المفكرة الثقافية

  المفكرة الثقافية
        

  • إصدار: الفرنسية التي أهدت مصر متحفًا للفن الحديث

          هي التي أثارت اهتمامه بالفنون عمومًا وبفن الرسم على وجه الخصوص، فقد اهتم محمد محمود خليل بالفنون الرفيعة عبر زوجته الفرنسية إميلين، على الرغم من أنه، في البداية، لم يكن سعيدًا بهذا الأمر، إذ كتب في مذكراته الخاصة عن اليوم الذي قام فيه باقتناء أول عمل فني في باريس خلال شهر فبراير من عام 1903: «أربعمائة جنيه كاملة دفعتها إميلين اليوم ثمنًا للوحة «امرأة» من رسم رنوار.. إنه مبلغ كبير؛ أنا لا أتصور أن يُدفع كل هذا المبلغ في لوحة واحدة، لكن إميلين تقول إننا رابحون في هذه الصفقة.. ومن يدري فقد يكون رأيها صوابًا».

          وبمرور الوقت تتأصل هواية اقتناء اللوحات والتحف الفنية في محمد محمود خليل، حتى أنه لم يعد يعتبر ما يدفعه فيها مالًا ضائعًا، وأصبح هو وزوجته أشهر عاشقين للفنون الجميلة في مصر، وعلى مدى خمسين عامًا أنفقا أموالًا طائلة من أجل الاقتناء.

          ويشتري محمد محمود خليل بك قصرًا منيفًا على النيل في الجيزة من أحد أفراد العائلة المالكة، وتزينه كل هذه اللوحات والتماثيل التى اقتناها هو وزوجته.

          وقبيل وفاته بست سنوات يهدي هذا القصر بتحفه إلى زوجته، التي أعلن محاميها، بعد رحيلها في عام 1960، أنها وهبت القصر إلى الدولة ليصبح متحفًا وقد جاء في وصيتها: «يهمني هنا توضيح أنني أردت بهذه الوصية أن أعبر عما أشعر به في الصميم من حب لمصر التي صارت لي وطنًا منذ زواجي بالمرحوم محمد محمود خليل، وإني أذكر ما أحاطني به من عطف، وما شملني به من رعاية كزوج مخلص بادلني حبًا بحب، ولقد رأيت من حقه عليّ أن أخلد ذكراه في نفوس مواطنيه كجندي من أبر جنود مصر الأوفياء، ومن أجل ذلك فإنني أقرن وصيتي بشرط أقتضيه من الحكومة، وهو أن تجعل من المنزل والتحف التي يضمها متحفًا باسم «محمد محمود خليل وحرمه» على أن يفتح هذا المتحف للجمهور، وإذا رئي أن توضع تعريفة للدخول فلتكن زهيدة بحيث يكون الدخول ميسورًا للجميع».

          وبالفعل تسلمت وزارة الثقافة القصر وقامت بجرد محتوياته، ووضعت على بابه لافتتين نحاسيتين مستديرتين تحملان اسم المتحف بالعربية والفرنسية، وفتحت أبوابه للجمهور عام 1962.

          ويعتبر هذا المتحف ثاني أكبر متحف للفن الأوربي في مصر والشرق العربي بعد متحف «الجزيرة للفنون الأوربية»، وكلاهما يضم أثمن مجموعات الفن الغربي خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ولكن هذا المتحف يتميز عن متحف الجزيرة بأنه يضم مجموعة متجانسة مع مزاج صاحبيه.

          وأخيرًا اشترك المؤرخ الفني الدكتور صبحي الشاروني والدكتور مينا صارفيم، خبير تقييم الأعمال الفنية، في إعداد كتاب عملاق أصدرته فى القاهرة الدار المصرية اللبنانية حاملًا عنوان «روائع متحف محمود خليل»، ويضم أربعة أقسام: أولها «لوحات الرسم والتلوين.. التصوير» وعددها 135 لوحة من رسم 60 فنانًا، وأبرزها لوحة «ثقة» لإدمون فرنسوا، مرسومة بألوان زيتية على قماش مقاس (128 × 97 سم) وموقعة من الفنان في الركن الأيمن السفلي، وهي مهداة إلى حرم محمد محمود خليل في 29 سبتمبر 1920، ولوحة «فارس عربي» لتيودور شاسيرو، المرسومة بألوان جواش على ورق، ومساحتها (19 × 14 سم) وعليها توقيع الفنان ومؤرخة بعام 1836.

          أما الفنان جان بتيست كورو فله 12 لوحة، واحدة منها فقط بألوان زيتية على خشب «صخور على شاطئ المساء»، ومساحتها (20.5 × 34 سم)، وعليها توقيع الفنان في الركن الأيسر السفلي، وكانت ضمن مجموعة جورج بيتي سابقًا، بينما لوحاته الأخرى بألوان زيتية على قماش، كما يتضمن المتحف 8 لوحات للفنان الشهير فريناند فيكتور أوجين ديلاكروا أهمها: «رئيس قبيلة عربي» ألوان باستيل على ورق (36 × 27 سم)، و«دفن المسيح» ألوان زيتية على قماش (35 × 26 سم)، فضلًا عن ثلاث لوحات للفنان الأشهر بول جوجان: «الأسطح الحمراء» (81 × 65 سم)، «منظر في جزر المارتينيك» (47 × 61 سم)، و«مستحمات من تاهيتي (الموت والحياة)» (92 × 75 سم)، وكلها ألوان زيتية على قماش وموقعة من الفنان.

          كما كان لإدوارد مانيه نصيب في المتحف بلوحته «دراسة» حبر صيني على ورق (21 × 25 سم)، وكلود مونيه بلوحاته: «داخل الغابة» (82.5 × 62 سم)، «نبات مائي» (82 × 102 سم)، «وستمنستر آبي ومسلة كليوباترا في لندن» (74 × 100 سم)، «كوبري فوق مستنقع نبات مائي» (117 × 89 سم)، و«نهر السين عند أرجيني» (45.5 × 72 سم) وكلها ألوان زيتية على قماش.

          وقد خصص القسم الثاني للوحات الصغيرة وعددها 58 لوحة من رسم 40 فنانًا، منها سبع لوحات لرينيه هانان، وثلاث لهنري هاربيني، ولوحة وحيدة لبيير أوجست رينوار بعنوان «في الهول» ألوان زيتية على ورق مقوى (12.5 × 14 سم) وعليها توقيع الفنان بالحروف الأولى عند الركن الأيمن السفلي. أما القسم الثالث فيضم أعمال النحت والتماثيل البورنزية وهي 43 تمثالًا من صنع 12 فنانًا أغلبها لأنطوان لوي باري: «نسر يفترس بلشون» وارتفاعه 30 سم، «أسرة وعول» 27 سم بالقاعدة، «وعل يرفع رجله» ارتفاعه 19 سم، «وعل صغير» ارتفاعه 9.1 سم، «تيزيه يصارع المينوتور» 45.5 سم، و«تيزيه يصارع السنيور بيينور» 35 سم، «أسد يفترس حصانًا» 39.5 سم، «نمر يفترس تمساحًا» ارتفاعه 10 سم، «فهد يفترس حيوانًا» 6.5 سم، «وعل» 24 سم، «جمل» 17 سم بالقاعدة، «دب مستلقٍ» 14.5 سم، «كلب سباق» 8.5 سم، «أسد» 22 سم، «أسد يهاجم ثعبانًا» ارتفاعه 13 سم وطوله 17 سم، «لبؤة متربصة» ارتفاعه 9 سم بالقاعدة وطوله 22 سم، «لبؤة واقفة» ارتفاعه 13 سم وطوله 24 سم، «لبؤة نائمة» ارتفاعه 8.3 سم وطوله 31 سم، «أرنب جالس» ارتفاعه 4.5 سم وطوله 7 سم، «ظبيان صغيران» ارتفاعه 6.7 سم وطوله 13.3 سم، «كلب» ارتفاعه 13 سم بالقاعدة وطوله 27 سم وعليه توقيع الفنان محفور على القاعدة مع رقم 15 وغالبًا هذا الرقم يمثل عدد النسخ التي سكب منها التمثال.

          ويعرض الفصل الرابع لمسابك التماثيل البرونزية.

          وفي نهاية الكتاب أضاف المؤلفان قسما خاصا يضم أجمل اللوحات الملونة التي تعرض في المتحف، ومنها لوحة الغلاف «ذات رابطة العنق من التل الأبيض» لأوجست رينوار، أول لوحة اشتراها محمد محمود خليل.

          ولمن لا يعرف محمد محمود خليل بك فهو أحد الشخصيات ذات التأثير في حركة الفنون الجميلة المصرية طوال الربع الثاني من القرن العشرين، وقد ولد عام 1877 في أسرة عريقة، وسافر إلى فرنسا عام 1901 قاصدًا دراسة الزراعة حتى يتسنى له رعاية أملاك أسرته بعد عودته طبقا لتقاليد العائلات التي تمتلك أرضا زراعية واسعة، ولكنه سرعان ما تحول إلى دراسة القانون في جامعة السوربون، وبعدها بعامين التقى بإميلين هكتور لوس، راقصة البالية والممثلة التي كانت تدرس الموسيقى في معهد الكونسرفتوار في باريس، ليعود بها إلى القاهرة ويتزوجها لتلازمه بعد ذلك في جميع رحلاته الأوربية.

          ويتعلق دوره الأساسي في تاريخ الحركة الفنية بأنه كان يمثل الحكومة في إدارة الفنون الجميلة، وخاصة بعد أن تولى رئاسة جمعية محبي الفنون الجميلة التي كانت تلعب في الماضي دورًا رئيسيًا في الحياة الثقافية لا يعادله إلا دور وزارة الثقافة في وقتنا الحالي.

          وقد ظل خليل رئيسًا لهذه الجمعية في الفترة التي امتدت من عام 1924 وحتى 1952، وخلال هذه الفترة بدأ عمله في جمع لوحات «متحف الفن الحديث»، ويحسب له إقناع الملك فؤاد بضرورة تخصيص مبنى مستقل بذاته لهذا المتحف، وكان يسافر إلى فرنسا بصفة مستمرة لاقتناء اللوحات التي ستعرض في المتحف، كما رأس اللجنة الاستشارية للفنون الجميلة التي تشكلت في عام 1927 وكان نشاطها مدعمًا من وزارة المعارف العمومية.

القاهرة: مصطفى عبدالله

  • غياب: وداع للفنان حامد عويس على شاطئ الأنفوشي

          «إذا كان لى أن اختار من مجموع اللوحات التى احتواها بينالى فينسيا لوحة واحدة أقدمها إلى العالم أجمع كتصوير لإنسان هذا العصر فلن أتردد فى اختيار هذه اللوحة التى قدمها الفنان المصرى حامد عويس».. هذه ليست شهادتي وإنما هي شهادة الناقد البريطاني جون بريجر، التي أعلنها في عام 1958 عندما لفتته إحدى لوحات الفنان الدكتور حامد عويس، الذي رحل عن دنيانا أخيرًا، وأبنّه مبدعو الثغر ونقاده في احتفالية دافئة بقصر ثقافة الأنفوشي.

          ويقدم لنا الفنان التشكيلي السكندري الدكتور مصطفى عبدالمعطي المبررات التي جعلت هذا الناقد البريطاني ينحاز إلى لوحة عويس عندما يقول: «أستاذنا الفنان حامد عويس اختار دائما أن يقف في صف الإنسان الذى ينشد للحياة من أجل غد أفضل للبشرية جمعاء، ففى أعماله يشرق الأمل دائمًا من كل الوجوه التي نبصر الشوق في عيونها.

          ولوحاته تجعلنا نوقن بأن الغد حتمًا سيكون أفضل من الأمس ومن اليوم أيضًا».

          فقد عاش طفولته وصباه فى قريته الصغيرة الوادعة فى محافظة بني سويف في صعيد مصر، التي ولد فيها في سنة 1919، وهذا ما ساعده على تأمل الطبيعة، وعشق الألوان المتغيرة بتتابع فصول السنة، وحب رحابة الأرض واتساعها، لكن هذا سرعان ما تغير عندما نزح هذا الجنوبي إلى المدينة التي اسماها الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي «مدينة بلا قلب» بشوارعها الاسفلتية، وبشرها الذين يعلو العبوس وجوههم، ولم يحتمل عويس العيش في القاهرة إلا لأنه وضع نصب عينيه حتمية التخرج في مدرسة الفنون الجميلة.

          وبدأت رحلته الفنية بالتنقيب فى الموروث الثقافى المصرى، وفى الحضارات، وفى تاريخ الفن شرقًا وغربًا بهدف الوصول إلى لغة تشكيلية خاصة تحمل فى ثناياها جوهر فكره الاشتراكي.

          وكانت الإرهاصات الأولى بالبحث فى اللون لأنه عماد فن التصوير فراح يتأمل أعمال أساتذة الفن المعاصر، وتوقف أمام «ماتيس» و«بيكاسو»، وحاول الجمع بين المتناقضات اللونية ضاربًا عرض الحائط بالتعاليم الأكاديمية فى مصر.

          ومن جديد ينزح عويس، ولكن إلى الإسكندرية هذه المرة، ليبدأ عمله في عام 1958 مدرسًا بكلية الفنون الجميلة، ومن هنا تأتي علاقته مع البحر بنواته، وهياجه، وصفائه، وبخط الأفق الذى غاب عنه طوال سني حياته في القاهرة.

          ويكتشف عويس أن المجتمع الفنى السكندري أكثر حميمية من مثيله فى القاهرة، وفي الثغر يتعرف إلى هذه الأسماء: محمود سعيد، سيف وأدهم وانلى، وغيرهم من الفنانين السكندريين من ذوي الأصول الأجنبية، وفي هذا الجو المحفز على الإبداع تأتي أعمال عويس اللافتة، التي لا تخلو من انحيازه إلى الإنسان الكادح في كثير من الأحيان.

          أما الفنان الدكتور أحمد نوار فيرى أن فن حامد عويس يتسم بالبناء الراسخ لمفرداته وعناصره التى تحمل كمًا من المشاعر والطاقة كأنها إنشاءات، قامتها راسخة البناء والمعمار، كما تتسم بالضخامة والقوة كصياغة متفردة ومعالجة امتدت فى نمو مع رؤيته الخاصة لخلق عالم يعج بالتفاعل والحيوية والحركة، بالإضافة إلى قدرته على محو التفاصيل واختزال الحركة والمعانى الآتية من الخارج إلى الداخل، وفي أعماله نكتشف كونيات العمل الفنى وجغرافيا الفراغ المتوازن بين العمق والأفقى والرأسى، والعلاقة بين الكتلة القوية المتينة البناء والمشعة تعبيرًا جاذبًا لروح المشاهد المتأمل بعمق، والألوان المتباينة والمتآلفة فى نفس الوقت بين البارد والدافئ فى حوار متسق، وفى حركة تداخل وامتزاج متواتر وانفصال متوازن بينهما فى آن واحد.

          فهو لا يرسم الأشياء والناس والبيئة والموضوعات ذات الصبغة القومية بمباشرة كلاسيكية أو أكاديمية بل يرسمها بعد تفاعل شحنة الطاقة المتوهجة فيه مهجنًا المعنى الدال على التعبير الموضوعى المستتر أحيانًا والمباشر- رمزًا - في أحيان أخرى، الأمر الذى يحدث ارتباكًا بصريًا، سرعان ما يتحول إلى صدمة ينتج عنها المزيد من الانجذاب نحو العمل الفنى، والتأمل، والاكتشاف، وفك شفرات المعانى الدالة الساكنة بين جسد الألوان والنابضة فوق نسيج اللوحة.

          وتشير الدكتورة هبة عزت الهواري إلى أن الفنان حامد عويس حينما عبر في لوحاته عن الثورة والشعب والسد العالي وتأميم قناة السويس، لم يكن مجاملًا للدولة أو عازفا على أوتار الدعاية السياسية، بل كان معبرًا عن نبض الإنسان البسيط، الذي طالما انشغل به.

          وتذكر أنه تأثر بمثاليات الفن المصري القديم، وبالطبيعة في صعيد مصر، وفي مدينة الإسكندرية، كما تأثر بالرائدين: محمود سعيد، وأحمد صبري، ويتضح ذلك في إشراق ألوانه، وغلظة خطوطه، وكبر حجم الجسم البشري ورسوخه.

          وإذا كان حامد عويس قد تأثر بهؤلاء، فإنه نجح في أن يترك بصمته واضحة على صفحة أعمال فنانين سكندريين بارزين مثل: محمود عبدالله، مصطفى عبدالمعطي، محمد سالم، فاروق شحاتة، وعبدالسلام عيد.

          حصل الراحل حامد عويس على وسام الجمهورية من الطبقة الثانية عام 1982، ونال نوط الامتياز من الطبقة الأولى عام 1985.

          تخرج في المدرسة العليا للفنون الجميلة بالقاهرة عام 1944، كما تخرج في المعهد العالى للمعلمين بالقاهرة فى عام 1947، ونال درجة الأستاذية فى فن الرسم من أكاديمية سان فرناندو في العاصمة الإسبانية مدريد عام 1969.

الإسكندرية: م . ع

  • سينما: أول عمل سينمائي يمني قصير

          ضمن حلقة البطولة الثلاثية، يعرض المخرج والمصور اليمني إيبي إبراهيم تجربته السنيمائية الأولى من خلال فيلم الدراما القصير «صوت العود» الذي كتبه وأخرجه شخصيًا بأسلوب أقرب من أن يكون الى منتهى الحرفية. بأسلوب بسيط ولكن عميق يحكي الفيلم قصة زوجين عربيين وصديق لهما في الولايات المتحدة الأمريكية حيثُ يعيشون جميعًا مواجهين صعوبات شتى. الفيلم يُسلط الضوء على أمور عديدة: التضرع إلى الله - متمثلا في التفاني الديني عند الزوجة -، الخيانة، الرغبة والهوية الجنسية، والوفاء. يحاول الفيلم أن يعكس جزءًا من الأسرار التي تكتنف العديد من الأسر العربية في المهجر.

جماليات صوت العود

          مع بداية الفيلم يأخذ صوت الفنانة اللبنانية مي نصر المُشاهد الى أجواء حالمة ليكون المقدمة لمشهد حميمي ولكن حاد بين الزوجين ويأتي صوت مي نصر بين فترة وأخرى ليضفي طابعًا حالمًا يساعد المشاهد على استيعاب النقاشات العميقة بين الشخصيات الثلاث حتى نهاية الفيلم. فالمزيج الذي طرحه إيبي المتمثل في مسألة الالتزام الديني لزوجة ورغبتها المُلحة لتكون ضمن النموذج التقليدي للأسر العربية، ومسألة الزوج الذي يتوق الى الفردية والأستقلالية بكل ما يمكن أن تحويه الكلمة من معنى، ومسألة الوفاء غير المقيد بالنوع الاجتماعي المتمثل بالصديق المشترك لزوجين، كل تلك المسائل شكلت مزيج لوجبة فنية دسمة يتلقاها المشاهد لتُحرك فيه الكثير من الإحباطات أو التجليات، فالأمر يعتمد على مدى قابلية المشاهد لاستيعاب القضايا التي يطرحها الفيلم.

إيبي الفنان

          إذا ما تعمقنا في شخصية إيبي الشاب المولود في العام 1987 فإنه من الهين ملاحظة تأثره بعدة بلدان وثقافات بعد أن تربى في اليمن وعاش لفترات في كل من دولة الإمارات العربية المتحدة وليبيا والعراق وحاليًا يستمد القليل من الإلهام من صخب الحياة في نيويورك حيث يعيش، فكل ذلك قد أثرى مخيلته منذ نعومة أظفاره. وكان التصوير الفوتوغرافي صديقه الصدوق الذي من خلاله استطاع أن يحاول استيعاب المتغيرات من حوله. وفي خلال السنوات الخمس الماضية استطاع إيبي أن يترك بصمته الفوتوغرافية بعد أن شارك ولايزال يشارك في العديد من المعارض في شتى انحاء العالم ابتداءً من الولايات المتحدة الأمريكية ووصولًا إلى دولة الإمارات. فقد شارك إيبي في معرض ومزاد بونهامز العالمي الذي أقيم في دبي السنة الماضية حيثُ كان هو الفنان اليمني الوحيد وتقريبًا الأصغر سنًا بين كل الفنانين المشاركين. بالأضافة الى ذلك، يشرح إيبي أكثر عن مشاركاته: «سبق وأن شاركت في عروض ومزادات عالمية حملت أسماء عمالقة الفن العالمي مثل أندي ورهول وسلفادور دالي ودافنتشي وبمشاركة الفنانة الإيرانية شيرين نشاط التي سبق لي أن شاركتها في أعمالها السابقة وهو أمر أفتخر به جدًا».

          وفي الوقت الحالي يتم عرض عدد من أعمال إيبي في معرضين، المعرض الأول هو معرض جانيت رادي للفن الراقي في لندن، والثاني هو معرض مسعود نادر في نيويورك حيثُ إن كلا المعرضين معروف بشدة في الوسط الفني كونهما مهتمين بالفن الإيراني والشرقي.

          موهبة إيبي في التصوير الفوتوغرافي كانت حجر الأساس لمواهبه الأخرى. فها هو يضع خطوته الأولى في طريق نوع أخر من أنواع الفنون البصرية - الفن السينمائي، يقول إيبي عن اهتمامه في الإخراج السينمائي: «لطالما أحببت التصوير منذ أن كنت صغيرًا، لكن هناك شيًئا خاصًا ومثيرًا يشدني تجاه الإخراج السينمائي. ربما هو مجرد أمر طبيعي يدل على تطور شغفي الى الفنون».

          علاوة على شغف إيبي إلى التصوير الفتوغرافي والإخراج السينمائي فها هو يقدم موهبته المدفونة من زمن وهي الكتابة. كما أشرنا سابقًا فإن فيلم صوت العود هو من كتابة إيبي. يشير أيبي، «سبق لي أن مثلت في عدد من الأعمال الفنية لآخرين، ثم أرتأيت انه لابد أن أخوض تجربة كتابة فيلمي الخاص. فهو شكل آخر من أشكال الفنون. بعدها أبصر سيناريو فيلم صوت العود النور. والآن قد انتهيت ايضا من كتابة فيلمين آخرين: الأول عن زواج الصغيرات والثاني عن علاقة محبة قوية تربط بين أم وولدها».

صوت العود فرصة للجدل

          حماسة إيبي الفنية لا تتخذ تدفق الأفكار والقيام بالأعمال الفنية بشكل سريع فحسب وإنما أيضا تتخذ تقديم مواضيع حساسة لم يتطرق لها الكثير في قالب فني إبداعي. فقد تناول إيبي في فيلم صوت العود موضوعين يعدان من التابوهات ألا وهما الدين والجنس. يستعرض إيبي طيات عديدة من أمور تُؤرقه شخصيًا وقد تستفز الرأي العام في الوطن العربي والإسلامي. ومن المعروف أن تلك الأمور تثير الكثير من الجدل ونقاشات حادة متى ما طرحت بشكل علني.

          يشير إيبي إلى أنه لم يكن في نيته أن يستفز أي جهة عندما فكر في كتابة وإخراج فيلمه «صوت العود»، يقول: «لم يكن في خاطري أن أنتقد أو أستفز أحدا عند طرحي تلك الأمور الحساسة. على الاطلاق. كل ما أردت أن أفعله هو نقل جزء من واقع اجتماعي نعيشه ويُعايشه الكثير من الأزواج في عالمنا العربي. وأيضا أردت أن أشدد على مناصرتي لقضايا المرأة، فحقيقةً المرأة في مجتمعاتنا العربية مظلومة».

          مما لاشك فيه أن إيبي ليس فقط على دراية بالتيار المتحفظ المتشدد في منطقة الشرق الاوسط ولكن التيار المتشدد في اليمن أيضًا، الأمر الذي يحتم عليه مواجهة معوقات قد تحول بينه وبين التمتع بمساحة حرة لترك بصمته الكتابية والسنيمائية والفنية بحُرية. حتى هذه اللحظة عُرض فيلم صوت العود في الولايات المتحدة الأمريكية. قد يتساءل المرء لماذا لم يعرض إيبي فيلمه في أحد المهرجانات العربية فهو مخرج عربي في النهاية؟ الأمر ليس بالسهل أبدًا بل محفوف بتحديات شتى. يقول إيبي: «لقد تواصل معي أحد المهرجانات العربية الرائدة مُظهرين اهتماما كبيرا بعرض فيلمي وهو فيلم لمخرج يمني - الأمر الذي يعتبر نادرًا- وعندما أرسلتُ لهم نسخة من الفيلم لم يصلني أي رد. حاولت أن أستفسر منهم إذا ما تم الموافقة أو الرفض بخصوص عرض فيلم صوت العود ولكنهم لم يكتبوا لي أي رد على الإطلاق. أتفهم حساسية المواضيع التي أطرحها في الفيلم بالنسبة لمهرجانات عربية ولكن على الاقل كان عليهم ان يردوا على رسائلي. بالتأكيد أنه من غير المهنية أن يلتزموا الصمت بذك الشكل».

          بالرغم مما تشهده المنطقة العربية من تغييرات سياسية مصحوبة بتحولات فكرية عما تعنيه الديمقراطية والحرية إلا أن الفكر الثقافي، على ما يبدو، لايزال يعاني من التشدد والتزمت. فها هو إيبي يطرح في فيلمه إشكالية التوجه الجنسي بين ثلاث شخصيات يصطدمون جميعًا بحدود دينية واجتماعية تدفعهم جميعًا لنهاية مأساوية، ويلاقي إيبي نفسه أمام حائط من الإحباط لصعوبة عرض الفيلم في دولة عربية. «حتى يومنا هذا تم عرض الفيلم في نيويورك فقط ومازلتُ انتظر بفارغ الصبر ردود عدد من المهرجانات السينمائية التي تواصلت معهم.. صراحة العديد من المهرجانات رفضت الفيلم - نظرًا لحساسية مضمونه - وكنتُ حزينًا لذلك ولكن هذا لن يوقفني وسوف أظل اطرق كل باب مهرجان حتى يتم الموافقة على فيلمي. أنا ارى ان النجاح هو مثابرة وعمل وشغف وليس فقط انتاج فيلم جميل»، يقول إيبي.

          فهل إيبي أول فنان أو مثقف يمني يطرح هذا الموضوع علنًا؟ لا، فقد سبقه إلى ذلك الكاتب والمخرج اليمني حميد عقبي المقيم في فرنسا. ففي عام 2009 ظهر فيلم «حين ميسرة» للمخرج المصري خالد يوسف الذي أثار الجدل لتضمنه شخصية مثلية.

          وعودة الطريق أمام فيلم «صوت العود» تشكك باحتمالية عرضه في اليمن أو في دول عربية. وإذا ما استبقنا ردود الأفعال فإنه من المتوقع أن يواجه إيبي شخصيًا قيودا تحد من حريته الفنية والإبداعية. «كلما تعمقت في الفن أدركت أني في مكان لا يناسبني. كم وددت أن أعيش في اليمن، أعيش كفنان شغوف مهتم بالإبداع المُلهم من البيئة التي أعيش فيها. ولكنه من الصعب جدًا أن أعيش في وسط مجتمع ليس لديه نفس الأرتباط باهتماماتي على نفس المستوى الذي أطمح له»، يقول إيبي. ولكن إيبي على موعد لزيارة اليمن من جديد في الشهور القادمة ولربما تكون زيارته القادمة بذرة لفيلم جديد يضّم إلى أرشيفه الفني المشرق.

اليمن: أفراح ناصر

  • ذكرى: الجزائر تحتفي بالمفكر المناضل فرانتز فانون

          بمناسبة مرور نصف قرن على رحيل المفكر المناضل فرانتز فانون (1925-1961م)، صديق الثورة الجزائرية أقيمت عدة نشاطات ثقافية متنوعة بالجزائر أخيرًا، تكريمًا لذلك الكاتب المناضل، والطبيب المختص في الأمراض العقلية، نظرًا لما سطره من مواقف نضالية شجاعة مناهضة للاستعمار الفرنسي، وداعمة لكفاح الشعب الجزائري، ووفاءً للجهود الكبيرة التي بذلها في حركة التحرر الوطنية الجزائرية، حيث يعتبر واحدًا من أعظم مناضلي التحرر العالمي في مناهضة الاستعمار، والتمييز العنصري.

          وقد نُظمت مجموعة من الندوات، والمؤتمرات الفكرية، والثقافية المتنوعة، من بينها الندوة التي احتضنتها «ثانوية فرانتز فانون» بالجزائر العاصمة، ونظمها الكاتب الصحفي عمار بلخوجة، وحضرها عدد كبير من الوجوه الثورية الجزائرية، وقدمت فيها مجموعة من الشهادات عن مسار المناضل الكبير «فرانتز فانون».

          ومن أبرز النشاطات المنظمة الملتقى الدولي الذي احتضنته المكتبة الوطنية الجزائرية، تحت عنوان: «فرانتز فانون اليوم»، وشارك فيه عدد كبير من الأساتذة، والباحثين، والمفكرين من مختلف دول العالم، وبحضور ابن فرانتز فانون «أوليفار»، وابنته «مينداس»، وصديقه المناضل الكبير «بيار شولي».

          وقد افتتحت أشغال الملتقى بكلمة وزيرة الثقافة الجزائرية خليدة تومي، التي ذكرت أن هذا الملتقى يندرج في إطار السعي إلى التذكير بمآثر وجوه عالمية مبدعة سجلت حضورها في القارة السمراء وعلى المستوى الدولي، وقالت إن فكرة تنظيم هذا الملتقى جاءت في ظرف جد حاسم، وتطرقت إلى الجهود الكبيرة التي بذلها المفكر فرانتز فانون في سبيل الدفاع عن الشعوب المكافحة للعنصرية والاستعمار، وذكّرت بالكفاح الذي يخوضه الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني، وقالت إن العالم في الفترة الراهنة، وفي ظل تصاعد مطالب التحرر هو في حاجة ماسة إلى فكر صاحب كتاب «المعذبون في الأرض»، ذلك أن التجاوزات التي يشهدها العالم اليوم تجعل فكر فانون يكتسي أهمية قصوى.

          وشددت في كلمتها على ضرورة اهتمام الباحثين بأفكار، ورؤى المفكر العالمي فرانتز فانون، الذي كان من بين المدافعين بقلمه وأعماله المميزة عن الفئات الضعيفة في إفريقيا والعالم ككل، وقالت: «إن فرانتز فانون كان طبيبًا، ومناضلًا سياسيًا التزم جسدًا، وروحًا بالكفاح الجزائري ضد المحتل الفرنسي، وتشبع كليًا بنضال الجزائريين من أجل حريتهم».

          وذكر أوليفار فانون أن الرسائل الثورية التي كان والده يرغب في إيصالها لاتزال هي قضية الساعة، وهناك إمكانية لأن يكون لها صدى مميز في الكفاح الذي يعيشه العالم اليوم.حتى وإن كانت الكثير من البلدان قد تحررت من مظالم الاستعمار، كما أشار إلى أن والده كان متفانيًا في الدفاع عن استقلال الشعوب المستعمرة مهما كان جنسها، ودينها، أو لون بشرتها، ولم يكن يقدم أي تنازلات، ولم يخضع لأية جهة كانت تدوس على القيم الإنسانية، وهذا ما سبب إزعاجًا كبيرًا للكثيرين، مما عرضه لانتقادات كبيرة، وحملات شعواء ولاسيما في فرنسا.

          وقدم بيار شولي شهادته عن صديقه فرانتز فانون وقال إنه لم يكن منظرًا سياسيًا، وإنما كان مثقفًا متميزًا، والتزم بجدية بالثورة الجزائرية ليس باعتباره أحد أصدقاء الجزائر، وإنما كجزء لا يتجزأ منها.

          وبالنسبة لتأثير فكر فرانتز فانون على المثقفين العرب فقد رصد الكاتب يوسف شعبان هذه القضية في محاضرته الموسومة بـ «كيف تلقيت فانون، وكيف أشعل الثورة والتمرد فينا»، حيث تطرق إلى تأثير فرانتز فانون في المثقفين المصريين منذ الستينيات من القرن العشرين.

          وفي اليوم الثاني من الملتقى أجريت عدة مناقشات مستفيضة عن تأثيرات فكر فانون، وحضوره في نقد ما بعد الكولونيالية، وأشار بعض الباحثين إلى أن الأفكار التي تركها لها قدرة على الصمود، وتقديم حلول لما تعيشه الدول التي خضعت لسيطرة الاستعمار من تحديات في ظل العولمة، وفي ظل التحولات العالمية الراهنة، ولعل أبرز ما ميز اليوم الثاني من الملتقى مداخلة ابنة فرانتز فانون التي أشارت إلى أن مؤلفات والدها بدءا من «بشرة سوداء، أقنعة بيضاء»، وكذلك كتاب «المعذبون في الأرض»، تعتبر مرجعيات فكرية تسمح لسكان المستعمرات سابقا بفرض ذواتهم، وتجاوز الهيمنة الغربية، وأكدت على أن الانتهاكات الحاصلة حاليا على مستوى العلاقات الدولية، تسعى إلى فرض أجندات سياسية من قبل بعض الدول على دول الجنوب، مما يجعل من فكر فانون فكرا آنيا، مرتبطا بالراهن، وقالت إن الأفكار التي أدلى بها والدها بإمكانها أن تتحول اليوم إلى مرجعية في يد أبناء الجنوب من أجل التمسك بالكرامة الإنسانية، التي تسعى القوى الرأسمالية إلى تقويضها، ولاسيما بعد الأزمة المالية التي تعرفها الدول المتقدمة، والتي عجزت عن تحقيق العدالة، وتقديم نموذج إنساني قابل للاقتداء.

          وفي اليوم الأخير من الملتقى دارت عدة مناقشات تتصل بالأبعاد السوسيو - ثقافية والراهنة في فكر فانون، حيث تطرقت الباحثة سلوى لوست بولبينة من قسم الفلسفة بجامعة باريس إلى جهود فرانتز فانون في الدفاع عن الجزائريين، وأشارت إلى أن المعاملات الوحشية التي لاحظها فانون في مستشفى الأمراض العقلية الذي كان يعمل به في مدينة البليدة جعلته يقرر الوقوف إلى جانب الشعب الجزائري، ويتبنى الدفاع عن مطالبه، وحقه في الكفاح، والتحرر.

          وذكر الباحث الدكتور محمد طيبي من جامعة وهران أن فرانتز فانون كان ضد النظرة الداعية إلى صدام الحضارات، وكان يناصر التكامل بين الثقافات المختلفة، كما أنه تطرق في كتابه «المعذبون في الأرض» إلى إعادة بناء هوية المستعمر، وناقش شرعية حضور جديد للأمم المهددة بضياع هويتها، وأكد على أن فانون كان متمردًا على الاستعمار، وعلى السياق الفكري السائد في ذلك الزمن، كما تمرد كذلك على طرائق النضال التقليدية من جانب المرجعية الإيديولوجية، ولطالما تحدث عن الشعب كمصدر للتغيير.

          وما تجدر الإشارة إليه أن قبر فرانتز فانون يوجد بمقبرة الشهداء ببلدية «عين الكرمة» التي تقع بالقرب من الحدود الجزائرية التونسية، وقد أحيت البلدية ذكراه بتنظيم العديد من اللقاءات، والندوات التي تطرقت لجهوده، ونضاله، وتم التأكيد على أن فكره سيظل خالدًا، وسيبقى رمزًا لكفاح الشعوب المضطهدة.

الجزائر: محمد سيف الإسلام بوفلاقة