أرقام

أرقام

من جرائم السياسة إلى جرائم النساء!

إنه عالم آخر لا نعرفه.. أقصد عالم الجريمة الذي نرى آثاره ، لكننا لا نعرف أسراره، وما يدور بدا خله.

من يصدق أن ست دول إفريقية - طبقا لدراسة جرى تقديمها لمؤتمر الأمم المتحدة لمنع الجريمة، 1995 - ترتبط فيها الجريمة بأنظمة سياسة يصبح معها المجرمون حكاما يصبح الحكام مجرمين دوليين ؟ من يصدق أن تنظيما غير رسمي، يفوق في كفاءته التنظيم الرسمي في الكثير من الدول، يقود أعمال الجريمة، ويستخدم فيها كل الوسائل الحديثة للإدارة والتكنولوجيا وقوانين السوق؟.. بل ويمتلك البنوك وشركات النقل والتجارة والسياحة؟! ومن يصدق أن طريق الحرير الذي طالما ربط الصين بالبلاد العربية والشرق الأوسط قد عادت له الحياة، ولكن من أجل نقل المخدرات والنفاذ بها إلى عالم أرحب؟

كل ذلك تعكسه أرقام تحاول الدخول إلى عالم مظلم، نرى - كما قلت - آثاره، لكننا لا نعرف ما بداخله. يقول رقم مفزع فاجأت به دراسة للأمم المتحدة، المؤتمر الدولي لمنع الجريمة الذي انعقد بالقاهرة في ربيع 1995، إن ثلث سكان العالم كانوا يسكنون الحضر في عام (1955).. ولكن وعندما يفد علينا عام (2055) فإن المدن سوف تضم نصف السكان بالتمام والكمال.

سكان الحضر يزيدون بسرعة، لكن الأهم أن ذلك يأتي مصحوبا بتزايد أكبر في نسبة الجرائم، حتى أن الدراسة التي جرى طرحها - التي تم جمع بياناتها في خمس سنوات ممتدة بين 1988 و 1993- تقول " إنه من المرجح أن نصف سكان المناطق الحضرية في جميع أنحاء العالم كانوا ضحية للجريمة في أثناء فترة الدراسة، ولمرة واحدة على الأقل.. وبما جعل مدنا مثل لوس انجلوس، ولاجوس، وموسكو، وريودي جانيرو.. معسكرات مسلحة. ومعنى الرقم واضح وترجمته أن ربع البشرية قد تعرضن وخلال خمس سنوات لأفعال تندرج تحت كلمة جريمة!

قديما، كنا نقول إن ميزانيات الدفاع تستنزف موارد العالم، وإن الحروب هي أسوأ ما أصاب البشرية.. ولكن، طبقا لأرقام الأمم المتحدة فإن اعتمادات الجريمة لا تقل شأنا.

وفقا لهذه التقديرات فإن نسبة تتراوح بين (10) و(14) بالمائة من ميزانيات الدول النامية تتجه للشرطة والسجون..! فإذا انتقلنا إلى دولة متقدمة هي الولايات المتحدة الأمريكية - التي تشهد أعلى معدل في الجريمة - فإننا نفاجأ بسيل من الأرقام غير العادية.. والتي تصل في النهاية إلى أن تكلفة الجريمة تصل- داخل الولايات المتحدة - إلى (420) مليار دولار سنويا،. الدولة تدفع لأنظمتها تسعين مليارا.. ونظم الأمن الخاصة تكلف أصحابها (65) مليارا.. وبقية التكلفة مقابل خسائر الممتلكات والأفراد والعناية الطبية اللازمة لضحايا الإجرام و.. ما يترتب على تدهور المناطق الحضرية!. التكلفة عالية، لكن العائد أيضا - بالنسبة للعصابات المنظمة - أصبح مغريا.

من أكبر العصابات الدولية، وطبقا لمعلومات الأمم المتحدة، عصابات تعرف باسم " الترياد "، وهي عصابات صينية تنتشر حيث توجد جاليات الصين.. نشاطها يمتد من الابتزاز إلى البغاء والهروين وتهريب الأجانب وأعمال الترفيه والإعلام والمصارف.. تنشط في المناطق الاقتصادية الصينية المتحررة.. ومركزها هونج كونج.. أما دخلها السنوي - كما تقدره التقارير الرسمية - فهو (200) مليار دولار!

في روسيا أيضا، وبعد سقوط الاتحاد السوفييتي نشطت العصابات وانتشرت في أنحاء أوربا.. وكان لها قدر كبير من السيطرة على تجارة البغاء، كما جرى تقدير ما تستورده من سيارات مسروقة بربع مليون سيارة سنويا. وقد لعبت العصابات المنظمة - التي تفوق قوة ومالية كثير من الحكومات - دورا فيما يمكن تسميته بتدويل الجريمة. لعب هذا الدور عصابات " ترياد " في هونج كونج.. وعصابات الكوكايين في أمريكا الجنوبية والمافيا الإيطالية و " الياكوزا " اليابانية وعصابات " فورف - ف - زاكوني " الروسية ، والعصابات الجديدة الآخذة في الانتشار بغرب إفريقيا.. وتشير الدراسات إلى أن تعاونا متزايدا يجري بين هذه العصابات. فرجال المافيا الإيطالية يقدمون المشورة للعصابات الروسية بشأن غسيل الأموال، ويتم التنسيق في وارسو وبراغ..! ..

وفي العام الماضي - 1994- تم توجيه اتهام لعصابات كولومبية تم اعتقالها في سانت بطرسبرج الروسية وشمل الاتهام : مساعدة الروس على إنشاء مختبرات لإنتاج المخدرات!.. كذلك فإنه يجرى تبادل السلع المسروقة بين العصابات الروسية و " الياكوزا " . اليابانية.. ويربط الآن " طريق الحرير" يبن عصابات الهروين الأفغان والباكستانيين والأوربيين، والوسيط : روسي في كثير من الأحوال!

الجريمة والسياسة

عندما انعقد في ربيع هذا العام (1995) المؤتمر الدولي لمنع الجريمة بالقاهرة كانت هناك أشكال وأنواع مختلفة من الجرائم.. فليست الجرائم التقليدية وحدها هي سيدة الساحة.. ليس القتل.. وليست المخدرات أو السرقة.. ولكن هناك الكثير من المستحدث .. هناك جرائم الأطفال: الخطف، وتسخيرهم في أعمال غير مشروعة، والاعتداء عليهـم جنسيا. هناك جرائم النساء، ونسبة الاعتداء عليهن تسجل أرقاما قياسية بين المهاجرات والهاربات من نيران الحروب والمجاعات.. لكن الاعتداء قائم أيضا في المجتمعات المتقدمة في شكل اغتصاب ، أو تشويه الأعضاء الجنسية، أو عدوان بالقول، أن اعتداء بالضرب من جانب الأزواج!.. والطريف أن الأرقام تسجل اعتداء الأزواج لكنها لا تذكر شيئا عن اعتداء الزوجات.

أيضا هناك جرائم الفساد.. وطبقا لورقة خلفية، تم تقديمها للمؤتمر فإن لكل رأس ثمنا.. عمولة 5 % من مبلغ مائة ألف دولار تغري موظفا صغيرا.. ونفس نسبة العمولة ولكن من مائة مليون دولار تغري رئيس دولة أو رئيس حكومة، وقد ساعدت التكنولوجيا الحديثة على انتشار الفساد.. فالحصول على عمولات في صفقات القمح والخشب أو السماد أمر مكشوف لأن الأسعار العالمية معلومة للكافة.. ولكن عندما تصبح الصفقة: سلاحا متقدما، أو طائرة، أو جهاز كمبيوتر.. فإن الأسعار تتفاوت.. والعمولات أيضا!

و.. من هنا، كان فساد الكبار حلقة رئيسية، فعندما تفسد الرأس يسقط القانون ويحتقر الصغار كل قاعدة قانونية.. إنه مناخ جديد أساسه: (أن كل شيء مباح ) وقد اشتهرت قصص الفساد في دوائر السياسة ، وسقطت حكومات في إيطاليا واليابان بسبب الفساد.. لكن لطريف أن تسجل الدراسات والتقارير حالات عكسية.. تبدأ بالفساد وتنتهي بكراسي الحكم!

 

محمود المراغي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات