هايدلبرج.. بلد الصناعة والتاريخ

هايدلبرج.. بلد الصناعة والتاريخ

حوار عربي ـ ألماني

في مدينة هايدلبرج الألمانية، حيث يمتزج الرقي العصري بعراقة التاريخ وجدية الثقافة، جرت فعاليات حوار الإعلام العربي الألماني، بانفتاح عقلي وصراحة مخلصة، وروح مودة عمقها جمال المدينة وتحضر أهلها.

عندما حطت بنا الطائرة التي أقلتنا من الكويت في مطار فرانكفورت كانت تباشير الصباح تحمل معها نسمة باردة ليست مستغربة على أجواء نوفمبر الباردة في أوربا, كانت الحافلة التي أقلتنا للوصول إلى مدينة هايدلبرج (عدد سكانها حوالي 200 ألف نسمة) التي تقع فوق مرتفع يطل على نهر النيكر, تسير بنا ولفحة من الضباب الكثيف تغطي الطريق فيما كانت الأعشاب الخضراء حول الطريق السريعة تغطيها طبقة من الجليد الأبيض الخفيف مشيرة إلى مقدم شتاء قارس, هايدلبرج المدينة التاريخية ذهبنا إليها بدعوة من دائرة الصحافة والإعلام لحكومة ألمانيا الاتحادية لحضور ندوة مهمة يقيمها معهد العلاقات الخارجية في مدينة شتوتجارت بعنوان (حوار وسائل الإعلام الألماني ـ العربي 3 ـ 6 نوفمبر 1997).

ومدينة هايدلبرج التي حسب ما تقول عمدة المدينة السيدة بيأته فيبر وجدت قبل 800 عام حيث دخلها الكثير من القوميات (الرومان, الأتراك, الفرنسيون وغيرهم).

وهي تقع على نهر النيكر ضمن ولاية بادن (عدد الولايات في ألمانيا 16 ولاية) ويبلغ عدد سكانها أكثر من عشرة ملايين ونصف مليون نسمة وعاصمتها شتوتجارت التي تعرف بأنها قلعة الصناعة الألمانية (دايملز, بنز, بوش, بورش), وهي من الولايات الجنوبية وتحيط بها فرنسا وسويسرا والنمسا.

تقع ألمانيا في قلب أوربا, وهي محاطة بتسع دول: الدنمارك في الشمال, وهولندا وبلجيكا ولكسمبورج وفرنسا في الغرب, وسويسرا والنمسا في الجنوب, والجمهورية التشيكية وبولونيا في الشرق. ولقد أصبح هذا الموقع المتوسط أكثر وضوحاً منذ أن حققت ألمانيا وحدتها الوطنية في الثالث من أكتوبر 1990. إذ أصبحت جمهورية ألمانيا الاتحادية, أكثر من أي وقت مضى, بمنزلة قطب رحى بين الشرق والغرب وبين اسكندنافيا ومنطقة البحر المتوسط, وبانتمائها إلى الاتحاد الأوربي وإلى حلف شمال الأطلسي تشكل ألمانيا جسراً بين الغرب ودول وسط أوربا وشرقها.

ويبلغ طول الحدود الألمانية جميعها 3758 كيلو مترا.

كما يبلغ سكان ألمانيا نحو 81 مليون نسمة, وهي, من ناحية عدد السكان, ثاني أكبر دولة في أوربا, بعد روسيا, تليها إيطاليا 58 مليون نسمة, وبريطانيا 57 مليون نسمة, وفرنسا 56 مليون نسمة, إلا أن ألمانيا من ناحية المساحة أصغر من فرنسا (544000كم مربع) ومن إسبانيا (505000 كم مربع).

وتمتاز الطبيعة في ألمانيا بتنوعها الشديد وجمالها الأخاذ, فالسلاسل الجبلية المنخفضة والعالية تتناوب مع السهول المرتفعة والأراضي المتدرجة ومناطق الهضاب والجبال والبحيرات, ومع السهول المكشوفة الواسعة, وتنقسم ألمانيا من الشمال إلى الجنوب إلى خمس مناطق طبيعية كبيرة هي: السهول الألمانية الشمالية الواطئة, سلسلة الجبال الوسطى, السلاسل الجبلية المتدرجة في الجنوب الغربي, منطـقـة ما قبل الألب في الجـنوب الألماني, وجـبال الألب البافارية.

تطغى على الأراضي الواطئة في الشمال السهول الطينية والمنبسطات المرتفعة قليلا عن سطح البحر الغنية بالبحيرات والهضاب وتتخللها المروج والمستنقعات والأراضي الخصبة التي تتغلغل نحو الجنوب على شكل خلجان برية حتى سلسلة الجبال الوسطى.

يعيش في ألمانيا كما ذكرنا نحو 81.8 مليون نسمة (بينهم 7.2 مليون أجنبي). وتبلغ الكثافة السكانية فيها 229 نسمة في الكيلومتر المربع, وهي بذلك من أكثف بلدان أوربا بالسكان, لا يضاهيها في ذلك سوى بلجيكا وهولندا وبريطانيا وإيرلندا الشمالية.

إلا أن التوزيع السكاني في ألمانيا متفاوت جداً بين منطقة وأخرى, فمنطقة برلين الكبرى, التي نمت نمواً واسعاً بعد توحيد ألمانيا, يقطنها ما يزيد على 4.5 مليون نسمة, ومن المتوقع أن تضم في نهاية القرن الحالي 5.5 مليون إنسان, وفي المنطقة الصناعية الواقعة على نهري الراين والرور, حيث تتصل المدن ببعضها, يعيش أكثر من أحد عشر مليون إنسان ـ نحو 1200 نسمة في الكيلو متر المربع الواحد.

وهناك تجمعات سكانية أخرى نجدها في منطقة الراين والماين بمدنها الثلاث فرانكفورت وفيسبادن وماينتس, والمنطقة الصناعية في حوض الراين والنيكر بمدينتيها (مانهايم ولودفيغسهافن), والمنطقة الصناعية حول مدينة شتوتجارت, والمناطق المحيطة بمدن بريمن, ودريسدن, وهامبورج, وكولونيا, ولايبزج, وميونخ, ونورنبرج/فورت.

ألمانيا دولة اتحادية ويعبر اسمها (جمهورية ألمانيا الاتحادية) عن بنيتها الفيدرالية, وهي تتألف من 16 ولاية, والولايات ليست مجرد أقاليم تابعة للاتحاد, بل هي دول تتمتع فعلا بسلطة الدولة, ولكل ولاية دستورها الخاص بها والذي يجب أن يكون منسجماً مع القواعد الأساسية التي ينص عليها القانون الأساسي, وهي الأسس الجمهورية والديمقراطية والاجتماعية للدولة التي يسودها القانون, وفيما عدا ذلك لكل ولاية مطلق الحرية في صياغة دستورها بالشكل الذي تراه مناسباً.

والمحافظة على مبدأ الدولة الاتحادية هي إحدى القواعد الدستورية الأساسية التي لايجوز مساسها, لكن الدستور لايمنع إعادة تشكيل الولايات وتقسيم أراضي الاتحاد بطريقة أخرى, إلا أنه يحدد القواعد التي يجب اتباعها عند القيام بذلك, وهناك لجنة تشكلت بعد الوحدة يشترك فيها ممثلون عن الاتحاد والولايات مهمتها وضع اقتراحات حول تعديل بعض أحكام الدستور, وقد دعت في أحد الاقتراحات إلى تسهيل إجراءات تشكيل الولايات وتعديل حدودها.

يمتاز النظام الفيدرالي الألماني بتاريخه الدستوري الطويل, الذي لم ينقطع إلا في العهد النازي المركزي 1933 ـ 1945. وتعتبر ألمانيا من البلدان الكلاسيكية في مجال التنظيم الفيدرالي, ولقد أثبت هذا النظام كفاءته

تاريخ وصناعة وعلم

عندما وصلنا إلى فندق (ريتر) ويعني الفارس كان العمل قد بدأ, فالألمان يبدأون ساعات عملهم من الثامنة صباحا حتى السادسة مساء, فاقترح زميلنا في الرحلة إبراهيم العابد من دولة الإمارات العربية المتحدة أن نقوم بجولة على الأقدام نتعرف من خلالها على معالم المدينة التاريخية, وقد صحبتنا في الرحلة الدكتورة ألفت حسن أغا من مصر, والزميل مرزوق بشير من دولة قطر على الأقدام لرؤية معالم هايدلبرج التاريخية, وأهمها جامعة (هايدلبرج) التي تأسست عام 1386 فهي أقدم جامعة ألمانية, ومركز المدينة التاريخي, وكنيسة الروح المقدس التي تعود إلى أواخر العصر القوطي, والجسر القـديم مع بوابة نهر النيكر, والقلعة وحانات الطلاب القديمة الطريفة, ومصانع هايدلبرج لصنـاعة آلات الطباعة, تقول عمدة المدينة السيـدة (بيأته فيبر) إنها مدينة تحتوي على تاريخ يشمل ثمانمائة سنة وعينها على القرن القادم.

فهي مدينة العلم والبحث العلمي, ومنها يخرج قادة العلم الحاصلون على جوائز نوبل, إنها المدينة التي يتربع سكانها على قمة الحائزين على جوائز العلم والصناعة والمنافسات الثقافية.

وليس يكفي أن جامعتها العريقة تقع في قلب هايدلبرج, لكنها أيضاً تضم 15 كلية منها تسع كليات متخصصة في البحث العلمي, يدرس فيها أكثر من 30 ألف طالب, كما أنها مقر الدراسات البيولوجية لأوربا كلها, وهي مقر بحوث الأمراض السرطانية في ألمانيا, بالإضافة إلى 20 مؤسسة علمية بلغات متعددة, منها اللغة العربية, كما أنها مقر الأبحاث لشركة (.I.B.M) للكمبيوتر, وكذلك تعرف بأنها صاحبة الفضل في ظهور برامج الصور الإلكترونية.

وعن الآثار التاريخية فهي تحتوي على عشرة متاحف بالإضافة إلى المسارح والمعارض.

بعد هذه الجولة السريعة والمنهكة والتي تخللها صعود الجبل للوصول إلى القلعة ـ ونحن العرب ما شاء الله محبون لمثل هذه المغامرات ـ عدنا للتجول في السوق لتناول وجبة طعام دسمة.

حوار وسائل الإعلام الألماني ـ العربي

الاهتمام والتعامل مع العالم العربي والإسلامي يحظى بأهمية كبيرة لكثير من أصحاب القرار في العالم الغربي, وألمانيا لاتشذ عن هذه القاعدة.

يقول الدكتور رانيهارد شفارتسر نائب رئىس قسم الشئون الخارجية في دائرة الصحافة والإعلام للحكومة الألمانية الاتحادية في افتتاح ندوة الحوار التي استمرت ثلاثة أيام من 3 ـ 6 نوفمبر الماضي, إن مبدأ الحوار هو أمر ضروري علينا أن يعرف بعضنا بعضا, وألا نلجأ إلى التعميم, فهناك الكثير من الأمور التي لايعرفها الغرب عن العالم العربي والإسلامي, وهدفنا من هذه الندوة هو الحوار المستمر بين شركاء متساوين.

أما الأمين العام لمعهد العلاقات الخارجية في شتوتجارت الدكتور أودورو سباخ فيقول مبيناً أهمية هذا الحوار الذي حضره أربعة وعشرون إعلامياً ومسئولا في أجهزة الإعلام العربية والألمانية: إنهم في معهد العلاقات الخارجية, وهو من المنظمات الكبيرة في ألمانيا, يبذلون جهداً كبـيراً لتكثيف العلاقات العربية ـ الألمانية, حيث أقام المعهد عام 1974 الأسبوع العربي ـ الألماني وهـو أسبـوع ثقافي صـدرت بعده وثـيقة تتبـنى أساس الحـوار مع العالم العربي, فـي هذه الوثيقة وضعت قائمة بأسماء المنظـمات العربية ـ الألمانية التي تسعى إلى تعميق الحوار الهادف وفهم طبيعة وكيفـيـة تطوير العلاقات بين المجتمعين.

وقد قام المعهد بنشر وطباعة الكثير من الكتب عن لبنان وسوريا والكويت والمملكة العربية السعودية, تحتوي على جوانب تاريخية وسياسية وثقافية والوضع الاجتماعي والاقتصادي.

في عام 1992 نشر المعهد كتابا بعنوان (الإسلام.. الطريق الصحيح) في محاولة للتعرف على الإسلام ومعرفة المزيد عن هذا الدين, كما أن المعهد بالتعاون مع منظمة اليونسكو يصدر مجلة تعنى بتشجيع الحوار العربي ـ الألماني.

خليط سكاني

ويعرف عن الشعب الألماني أنه نشأ من اندماج عدد من القبائل الألمانية المختلفة أهمها: الفرانكيون, والسكسونيون, والسوابيون, والبافاريون. أما اليوم فلم تعد هذه القبائل القديمة موجودة بشكلها الأصلي, لكن تقاليدها ولهجاتها لم تزل حية لدى مجموعات إقليمية تشكلت عبر التاريخ.

إلا أن سكان كل ولاية من الولايات الحالية ليسوا متماثلين بأي حال مع القبائل القديمة, بل إن الولايات بالشكل الذي هي عليه اليوم تشكلت بمعظمها بعد الحرب العالمية الثانية بتأثير القوى المحتلة, ولم تلعب التقاليد, في أغلب الأحيان, دوراً كبيرا عند رسم الحدود. إضافة إلى ذلك فإن موجات اللاجئين والهجرات الكبيرة بعد الحرب العالمية الثانية, ثم الحركية التي سادت المجتمع الصناعي الحديث, أدت جميعها بدرجات متفاوتة, إلى إزالة أو تقليل الفوارق بين المجموعات السكانية المختلفة.

وهناك منذ قديم الزمان بعض الخصائص المتميزة التي توصف بها هذه المجموعة السكانية أو تلك. وهكذا يعتبر المكلنبورغيون منغلقين على أنفسهم, والسوابيون ميالين للتوفير, وسكان منطقة الراين مرحين يحبون التمتع بالحياة, والسكسونيون مجدين وشطاراً ـ صفات مستمدة من الماضي البعيد لم تزل المجموعات السكانية تتداولها بطريقة فولكلورية مرحة لغرض التسلية.

وهكذا فإن جدية الشعب الألماني انعكست على إنتاجيته وعلاقته بالآخرين, كما أن لغة الحوار تأتي من طبيعة اللغة الألمانية التي هي خليط من مجموعة اللغات التي تأثرت بالهندوجرمانية. أما نشأة اللغة الألمانية الفصحى والموحدة فترجع إلى دور (مارتين لوثر) حيث قام بترجمة التوراة إلى اللغة الألمانية, وهي اللغة الأم لأكثر من 100 مليون إنسان, ونحو 10% من الكتب التي تنشر في العالم بأسره تصدر باللغة الألمانية, وهي تحتل المرتبة الثالثة في العالم بعد الإنجليزية والفرنسية من ناحية الترجمة عنها إلى اللغات الأخرى, أما من ناحية الترجمة من اللغات الأخرى إليها فتحتل المرتبة الأولى في العالم.

الخطر الأخضر

كان اليوم الأول في ندوة الحوار العربي ـ الألماني فرصة للعرب لتصحيح الصورة التي يظهر عليها العربي أو المسلم في وسائل الإعلام الغربية, والألمانية بالتحديد, فهم يخلطون بين مفهومين لغوي وجغرافي, فالإسلام مصطلح لغوي, أما العرب فهو مصطلح جغرافي ومن هنا فلا يجوز الخلط بينهما.

تقول الدكتورة ألفت حسن أغا من مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية, في ورقتها: لم يشهد التاريخ الأوربي, منذ العصور الوسطى, أي فترة تمت فيها دراسة أو تناول الإسلام بصفة عامة, بعيدا عن الإطار الذي فرضته المصالح السياسية والتحيزات المسبقة. فقد ساد الاعتقاد تاريخيا بأن الإسلام دين شيطاني مغلف بالردة والكفر والغموض. ولم يعرف عن المسلمين والعرب حديثا إلا أنهم موردون للنفط أو مصدرون للإرهاب, بعيدا عن الأبعاد الإنسانية التي تميز الدين والحياة في العالمين العربي والإسلامي, وباختصار, فإن هناك صورة محددة للإسلام يتم ترويجها في الغرب, ويجري حصر رسالته ومعانيه في قوالب جامدة مشوهة.

وقد أدت الضغوط الإعلامية المستمرة, التي تدمغ الإسلام بالتطرف والعنف, ليس فقط إلى أغلب المفاهيم المسبقة لدى صانعي القرار السياسي, وإنما أيضا إلى خلق صورة إعلامية مشوهة يتم ترسيخها في الثقافة الغربية مع ترويجها جماهيريا. وأضحى الإسلام يتعرض لحملة خطيرة من قبل وسائل الإعلام الغربية تخلق إجماعا على أن الإسلام يمثل تهديدا للحضارة الغربية. وهكذا, بدلا من الخطر الأحمر (الشيوعية) في فترة الحرب الباردة, أضحى يزعم أن ما يسمى الخطر الأخضر (الإسلام) هو السرطان الذي ينتشر حول العالم مهددا شرعية القيم الغربية, وممثلا العدو الطبيعي للغرب.

ويساهم افتقاد البلدان الإسلامية وكالات أنباء متطورة وذات شبكات دولية, وسيادة الوكالات الغربية, في هذه التغطية, غير الكافية أو المتحيزة, للعالم الإسلامي في الغرب كما ساهمت عوامل متعددة في هذه التغطية المتحيزة مثل العداوات التاريخية التي ترجع إلى الهجمات الصليبية والسيطرة العثمانية على أوربا الشرقية حتى الحرب العالمية الأولى, والمشاركة الإسلامية الفعالة في حرب استقلال الهند ضد الاحتلال البريطاني, كما أن هناك عاملا أكثر حداثة يتمثل في الدعاية الصهيونية. ويأتي بعض التحيز من الرسائل السلبية التي يرسلها العالم الإسلامي نفسه, ومنها ظاهرة خطف الطائرات وحجز الرهائن وغياب الديمقراطية الحقيقية في معظم الدول الإسلامية. ولقد تعرضت بعض هذه الأحداث لسوء الفهم وللتضخيم المبالغ فيه نتيجة للتحيز المسبق ضد المسلمين والعالم الإسلامي.

وتضيف الدكتور ألفت: إن الفهم والتحليل العميق للمعلومات التي تقـدمها وسائل الإعلام الغربية من الأمور المهمة لدى وضـع أساس لاستراتيجية إعلامية للمواجهة تستطيع اختراق الإعلام الغربي وإقامة حـوار للتأثير في العقلية الغربية.

فالصورة المتطرفة للإسلام والمسلمين في الغرب ينبغي أن تراجع ويتم إبراز التعاليم الحقيـقية للإسلام. ويجب دعم دور وسائل الإعلام والمراكز الثقافية التابعة للبلدان الإسلامية حتى يواجه الإسلام التحدي الحضاري بخطاب حضاري متماسك يقضي على الكراهية المتزايـدة له. ويعالج التفـسير الخاطىء والمتحيز للتطورات في العالم الإسلامي, والذي يقع على المسلمين عبء كشف وتصحيح صورته الراهنة

مصالح وأفكار

الدكتورة أوته جيرهارد, جامعة دورتموند في ألمانيا, تطرح فكرة المصالح وأن هناك أفكارا بالفعل لدى الغرب مسبقة, مثل مقولة (القنبلة الذرية الإسلامية), فالقنبلة في رأيها هي من إنتاج دولة وليس الإسلام فلماذا الربط والتشويه?! في رأيها أن الإعلام هو الذي يلعب الدور السلبي في تشويه الحقائق. الأستاذ مرزوق بشير المستشار الإعلامي القطري يعزو هذه الظاهرة إلى نقص المعلومات عن العالم العربي والإسلامي وأن ما يصل المواطن الغربي عبارة عن معلومات مشوهة وناقصة, وبالتالي تعكس صورة نمطية لديهم, ويضيف أن العيب ليس في الأجهزة, إنما في القائمين عليها.

الأستاذ إبراهيم العابد مدير العلاقات العامة الخارجية في أبوظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة تحدث عن نظرة وسائل الإعلام الغربية لمسألة حقوق الإنسان في الخليج العربي قائلا إن مسألة حقوق الإنسان أعطيت قدراً كبيراً من الاهتمام في وسائل الإعلام الغربية في الآونة الأخيرة, وفي الغالب هذه التقارير ليست صحيحة, حيث وقعت تحت تأثير سوء الفهم والتشويش ومرجع هذا التشويش هو عدم معرفة مبادئ الشريعة الإسلامية وغالباً ما تكون هذه المعرفة, ضئيلة في أوربا والولايات المتحدة. وأقر بأن هذا ناجم إلى حد ما عن عجز العالم الإسلامي عن تقديم نفسه بوضوح كاف, غير أنه ينبغي أيضا الاعتراف بوجود إجحاف بحق العالمين الإسلامي والعربي لدى الطرف المقابل من حين لآخر.

الدكتور جيرنوت روتيسر من جامعة هامبورج قال: إن النظرة التي توليها وسائل الإعلام العربية للغرب هي نظرة تعتريها غالبا صفة ملازمة لها, وهي الصفة التي تتسم بها مرارا أيضا وسائل الإعلام الغربية لدى نشرها تقارير إعلامية عن العالم الإسلامي بصورة عامة والعالم العربي بصورة خاصة ألا وهي صفة (التعميم).

وفي الصحافة العربية ينبغي التمييز في هذا الصدد ما بين النقد الموجه للسياسة الغربية ولاسيما فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي, الذي تتفق بشأنه من ناحية جميع وسائل الإعلام والنقد الموجه إلى مظاهر التمدن الواقعية سواء أكانت وهمية أم مبالغاً فيها والمعممة, التي تعتبر مذمومة أخلاقيا, أو أنها تبدو في نظر المسلمين وكأنها على سبيل المثال إباحية جنسية مطلقة, وتعاط للمخدرات, وإلحاد, وانهيار للبنى العائلية, وهذه الصفة الأخيرة موجودة بطبيعة الحال في بعض وسائل الإعلام المتسمة بطابع التعصب الايديولوجي بالدرجة الأولى.

وهناك مقابل هذه الإدانة السياسية والأخلاقية للغرب نظرة الإعجاب الصـريحة أو الملموسة فقط ما بين السطور أيضا بمنجزات العلوم الطبيعية وبالمنجزات التكنولوجية الغربية, في حين أنه ليس من النادر أن تتـم الإشـارة إلى أن أقدم الأسس التي يقوم عليها علم الطبيعة الغربي وضعت من قبل العرب.

الإعلام والعولمة

الدكتور كاي حافظ, معهد الشرق ـ الألماني في هامبورج يطرح فكرة أن وسائل الإعلام تخلق, من خلال إنتاج ونشر الأخبار, أسسا مهمة بالنسبة لعولمة الاتصالات وتشابك الأديان العالمية مع بعضها البعض عن طريق تبادل إعلامي سياسي, غير أن الدراسات التي جرت للنشرات الألمانية الإخبارية الخارجية رسخت الاقتناع بأن صورة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي في وسائل الإعلام الألمانية كما في وسائل الإعلام الغربية الأخرى مشوهة إلى حد ما, إن حالات العجز الحسية هذه يمكن إثباتها بشكل مشابه أيضا لصورة الغرب في وسائل الإعلام العربية, ومن المحتمل أن تنشأ هوة متزايدة عمقا ما بين العولمة التقنية والاقتصادية المندفعة, والتي يمكن مراقبتها في ميدان وسائل الإعلام بصورة موازية لقطاعات أخرى من الاقتصاد, وبين التقرير الإخباري عن الشرق الأوسط الذي مازال مجتزءاً للغاية من حيث المضمون, ويكمن الخطر في أن تصبح نشرة الأخبار الخارجية عاملا مؤجلا للعولمة, الأمر الذي يمكن أن يؤدي ـ نتيجة لازدياد الاتصال الجماهيري على المدى العالمي ـ ليس إلى تراجع بل إلى تنامي حالات التوتر الدولية والثقافية العالمية, وفي هذا المجال لايعتبر الصحفيون وحدهم هم المسببين لهذه المشاكل بل بنفس المستوى أيضا المستهلكون لوسائل الإعلام, والنخب السياسية والمثقفة وأخيراً وليس آخراً الأقليات الشرقية في ألمانيا التي تبدي معظم الأحيان اهتماما ضئيلا جدا بوسائل الإعلام.

أما الدكتورة أوته جيرهارد, فترى أن ما يخص العلاقات الألمانية ـ العربية بشكل محدد, الآن, يُلزم لفت الانتباه إلى الاستراتيجيات الرمزية لصورة العداء (الشرق) الملحوظة في حوار وسائل الإعلام الألمانية وربما الغربية بشكل عام, ويتعلق الأمر في هذا الصدد بحزمة كاملة من الاستراتيجيات الرمزية, يؤدي تكرارها وتدعيمها إلى الإحساس بأن البلدان العربية ما هي إلا عبارة عن (كتلة غير متمايزة فوضوية لحالة تعصب لا عقلاني), بيد أن ترسيخ مثل صورة العداء هذه يقتصر أوتوماتيكيا على إمكانات الممارسة السياسية على (إجراءات دفاعية) محددة بالذات, ويصبح (الحوار) السياسي الذي هو طبعا أكثر من ضروري أمرا مستحيلا, إذ إن ممارسة الحوار مرهونة بكون المشاركين فيه قادرين أساسا على أداء مهمتهم كشركاء في المفاوضات والمباحثات, غير أن الشرط اللازم لهذا الغرض هو (نزع سلاح) صورة العداء, الذي يجب أن يتم في إطاره مراعاة الأساليب الرمزية بشكل أكثر دقة.

الإعلام والرأي الآخر

توصف ألمانيا بأنها واحدة من البلدان القليلة في العالم التي تحترم كدولة المنزلة القوية للصحافة الحرة, وهناك إقبال شديد على قراءة الصحف في ألمانيا, وعلى الرغم من القفزة الكبيرة التي حققها التلفزيون فإن وسائل الإعلام المطبوعة حافظت على منزلتها لدى الجمهور, لا, بل وسعتها من ناحية كثافة الصحف: عدد الصحف لكل 1000 شخص, تأتي ألمانيا بعد اليابان وبريطانيا والنمسا وسويسرا في المرتبة الخامسة على النطاق العالمي, ويصدر في ألمانيا 380 صحيفة يومية بـ 1600 (طبعة محلية وإقليمية) ويبلغ عدد النسخ المبيعة 25 مليون نسخة يومياً. كما أن هناك أكثر من 9000 مجلة بما في ذلك المجلات المتخصصة, بينما لاتخضع الإذاعة والتلفزيون في ألمانيا لسلطة الدولة, بل إن شئون البث الإذاعي والتلفزيوني ينظمها القانون ويضمنها. لهذا يقول مدير الجلسات في المؤتمر الدكتور فيكتور كوخر وهو يعمل مراسلا لجريدة (نويه تسوريشر تسايتونج) السويسرية إن حوارا كالذي جرى بهذا القدر الكبير من المسئولة والنوعية لهو كفيل بنزع الحساسية, فنحن علينا أن نتعلم كيف نتعايش مع هذه الاختلافات وعلينا توسيع الحوار وجذب أصحاب جميع الآراء لنستمع لهم ونتفاهم معهم.

لقد استمعت خلال الأيام القليلة والسريعة إلى حوارات عالية المستوى من وكيلة وزارة الإعلام اليمنية (أمة العليم سوسة) وهي سيدة ذات دراية عالية بما يدور حولها من تقدم وتطور, وتفهم ما هي مشاكلنا في الوطن العربي لمواجهة القادم.

كما أن مداخلات الزميل حسن خضر من وزارة الثقافة في منطقة الحكم الذاتي الفلسطيني ومدير تحرير صحيفة (الأيام), وهو مترجم للعديد من الكتب التي تحاول تسليط الضوء على قضية الصراع العربي ـ الإسرائيلي كان لها الدور الكبير في إثراء الحوار ورفعه لمستوى عال يتناسب مع الجهد الذي بذله المنظمون لهذه الندوة القيمة. ولاننسى قفشات وأفكار زميلنا مدير تحرير جريدة النهار اللبنانية (أدموند صعب), كما أن تعليقات السفير الجزائري السابق في فرنسا إسماعيل حمداني, وهو محاضر ورئيس الجمعية الجزائرية للعلاقات الدولية, كانت واضحة حول الوضع في الجزائر وكيف تتناوله الصحافة والإعلام الغربي وأثره الكبير في بيان الصورة عن بعض المبالغات التي تحاول هذه الأجهزة تصوير الوضع في الجزائر.

ويجب الاعتراف بالدور الكبير للسيد أحمد عفاني مراسل وكالة الأنباء الكويتية في ألمانيا والخبير في الشئون الألمانية والذي كان حلقة الوصل بين العرب والألمان.

أقدم أوراق البردي الإسلامية

كانت أقدم أوراق البردي التي احتفل بها الوسط الثقافي الإسلامي العربي في ألمانيا قد وصلت كهدية إلى جامعة هايدلبرج وبالتحديد إلى معهد لغات وحضارات الشرق الأدبي التابع لجامعـة هايدلبرج وهي تحتوي على مجموعة من قصص (ألف ليلة وليلة).

يقول الدكتور رئيف جورج خوري رئيس المعهد ـ ولد في لبنان عام 1936 ودرس في جامعة السوربون المشهورة في فرنسا ـ الذي تعلم العلوم الفرنسية ومن ثم العلوم الإسلامية ثم جاء إلى ألمانيا حيث ذاعت شهرته: إن هذه المخطوطات القيمة والتي جاءت هدية للمعهد والتي تحوي قصص (ألف ليلة وليلة), لاتعود إلى الفترة التي كان الناس يتصورونها حتى الآن, إنها أقدم من ذلك بنحو مائة عام, ويعزو ذلك إلى دراسته لمجموعة (بابيري شوت ـ راينهارد). وهي التسمية التي تطلق على مجموعة أوراق البردى نسبة إلى الشخص الذي اشتراها وإلى الشخص الذي أهداها, ويعود الفضل في اقتناء هذه المجموعة من المخطوطات إلى الروح الرومانسية السائدة آنئذ وإلى روح الانطلاقة الإمبريالية في القرن التاسع عشر, فمنذ عام 1824, وهو العام الذي تم فيه العثور في مصر على البرديات الأولى, أخذ الباحثون عن الذهب من جميع أنحاء العالم يتراكضون بحثاً عنها في خرائب القاهرة القديمة وفي وادي الملوك بالأقصر, وكان التنقيب ذا مردود طيب: في عام 1877 حيث تم العثور في خرائب الأحياء السكنية القديمة من القاهرة على كميات كبيرة من المواد الإغريقية والقبطية والعربية, والتي نقلت إلى جميع أصقاع العالم, وأخذ اللوفر في باريس والمتحف البريطاني في لندن ومتحف برجامون في برلين يفخر كل منها بمجموعاته ويتباهى بها, ومع هذا فإن ما بحوزة هذه المتاحف من مخطوطات ليس إلا كمية متواضعة مقارنة بمقنيات المكتبة الوطنية في فيينا, أما جامعة هايدلبرج فتستطيع أن تفتخر بأنها تملك أثمن مجموعة موجودة في ألمانيا.

الموسيقى عصب الحياة

عندما كنا نسير في الطريق الضيق بين الفندق التاريخي الذي نزلنا به وساحة المدينة والتي تمنع فيها دخول السيارات شاهدنا على الجانبين واجهات المحلات الفخمة التي تدل على الذوق الرفيع للشعب الألماني, وكانت السيدة كاتي, التي تتحدث العربية ومتزوجة من فلسطيني يعمل في القدس, وهي تدرس في كلية الدراسات الشرقية ومتطوعة لمرافقة الوفد, كانت تقول: إن الشعب الألماني برغم جديته في العمل فإن لديه وقتا للمتعة والسفر والشراء وحضور الحفلات الموسيقية والسينما, فهناك أكثر من 100 مهرجان موسيقي محلي أو إقليمي, كما يوجد في ألمانيا 121 مسرحاً موسيقياً تدعمها الدولة و146 فرقة موسيقية محترفة, بالإضافة إلى أن أقدم دار أوبرا موجودة في هامبورج قد شيدت عام 1678.

كانت روح العصر تمتزج بأصداء الموسيقى في جولتنا وعبر فعاليات هذا اللقاء, ولعل هذا هو الذي جعل جدية اللقاء وقوة المصارحة تتم جميعاً في مناخ ودي مخلص لعله هو الشرط الأهم لنجاح الحوار, وكل حوار ممكن.

 

أنور الياسين

 
  




هايدلبرج بلد الصناعة والتاريخ العريق





خريطة ألمانيا الاتحادية





ساحة المدينة الجامعية





د. رئيف خوري رئيس معهد لغات وحضارات الشرق





إحدى الساحات المهمة في هايدلبرج





منظر ليلي لضفاف نهر النيكر





كنيسة تاريخية





أحد أهم مصانع آلات الطباعة في العالم في هايدلبرج





مبنى متحف هايدلبرج التاريخي





د. فيكتور كوخر يترأس إحدى جلسات ندوة الحوار العربي- الألماني





إبراهيم العابد، إدموند صعب، مرزوق بشير، حسن خضر، إسماعيل حمداني، وفيكتور كوخر في صورة جماعية في مبنى بلدية هايدلبرج





إحدي جلسات الحوار وتظهر وكيلة وزارة الإعلام اليمني أمة العليم





نموذج للعمارة التاريخية التي تحافظ عليها المدينة





أوبرا الفارس والوردة للموسيقار شتراوس على مسح شتوتجارت