واحة العربي

واحة العربي

الديك
من ديك الدواجن إلى ديك النهار وديك الجن

الديك ذكر الدجاج، ثم انسحب لفظ الديك على أي ذكر يهيمن على جماعة، والجمع ديوك، وديكة، وأدياك، وتصغيره : دويك، وكنيته: أبو حسان وأبو حماد وأبو سليمان وأبو عقبة وأبو مدلج وأبو المنذر وأبو نبهان وأبو يقظان وأبو برائل، والبرائل ما يرتفع من ريش الديك في عنقه وينفشه للمقتال، أوللزهو والاستعراض، أوللصياح ، أوحين يداهم الأنثى، ولعل كنية (أبو برائل) هي التي وراء مصطلح ديك البرابر) في اللسان الشعبي منحرفا عن اللفظ الأصلي - تماما مثل صياغتنا الشعبية للإشارة إلى ذاك. أو ذلك النهار بمصطلح ديك النهار (في حكاية تخلو من أي ديك)، وهذا لا يمنع من أن يكون (ديك البرابر) قادما من تعبير (ديك البراني)، إذ إن (البرابي - جمع بربا أو بربة) هي الظاهر الواضح المرتفع من بقايا المعابد القديمة المهجورة، والتي كان يسعى ديك الجماعات الفقيرة التي أقامت أكواخها في ظلها إلى الوصول لأعلى قطة في هذه الأطلال كي يطلق صياحه الذي يصل إلى كل الآفاق، كما أن صديقا أشار في أن الدجاجة - في ريف دلتا مصر- تدعى : بربرة ، وهو معنى ثالث لديك لبرابر لا يتعاكس مع سابقيه.

ومن شأن الديك - أي ديك كان روميا أو هنديا أو فيوميا أو بلديا - إلا يحنو على ولده، ولا يمنح كتاكيته اهتماما، الدجاجة تفعل ذلك وتدفع ما تراه خطرا على كتاكيتهـا، والديك أيضا لايأنس ولا يألف زوجة واحدة، ليس ثمة دجاجة واحدة من كل السرب يمكنها أن تحظى بموقع خاص في قلب الديك، إنه لا يؤثر واحدة على أخرى، وهو عدل نادر وصعب، ربما لأن الدجاجات عادة فيها من التماثل ما لا يتحقق في إناث الآخرين الذين يصعب عليهم أن يقيموا مثل هذا العدل، والدميري - عالم الحيوان القديم - يقول عنه : ( الديك أبله الطبيعة، إذا سقط من حائط لم تكن له هداية ترشده إلى أهله).

والديك - سواء أكان للدواجن أو للبيت أو للعائلة أو للقبيلة، أو حتى للأمة كلها - يمتلك قدرا مذهلا من الزهو، والكبرياء، والإحساس بالوقت، والرغبة العارمة في إيقاظ الآخرين، بسبب إقلاقا في الفجر الكاذب قبل أن يصيح ممهدا للفجر الحقيقي بساعتين أو أكثر، كما أنه يمثل توافقا مع الزمن وصل إلى حد أن أحد الديوك قرر أن يحرم الناس من النهار فتوقف عن الصياح، لقد دخل في زعمه أن النهار يبدأ به ، معتدا بشكله الذي يمثل تحديا لكل تكوينات الفنون التشكيلية لما في ريشاته - ابتداء من الرقبة مرورا بالجسد والجناحين حتى الذيل - من تداخل في الألوان وانسجام بين تناقضاتها، مع غرابتها وقدرها على الإدهاش لما فيها من تفرد متألق.

وأضخم الديوك : النوع الرومي ثم الهندي، يلف ويدور في خيلاء نافشا الجناحين، مغدقا انتفاخه على الرقبة المشدودة زهوا للوراء وكأنه قد تخرج توا من كلية الشرطة، أو نجح في الاستحواز على قلب عبلة بنت مالك، أو حصل على حكم من المحكمة الدستورية، أو نال جائزة الدولة في الأدب، أو اكتشف أسباب الغباء الشامل في العصر الحديث، أو أنجب ذكرا في عائلة لا تنجب سوى الإناث، أو كأنه ديك الجن الذي يأتي من جبال شياطين البربر غرب إفريقيا ليتلبس أجساد عاشقات الزار في صعيد مصر، وهو غير ديك الجن الشاعر الماجن اللاهي الذي كان أستاذا لأبي تمام، وكذلك أيضا هو غير ديك الجن في الحكاية الشعبية الذي واجه الغول بأن تجمد في موقفه حتى باض، فاعتقد الغول أن هذا الديك مجرد دجاجة ليست في قائمة أعدائه، وهي المرة الوحيدة التي باض فيها ديك مؤكد الذكورة.

ومما دخل في زمرة الديوك دون أن يكون ديكا حقيقيا : ديك الغابة، وهو من طيور القنص الليلية، ريشه بين بني وأسود، كبير العينين طويل المنقار، يفد إلى مصر شتاء من شمال أوربا وله شبيه أمريكي أكبر منه، كثير الصياح ومقلق.

ويمثل الديك نصف الديكتاتور وترى ذلك في عناده وغبائه ونرجسيته، غير أن عين الديك أكثر يقظة، وأكثر إدراكا، ويستحب لحم جميع أنواعه في تشكيلاتها الفاخرة لتتوسط موائد الولائم، ويلعب الديك دورا مهـما في هدية العروسين في ليلتهما المتألقة بزوج الحمام، فالحمام يظل رمزا للاشتهاء والرغبة ، أما الديك فهو رمز للخصوبة واليقظة والكيد للأعداء الذين يكونون قد ناموا قبل ذلك بساعات

 

محمد مستجاب

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات