حياة المشاهير على الشاشة صراع المبدع والورثة

حياة المشاهير على الشاشة صراع المبدع والورثة

فى كل مرة تعلن فيها أي جهة إنتاج عربية عزمها على تقديم عمل فني عن حياة أحد المشاهير، إلا وتقوم الدنيا ولا تقعد، حيث تجد الورثة ظهروا فجأة كجيوش النمل، وراحوا يهددون ويتوعدون بوقف العمل الفنى، إذا لم يسمح لهم أطرافه بالتدخل فى كل كبيرة وصغيرة، بداية من الموافقة على السيناريو بعد إزاحة أي تفاصيل تزعجهم، ولا تنتهي بالتدخل فى اختيار من يلعب دور البطولة ويجسد الشخصية.

وهذه الوصاية المفروضة من الورثة قد تنحرف قليلاً أو كثيراً، وتتحول إلى نوع من الابتزاز الواضح، حتى يخضع منتج العمل للمساومة، ويقبل أن يدفع مقابلاً لاستغلال قصة حياة الشخصية العامة فى عمل فني!

وفي رمضان المقبل سوف نتابع ثلاثة مسلسلات دفعة واحدة، تمثل حياة ثلاثة من مشاهير الفن، في مجالات مختلفة، «قلبي دليلي» الذي يجسّد حياة المطربة الراحلة ليلى مراد، و«مداح القمر» عن حياة الموسيقار «بليغ حمدي» و«أبو ضحكة جنان» عن حياة الممثل الكوميدى إسماعيل يس، وبطولة المسلسل الأول لم تتحدد بعد، وإن كانت الترشيحات تميل لاختيار اللبنانية سيرين عبد النور، بالرغم من ضعف صوتها واختلاف ملامحها وضخامة تكوينها مقارنة بليلى مراد، وسيناريو المسلسل كتبه مجدي صابر، ويتولى الإنتاج إسماعيل كتكت، الذي سبق له تقديم مسلسل فاروق، ومسلسل أسمهان! وقبل أن يبدأ تصوير المسلسل، بدأت ملامح أزمة طاحنة بين أطراف العمل وزكي فطين عبد الوهاب، ابن المطربة الراحلة من زوجها الثالث والأخير «فطين عبد الوهاب»، وكان الابن قد هدد وتوعد شركة الإنتاج باللجوء إلى القضاء لوقف تصوير المسلسل، إذا نمى إلى علمه وجود أي نية إساءة لسيرة المطربة الراحلة!

أما مسلسل بليغ حمدي الذي يخرجه مجدي أحمد علي، ويلعب بطولته محمد نجاتي مجسداً لشخصية الموسيقار الكبير، فقد تعرّض هو الآخر إلى كثير من المشاكل عندما هددت الفنانة وردة الجزائرية، بأخذ الإجراءات القانونية لوقف المسلسل إذا تضمنت أحداثه أي إشارة لعلاقتها بالمشير عبدالحكيم عامر من قريب أو بعيد!

وما يحدث مع المسلسلات الثلاثة سبق أن تكرر بحذافيره في سنوات سابقة، كانت فيها موافقة الورثة أمراً حتمياً، لظهور العمل الفني للنور، أو وأده في المهد قبل أن يكتمل، في حالة اعتراض أي من الورثة، حتى لو كان هذا الوريث من الجيل الثالث أو الرابع، ولم تسنح له الظروف بلقاء الفنان «مشروع العمل الفني» في حياته!

ولاشك أننا ندين لشركات الإنتاج السوري، بالتحرر التام من قيد الحصول على إذن الورثة، فلقد كان لهم السبق فى تقديم مسلسل نزار قبانى، بالرغم من اعتراض أبناء الشاعر الكبير على إنتاج مسلسل عن حياته ولجوئهم للقضاء لوقف التصوير، ثم وقف العرض، ولكن أياً من الأمرين لم يحدث، وظهر مسلسل نزار قباني في رمضان عام 2005على قناة دبي ولعب بطولتة «تيم حسن» الذي جسّد نزار قباني في سنوات شبابه و«سلوم حداد» الذي جسد سنوات كهولة الشاعر السوري الكبير، وكان المسلسل من إخراج «باسل الخطيب» وتمت إعادة عرضه عدة مرات على قنوات فضائية مختلفة، قبلها كانت كلمة من أحد الورثة كافيه جدا لإعدام عمل فني، حتى بعد الانتهاء من تصويره وهو ماحدث مع مسلسل «العملاق» الذي أخرجه يحيى العلمي في نهاية الثمانينيات من القرن العشرين عن حياة عباس العقاد، وجسّد فيه محمود مرسي دور الكاتب الكبير، وتم عرض المسلسل مرة واحدة، على القناة الأولى للتليفزيون المصري، والمعروف أن عباس العقاد لم يتزوج وبالتالي لم يكن له أبناء ومع ذلك تدخل ابن شقيقه، لمنع عرض مسلسل «العملاق» بحجة تناوله علاقة الحب بين عباس العقاد والفنانة مديحة يسري التي ارتبط بها عاطفياً لفترة من الوقت وكانت ملهمته لقصة سارة، وهو الأمر الذي اعتبره الوريث «ابن الأخ» أمراً يسيء إليه شخصياً!

أما مسلسل أم كلثوم الذى أخرجته «إنعام محمد علي»، فقد كتبه محفوظ عبد الرحمن، وهو يضع أمام عينيه هدفاً واحداً، هو إرضاء الورثة حتى لايتهور منهم أحد ويرفض السماح بتنفيذ المسلسل، والأهم من ذلك، ألا يمس الصورة المقدسة التي يحتفظ بها عشاق أم كلثوم عنها، وهذا ما اضطره إلى التضحية ببعض الحقائق، حتى تخرج صورة أم كلثوم ناصعة البياض، والنقاء وكأنها من أولياء الله الصالحين، ولأن الدراما لابد أن تحوي صراعاً بين شخصيات العمل الفني، فقد أزاح محفوظ عبدالرحمن كل أسباب الصراع لشخصيات أخرى في المسلسل مثل منيرة المهدية، التي أبدت حالة عداء وكراهية تجاه أم كلثوم، وحاربت وجودها بكل الوسائل الممكنة، وظهرت بصورة المرأة الغيورة المهووسة بذاتها، التي أعمتها عن بزوغ شمس مطربة جديدة، سحبت البساط من تحت قدميها، ويبدو أن منيرة المهدية كانت مقطوعة من شجرة وليس لها أبناء ولا ورثة، يعترضون على المبالغة الشديدة فى إظهار غيرتها من أم كلثوم، أما ورثة أسمهان فقد لوّحوا برفض تجسيد شخصيتها فى مسلسل أم كلثوم، فقبل محفوظ عبدالرحمن أن يحذف من الأحداث أي سيرة أو ملمح لوجود أسمهان حقنا للدماء، وحتى يضمن خروج مسلسل.

وماحدث مع مسلسل أم كلثوم تكرر حدوثه مع مسلسل «العندليب»، ومسلسل «السندريللا» فكل من العملين كان مطاردا من الورثة، مما جعل ممدوح الليثي وفريق العمل فى مسلسل السندريللا يسابقون الزمن فى التصوير، حتى يفلتوا من أي أحكام قضائية لوقف التصوير، وهو الأمر الذى كان له تأثير سلبي على المستوى الذى ظهر به المسلسل الذي لعبت بطولته منى زكي، واكتفى بتقديم إعادة لتصوير مشاهد من الأفلام التي اشتهرت بها سعاد حسني، مع وضع منى زكي بدلا من سعاد، مما جعل العمل يبدو مثل فوازير أبيض وأسود التى قدمتها الراقصة لوسي مع محمد هنيدي وأشرف عبد الباقي وعلاء ولي الدين قبل أن يحقق أي من هؤلاء الشهرة! وابتعد السيناريست عاطف بشاي عن النقاط الشائكة فى حياة السندريللا، وأهمها علاقتها بالمخابرات المصرية التي قيل بعد ذلك إنها كانت أحد أسباب نهايتها المأساوية في لندن!

ويعتبر مسلسل فاروق الذي كتبت له السيناريو د.لميس جابر، أول مسلسل درامي يقدم صورة مغايرة عما اعتادت كتب التاريخ ووسائل الإعلام المصرية، تقديمه عن فاروق، فبدى إنساناً من لحم ودم، يمكن أن يثير الإعجاب أحيانا، والنقمة في أحيان أخرى، ولكنه في كل الأحوال بدا أفضل كثيراً من صورته القميئة التي ظلت راسخة في الأذهان طوال خمسين عاماً! أما مسلسل أسمهان فقد دفع عجلات الزمن للأمام، وقفز الحواجز والعقبات التي وضعها الورثة أمام كل من تسوّل له نفسه بتناول سيرة أسمهان في عمل فني، وبالرغم من الصدمة التي أحدثتها بعض تفاصيل حياة المطربة الراحلة للجمهور العربي، الذي لم يألف عرض المسكوت عنه فى حياة المشاهير، فإن المسلسل قد حظي بنسبة مشاهدة عالية، وخاصة مع تميز عناصره الفنية «تمثيلا وتصويرا وإخراجا» وأصبحت أهم الأحداث الفنية في دراما 2008.

ومايحدث عندنا لن تجد له مثيلا فى العالم، فقد اعتادت السينما العالمية على تقديم أفلام عن حياة المشاهير في عالم السياسة أو الفن أو الادب، وتستعد هوليوود لتقديم فيلم عن حياة الرسام الإسبانى سيلفادور دالي ليعرض مع اوائل عام2010، ويلعب بطولته أنطونيو بانداريس، ويقدم تفاصيل حياة الفنان الذي اشتهر بجنوحه وجنونة، كما انتهى الممثل الأمريكي «توم هانكس» من تصوير فيلم سينمائي عن حياة الرئيس الأمريكي الأسبق «تيودور روزفلت»، وفي الوقت نفسه أعلن الممثل أنتوني هوبكنز عن مشروع فيلم سينمائي عن حياة الأديب الراحل إرنست هيمنجواي الذي مات منتحراً بعد سنوات من الاكتئاب مر بها، ويعكف أنتوني هوبكنز على قراءة كل ما كتب عن هيمنجواي، سواء في حياته أو بعد رحيله! وكان أنتوني هوبكنز قد سبق له تقديم فيلم عن حياة الرئيس الأمريكي نيكسون في فيلم يحمل الاسم نفسه، وبالطبع لم يغفل الفيلم تقديم وقائع فضيحة ووترجيت التي أطاحت بنيكسون وجعلته يترك البيت الأبيض تحاصره اللعنات، ويطارده العار، وكان الفيلم من إخراج أوليفر ستون، الذي قدم العام الماضي فيلماً عن الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش، ويحمل الفيلم اسم «دبليو»، وربما يكون الفيلم الوحيد الذي يقدم حياة رجل سياسة وهو لايزال فى موقعه، ومع ذلك فقد امتلأت أحداث الفيلم بالنقد اللاذع الذى يصل إلى درجة الهجاء، والغريب أننا لم نسمع عن اعتراض بوش ولا أي من أفراد أسرته على هذا الفيلم، وبالتالي لم يتدخل لوقف عرضه، بالرغم من أنه كان لايزال رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية!

تلك المشاريع السينمائية العالمية يتم تقديمها فى حرية تامة دون أن نسمع عن تدخل جهة ما أو شخص ما لوقف العمل بحجة الإساءة للشخصية العامة، فحرية الإبداع حق مكفول لكل فنان، وهو ماسمح بتقديم أعمال شديدة الرقي عن حياة من أثروا التاريخ الإنساني بتجاربهم، سواء في مجال الفن أو الأدب أوالسياسة! حتى لو ظهر بالفيلم بعض التجاوزات أو التعرض لأدق التفاصيل، أو الأسرار التي كانت حبيسة الصدور. ومن الأفلام التي حققت نجاحاً مدوياً في فيلم «الحياة الوردية»، الذي يقدم فصولاً من حياة نجمة الغناء الفرنسي «إديت بياف» التي تألقت في سنوات الأربعينيات في القرن العشرين، وكانت صاحبة أروع صوت في أوربا، ولكنها توفت قبل أن تكمل الأربعين نظراً لاستغراقها في تناول المخدرات بعد وفاة الرجل الذي أحبته في حادث طائرة، وبدأ الفيلم باستعراض سنوات طفولة «إديت بياف»، تلك التي قضتها في أحد بيوت الدعارة بعد أن تخلت عنها أمها نظرا لفقرها الشديد ! وجسدت الشخصية على الشاشة الممثلة الفرنسية الجميلة «ماريون كوتيللار» وحصلت على أوسكار أفضل ممثلة لعام 2007، أما الممثل الكوميدي العظيم شارلي شابلن، فقد قدمت السينما الأمريكيه عن حياته فيلماً يحمل الاسم نفسه، وجسد شخصيته الممثل روبرت داوني جينيور، وكانت أحداث الفيلم فرصة ليتعرف جمهور الفنان الكبير، على المعاناة القاسية التي صادفها في سنوات شبابه، خاصة أنه قد نشأ في أسرة معدمة، مما اضطر والدته، لبيع كل ماتملكه من أثاث، لتوفر لأبنائها طعام أيام قليلة، بعدها دخلت مصحة بعد إصابتها بحالة نفسية اقتربت من الجنون، وتركت أطفالها لقسوة الشوارع، ولم ينقذهم إلا تلك الموهبة التي وضعها الله في الابن شارلي، الذي بدأ العمل في السينما ورعاية أشقائه، وتمكن خلال سنوات من أن يحول مأساته إلى كوميديا، صنعت البهجة للجمهور في شتى أنحاء العالم، وخاصة في أعقاب الحرب العالمية التي تركت آثاراً مدمرة على الاقتصاد العالمي. ولاتزال أفلام شارلي شابلن تعتبر نموذجاً للكوميديا الراقية، بالرغم من مرور مايزيد على سبعين عاماً على إنتاجها!

أما نجمه الإغراء والإثارة الأمريكية مارلين مونرو التي ماتت في ظروف غامضة في عام 1963، فقد قدمت السينما العالمية عن حياتها أكثر من فيلم سينمائي، يستعرض أسلوب نشأتهاوسنوات شقائها، ولجوئها للتصوير عارية في مجلات الفضائح، حتى تلفت النظر إليها، وهذا ماحدث فعلاً حيث وقعت تلك الصور في يد أحد مديرى الإنتاج بشركة فوكس، فاستدعاها إلى مكتبه، وتعاقد معها على المشاركة في أفلام عدة بعد أن غير اسمها من «نورما جين» إلى مارلين مونرو، وكان أول الأفلام التي تنبىء بموهبة مارلين مونرو فيلم كل «شيء عن إيفى الذي وقفت فيه أمام الممثلة العملاقة بيتي ديفيز، ثم أصبح اسمها عاملا للجذب الجماهيري بعد أن شاركت في أفلام «البعض يفضلونها ساخنة»، و«شلالات نياجرا»، و«الأمير والراقصة»، و«دعنا نحب»، حتى آخر أفلامها مع كلارك جيبل «غير المتوائمين مع المجتمع» المأخوذ عن مسرحية لآرثر ميللر، الكاتب اليساري الكبير الذي تزوج مارلين فترة من الوقت، وكان ارتباطه بها أهم إنجاز فى حياته، أما فيلم «أشياء يجب أن تمنحها» الذي شاركها بطولته دين مارتن، فلم يكتمل تصويره، حيث توفيت مارلين مونرو بعد ثلاثه أسابيع من بداية التصوير، وبلغ عدد المشاهد التي أتمت تصويرها قبل وفاتها، عشرة مشاهد فقط، واحتفظت الشركه بشرائط الفيلم لأكثر من أربعين عاما، ثم قررت عمل مونتاج لما تم تصويره، واتضح أن مدة عرضه لا تزيد على عشرين دقيقة، وعرضتها ضمن فيلم «آخر أيام مارلين مونرو»، الذي يحكي قصة صعودها، ونجاحها، منذ أن كانت تلعب الأدوار الثانوية، حتى أصبحت أهم نجمة شباك في العالم، وحتى عثور الشرطة على جثتها في الشقة التي كانت تمتلكها في حي مانهاتن، وينتهي الفيلم بطرح هذا السؤال «هل ماتت مارلين مونرو منتحرة، أم مقتولة»؟!

والسؤال الذى يطرح نفسه بشدة الآن: هل ذكر الحقائق المؤلمة في حياة المشاهير، ينتقص من قدرهم، ويؤدي إلى انصراف الناس على ماتركوه من أعمال فنية أو أدبية؟

ربما يكون الناس في عالمنا العربي، لايرحبون بالحقيقة، ويفضلون أن تظل صورة الفنان أو السياسي أو الأديب، ناصعة البياض، وكأنها غسلت لتوها بأحد المنظفات القوية، فقد احترفنا خداع أنفسنا وخداع الآخرين، ولذلك فنحن لانحتمل ذكر كل الحقائق ونفضل نصفها أو أقل من نصفها، أما المواطن الغربي، فربما يكون أكثر نضجاً واستيعاباً، لكم التناقض الهائل فى النفس البشرية وتعدد مستوياتها، ولذلك فهم يتقبلون الأعمال الفنية التي تقدم عن المشاهير، حتى لو قدمت تلك الأعمال وجها قبيحاً أو مؤلماً عن الشخصية الشهيرة، فإن ذلك لاينتقص من قدرها ولاقيمة الإنجاز الذي تركته خلفها، ولاقيمة الدور الذي لعبته لخدمة البشرية والارتقاء بها.

----------------------------------------
ومن حسن حظِّيَ أَني أنام وحيداً
فأصغي إلى جسدي
وأُصدِّقُ موهبتي في اكتشاف الألمْ
فأنادي الطبيب، قُبَيل الوفاة، بعشر دقائق
عشر دقائق تكفي لأحيا مُصَادَفَةً
وأُخيِّب ظنّ العدم
مَنْ أَنا لأخيِّب ظنَّ العدم؟

محمود درويش

 

 

 

ماجدة خير الله 





السينما الأمريكية قدمت الحياة الخاصة لشارلي شابلن بنجاح





مسلسل الملك فاروق قدم الملك شخصية من لحم ودم لأول مرة في تاريخ الدراما العربية





هل تنجح السينما في كشف لغز مقتل مارلين مونرو؟





هل ينتهي العمل في مسلسل قلبي دليلي من دون مشاكل من الورثة؟





هوليوود قدمت نجوم أمريكا الأموات والأحياء بلا تحفظات