نشاط ودور الإستراتيجية التركية، حيث يؤكد أوغلو أن على تركيا أن تملأ الفراغ الذي نشأ في الشرق الأوسط، مثلما يؤكد على حق بلاده في إعادة ترتيب صورة الشرق الأوسط الجديد، وأن تكون ـ بالمثل ـ فاعلة في قيادته.

          ومن هذا المنطلق يمكن رصد تحرك تركيا السياسي إبان الربيع العربي، ودورها في العلاقات مع إيران ودولة الاحتلال الإسرائيلي، كي نرى هذا العثماني العائد إلى بيوت عربية مشرعة الأبواب لمن يريد اقتحامها، مهلهلة البنيان لمن يشاء هدمها.

          ففي الوقت الذي تعاني منه عاصمة عربية مثل مقديشيو كل أزمات الحروب الأهلية والمجاعات، ظهرت تركيا لتقدم صورة طائر السلام والخير الذي يحيط بأجنحته العاصمة الصومالية، ويتدفق عمال الإغاثة الأتراك على مقديشيو بالتزامن مع تزايد اهتمام الحكومة التركية منذ عامين، فاستضافت مؤتمرًا دوليًا ركّز على القضية الصومالية، ودعا إلى فرض الأمن والاستثمار في هذا البلد الذي أصبح اسمه مقترنا بأعمال القرصنة والفوضى.

          كما قام رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بزيارة لمقديشيو تعد الأولى لزعيم غير إفريقي للصومال منذ عشرين سنة، قال هو نفسه عنها: «في الثقافة التركية، هناك اعتقاد يقول إنه لا بد أن يبرز الأمل من وسط الركام. وهذا ينطبق على الصومال، هذه الكارثة (مجاعة عام 2011) يمكن أن تكون نقطة البدء لمحاولة جديدة لجذب انتباه جهود الإنقاذ العالمية لمأساة هذه المنطقة من العالم».

          وفي الوقت الذي حارب فيه الرئيس السابق في مصر جهود الإغاثة لقطاع غزة الفلسطيني المُحاصر من قبل قوات دولة الاحتلال الإسرائيلي، دعمت تركيا أسطول الحرية ومولت واحدة من سفنه التي أرسلت لرفع الحصار عن غزة وهي تحمل على متنها مواد إغاثة ومساعدات إنسانية، بالإضافة إلى ناشطين حقوقيين وسياسيين وصحفيين. ونفذ جيش الاحتلال الإسرائيلي مجزرة بحق نشطاء أسطول الحرية المتجه نحو قطاع غزة مما أسفر عن استشهاد 16 متضامنا كانوا على متن سفن الأسطول في المياه الدولية. وهو الأمر الذي صدَّع العلاقات التركية الإسرائيلية حتى اليوم.

          كما أنه، وبعد نزوح الآلاف من السوريين هربا من نيران الموت في وطنهم، استقبلتهم تركيا في مخيمات على حدودها، لتقدم نموذجا آخر للتعاون مع الشعوب العربية، بدأته بالمشاركة في الحرب على ديكتاتور ليبيا السابق.

          هذا الوجه الآخر لتركيا، كرقم فاعل في الشأن السياسي العربي، جعل الجميع ينظرون إلى النموذج التركي ـ في السياسة ـ كأمل مرغوب به، ونهج مطلوب السير وفقه، ومنهج يحتذى. وهكذا اجتمعت الصورتان، الخيالية المتلفزة والعملية الحية، لتعيد صياغة الصورة لدى الذهنية العربية عن أحفاد العثمانيين، وليجدوا نموذجا مغايرا للعثمانلي الجديد، الذي أعاد تلميع صورته، مثلما يعيد صياغة توصيفه، ليلغي من الذاكرة تلك الصورة التاريخية التقليدية السلبية.

          ربما أدركت تركيا صعوبة في دخول الاتحاد الأوربي، في المنظور القريب على الأقل، فبدأت تختط نهجًا جديدًا لتقديم نفسها كفاعل إقليمي مشارك ـ إن لم نقل مهيمنا ـ على الساحة السياسية العربية، وكأنني أرى أنها تأخذ من البوابة العربية مدخلاً جديدًا لتحسين صورتها التي لا تنفك قوى معادية لها ترى فيها نموذج العثمانلي القديم بما يتهمونه من مجازر وانتهاكات وحروب إبادة.

          إن تركيا تفعل ذلك وهي تضع الشعوب العربية في صفها، فمجتمعاتنا العربية باتت تتحدث عن أبطال المسلسلات كأنهم أفراد من العائلة، مثلما درجت على ذكر المنتجعات والمصائف بالمدن والموانئ التركية، كأنها على مرمى حجر، وبدأت إعلانات بيع العقارات التركية تنتشر في الصحافة والمواقع الإلكترونية العربية، وخاصة بمنطقة الخليج العربية.

          ويأتي فوز التيارات الإسلامية في مصر وتونس وليبيا والمغرب وفلسطين، سواء بمقاعد الرئاسة أو بحقائب الوزارة، كنقطة انطلاق جديدة، لساحة تظهر على خلفيتها شاشة تقدم الإسلام التركي نموذجا صالحا للتطبيق، يظهر نفسه كصورة للعصرنة والديمقراطية والإيجابية.

          ها هو شهر رمضان قد مضى منه أسبوعان، شغل فيه المشاهدون والمشاهدات العرب ساعات من أوقاتهم في متابعة المسلسلات التركية، ليتم تكريس مزيد من الحضور التركي عبر الفضاء العربي، بما يمثل إعلانات تسجيلية تدفع المتلقي العربي لكي يراها! 

          لقد نادينا مرارا بضرورة تحسين صورة الشخصية العربية لدى ذهنية الآخر، ولا أعتقد أن هناك نموذجا أفضل مما فعلته تركيا، فلعلنا نبدأ في ترجمة ودبلجة أعمالنا الدرامية المميزة، التي تضيء جوانب من حياتنا، وتخصص لأعلام من تاريخنا، فنقدم صورة إيجابية في عالم لم تعد للكلمة فيه قوة مماثلة لسلاح الصورة على الشاشة، وهي تعيد تقديم الواقع بشكل جديد، ومؤثر.

 

 

سليمان إبراهيم العسكري