هل هو تحفة سينمائية؟ أم إهانة متعمدة؟ «المليونير المتشرد»

هل هو تحفة سينمائية؟ أم إهانة متعمدة؟ «المليونير المتشرد»

ربما لم يحظ فيلم خلال السنوات الأخيرة بما قوبل به من اهتمام جماهيري وإعلامي، وما أثاره من جدل مازال يتزايد يوما بعد يوم. إنه Slumdog Millionaire أو (المليونير المتشرد) طبقا لعنوانه الشائع بالعربية.

استطاع هذا الفيلم أن يحصد أكثر من 80 جائزة مهمة حتى الآن، من بينها ثماني جوائز أوسكار، منها أحسن فيلم وأحسن إخراج. ولكنه أثار في الوقت نفسه غضبا واحتجاجا شديدا في الشرق، خاصة في الهند الذي تدور أحداثه بها، ويستند إلى قصة لروائي من كتابها حول شخصيات من قاع مدنها، يؤدي أدوارهم ممثلون معظمهم من مواطنيها. يلاحظ أيضا من يتابع آراء المدونين على الإنترنت، انتقادات عنيفة للفيلم، ذي الإنتاج المشترك، للمخرج الإنجليزي داني بويل الذي رأى فيه البعض مجرد عمل غربي متعصب، يتعمد الإساءة للمنجز الحضاري والطفرة العلمية والاقتصادية التي تحققت في الهند أخيرا، من خلال تركيزه على مظاهر البؤس والجريمة والعشوائية في أحيائها الفقيرة، دون أن يطرح أي جوانب إيجابية، في بلد أصبح نموذجا للتقدم في بلاد الشرق الأقصى والأدنى.

على مستوى النقد، كتب عنه معظم نقادنا السينمائيين العرب، وخصصت للعرض له وتحليله صفحات وملفات عديدة في معظم جرائدنا ومجلاتنا الفنية وغير الفنية. وصفه البعض بأنه مجرد عرض حالة، وبالتالي يندرج في باب الواقعية المزيفة التي تقدم الظاهرة دون الإشارة لأسبابها، متجاهلا دور الغرب في تأجيج الصراعات الطائفية التي يعرضها ضمن أحداثه، ومتناسيا دور الشركات الدولية عابرة القارات بمصانعها العملاقة التي اختنق الآلاف من أبناء الشرق بفعل تسرب الغاز السام من كيماوياتها، وتسببت في تشريد الآلاف نحو المناطق العشوائية التي يستعرضها الفيلم بإسهاب. على الجانب الآخر، اعترف آخرون بأنه أكثر فيلم حقق تأثيرا إيجابيا عليهم شخصيا، إلى حد الزعم بأنه أعاد لهم الأمل والرغبة في مواصلة الحياة من خلال عرضه لقصة كفاح رائعة تكلل بالنجاح.

رحلة العقل والوجدان

وهكذا يثير (المليونير المتشرد) عاصفة من التساؤلات حول حكمنا عليه، ويضعنا أمام عدة إجابات، يبدو كما لو كان لزاما علينا أن نختار أحدها لنحسم موقفنا منه.. تماما على بالطريقة نفسها في سرد أحداثه التي تبدأ بتساؤل مع أربعة اختيارات: جمال مالك شاب هندي فقير غير متعلم، على بعد سؤال واحد ليربح المليون في النسخة الهندية من المسابقة المشهورة.. فهل هو غشاش، أم محظوظ، أم عبقري، أم أن ذلك كان مقدرا له؟ سوف يطلعنا صناع الفيلم على الحل مع النهاية، ولكن بعد أن نخوض رحلة طويلة داخل عقل ووجدان جمال. لن يبق هذا البطل الشاب مجرد شخصية درامية نتابع حكايتها، بل إننا سنتوحد معه في مشوار حياته الشاقة المعذبة. فبعد قليل سوف ندرك أن الفيلم ينطلق بنا في رحلة تتجاور فيها الأزمنة والأمكنة، دراميا وبصريا بتوليف مونتاجي دقيق، بين إجابات جمال داخل ستوديو البرنامج، ثم في استجواب الضابط ومساعده له، وتعذيبه في قسم الشرطة، لمعرفة كيف توصل إلى الحلول الصحيحة، وبين ذكرياته التي تتداعى فنتعرف على جوانب من حياته، عبر رحلة من وإلى مومباي. لتنتظم الحكاية بشكل متكامل ومشوق من خلال المواقف التي اكتسب منها جمال معارفه وخبراته التي ساعدته على معرفة الإجابات، ووصلت به إلى آخر مراحل المسابقة.

جمال (لعب الدور ديف باتل) في الزمن الحاضر هو شاب في الثامنة عشرة، يعمل كنادل في أحد مراكز الاتصالات. سنعايش أيضا ذكريات طفولته الشقية، التي اقتسمها مع أخيه الأكبر قليلا «سليم» والتي ازدادت بؤسا بعد أن فقدا أمهما في مجزرة ارتكبها الهندوس ضد المسلمين، ونجيا منها ليتحولا معاً إلى مشردين وتنضم لهما مشردة صغيرة أخرى تدعى «لاتيكا». ويقع الثلاثة في قبضة رجال عصابات الجريمة المنظمة التي تستغل أطفال الشوارع في أعمال التسول والدعارة. ينجح جمال وسليم في الهروب قبل أن تتمكن العصابة من فقء عين الأول إمعانا في إجباره على ممارسة التسول. أما «لاتيكا» فلن تتمكن من اللحاق بهما لفشلها في فقء إلى القطار المتحرك أثناء مطاردة العصابة لهم. ولكن جمال على الرغم من ظروفه الصعبة ومغامراته المستمرة للتحايل على الرزق لن يتوقف عن البحث عنها ولن ييأس من الوصول إليها، مهما كانت الحواجز والعقبات، وليتمكن من ذلك في النهاية ليحظى بلاتيكا والمليون معا.

بلاغة سينمائية

ولكن في الحقيقة فإنه ليست القصة فقط هي التي تجبر المشاهد على البقاء، إنها حالة من التعلق النادر بالفيلم وشخصياته تتحقق في هذا العمل الذي لا يمكن أن يعبر تلخيص أحداثه عن بلاغة تعبيره السينمائي، وقدرته المذهلة على التأثير والتسرب إلى النفس. يرسم السيناريو لسيمون بيوفوي جوانب شخصياته بدقة ومهارة، ولا يستثنى من هذا سوى شخصية سليم شقيق جمال الشرير، الذي تبدو دوافعه وردود أفعاله غير واضحة بالقدر الكافي، فنحن نراه مثلا وهو مجرد صبي يشهر فجأة ودون تمهيد مسدسا في وجه زعيم العصابة ليقتله. كما لا ندرك سر تحوله المفاجئ قبل النهاية وتضحيته بحياته وهو يساعد لاتيكا على الهروب إلى جمال في النهاية على الرغم من انه هو الذي فرق بينهما من قبل. إن سليم (لعب دوره أزهر الدين محمد إسماعيل) يبدو فقط كنقيض لجمال، فهو عنيف وحسي وميال إلى الشر، بينما بطلنا رقيق وشاعري وطيب. وجمال يسعى دائما للعمل الشريف، بينما سليم اعتاد على الكسب السريع من أعمال النصب والإجرام. وعلى الرغم من هذا يحرص الفيلم على إظهار سليم وهو يؤدي الصلاة وسط انهماكه في عالم الجريمة، وهو ملمح لا يظهر في الأخ الطيب مطلقا. وهي مسألة لم تأت بشكل عارض بالتأكيد في فيلم يحقق دراسة متأنية في كل تفاصيله إلا في طقوس الصلاة، التي لم يكلف أحد نفسه حتى بمعرفة أصولها لتوجيه الممثل ليؤديها بشكل سليم. فلماذا يبدو هذا الجانب ضعيفا ومتهافتا في ظل تماسك باقي العناصر والحرص على دقة التفاصيل!؟

تبدو الحبكة بوجه عام أقرب للإحكام الكامل، ولا توجد تفاصيل بلا نفع ولا لقطة واحدة من الفيلم يمكن حذفها أو استبدالها، وتتبدى بلاغة اللغة السينمائية في هذا الفيلم، في روعة اختيارات المخرج لأحجام لقطاته وزواياه المعبرة، وسوف تظل تتذكر دائما مع البطل لقطة من أعلى من زاويته لـ «لاتيكا»، أدت الدور فريدا بينتو، وهي تلوح له في محطة القطار في لحظة رومانسية يلوح له فيها أن أمله في سبيله للتحقق، بعد أن عادت حبيبته إليه. إن داني بويل فنان سينمائي بارع، يكشف في هذا الفيلم عن حصيلة لغوية فيلمية لا حصر لها، وثقافة بصرية رائعة وموهبة تعبيرية نادرة. فاللقطات العامة في معظمها، هي إطلالة واسعة على المدن والأحياء الفقيرة، حيث تنمحي التفاصيل في ظل التكوينات التشكيلية العامة التي لا تزيل القبح، ولكنها تحقق قبولا وأسلوبية للصورة. أما اللقطات القريبة، فتجسد معاني الشقاء والعذاب والمعاناة، وتبرز بشدة المشاعر والانفعالات على الوجوه والعيون والأطراف.

الكاميرا تخدم الدراما

تأتي اللقطات المتوسطة لتجمع بين أطراف المشاهد في تكوينات دالة ومواجهات معبرة، خاصة تلك التي ضمت جمال شابا - ديف باتيل - مع الممثل الهندي المخضرم أنيل كابور الذي أدى دوره ببراعة وحنكة معبرا عن الجوانب المعقدة لشخصية مقدم البرنامج المتشكك والمتعالي والحقود والمحترف، ذي النزعة الاستعراضية. إنه فيلم يثير عقلك ووجدانك بالقدر والقوة نفسها، ويحيلك إلى شريك أساسي في اللعب من البداية، ويضعك في حالة من المعايشة والتوحد الكاملة مع شخصياته، تتحقق من خلال تضافر بلاغة مواقف السيناريو مع التعبير البصري، فعين الكاميرا هي عين الدراما وهي قلب الشخصيات وأحاسيسهم ومشاعرهم. ومن أول لقطة سوف يلفك غموض دخان السيجارة الكثيف الذي ينفثه مساعد الضابط عنوة في وجهك أنت وجمال معا. سوف تشعر بألم ضربات التعذيب كأنها موجهة لك وسوف تطلق ساقيك للريح مع جمال في طفولته هروبا من قبضة البوليس وأيدي الأشرار، وسوف تقع في غرام لاتيكا ذات الجمال الشرقي الساحر، مثله تماما وتجوب أزقة المدن وحواريها بحثا عنها.

على مستوى الإيقاع السينمائي، يسيطر المونتير «كريس ديكنز» فتترابط المشاهد باستخدام مختلف أساليب القطع والانتقال حسب المواقف وبين الواقع والحلم والمستقبلي والمتخيل. تتابع اللقطات في تلاحق محموم عبر كاميرا محمولة تتعلق بالأقدام والرقاب وبالصدور لتضعك في قلب الحدث ولا تتوقف إلا عند الضرورة للتأمل للحظات قليلة، أو لالتقاط الأنفاس ولكنها سرعان ما تتحول ثانية إلى سهم ينطلق بإيقاع وسرعة حركة الشباب والصبية والأطفال المشردين نفسه، وفقا لحالة اندفاعهم.. فهم تارة هاربون من قبضة الشرطة لحضن الأم، وتارة هاربون من الموت في غمار العنف الطائفي أو العقاب من رجال الأمن والنظام، وتارة هم الذين يطاردون الأعداء أو يبحثون بجنون عن حبيبة مفقودة على وشك الضياع إلى الأبد.

تتحول عدسة الكاميرا في يد المصور إلى ريشة في يد فنان تشكيلي موهوب وخبير متمرس يدرك جيدا كيف يسدد ضربته التالية إلى اللوحة ليضيف إليها ملمحا جديدا، يسهم في اكتمال تشكيلها. ومن خلالها تتحقق مجموعة من المشاهد التي سوف تظل باقية في ذاكرة مشاهدها لذكائها الفني وتأثيرها البصري وروعة تنفيذها، ومنها مشهد جمال عندما يضرب شقيقه انتقاما منه فيتشبث به الأخ مستنجدا، ليسقطا معا من فوق ناطحة السحاب تحت الإنشاء ولنكتشف في اللقطة التالية أنه كان مشهدا تخيليا. وكذلك عندما ينقلبا من القطار فتنقلب معهما الكاميرا، وكأنها تتقلب في التراب متدحرجة معهما، حتى تستقر ويتبدد الغبار من الصورة شيئا فشيئا، لنرى في العمق عجيبة الدنيا تاج محل وكأننا خرجنا معهما من القبر إلى الجنة تماما كما يتوهم جمال.

استلهام التراث الهندي

وعلى الرغم من استفادة الفيلم من أحدث تقنيات وأساليب الفيلم الغربي في التعبير والتأثير ببساطة ودون الاستعانة بإمكانات معقدة فإنه يستلهم روح الفيلم الهندي، بل والتراث السينمائي والثقافي والتشكيلي الهندي سبق للمخرج أن أعد في بداياته كتابا عن الهند - ليعيد صياغته بلغة سينمائية متقدمة وتقنيات غربية متقنة. وفي حقيقة الأمر فإن (المليونير المتشرد) يعبر عن كل تيمات الفيلم الهندي التقليدية وموضوعاته المتكررة مثل الأخوة والحب والصداقة والخيانة والفراق والتلاقي والانتقام، ولكن يأتي أسلوبه في التعبير اعتمادا على قدر كبير من الترابط والمنطقية الدرامية..كما أنه يجنح أحيانا إلى الميلودراما في اعتماده على المصادفات والمواقف التراجيدية بالغة القسوة ولكنه لايستخدمها كأسلوب بناء ولكن كعناصر فقط تضيف للعمل مزيدا من الحميمية، وتحظى بالقبول والتصديق في إطارها المحدود.

والفيلم يقدم بطلا أسطوريا ليس في صورة بطل السينما الهندية التقليدية الذي يضرب عصابة مسلحة بقبضته المجردة، أو يتشبث بذيل طائرة ليلحق بأعدائه، ولكنه بطل من نوع عصري جديد. فهو على الرغم من تعليمه البسيط، يحسن التعامل مع أجهزة الاتصال والتكنولوجيا الحديثة، وهو لديه مخزون عظيم من المعلومات، وهو شجاع وعاطفي ومكافح ومحب للعمل، وهو لا يلجأ للعنف الجسدي أو استخدام السلاح، ولكنه صبور ومثابر وجريء ولا يعرف اليأس طريقا إلى قلبه. ولكن جمال في الحقيقة يبدو كنموذج استثنائي جدا في واقع يدفع للجريمة والانحراف ودون وجود أي أثر لنماذج إيجابية، أو أيد يمكن أن تنتشله من ظروفه الصعبة، وعندما تظهر هذه اليد الحانية إما أن تكون خادعة من مافيا عصابات التسول أو صادقة ولكنها لسائحة أجنبية تدعو زوجها ليعوضه بالنقود عما تحمله من ضربات من رجل الأمن الهندي، عندما يصرخ مالك من أثر الضربات «ها هي الهند الحقيقية التي تريدون التعرف عليها». أليست هذه إشارة أخرى لموقف الفيلم ونواياه الواضحة؟

يقوم المخرج داني بويل بدور المستعمر القديم، فيأخذ مادته الخام من تراث سينمائي وثقافي، ورواية هندية ناجحة وذائعة الصيت، ليعيدها في صورة منتج صناعي جديد. ومع كل التقدير للإنتاج الأدبي الروائي ككيان مستقل، إلا أن السينما عندما تتعامل معه فهو بالنسبة لها مادة خام يعاد تشكيلها وتصنيعها، لتخرج على شكل منتج آخر ينتمي إلى وسيط تعبيري مختلف، من أهم ما يميزه سرعة انتشاره واعتماده على أحدث التقنيات في مجال الصورة والأهم من كل هذا أنه يخاطب كل شرائح البشر في العالم مع اختلاف طبقاتهم الاجتماعية والثقافية. وفي الحقيقة إن المتابع للسينما الهندية سيلاحظ أن داني بويل لايستفيد فقط من الأفلام الهندية التجارية التقليدية، بل إنه يستفيد أيضا من أفلامها الحديثة المتقدمة فنيا والتي استطاعت أن تطور الأساليب القديمة وأن تعيد صياغة الميلودراما الهندية وأشكالها الاستعراضية المفتعلة إلى صياغة أكثر تطورا وصدقا واقترابا من الواقع وأقل كثيرا في لعبها على أوتار المآسي الفاجعة والأفعال البطولية الخارقة، وهو ما شاهدناه أخيرا في أعمال لمخرجين هنود جدد منهم كبير خان في (قطار كابول السريع) 2006، ميشال بهارادفاج في (أومكارا) 2006 وريتوبامو جوش في (البر الأخير) 2007. يوفق داني بويل أيضا في اعتماده على فنانين هنديين أولهما الموسيقار الهندي الكبير «ركها رحمن» الذي استطاع أن يوظف الموسيقى الغربية بإيقاعاتها السريعة ولكن بصبغة هندية، لتتناسب مع أحداث الفيلم السريعة وانتقالاته الحادة وكذلك في إبداعه الموسيقى في رقصة النهاية ليقتنص جائزتي أوسكار عن أفضل موسيقى وأفضل أغنية أصلية. أما الثاني فهو فني الصوتي الهندي رسول كوتي الذي حاز أوسكار أفضل مزج موسيقى.

هل أساء الفيلم؟

بويل لا يعتمد على عناصر التشويق التقليدية من معارك عنيفة أو رقصات مثيرة أو تهريج هزلي أو حتى مأساوية مغرقة. ولكنه يعوض مشاهده بلحظات كثيرة من المتعة تتخللها لحظات من الدراما المؤثرة، ويتمكن من وضعه في قلب الحدث وكأنه يلقي به وسط أمواج عالية لكنها منعشة، وفور أن ينتابه الشعور بالقلق أو الخطر يعود لينتشله من جديد. إنه أشبه بخوض ألعاب مشوقة في مدينة ملاه مائية، لكنها لاتكتفي بامتاعك وتسليتك فقط، وإنما بإضافة خبرات ومعارف جديدة إلى حياتك دون أن تشعر ولكن أي معارف وأي خبرات؟

وقد يرى المتحمسون للفيلم أنه يطرح نموذجا إيجابيا لمواطن شرقي مسلم استطاع أن يقهر الظروف اللا إنسانية المحيطة به، وأثبت انه بإمكانه على الرغم منها أو بفضلها أن يمتلك معلومات لا يعرفها من تربوا في بيئة مناسبة وأتيحت لهم ظروف حياة سليمة. ولكن مع الأسف فإن الفيلم يكشف عن نواياه الحقيقية بوضوح مع آخر لقطاته حين يقدم إجابته التي طرحها على الجمهور من البداية حول سر نجاح جمال في الحصول على المليون فيختار (إن ذلك مقدر له). إن جمال وفقا لرؤية صناع العمل ليس عبقريا ووصوله لحلول الإجابات لم يكن بفضل خبراته الحياتية الخاصة والصعبة جدا ولا بفضل تركيزه أو حسن استنتاجه ولكنه القدر.

إن قراءة هذا الفيلم بعناية والخروج عن أسر جاذبيته، يدفعنا للتأكيد على اتهامه بأنه فيلم دعائي موجه، وأنه يقصد الإساءة للشرق. وفي رأيي الشخصي أنه ليس هناك أدنى شبهة في أن الغربيين بودهم أن يهدموا أي نجاح أو أي انتصار للهند أو لأية دولة شرقية تمتلك السلاح النووي وتتحول إلى قوة اقتصادية تسيطر على سوق خدمات الاتصالات عالميا بجهد أبنائها وليس بمجرد تحالف مصادفات القدر. أما كون (المليونير المتشرد) فيلما تجاريا ناجحا فهي تهمة لا يدفعها أحد، خاصة أنه استطاع أن يحصد مئات الملايين من الدولارات على الرغم من ميزانيته المحدودة وخلوه من نجوم الشباك. كما أن إدراكنا لرسالة الفيلم وخطابه الخبيث ينبغي ألا يعمينا عن قيمته الفنية وقدرة صناعه على المزج بين عناصر السينما البوليوودية والهوليودية في فيلم جذاب ومؤثر في خدمة أهدافهم. إنه فيلم تتضافر فيه عناصر السرد الدرامي مع الزوايا وحركة الكاميرا والتصوير والمونتاج والموسيقى وأداء الممثلين، لصنع حالة متسقة من التكامل الأدائي، فهو أقرب للمعزوفة الموسيقية التي يصعب فيها أن تميز مستوى مهارة عازف أو توظيف آلة عن أخرى. إن تقدير الجهد الفني واستيعابه في هذا العمل هو سبيلنا لتقديم أفلام تتبنى وجهة نظرنا كشرقيين بالبراعة نفسها، ولكن بصدق حقيقي وبتعبير صحيح عن واقعنا الفعلي ومعتقدنا الديني. وفي النهاية لست مضطرا لاختيار إجابة واحدة من بين الأربعة المطروحين في عنوان المقال، فهناك أسئلة كثيرة تحتمل عدة أجوبة وقد تكون كلها صحيحة، مع الاعتذار لنظام المسابقة الشهيرة التي ابتدعها الغرب ليصدر لفقراء العالم حلم الثروة بالملايين بلا جهد ولا تعب.

 

 

 

وليد سيف 





أنيل كابور نال استحسان جمهور الفيلم





فريدا بينتو.. جمال شرقي وأداء مؤثر





برنامج كيف تصبح مليونيرًا الذي تقوم عليه أحداث الفيلم





سليم.. شقيق البطل.. لم يوظف دوره جيداً