مدونات من «الافتراضي» إلى «الورقي»

مدونات من «الافتراضي» إلى «الورقي»

لو لم أكن تلك الشاشة المضيئة التي تكشف بالحرف والكلمة خصوصيات وأفكار أشخاص قرروا أن يعبروا عن خصوصياتهم هنا, لربما كنت أوراقا في مفكرة أو دفتر ورقي، مخبأ وحيد، مدسوس بين أوراق أو كتب، بعيداً عن الأيدي والمتلصصين. أظن أن هذا هو ما يمكن أن تنطق به شاشة الكمبيوتر المشرعة على مدونة من تلك المدونات الشخصية التي يجعل منها أصحابها اليوم مساحة للتعبير والتفكير والكتابة، متيحين الفرصة لغيرهم من جمهور قراء الإنترنت أن يشاركوهم في تلك الحالات الكتابية والمزاجية.

لكن بعض المدونين، ممن كانوا يكتبون بأسمائهم الحقيقية، أو من اختاروا لأنفسهم أسماء افتراضية قرروا أن يحولوا ما دونوه على شاشة الكمبيوتر وشبكة الإنترنت إلى نصوص منشورة في كتب ورقية، وهو ما فتح المجال لنوع جديد من الكتب التي شهد العام الحالي طفرة كبيرة في نشرها.

بدأت الظاهرة فيما يشبه موجة أطلقتها دار الشروق مطلع هذا العام بنشر ثلاثة كتب في إطار سلسلة مختصة بنشر المدونات هي «أرز بلبن لشخصين» لرحاب بسام، «عاوزة أتجوز» لغادة عبد العال، «أما هذه فرقصتي أنا» لغادة محمد، وحققت الكتب الثلاثة مبيعات كبيرة فور نزولها إلى المكتبات، حتى أنها طبعت عدة طبعات في زمن قياسي، وأظن أن ذلك كان متوقعا لأن المدونات لها جمهورها الذي يتابعها على شبكة الإنترنت، بالإضافة إلى الدعاية التي تحققت للسلسلة والمدونات. عبرت الكتب الثلاثة عن تنويعات مختلفة لاهتمامات المدونات، فـ «أرز بلبن لشخصين» هي مدونة مهتمة بالقص، وبالحكايات، التي تكشف عن موهبة لافتة، وإن كانت تحتاج إلى مزيد من الصقل. أما كتاب «عاوزة أتجوز» فهو أقرب إلى الكتابة الاجتماعية الساخرة الذي تتخذ فيه الكاتبة شخصية افتراضية تبحث عن زوج، وتناقش مشكلات الزواج في المجتمع المصري، ووضع المرأة في المجتمع بشكل عام. أما كتاب «أما هذه فرقصتي أنا» فهي مدونة تجمع بين الخواطر الذاتية، والنص الأدبي.

ومع تحول السلسلة إلى ظاهرة عادت الدار لنشر كتاب أظنه أكثر نضجا من سابقيه على مستوى الكتابة والوعي، والثقافة، وهو كتاب «إسكندرية بيروت» للكاتبة نيرمين نزار، وهو يختلف عن سابقيه في أنه ضم نصوصا للكاتبة كتبتها بمنتهى الحرية لأنها كانت تكتب باسم افتراضي غير حقيقي هو «ألكساندرا»، لكنها، تعرضت لفضح شخصها بصدفة ما عن طريق الإنترنت، فلم تتردد أن تعلن عن نفسها، وتؤكد على قدرتها على نشر أفكارها بشخصيتها الحقيقية بشجاعة نادرة.

ثم تحولت المسألة إلى ظاهرة قامت على إثرها مجموعة من دور النشر بنشر بعض النصوص التي كان أصحابها قد نشروها على مدونات، في شكل كتب.

والحقيقة أن الظاهرة تثير مجموعة من الأفكار عن ماهية التدوين، والخصوصية، والنشر، وظواهر الكتب التجارية، وقيمة النص المدون، ومستوى المدونات العربية، مقارنة بمثيلاتها الغربية.

ولكي لا يبدو ما أقوله هنا تنظيرا خالصا، أحيلكم إلى ندوة أقيمت في القاهرة، وصادفت وجودي هناك آنذاك قبل شهرين. عقدت الندوة في مكتبة بدرخان بضاحية الأهرام، وأدارتها الكاتبة والناقدة شيرين أبو النجا، وشارك فيها عدد من المدونين الذين نشروا مدوناتهم في كتب، وبينهم ممن ذكرنا كل من نيرمين نزار، وغادة محمد بالإضافة إلى إبراهيم عادل الذي يكتب نصوصا مختلفة في مدونة بعنوان «أنا وأنا».

تحدثت شيرين أبو النجا عن الظاهرة بشكل عام، طارحة أسئلة عن طبيعة تلقي النصوص التي كانت مكتوبة في وسيط افتراضي، ثم تحولت للوسيط الورقي، وعن ظاهرة المدونات بشكل عام، ودورها في الحراك الاجتماعي والسياسي والفكري. ثم تحدث كل من المدونين عن الظروف التي دعت كلا منهم للتدوين ثم إلى قبول فكرة النشر في كتاب.

تراوحت تلك الأسباب في الرغبة في البوح والتعبير الذاتي عن الافكار والمشاعر، وإيجاد مساحة للكتابة الأدبية مع وجود فرصة التعرف من القراء مباشرة على انطباعاتهم عن تلك النصوص.

واشتبك الجمهور مع المنصة في حوار حول التدوين وحول تناقض فكرة الخصوصية مع وسيط افتراضي متاح للاطلاع عليه من قبل أي شخص، كما أبدت الكاتبة الصحفية نجلاء بدير حماسها الشديد لفكرة التدوين، من موقع قدرة المدونات على تعريف المطلع عليها على تجارب خاصة في الحياة، وفي المشقة اليومية للفرد في مصر.

بشكل شخصي كنت أختلف مع أغلب المدونين والمنصة ونجلاء بدير، من حيث خفة تناول موضوع المدونات، فبشكل عام، وكما كتبت في هذه الزاوية قبل عدة أشهر، ومن خلال مراقبتي للمدونات العربية والأجنبية لاحظت أن المدونات العربية، في أغلبها الأعم، تعكس الثقافة التي تنتمي إليها من حيث عدم الحرص على التجويد والدقة، وأنها أميل للخفة والمرح والبوح بلا عمق، وهو ما ينطبق على المدونات الأدبية والمدونات الاجتماعية وأيضاً السياسية، إذ تغلب عليها نوع من المراهقة في التناول، مع التاكيد أن هناك دائما استثناءات ومحاولات جادة ومهمة.

كما أن هذه الخفة تنسحب على نقد المدونات من قبل الإعلام بشكل خاص، حيث يميل الإعلام لتضخيم الظاهرة دون نقدها بعمق، فما هي جدوى الحكايات التي يحكيها أفراد عن حياتهم الشخصية إذا لم يتم دراستها وتحليلها من قبل المتخصصين؟

وما جدوى أن يدخل قراء هواة ليحيون نصوصا ركيكة يظن أصحابها أنهم أصبحوا كتابا بسبب هذه التعليقات الخفيفة المشجعة أكثر منها نقدية أو متخصصة؟

عندما تنشر المدونات المميزة في كتب، مثل المدونات التي تناولت يوميات حرب العراق من قبل العراقيين ولفتت الانتباه للمدونات في الأساس، أو تلك التي تتناول قضايا حساسة غير مطروقة،أو حين تنشر مدونات نقدية مثل مدونة الحرملك التي تتناول نقد الفكر الذكوري في المجتمعات العربية، على سبيل المثال، وغيرها فربما حينئذ تتأكد لنا جدية الفكرة بعيدا عن المنطق التجاري الخالص الذي يحركها الآن وهنا.

الخط العربي على الإنترنت

من محاسن شبكة الإنترنت أنها تحتفي بالخط العربي عبر العديد من المواقع. صحيح أنها ليست كثيرة، لكنها تقدم مساحة لا بأس بها عن تاريخ الخط العربي، وأشهر الخطاطين العرب والأتراك ممن ارتقوا بهذا الفن وحققوا له شهرة كبيرة في أرجاء العالم من خلال الزخارف والخطوط التي زينوا بها المساجد العتيقة في أرجاء مصر والشام وتركيا وبغداد.

ويعرف موقع ويكيبيديا الخط العربي بأنه فن وتصميم الكتابة في مختلف اللغات التي تستعمل الحروف العربية. تتميز الكتابة العربية بكونها متصلة مما يجعلها قابلة لاكتساب أشكال هندسية مختلفة من خلال المد والرجع والاستدارة والتزوية والتشابك والتداخل والتركيب.

ويقترن فن الخط بالزخرفة العربية أرابيسك حيث يستعمل لتزيين المساجد والقصور، كما أنه يستعمل في تحلية المخطوطات والكتب وخاصة لنسخ القرآن الكريم. وقد شهد هذا المجال إقبالا من الفنانين المسلمين بسبب نهي الشريعة عن تصوير البشر والحيوان خاصة في ما يتصل بالأماكن المقدسة والمصاح.

يعتمد الخط العربي جمالياً على قواعد خاصة تنطلق من التناسب بين الخط والنقطة والدائرة، وتُستخدم في أدائه فنيا العناصر نفسها التي تعتمدها الفنون التشكيلية الأخرى، كالخط والكتلة، ليس بمعناها المتحرك ماديا فحسب بل وبمعناها الجمالي الذي ينتج حركة ذاتية تجعل الخط يتهادى في رونق جمالي مستقل عن مضامينه ومرتبط معها في آن واحد. يوجد الكثير من الأنماط في الخط العربي ويمكن تقسيمها إلى عائلتين حسب الأسلوب:

  • الخطوط الجافة أو اليابسة، وحروفها مستقيمة ذات زوايا حادة، ومن أشهرها الكوفي.
  • الخطوط المستديرة أو اللينة، وحروفها مقوسة و من أشهرها النسخ.

وهناك العديد من المواقع المفيدة في التعريف ومنها موقع الخط العربي الذي يتناول تاريخ أشهر الخطاطين العرب ويستعرض تشكيلات من خطوطهم من العصرين العباسي والأموي، ومن العصر العثماني في تركيا ومصر والشام. وعنوان الموقع هو:

www.angelfire.com/ca5

كما توجد مواقع مختصة في تعليم الخط العربي على الإنترنت مثل موقع تعليم الخط العربي وعنوانه هو:

www.tharoutemara.jeeran.com

وهناك موقع مختص بنشر روائع الخط العربي، وهو الاسم الذي يحمله الموقع نفسه بدائع الخط العربي، وهو في الأساس موقع شخصي لفنان سعودي هو عدنان العباد. وعنوانه هو:

www.4arts.s5.com

حامد العويضي فنان الحروف

حامد العويضي هو أشهر فنانى الخط العربي في مصر، ومع أنه دارس للصحافة والإخراج الصحفي، تخرج في كلية الإعلام منذ ربع قرن، فإن الخط العربى كان هوايته وعشقه الفريد، درسه وتتبع مناهجه ومدارسه، ثم احترفه ليتفوق فيه، ويقيم العديد من المعارض الفنية في لوحات جميلة، يمتزج فيها الحرف العربي بالألوان والظلال والبقع الضوئية في تشكيلات فنية متميزة، وضعته في مصاف الشهرة والتحقق والمجد والتفوق بين الفنانين التشكيليين. لحامد العويضى هواية غريبة هي الطواف بالأحياء والمساجد القديمة، يتتبع الخطوط المكتوبة في لوحات معدنية أو جصية، يشرح لنا مدارس الخط القديمة، والفروق بينها وبين المدارس الجديدة المتعجلة، يحذر من انهيار مدرسة متميزة للخط العربي الأصيل، ويضرب مثالاً بالتجديد الذي حدث في مسجد السيدة زينب، واللوحات الجصية الحديثة، يوضح لنا الفوارق الصارخة بين الكتابة القديمة والجميلة، وبين الكتابات الجديدة التي تفتقد للأصالة والمهارة والصبر والجمال! هكذا وصف الكاتب عاصم حنفي الفنان الخطاط الراحل حامد العويضي الذي توفي عن عمر ناهز الخمسين، العام الماضي، بعد صراع مع مرض أتلف كبده، لكنه خلف ثروة من الفن الجميل عبر مئات الأعمال الفنية، التي عكست موهبته الكبيرة في فن الخط العربي، وفي رؤاه العصرية للخط كجزء من التشكيل.

وفي الموقع الذي أنشأته زوجته السيدة منال الجسري، بإمكان القارئ أن يتعرف على فنون العويضي، والعديد من تجلياته الفنية التي استلهم فيها أشعار كبار الشعراء العرب، مثل محمود درويش وأمل دنقل وغيرهما، بالإضافة إلى بعض مقالاته عن الخط، وعن الخطاطين من أمثال حسني البابا والد الفنانة الراحلة سعاد حسني، والعديد من الموضوعات التي أولاها الاهتمام، كما يضم الموقع مجموعة المقالات التي كتبها الكثير من الكتاب عن حامد العويضي وأعماله الفنية البديعة. عنوان المدونة هو:

www.manaleljesri.maktoobblog.com

«البوتقة» جهد فردي مدهش
لترجمة الأدب إلكترونياً

كثيراً ما نقف في المكتبات مترددين، أو متحيرين، أمام كتب تبدو عناوينها لافتة لكتاب أجانب لم نسمع بهم قبلا، أو أمام أسماء كتاب نعرفهم، لكننا لا نستطيع أن نحكم على هذا الكتاب او ذاك. ولا شك أن هذا في جزء منه يحيل إلى أزمة ترجمة، وأزمة متابعة نقدية من الإعلام الثقافي العربي. لكن، لحسن الحظ ان هناك جهوداً مهمة، يبذلها بعض الأفراد لوجه الثقافة، أظن أن محتواها أفضل كثيراً من جهد مؤسسات. فمن يطلع، مثلا، على موقع «البوتقة» سوف يتخيل فوراً أن هناك فريقا من المترجمين وراء العمل في هذه الموسوعة الأدبية التي تطلع القارئ العربي على أحدث ما يصدر من فنون السرد الإنجليزي في أوربا وأمريكا، لكنه سيندهش بالتأكيد عندما يعرف أن هذا الجهد الخارق وراءه شخصية واحدة فقط، هي مؤسسة الموقع والمترجمة هالة صلاح الدين حسين، التي تقدم نموذجا مدهشا في البحث عن النصوص الجيدة للكتّاب المعاصرين، الذين لا نعرفهم كثيراً في عالمنا العربي، وفي الحصول على حقوق الترجمة من المؤلفين أو الناشرين، ثم الترجمة التي تكشف عن قدرة وذائقة أدبية مميزة.

هذه المجلة الإلكترونية المتفردة صدرت لأول مرة قبل ثلاث سنوات، وصدر منها خلال هذه الفترة 21 عدداً، حيث إنها فصلية. والمدهش أن مؤسستها هالة صلاح الدين تصر على أن يظل الموقع متاحاً للجمهور بلا مقابل، ولا مردود إعلاني، بالرغم من الجهد الهائل الذي تبذله فيها، وبالرغم من أنها تتكلف حقوق النشر. وهو يقين يستحق التقدير، خاصة أن الدور الذي تبذله هذه المجلة يقترب من جهد المؤسسات، حيث استطاعت أن تقدم عدداً كبيراً من النصوص الجيدة جداً لكتاب لم تقم مؤسسات الترجمة القومية باكتشافهم.

العدد الأخير من البوتقة ضم نصوصا قصصية وسردية لعدد من الكتاب من بينهم بنيامين بيرسي عن قصة «تحديث، تحديث»، بالإضافة إلى نص «هجوم معتدل للجراد» من كتاب «عادة الحب» للحائزة على جائزة نوبل الكاتبة البريطانية دوريس ليسينج. والفاصل العالي لـ «دامبروجيو»، وقصة لنانسي رايزمان، وغيرها.

ومن الزوايا التي تتميز بها البوتقة زاوية «مقطتفات» التي تقوم خلالها المترجمة بترجمة عبارات لامعة من نصوص مختلفة، مع وضع كل التعريفات الخاصة بصاحب المقولة أو كاتب الفقرة، والنص الأصلي المنقول عنه النص.

لمن يرغب في الاستمتاع بقراءة نصوص أدبية مترجمة يمكنه الاطلاع على موقع البوتقة:

www.albawtaka.com

 

 

 

إبراهيم فرغلي

 
 




 





 





«الطغراء» أحد التكوينات الجمالية بالخط العربي





من أعمال الفنان الراحل حامد العويضي