المؤسسات المالية الإسلامية في الكويت: خطوات على طريق الاقتصاد الإسلامي

المؤسسات المالية الإسلامية في الكويت: خطوات على طريق الاقتصاد الإسلامي

المؤسسات المالية الإسلامية آخذة في التنامي. فهي تبرز تحت أسماء مختلفة وأنشطة متنوعة حتى أصبحت طرفا مهما في العديد من الأنشطة الاقتصادية. وقد ولدت هذه المؤسسات لأنه كانت هناك حاجة ملحة إليها. لذا فقد جاءت تحقيقا لرغبة العديد من الذين كانوا يطمحون إلى التعامل مع نظام مالي يستند إلى مبادئ الشريعة الإسلامية بعيداً عن النظام المالي التقليدي. وعندما بدأت خطوات البناء المادي توازت معها خطوات أخرى في التشريع ووضع القواعد المستقاة من الدين الإسلامي.

ولكن هذه المؤسسات مع انتشارها تثير أكثر من مشكلة وأكثر من علامة تساؤل. فهل نجحت هذه المؤسسات حقا في وضع بذور ما يسمى بالاقتصاد الإسلامي وهل وجدت الصيغة المناسبة للتعامل مع الأجهزة المالية التقليدية ونعني بها البنوك والبورصات وبقية المؤسسات المالية التي تتبع النمط الغربي في التعامل.. وما هي حدود المرابحة والمضاربة والى أي مدى تتم التفرقة بينها وبين نظام الفوائد العادية؟..

نواة الاقتصاد الإسلامي

ولعل أول الأسئلة التي تطرح نفسها علينا هو إن كانت هذه المؤسسات يمكن أن تكون نواة لما يطلق عليه "الاقتصاد الإسلامي" وكيف يمكن أن تميز حركة هذا الاقتصاد عن مجمل حركة الاقتصاد المحلي والعالمي. يجب عن هذا السؤال الشيخ سالم عبدالعزيز الصباح محافظ بنك الكويت المركزي قائلا: "من المعلوم أن المؤسسات المالية الإسلامية هي جزء لا يتجزأ من النظام المصرفي والمالي سواء على المستوى المحلي أو الدولي. ولا يحول دون ذلك اختلاف في منهجية العمل أو مجاله لذلك فإن التعاون ما بين المؤسسات المالية والإسلامية وغيرها من المؤسسات المالية التقليدية هو تعاون وثيق ومستمر لتحقيق الأهداف المبتغاة.

وغني عن الذكر أن هناك تجارب مفيدة في بعض الدول الإسلامية بشأن التحول للاقتصاد الإسلامي إلا أنني أرى أن تمييز حركة هذا الاقتصاد عن مجمل حركة الاقتصاد العالمي أمر سابق لأوانه حيث إنه يتطلب العديد من الدراسات والبحوث ووجود تجمعات مصرفية ومالية إسلامية تخرج عن إطار المحلية ويتوافر لديها الأدوات المالية والاستثمارية المناسبة مثل إنشاء سوق للأوراق المالية الإسلامية وغير ذلك من الأدوات المالية والاقتصادية اللازمة لمقومات اقتصاد إسلامي عالمي".

ويضيف عدنان البحر رئيس مجلس إدارة "المستثمر الدولي" ملاحظاته حول هذه القضية قائلا: إذا كان المقصود هنا هو اقتصاد بلد إسلامي أو أمة إسلامية، فهذا الاقتصاد موجود ولكنه لا يعمل بكفاءة، لأن أدواته ومنها مؤسساته المالية تعمل بأسلوب يحتك مع مبادئ هذه المجتمعات وينتج عن أسلوب عملها بعض التنافر وما تعمل به المؤسسات المالية الإسلامية هو توفير أدوات تتواءم مع قيم ومبادئ المجتمعات الإسلامية وتتلاءم مع احتياجاته مما يقلل من الاحتكاك ومن ثم يرفع كفاءة هذه الاقتصاديات ويعينها على الإبداع دون قيود.

إنها الخطوة الأولى إذن. خطوة يمكن أن تحدث المزيد من التحولات حين تكتمل الأدوات اللازمة لهذا الأمر. فالهدف هو دفع عجلة التنمية في العالم الإسلامي واستنباط صيغ ملائمة تتناسب مع الطبيعة المتميزة للشريعة الإسلامية.

ولعل البنوك الإسلامية هي التي تقف في مقدمة هذه المؤسسات وتتلقى عنها كل التحديات وتحاول أن تنفذ من عنق الزجاجة كما يقولون.

تجربة البنوك الإسلامية

لقد بلغ عدد المصارف الإسلامية الآن أكثر من مائة مصرف تطورت على مدى العشرين عاما الماضية. وقد دفع هذا الأمر بعض البنوك العالمية للاهتمام بهذه الصيغة الجديدة من التعاملات، فبادرت إلى فتح نوافذ لها تعمل وفق النظام الإسلامي.

والبنوك الإسلامية تقوم بالعديد من الأدوار التي تقوم بها البنوك العادية مع التركيز على هدف التنمية في إطار العالم الإسلامي والسعي إلى الربح بوسائل غير ربوية. فهي تقوم ببرنامج تمويل الواردات وبرامج التمويل الأطول أجلا في مجال الصادرات وبرامج البيع الآجل والبيع التأجيري لتمويل المشروعات الاستثمارية علاوة على التمويل المتاح من محفظة البنوك الإسلامية.

ولعل "بيت التمويل الكويتي" يعد نموذجا مهما لهذا النوع من البنوك الإسلامية. فتلك المؤسسة بتطورها السريع وانتشارها تعكس مدى الحاجة إلى وجود هذه المؤسسات. فقد بلغت فروع هذا البنك سبعة عشر فرعا وقد جذب البنك المزيد من المدخرات بلغت جملتها في نهاية 1993 "922.280" مليون دينار مقابل 697. 835 في عام 1983 أي أن معدل الزيادة بلغ 43% كما نجح بيت التمويل في توظيف ما لديه من أموال حيث بلغ مجمل الاستثمارات في نهاية عام 1993 "994.364" مليون دينار مقابل 669.350 مليون دينار في عام 1983 أي بمعدل زيادة قدرها 48.5%.

وقد اقتحم "بيت التمويل الكويتي" العديد من مجالات الاستثمار سواء على المستوى المحلي أو المستوى الخارجي وكذلك الاستثمارات العقارية في تأسيس الشركات والمصارف الإسلامية.

وإذا نظرنا إلى الدور الذي قام به بيت التمويل في مجال الاستثمارات المحلية فسوف نجد أنه قد ساهم في توسيع وتطوير مجال الاستيراد والمشاركة التجارية والمرابحة والاستصناع، وقد زادت أرقامها في الميزانية حيث ارتفعت من 343.621 مليون دينار في عام 1992 إلى 459.229 مليون دينار في عام 1993 ويعد دخول بيت التمويل في هذا المجال بمثابة طفرة قوية في توفير السلع الضرورية والمواد الغذائية للمستهلكين بأسعار معقولة. كما ساهم أيضا في دفع الحركة التجارية في البلاد إلى الأمام.

ولا يعتمد "بيت التمويل" على انتشار فروعه في كل المناطق الجغرافية للبلاد فقط ولكنه افتتح أربعة مراكز بيع للقطاع التجاري مما ساهم في تقديم خدمة متطورة وتعزيز أواصر التعاون بين بيت التمويل والشركات والمؤسسات المختلفة فقد قامت إدارة المرابحة بتوقيع اتفاقيات مع أكثر من مائة شركة ومؤسسة، وأكبر مثال على ذلك هو نشاط الشركة في مجال بيع السيارات الجديدة والمستعملة وكذلك الاستيراد المباشر من خلال مكتب البيت في كل من ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية.

والأمر الإيجابي خلف كل هذه الأرقام والجهود أن التمويل في القطاعين التجاري والصناعي قد وصل إلى 39% من إجمالي استثماراته وهو يعكس الاتجاه الذي تتبناه إدارة البيت باتجاه المشاريع الإنتاجية وخاصة الصناعية منها.

ولا ينفي هذا أن للبنك مشاريع على المستوى المحلي في مجالات الاستثمار العقاري. فإحدى السياسات الاجتماعية لبيت التمويل هي مواجهة المشكلات التي تمس الحاجات الأساسية للإنسان وعلى رأسها مشكلة الإسكان لذا فقد توسع في تجربة الاستثمار العقاري الأمر الذي أسهم في الحد من زيادة أجور المساكن وتخفيض إثمان القسائم السكنية بالإضافة إلى دفع حركة الإنشاءات على المستوى المحلي. وقد ساهم بيت التمويل بدور فعال بعد التحرير من العدوان العراقي بتوفير قسائم وبيوت سكنية لا يقل عددها عن 990 وحدة سكنية.

أما في مجال الاستثمارات الخارجية فقد قام "بيت التمويل" بتنمية التجارة مع البلاد الإسلامية وإقامة شبكة من العلاقات المالية مع بقية البنوك الإسلامية، فقد ساهم البنك بمبلغ 621.634 مليون دينار خلال عام 1993 في العديد من البنوك مثل بنك البحرين الإسلامي وبنك دبي الإسلامي ويمتلك أكثر من 50% من بيت التمويل التركي.

وقد امتدت نشاطات البنك إلى القيام بدور أساسي في ربط الكويت بأخواتها العربيات عن طريق الوقوف بجانبها في أوقات المحن والأزمات، ومن ذلك التبرع لأهالي المخيمات في لبنان والمساهمة بالمستشفى الخيري في مدينة طرابلس وبناء قرية "حنان" الكويتية في السودان ودعم لجان الزكاة والصدقات داخل فلسطين بمبلغ 60 ألف دولار أمريكي.

لقد بلغ إجمالي المساعدات للعالم العربي 777.943 ديناراً استفاد منها 516 هيئة خيرية في 12 دولة عربية وتمثل ذلك في مشروعات بناء المساجد والمستشفيات والمعاهد الدينية والعلمية ومساعدة المحتاجين والإنفاق على الطلبة والدارسين وكفالة الأيتام ورعاية المعوقين وتشغيل العاطلين وغيرها من أبواب البر.

ولعل هذا ما يعطي "بيت التمويل الكويتي" صبغته الخاصة. فهو ليس مجرد مؤسسة تسعى للربح بغض النظر عن الواقع الذي تتعامل معه ولكنها تؤمن بأن لها دوراً في تنمية عالمها العربي والإسلامي. وهي لا تكتفي بالمساهمة فقط في مواجهة الكوارث ولكنها تأخذ منحى خاصا من التنمية عندما تساهم في نفقات تعليم الطلبة المسلمين وتسهيل المنح الدراسية لهم.

دور اجتماعي مميز

ولكن الدور الذي تقوم به البنوك الإسلامية مليء بالتحديات فهي تعمل في ظل غياب نظام مالي واقتصادي متكامل وبذلك فإن قدرتها وحجم الإنجاز الذي يمكن أن تحققه يصبح محدوداً. ومرور عقدين من الزمن لا يعتبر عمراً كافيا كي تواجد أسس راسخة للمعاملات المصرفية.

وكذا يمثل ضعف سوق رأس المال الإسلامي وأدواته عائقا آخر. فهناك نقص واضح في اكتمال هذا السوق وخاصة الجانب الثانوي منه والسوق الذي يستطيع البنك الإسلامي من خلاله استغلال الفائض وكذلك الحصول على السيولة اللازمة وقت الحاجة وقد أدى هذا الوضع إلى اضطرار البنوك الإسلامية إلى استثمار جزء كبير من سيولتها على شكل مرابحة في الاستثمار السلعي في الأسواق الدولية.

وبرغم ذلك يتوقع الخبراء في النظام المصرفي الإسلامي أن تصل الأموال المودعة لدى المصرفي الإسلامية خلال عقد واحد إلى نصف إجمالي المبالغ المودعة في جميع المصارف العاملة في الدول الإسلامية. فهذه المصارف الإسلامية - تدير من المبالغ ما تصل قيمته من 60 إلى 80 مليار دولار سنويا سوف يزداد هذا الرقم بنسبة 15% وهو تفاؤل قد يوجد ما يبرره. فهذا النظام يعتبر سوقا جديدة تثير الاهتمام وتوفر فرصاً جديدة للتعاون والعمل.

يقول وليد الرويح نائب المدير العام لبيت التمويل الكويتي موضحا فلسفة هذه البنوك لقد اعتبر الإسلام النقود وسيلة لتحقيق الهدف وليست غاية بحد ذاتها، وسيلة تستخدم لتقييم الخدمات والسلع والبضائع. ولما كانت النقود وسيلة للتقييم وقياس الإثمان فإنها يجب أن تميل إلى الثبات والاستقرار في القيمة فلا تتعرض للانخفاض بسبب تداول النقود كسلعة فهي ليست سلعة ويجب ألا تكون سلعة.

الحاصل في الاقتصاد التقليدي هو اعتبار النقود سلعة لها ثمن وهو الفائدة بينما يرى الإسلام النقود أداة لتقييم أثمان السلع. وإذا جاز شراء وبيع السلع بربط فإن ذلك غير جائز بالنسبة للنقود التي يجب أن تحيد لأداء دورها كأداة للقياس والتقييم، أداة مستقرة لا تتذبذب صعوداً وهبوطاً كما نرى في الاقتصاد التقليدي.

ويواصل السيد وليد الرويح حديثه عن الدور الاجتماعي الذي يقوم به بيت التمويل والذي يجعله مختلفا عن البنوك العادية: "هناك شقان للدور الذي يقوم به البنك في هذا المجال. الجانب الاجتماعي البحت الذي يتمثل في إنشاء صندوق للزكاة ودراسة الحالات المستحقة للمساعدة وتقديم الدعم للجمعيات التعاونية. ويتمثل الشق الثاني في طبيعة بعض الأنشطة الاستثمارية ذات الأثر الاجتماعي، على سبيل المثال التفات بيت التمويل إلى شريحة من العملاء ترغب في الإفادة من مدخراتها إضافة إلى قرض الدولة عبر بنك التسليف والادخار كي توفر للعميل الرعاية السكنية وفق قدراته الفعلية".

الاختراق الدولي

صورة أخرى من صور الاستثمار التي تحاول أن تضع الشريعة الإسلامية نصب أعينها هي المجموعات الدولية الاستثمارية التي تحاول أن تتخطى الحدود وأن تساهم في تنشيط الاقتصاد الإسلامي مؤمنة بأن هذا الطريق هو أحد الطرق المهمة لتقريب أطراف العالم الإسلامي المتباعدة. ولعل النموذج الذي يمثل لنا هذا السعر هو"المجموعة الدولية للاستثمار" وهي تهدف إلى تقديم أدوات وخدمات مالية استثمارية إسلامية في أسواق تتسم بنمو اقتصادياتها مع التركيز على الاستثمارات ذات العوائد المجدية والمخاطر المحسوبة. كما تهدف هذه الشركة أيضا إلى دعم الاقتصاد الوطني واقتصاديات الدول الإسلامية من خلال المبادرة بالعمل مع مؤسسات حكومية وخاصة بهدف الإسهام في تطوير النمو في المجالات المختلفة. ويوضح سامي البدر المدير التنفيذي والعضو المنتدب الطبيعة الخاصة للمجموعة الدولية للاستثمار:" إنني أتحفظ دائما على كلمة مؤسسات ربوية والتي يطلقونها على المؤسسات المالية التقليدية. إنها مؤسسات لها نمطها الخاص ونحن أيضا لنا نمطنا. وهدفنا هو كسر الحاجز النفسي مع هذه المؤسسات، سواء مع البنوك أو المؤسسات الاستثمارية الأخرى. إننا نحاول من خلال عملنا أن نجد علاقة مباشرة مع المستثمر المسلم، وهذا لا ينفي أننا يجب أن نتنافس مع المؤسسات المالية الأخرى كي نقدم خدمة أفضل. أننا نتلمس حاجة المستثمر ونحاول أن نؤدي الخدمة له بحيث لا تتنافى مع قوانين الشريعة الإسلامية وسوف أعطيك مثالا على ذلك.. فكثير من الناس لا يحبون الاشتغال في الأسهم.. ولكنك حين تشتري محفظة أسهم وتحورها بطريقة شرعية وتغير النماذج وتعرضها على المؤسسات التقليدية وتنجح في استقطابها ولا ينظر إلى ما فعلته على أنه عملية استثمارية إسلامية فقط ولكن على أنك أيضاً قدمت شيئا متميزاً. إن هناك هيئة شرعية تناقش مثل هذه التفاصيل الصغيرة. ونحن لا ننتظر من يسعى إلينا ولكننا في كثير من الأحيان نذهب إليه حاملين معنا خدماتنا المتميزة ". ولكن اسم "المجموعة الدولية للاستثمار" يعطي الإيحاء بالنسبة لأي متعامل أن استثماراتها دولية أكثر من محلية.. فما هي بالتحديد طبيعة نشاط هذه المجموعة؟

يجيب سامي البدر على ذلك قائلا: " نحن بالفعل نحاول أن تكون معظم استثمارتنا خارجية. إننا نعتقد أن السوق الكويتي برغم أنه سوق نشط إلا أن المؤسسات الموجودة فيه قليلة الانتشار الخارجي لذلك نحاول أن نعطي الرأسمال بعده العالمي. وبرغم اهتمامنا بالقطاعات المحلية الموجودة ومحاولة استثمارها إلا أننا لا نريد أن نفوت على أنفسنا فرص الاستثمار الخارجية ويضيف سامي البدر موضحا طبيعة هذه الاستثمارات وعلى سبيل المثال فإن العمر الذي مارست فيه المجموعة نشاطها لا يتجاوز العام الواحد ولكننا قمنا بنشاط واسع سواء على مستوى السوق المحلي أو العالمي. ولعل أول أشكال هذا الاستثمار هو ما نطلق عليه "الاستثمار البنكي" أو تمويل المؤسسات التجارية سواء في الداخل أو الخارج ونشارك فيها بحصص معينة وتسمى بعمليات التمويل المباشر. وتوجد عندنا أيضا إدارة المحافظ والصناديق ومن خلال نقوم بالاستثمار في بعض السلع الدولية المهمة كالنفط والنحاس والقطن. وهي عمليات محدودة المخاطر ولدينا كثير من العملاء الذين ندير لهم محافظهم المالية في هذا الاتجاه. أضف إلى ذلك نشاطنا في صناديق الاستثمار وهي صناديق من حق عملاء معينين - مؤسسات وأفراداً - نستثمر لهم عملة معينة ويكون لنا جزء من هذا الاستثمار ونحن الآن نفكر في التعاون مع بعض الجهات كي نؤسس صندوقا - أو صندوقين - داخل الكويت وسوف يتخصص في العمل في بعض الأنشطة داخل الكويت من أجل إيجاد فرصة بديلة للمستثمر المسلم.

"ويبقى النشاط الأخير الذي نطلق عليه " دائرة الاستثمار" وهو أن نشتري حصصا في شركات قائمة، أو نساهم في تأسيس شركات بمعنى أن نأخذ وكالة وندخل مع شركاء آخرين ونؤسس شركة. والعمل في دائرة الاستثمار كثير المخاطر ولكنه واسع الربح، المضاربة على أسعار السكر أو المعادن أو الذهب والفضة مثلا. ولا يتوقف عمل المحافظ الاستثمارية عند هذا الحد ولكنها تمتد أيضا إلى شراء العقار في بلد معين. وعندنا الآن اهتمام بشراء عقارات في لبنان.. ونحن ننوي قريبا إنشاء محفظة تقوم بشراء الأراضي وتقسيمها وبيعها ويمكن اعتبار هذا النمط الثالث من الاستثمارات التي نقوم بها".

ولكن هل يمكن أن تقوم مؤسسة مالية محترفة مثل المجموعة الدولية للاستثمار، يمثل السوق العالمي جزءا كبيرا من اهتمامها، بدور على المستوى الاجتماعي المحلي؟. هل يمكن أن تشغل نفسها بالنظر إلى هموم البيئة التي خرجت منها وتحاول المساهمة في نوع من التطوير الاجتماعي. يقول سامي البدر موضحا هذا الجانب: " نحن نهتم كثيرا بالجانب الاجتماعي. إن رسالة المؤسسة هي الريادة بين المؤسسات المالية الإسلامية في الوصول إلى مستوى عال للخدمات المالية من حيث الإبداع والجودة والربحية والاهتمام الاجتماعي. ونحن نعتبر الأخيرة مسألة أساسية. وهي تحتاج إلى ترجمة في الواقع. وقد حرصنا على أن يكون النمو الاجتماعي في اتجاهين:

الاتجاه الأول: إيجاد فرص استثمارية لبعض المؤسسات والجهات يكون الهدف منها رفع كفاءات وطاقات الشباب الكويتي تخصص في مجالات معينة من العمل. ومثالاً على ذلك فإن هناك اتفاقاً بيننا وبين وزارة التجارة على إنشاء مجمع للحرفيين ونحن نحاول من خلاله أن نؤهل الشباب الذين لديهم الرغبة في أن يكون لديهم مقر يزاولون فيه هذه الحرفة. ومن خلال هذا المجمع نحاول توفير التمويل والدعم لكل مدخلات هذه الحرفة من مواد وماكينات وسوق. فنحن لا نتوقف عند هذه الخطوة الابتدائية ولكن هنا تفكيراً أيضا في إنشاء شركة لشراء منتجات هذه الحرفة. والشباب هو طاقتنا الكبرى لاستمرار هذا المشروع وتطويره. لقد قمنا بدراسة هذا المشروع ووجدنا له بعدين، بعداً تجارياً وآخر اجتماعيا. إننا نستطيع من خلاله الاستفادة من خريجي المعاهد التطبيقية والطاقات المعطلة داخل البيوت ونحن الآن نضع اللمسات الأخيرة لتوقيع اتفاقية التفاهم مع وزارة التجارة. ونعتقد أن هذا المشروع الرائد يمثل فرصة طيبة للشباب الكويتي. وسوف يتم تقسيم هذا المشروع إلى مراحل بحيث يتم في كل مرحلة تلافي أخطاء المرحلة التي سبقتها وبذلك نضمن مساهمة العدد الأكبر من المؤسسات والأفراد في هذا المشروع.

الاتجاه الثاني: وهو حرصنا الشديد على دراسة بعض أفكار التنمية الاجتماعية ونحن في طور الانتهاء من دراسة هذه الأفكار ومنها على سبيل المثال توفير السكن بالنسبة للشباب. وأنا أعتقد أنه من المهم جداً أن تتعاون المؤسسات المختصة بإيجاد وسائل تساعد على خفض التكلفة المرتفعة للإسكان.

وقد وجدنا من خلال تجاربنا أن الشباب عندما يقومون بهذه العملية يرتكبون أخطاء فنية تكلفهم مبالغ طائلة. وكانت الفكرة أن ننشئ مكتبا استشاريا يوفر النصيحة العلمية السديدة ويوفر الوقت والجهد والمال إن هـناك قضايا فنية لا يعرفها المقاول المنفذ وعلى المهندس الاستشاري أن يقوم أولا بترتيب مثل هذه الأمور وبذلك يمكننا أن نخفف كثيرا من العبء المادي على الشباب. وما زال لدينا الكثير من القضايا من الصعب الكلام عنها الآن لأنها سبق استثماري لا نستطيع الإعلان عنه.

الوقف الإسلامي يتطور

وربما كان " الوقف " هو أقدم صور المؤسسات الإسلامية التي وضع التشريع إلا سلامي قواعدها. ونحن نطلق عليها لقب المؤسسة تجاوزا لأنها تمثل نوعا من النظام المتكامل الذي يقوم بدور كبير في مختلف النواحي الاقتصادية. والاجتماعية والثقافية.

ولا يختلف هذا النظام من حيث أنواعه في جميع الأقطار الإسلامية حيث إنه نظام ينبع من الدين الإسلامي الحنيف وانما تختلف فقط الطرق المتبعة في إدارته تبعا للظروف التي يعيشها أفراد ذلك المجتمع.

ونظام الوقف وفقا لمقاصد الشريعة الإسلامية ظل يشكل على مدار تاريخ الأمة الإسلامية مؤسسة كبرى ذات مظهر مشرق وقربة دينية لها أبعاد اجتماعية واقتصادية إلا أنه ولأسباب عديدة أضمحل دوره في السنوات الأخيرة الأمر الذي حدا بوزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت إلى التفكير في كيفية تصحيح مسار هذا النظام وتطويره في نطاق أحكام الشريعة الإسلامية بما يحقق أهدافه من أجل تنمية واستثمار الأموال المخصصة للأوقاف.

وإنشاء الأمانة العامة للاو قاف كان خطوة على طريق هذا التطوير. فقد كانت المهمة الأساسية لهذه الأمانة هي القيام بكل ما يتعلق بإدارة أموال الوقف واستثمارها وصرف ريعها في حدود شروط الواقفين وبما يحقق المقاصد الشرعية للوقف وتنمية المجتمع حضاريا وثقافيا واجتماعيا لتخفيف العبء عن المحتاجين. وللأمانة في سبيل مباشرة اختصاصاتها أن تقوم في حدود الضوابط الشرعية بتأسيس أو تملك الشركات الجديدة والقائمة أو المساهمة في تأسيسها وممارسة الأعمال التجارية والصناعية والزراعية.

ويتحدث الدكتور خالد الهاجري نائب الأمين العام لتنمية واستثمار الموارد الوقفية عن استثمارات الأمانة العامة داخل الكويت وبقية أجزاء الوطن العربي قائلا:

"تتنوع استثمارات الأمانة العامة داخل الكويت في الأصول العقارية العائدة للاو قاف الممثلة في البنايات الاستثمارية والبيوت والأراضي والمجمعات التجارية، بالإضافة إلى مساهمات في بعض الشركات المساهمة والمحافظة الاستثمارية التي تمت المشاركة في تأسيسها بالتعاون مع بعض الجهات الأخرى، أما بقية الوطن العربي فهي ممثلة في مساهمات ببعض الشركات والمشروعات الاستثمارية.

والجدير بالذكر هنا أن الأمانة تسعى حاليا إلى توسعة أوجه الأنشطة الاستثمارية الخارجية لزيادة انتشارها الجغرافي على مستوى الدول الشقيقة وذلك عن طريق الإسهام في المشروعات التي يمكن من خلالها تثمير الممتلكات الوقفية التي تحتاج بعض المؤسسات الوقفية إلى الحصول على تمويل لها بما يعمل على تحقيق نوع من التكامل في مجال استثمار الجهتين".

ولكن كيف يتم استثمار هذه الأموال. وما هي الأسس التي نضمن بها الأمانة أن تكون هذه الاستثمارات مطابقة للشريعة. يوضح الدكتور الهاجري هذا الأمر قائلا:

لقد درج نظام الوقف في السابق على استثمار الأوقاف بالصيغ التقليدية المتعارف عليها مثل إجارة أبنية الوقف وحوانيته وأراضيه واستبدال أعيانه عند الحاجة أو المصلحة الراجحة وقد رئي أن تلك الطرق السابقة لا تكفي وحدها لعمارة الأوقاف وصيانتها وحسن استثمارها وتنميتها وأن الحاجة قائمة لتطوير تلك الصيغ واستحداث أساليب جديدة عليها تمليها طبيعة التطور الحضاري والعمراني والتجاري، وليس يعنينا في هذا المقام التوسع بذكر تلك الأساليب المطورة لاستثمار الأوقاف وإنما ما يمكن بيانه أن الفقه الإسلامي في أبواب المعاملات المالية وطرائق الاستثمار ووجوه التنمية الاقتصادية ليس جامدا على القديم ولا معاديا للجديد الذي لا يتعارض مع مبادئه الثانية وأحكامه السماوية.

والموقف الشرعي الصحيح تجاه المعاملات المالية المعاصرة يمكن البحث عن حكمه بالنظر إلى تكوين العقد من حيث مراعاته للشروط والأركان الأساسية في التعاقد فيما يخص العاقد والتراضي والتعبير عنه والمحل المعقود عليه وموضوع العقد ومدى مخالفة العقد أو عدم مخالفته للنصوص الشرعية أو القواعد الفقهية المستندة إلى نص تشريعي مع مراعاة أن يكون قصد المتعاقدين فيه غير مخالف للمقاصد الشرعية التي نهت عن بعض العقود والتصرفات إذ أن العبرة في المقاصد لا في الألفاظ والمطلوب من الأوامر والنواهي حقائقها ومقاصدها لا مجرد صورها، ولا يخفى أن تطبيق هذه المبادئ في الاجتهاد ميدان فسيح لتباين وجهات أنظار الفقهاء واختلاف أفهامهم في تقرير ما إذا كانت هذه المعاملة المستحدثة داخلة في إطار النهي الشرعي من عدمه وهل هذا العقد المكون من اتفاقيات وشروط متعددة يعد مخالفا في نتيجته ومآله لقصد الله سبحانه وتعالى في التشريع أم لا وهنا تلعب أهلية الفقيه ومقدرته في تعليل الأحكام واستنباط مقاصد الشريعة ومدى انطباقها على التعاملات المستحدثة دوراً مهماً في الوصول أو التعرف على الحكم الشرعي الواجب التطبيق.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الإمامة العامة للاو قاف تلتزم في إنجاز جميع تعاملاتها الاستثمارية بنماذج مختبرة ومدروسة من عقود التمويل تحفظ الحقوق لكل أطرافها في إطار تطبيقات الشريعة الإسلامية التي تعتمد من قبل هيئة شرعية مختصة سواء في وزارة الأوقاف أو لدى الجهات التي يجري التعامل معها.

وتقدم أمانة الوقف من خلال هذه الرؤية تجربة رائدة للتطور الذي يمكن أن تقوم به المؤسسات الإسلامية - حتى التقليدية منها - في حركة الاقتصاد العامة ويضيف الدكتور الهاجري حول رؤيته التقييمية لدور المؤسسات المالية ومدى إسهامها في دعم الاقتصاد الإسلامي:

إن من أهم الأدوار التي تعتمد عليها المؤسسات المالية الإسلامية في عمليات التوظيف هو التركيز أساسا على دراسة المشروع نفسه وحسن التنفيذ وذلك لأن تلك المؤسسات تشارك أو تضارب أو ترابح في مشروع وكل تركيزها هو سلامة وجدوى المشروع نفسه والقائمين عليه بخبراتهم وأعمالهم وتصرفهم بكل هذه العناصر هي المقوم الأساسي لنجاح المشروع والتوصل إلى هدفه في الإنتاج، وعليها يرتكز البعد الاقتصادي الإسلامي حيث تدور العلاقة بين تلك المؤسسات والمشارك في المشروع والقائمين عليه والعاملين به بين شريك وعامل وليس بين مقرض ومقترض كما هو الحال في المؤسسات أو البنوك التقليدية وهذا هو، الاختلاف الأساسي بين البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية ودور البنوك الأخرى.

وعلى الرغم من أن تجربة المؤسسات المالية الإسلامية لا تتجاوز العشرين عاما إلا أن نجاحها المستمر أثبت قوتها ولعل الإقبال على التعامل مع هذه المؤسسات وكثرة الودائع لديها واتجاه كثير من البنوك التقليدية إلى توفير بدائل للتعامل معها وإنشاء وحدات استثمارية لديها يدل على نجاحها، ويمكننا القول أن هذه المؤسسات مازالت في مرحلة إثبات الوجود وبحاجة إلى منافذ استثمارية لتعميم نشاطها إلى الخارج والتنسيق بين هذه المؤسسات يزيد من نجاحها ورسوخ فكرتها والتعامل معها.

لماذا الرقابة..؟!

ويبقى السؤال الأخير. عن الدور الرقابي الذي يمارسه البنك المركزي على هذه المؤسسات المالية الإسلامية. وهل يطبق عليها نفس القواعد التي يطبقها على المؤسسات البنكية الأخرى. أم أنه يراعي أن لها ظرفا خاصا نهضت من أجله ودورا اجتماعيا تقوم به. يقول الشيخ سالم عبدالعزيز الصباح محافظ البنك المركزي الكويتي: "يطبق على شركات الاستثمار التي تمارس نشاطها وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية ذات التعليمات الرقابية التي يطبقها البنك المركزي على جميع شركات الاستثمار الخاضعة لرقابته وذلك بما لا يخالف النظم الأساسية لهذه الشركات، سواء من حيث دراسة طلبات تأسيسها والبت فيها أو ادراجها في سجل شركات الاستثمار الذي تسجل فيه البيانات الأساسية للشركة. كما تنظم التعليمات الرقابية التي تخضع لها شركات الاستثمار الخاضعة لرقابة البنك المركزي الأعمال التي يحظر على هذه الشركات القيام بها، والقواعد التي يجب عليها الالتزام بها لتحقيق ملاءتها، والحد الأقصى الجائز إقراضه للعميل الواحد، وبوجه عام جميع التعليمات التي يراها البنك المركزي ضرورية لتنظيم أعمال هذه الشركات ولتحقيق أهداف السياسة الائتمانية أو النقدية التي يضعها البنك المركزي. كما يدخل في اطار الدور الرقابي الذي يقوم به البنك المركزي على هذه الشركات قيامها بتقديم البيانات المالية الختامية سنويا لإقرارها قبل عرضها على الجمعيات العمومية، والقيام بإجراء التفتيش الدوري على هذه الشركات للتأكد من سلامة نشاطها وأوضاعها المالية وكذلك التأكد من صحة المعلومات والبيانات التي ترسلها إلى البنك المركزي وغير من الأمور التي يرى البنك المركزي ضرورة مراقبتها.

وكما هو معلوم فإنه بالإضافة إلى شركات الاستثمار سالفة الذكر، فان النظام المصرفي والمالي في دولة الكويت يعمل به بيت التمويل الكويتي وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية الغراء، وبرغم أنه لا يخضع لرقابة بنك الكويت المركزي، حيث إنه تأسس وفقا لقانون خاص، إلا أن هناك عدة مجالات تمت فيها معاملة بيت التمويل الكويتي بذات الأسلوب الذي يتم من خلال معاملة باقي الوحدات المصرفية، وعلى سبيل المثال فإنه بالنظر إلى النظام الأساسي لبيت التمويل الكويتي يسمح له بالتعامل في الشيكات فقد قام بنك الكويت المركزي بالسماح له بالاشتراك في غرفة المقاصة وما يتبع ذلك من فتح حساب جار له في البنك المركزي لهذا الغرض، كما تم شراء المديونيات الصعبة من بيت التمويل الكويتي وفقاً لأحكام المرسوم بالقانون رقم (32) لسنة 1992 والقانون رقم (41) لسنة 1993، وتم السماح لبيت التمويل الكويتي بالتعامل في شراء وبيع العملات الأجنبية مع بنك الكويت المركزي وفقا للضوابط الرقابية الموضوعة في هذا الشأن، ويلتزم بيت التمويل الكويتي بالترتيبات المبرمة مع بعض دول مجلس التعاون الخليجي بشأن تحديد أسعار التعامل في عملات هذه الدول.

هذا، وتجدر الإشارة إلى أن الدور الرقابي الذي يمارسه البنك المركزي على شركات الاستثمار التي تعمل وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية لا يتعارض ولا يعوق هذه الشركات من القيام بتنفيذ الأغراض التي تأسست من أجلها، حيث لا تخضع هذه الشركات لأي من الضوابط أو التعليمات الرقابية التي تخالف أحكام نظامها الأساسي، ومن ثم فإن هذا الدور لا يحد من قدرة هذه الشركات في العمل وفقا للضوابط الشرعية وتحقيق الربحية المناسبة لها والقيام بدورها في تعظيم العائد الاجتماعي.

وبعد.. كانت هذه هي رحلتنا وسط تجربة الاستثمار الإسلامي.. الخطوة الأولى من أجل بناء اقتصاد إسلامي يقوم بدوره المالي والاجتماعي في وقت واحد ووفق أصول الشريعة الغراء.. فإلى أي مدى تحقق هذا الهدف؟.. إن المستقبل هو الكفيل بتقديم الإجابة الكاملة عن هذا السؤال.

 

أنور الياسين

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات