طرائف عربية

طرائف عربية

ولكنه ضحك كالبكا
غدر

بويع الملك المظفر " قطز" عام 657 هـ. وبينما هو في مملكته جاءت أخبار جحافل التتار وقد وصلت إلى دمشق، تنهب البلاد، وتقتل العباد. كان قطز من أشجع الفرسان ، ومن أهل الأصول. بيع في رق ابن الزعيم فلطمه يوما فبكى بحرقة فقيل له "من لطمة واحدة تبكي هذا البكاء؟" فقال: " انما أبكي من لعنته أبي وجدي وهما أفضل منه". جمع قطز الأمراء والفرسان وقرر الخروج إلى التتار. وفي "عين جالوت" بالشام أوقع بهم هزيمة مروعة في ساعة تشيب لهولها الولدان. كانت مصر تنتظر عودة من رد كيد المعتدين عن المسلمين وعن العالم. كانت الزينات منصوبة، والأغاريد مدوية، والمصابيح مضاءة، والقوارب تمرح على صفحة النيل ابتهاجا بعودة المنتصر. لكن قطز المنتصر، وفي صحراء الصالحية خرج يطارد أرنبا، فلما ساق جواده ساق خلفه الأمراء وعلى رأسهم الأمير "بيبرس" أحد خاصته ومريديه. دنا منه بيبرس وأراد أن يقبل يده فلما مد السلطان كفه إليه قبض عليه وضربه بيبرس في غدر باغت بسيفه وسرعان ما أجهز عليه الأمراء. ارتوت الصحراء بدم هازم التتار، ومحرر الشام.

كانت مواكب الفرح تعم حواري القاهرة الفاطمية، والأغاني والأشعار تدوي حتى عنان السماء فيما كان الجيش العائد بالنصر حاملا جثة صاحب النصر حيث ووريت، ودفنت في مقابر فقراء المسلمين.

سبحان من له الدوام

تسلطنت "شجرة الدر" سلطانة على مصر وكانت آخر سلاطين "بنى أيوب"حف بها المجد، وسطعت أيامها بالأبهة كمظاهر الفخر فأنعمت على الأمراء بالوظائف السنية، وأغدقت على الجند بالأموال والعطايا، لكن الناس نفروا من أن يتولى أمرهم امرأة فتزوجت الأميرة "أيبك" التركماني. كانت شديدة الغيرة فقتلت زوجها الذي أصر على أن يحتفظ بزوجته الأولى " أم على " فتلته " شجرة الدر " شر قتلة لكن شاءت الأقدار أن تظفر بها أم علي بمعاونة بعض الجواسيس فقتلوها. ضربا بالقباقيب في حمامها. وحملت "شجرة الدرا" - ملكة المسلمين، عظمة الدنيا والدين ذات الحجاب الجليل والستر الجميل - وألقيت على سور القلعة عارية إلا من سروالها. فيتسلل حرفوشان من العامة ويسرقان من تكة سروالها لؤلؤتين وزجاجة من المسك ويحملانها في قفة ويواريانها في مقابر الصدقة.

جهل العامة وزمن الغمة

نكبت مصر بالعديد من الحكام المجانين، وكان أكثرهم جنونا الحاكم بأمر الله "أبي علي منصور" فصار مطلق السراح في العباد يفعل أشياء لا تقع إلا من المعتوهين ، منع سائر النساء من الدخول إلى الحمامات. مر يوما على حمام وسمع بداخله لغط النساء فأمر أن تسد أبوابه ونوافذه عليهن. منع زراعة الكروم والملوخية وكان يجلد الرعية بالسوط إذا أكلوها. أمر بقتل كلاب بر مصر. كان يشعل الشموع بمجلسه ليلا ونهارا. أمر بأن يعمل الرعية بالليل ويناموا بالنهار. أمر الناس بأن يصطفوا إذا ما ذكر اسمه على المنبر يوم الجمعة. كان يختار أحد غلمانه فيرقده على باب الجامع ويشق بطنه ويرمي بمصارينه للكلاب. فلما ضاقت الناس بجنونه اتفقت اخته "ست الملك " مع الأمير "سيف الدين بن رواس " فأخرج له عشرة غلمان فقتلوه بحلوان.

قال "الذهبي": لما قتل الحاكم صار جماعة من الجهال المغفلين، من وادى النيم من نواحي الشام يعتقدون في عودة الحاكم آخر الزمان، وكأنه المهدى المنتظر.

قلب غير رحيم

أوغر القاضي "ناصر الدين بن البارزي" صدر السلطان " مؤيد الشيخ " على ولده "إبراهيم" كأن يهتف له "سوف يولى الجند ولدك سلطانا". "سيرثك إبراهيم وتغادر أبهة الممالك ، وعظمة السلطان". لم يجد السلطان مفرا بسبب ظلمه إلا تقديم السم لابنه في قطعة من الحلوى . صك الخبر سمع الناس فضجوا بالغضب وأشاروا ناحية السلطان. أراد القاضي أن ينقى في خطبة الجمعة التهمة عن سلطانه، فاستشهد بحزن الرسول عندما فقد ولده "إبراهيم " وقال: " إن العين لتدمع والقلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي الله وإننا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون".

علم السلطان فشق على نفسه وقال : "يدفعني لقتل ابني ثم يريد قتلي بالحزن عليه". ثم دعاه وتبسط معه وقدم له سلطانية مسمومة من الحلوى أخذت روحه وشرب من نفس كأسه.

ذهب السلطان وبقي الشعر

كان " كافور الاخشيدي " عبدا أسود خصيا اختاره " ابن طغج " ليكون حاكما على مصر . عمل خادما وجر العجل وانتقل من سيد إلى سيد . في عهده رأت مصر من الزلازل ، والمظالم ، والأوبئة ، وإغارة الأعداء الشيء الكثير ، حتى أن الفسطاط احترق أغلبها في عهده. استدعى " أبا الطيب المتنبي " ليبيض وجهه بالشعر وعندما اختلفا قال فيه المتنبي أبياتا ذهب السلطان وبقيت هي خالدة على مر الدهور :

عيد بأية حال عدت يا عيد

بما مضى أم لأمر فيك تجديد

لا تشتر العبدإلا والعصا معه

إن العبيد لأنجاس مناكيد

من علم الأسود المخصي مكرمة

أقومه البيض أم آباؤه الصيد

 



أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات