أسطورة اسمها الأهلى المصري

أسطورة اسمها الأهلى المصري

قبل أن تقرأ الاستطلاع
بقلم: حامد عز الدين

لم يكن الأديب الكبير الراحل يوسف إدريس مبالغا وهو يقول إن النادي الأهلي هو أكبر حزب سياسي في مصر. بل لعل النادي الأهلي ـ وبلا مبالغة ـ هو أكثر الأحزاب شعبية في تاريخ مصر الحديث. من هنا فإن الحديث عن النادي الأهلي المصري يزيد كثيرا عن مجرد كونه ناديا رياضيا اجتماعيا.

ولعل ما جاء في الكتاب القيم عن تاريخ النادي الأهلي الذي كتبه الناقد الرياضي حسن المستكاوي وأصدرته دار الشروق المصرية يتولى الرد على الأسباب التاريخية وراء هذه الشعبية الطاغية للنادي الأهلي في مصر والتي تخطت حدود مصر وامتدت إلى مختلف الدول العربية. فلا يمكن أن يكون مجرد ناد رياضي ذلك الكيان الذ_ي يتدخل رؤساء حكومات مصر لمجرد أن يعلن اعتزامه الانسحاب من بطولة وهو ما حدث كثيرا. وكانت المرة الأخيرة في بداية موسم كرة القدم الحالي في مصر لما رفضت إدارة النادي الأهلي ـ وهو حامل لقب البطولة للمواسم الأربعة_ الأخيرة ـ بعض أخطاء الاتحاد المصري لكرة القدم وهددت بالانسحاب. فتحركت حكومة الدكتور كمال الجنزوري وتدخلت لبحث أسباب غضبة الأهلي. خصوصا أن الأهلي لا يغضب ولا يعلن احتجاجا إلا إذا كانت هناك أخطاء. قبلها بأكثر من ربع قرن أعلن صالح سليم رئيس مجلس إدارة النادي الأهلي الحالي. وكان وقتذاك مديرا لجهاز كرة القدم وعضوا بمجلس إدارة النادي تهديدا مماثلا بالانسحاب ما لم يحصل النادي على مقابل مادي مناسب نظير نقل مباريات فريقه لكرة القدم على الهواء مباشرة. وتدخل رئيس وزراء مصر وقتها الدكتور فؤاد محيي الدين لبحث أسباب غضبة الأهلي. ذلك أن غضبة الأهلي تعني ببساطة غضب ملايين المصريين الذين يعشقون هذا النادي. ويخرجون كل طاقة العشق في تشجيعهم لفرقه المختلفة. وإذا كان الكثيرون يرون أكثر من مائة ألف متفرج يهزون جنبات ستاد القاهرة في مباريات الأهلي الحاسمة. فإن الكثيرين بالتأكيد لم يروا الآلاف في ملعب الأهلي يحضرون فترات التدريب السابقة على المباريات. وأتذكر كيف أن التليفزيون الألماني أرسل مذيعا ومصورا لإجراء لقاء مع المدرب الألماني الشهير ديتريش فايتسا وقت كان يتولى تدريب فريق الأهلي لكرة القدم من كثرة ما تحدث فايتسا عن النادي الأهلي وجماهيريته. وفوجئ المذيع بوجود عشرين ألف شخص يتابعون تدريب الفريق داخل ملعبه الذي لا يسع لأكثر من خمسة وعشرين ألفا. وكانت المفاجأة الأكبر عندما اصطحبت كاميرات التليفزيون الألماني فايتسا في ستاد القاهرة الدولي. حيث كان هناك أكثر من 100 ألف متفرج. بعدها عاد التليفزيون الألماني وأرسل طاقما كبيرا هذه المرة لإعداد برنامج كامل عن ظاهرة النادي الأهلي المصري. وجماهيره العاشقة. التي تدفع كل ما تملك وأكثر من أ جل الوقوف إلى جوار الفرق الرياضية التي ترتدي شعار الأهلي الأحمر. وهي جماهير لا تعرف سبيلا آخر سوى فوز فريقها وحصوله على البطولات. ومن هنا فإن أي لاعب يرتدي شعار الأهلي يشعر رغما عنه بأنه جندي في معركة لا تحتمل إلا تحقيق النصر. فتتضاعف حماسته ويتضاعف جهده لا من أجل مكافأة مادية سيحصل عليها. ولا خوف من خسارة مادية قد يتعرض لها. ولكن اعتبارا لهذه الملايين التي تنتظر منه أن يحقق لها النصر. والتي تعطيه حبا لا يعادله حب عندما يخلص في العطاء. ويكفي فقط أن تمنع عنه ذلك الحب إذا لم يعطها جهدا وبذلا وتضحية.

وقد جمع الناقد حسن المستكاوي في استطلاعه وبشكل موجز مجمل الأسباب التي أعطت للنادي الأهلي كل هذه الشعبية. وهي أسباب يمكن تلخيصها في أن الأهلي كان هو المعادل الموضوعي للوطنية المصرية منذ إنشائه وحتى اليوم. ألم يكن سعد باشا زغلول هو أول رئيس لأول جمعية عمومية في تاريخ النادي الأهلي؟ وسعد زغلول هو الزعيم الوطني المصري الشهير. ألم يختر الأهلي اللون الأحمر شعارا له. وكان هو لون علم مصر وقت إنشاء النادي الأهلي؟. ألم يكن الأهلي هو أول نادٍ يفتح عضويته أمام المصريين عام 1909؟. ألم يكن الأهلى هو النادي الذي رفض المشاركة في مسابقات الاتحاد المختلط التي كانت تدار بواسطة الأجانب؟ ألم يكن الأهلي هو صاحب فكرة وتنفيذ تمصير مختلف الاتحادات الرياضية. وكان فؤاد أباظة سكرتير النادي الأهلي هو صاحب الدعوة عام 1921 لتأسيس الاتحاد المصري لكرة القدم. وكان جعفر ولي باشا وكيل النادي الأهلي هو رئيس فريق العمل.

التأسيس لإنشاء الاتحاد

نعم أصبح اسم الأهلي يرتبط ارتباطا شرطيا بالوطنية المصرية. فقد كانت جماهيره تحول مبارياته إلى مظاهرات وطنية كلما حقق فوزا على فريق الجيش البريطاني قبل عام .1952 وكان أعضاء الأهلي في طليعة الفدائيين في حرب .1948 وفي عام 1952 كان الأهلي أول من أعلن تأييده للثورة. وفي حرب السويس 1956 تحولت ملاعبه إلى مراكز تدريب لأفراد المقاومة الشعبية. وهو ما تكرر في حربي يونيو .1967 وأكتوبر .1973 وفي الحرب الأخيرة تقدم 8 آلاف من أعضاء الأهلي للتبرع بدمائهم في الساعات الأربع والعشرين الأولى.

لهذا كله فإنه ليس عجيبا أن تلمح الدموع في عيون الرجال الكبار فرحاً بانتصار يحققه الأهلي. أو حزناً على خسارة ينالها الأهلي. فقط لأنه الأهلي.

حامد عز الدين
صحفي وكاتب من مصر

النادي الأهلي المصري
مؤسسة رياضية وطنية في العالم العربي
استطلاع: حسن المستكاوي

يحظى النادي الأهلى المصري بشعبية كبيرة في مصر وفي الوطن العربي لما حققه من بطولات وانجازات في كرة القدم وفي مختلف الألعاب. لكن شعبية الأهلي لا ترجع فحسب إلى انتصاراته الرياضية. إنما لأنه أول ناد يؤسس للشعب العربي في مصر.

ارتبط اسم الأهلي منذ بداية تأسيسه بالحركة الوطنية المصرية. وباسم الزعيم سعد زغلول قائد ثورة 1919 وشارك النادي بمواقفه. وبأبنائه في المعارك الوطنية التي خاضتها مصر منذ مطلع القرن. وحتى حرب .1973 وسقط من أعضائه شهداء في حربي 1956 و1967.

وفي المجال الرياضي لعب الأهلى الدور الأكبر في تمصير الاتحادات الرياضية. ولا ينكر أحد أن تاريخ هذا النادي يعتبر جزءاً مهما من تاريخ الرياضة العربية.

وهذا كله صنع شعبية الأهلى العريضة وجماهيريته في مصر والوطن العربي. وقد لا ينافسه في ذلك سوى نادي الزمالك الذي تأسس بعده بأربع سنوات عام 1911. والناديان ـ الأهلى والزمالك ـ قال عنهما الكاتب الراحل يوسف إدريس: "ان الأهلي والزمالك هما أقوى حزبين سياسيين في العالم العربي".

وعن شعبية الأهلي ـ التي صنعتها كرة القدم بالدرجة الأولى. قال الصحفي الكبير الأستاذ فكري أباظة:

"الممول الأكبر للنادي الأهلي هو الشعب. وشعبية النادي تكاد تكون معجزة غير مفهومة". أما الدكتور سيد عويس الباحث بالمركز القومي للبحوث فقد قال: "ان جمهور النادي الأهلي ـ على ضوء تاريخ النادي وماضيه ـ يعيش هذا الماضي. ويعتز به ويفخر بانتصاراته. ونحن المصريين شعب طيب يظهر في كل المناسبات كل ما يبطن في صراحة منقطعة النظير. ونحن شعب تملأ العاطفة كيانه. ويبدو هذا في صور متعددة أثناء العمل. واللعب. والفرح. والحزن. وأثناء الحماس. وخاصة في ملاعب الكرة"

ويمضي الدكتور سيد عويس في بحثه قائلا: "لقد تبين أن علاقة جمهور النادي بفريقه علاقة متينة. يطغى عليها الحماس. وجمهور النادي الأهلي واثق دائما من فوز فريقه. ولا يتصور على الإطلاق أن فريقه يمكن أن تلحق به هزيمة".

وقال الناقد الرياضي نجيب المستكاوي: "من كرامات الأهلي أن يحج الجمهور إلى ملاعبه لمشاهدة مبارياته. حتى مع أضعف الفرق!".

ولاشك أن كرة القدم هي السر الأكبر في شعبية الأهلي. وانجازات النادي كثيرة في اللعبة. ومثلما كانت المظاهرات تخرج إلى شوارع القاهرة يوم يفوز فريق النادي على فريق الجيش الإنجليزي في مطلع القرن العشرين. مازالت العاصمة المصرية تشهد مظاهرات واحتفالات صاخبة كلما حقق الأهلى فوزاً في مباراة أو أحرز بطولة. وتروى نكتة في شارع الكرة المصرية ـ على أنها حقيقة ـ أن الزعيم السوفييتي "نيكيتا خرتشوف" كان يوما في زيارة للقاهرة. وتصادف أن الأهلي فاز في مباراة. فخرج جمهوره إلى الشوارع وامتلأت شرفات المنازل بأنصاره وهم يحملون أعلامه الحمراء. فارتسمت الابتسامة على وجه خرتشوف. وقد أسعدته تلك الرايات ذات اللون الأحمر. متصورا أن المصريين يرحبون به. ولكن فرحته زالت حين قال له أحد مرافقيه: "السيد الرفيق.. هذه الأعلام الحمراء تحتفل بفوز النادي الأهلي في مباراة لكرة القدم!".

فمن هو صاحب فكرة تأسيس هذه النادي العريق؟.

مولد النادي الأهلي

في أوائل القرن العشرين كانت مصر تعاني من الاحتلال البريطاني الذي بدأ في الحادي عشر من يوليو عام 1882 عندما ضرب الأسطول البريطاني مدينة الإسكندرية. وكانت مصر في مطلع هذا القرن تحت حكم الخديوي عباس حلمي الثاني الأبن الأكبر للخديوي توفيق. وكان الخديو عباس ينتهج سياسة إصلاحية ويتقرب إلى المصريين ويقاوم الإنجليز. وقد شجع مصطفى كامل في معركته ضد الاحتلال. وكان مصطفى كامل قد توجه في مطلع القرن إلى طلبة المدارس العليا يحثهم على مقاومة الإنجليز. وفي عام 1905 قرر مصطفى كامل وبإيعاز من صديقه عمر لطفي بك تأسيس ناد للطلبة وذلك لكي يقضي به طلبة المدارس العليا ومتخرجيها. أوقات الفراغ. لمطالعة الكتب والجرائد والتباحث في المسائل العلمية والأدبية والاجتماعية دون تداخل في مواضيع سياسية أو دينية. وتأسس نادي طلبة المدارس العليا في الثامن من ديسمبر عام .1905 واختارت الجمعية العمومية عمر لطفي بك رئيسا للنادي.

وعمر لطفي بك صديق مصطفى كامل. هو صاحب فكرة تأسيس النادي الأهلي المصري فيما بعد. وهو مؤسس النهضة التعاونية في مصر. وولد بالاسكندرية عام 1867 وتوفي بالقاهرة عام .1911 وقد أنشأ العديد من النقابات الزراعية وله جملة تصانيف في القانون والامتيازات الأجنبية وله كتابان هما "حق المرأة". و"حق الدفاع".

وقد ولدت فكرة تأسيس النادي الأهلي في ذهن عمر لطفي بك من خلال رئاسته لنادي طلبة المدارس العليا. إذ وجد أن هؤلاء الطلبة بحاجة إلى ناد رياضي يجمعهم لتمضية وقت الفراغ ويمارسون فيه الرياضة. فتوجه عمر لطفي إلى مجموعة من أصدقائه طارحاً عليهم الفكرة وهو شديد الحماس لها. ونقل حماسه إليهم. فتحمسوا لها. وكان الكثيرون قد ربطوا بين الناديين. نادي طلبة المدارس العليا. والنادي الأهلي. وأكدوا أن الأهلي تأسس تحت مسمى: "منتدى طلبة المدارس العليا" وهذا غير صحيح ـ إذ تأسس النادي الأهلي تحت مسمى: "النادي الأهلي للألعاب الرياضية" وذلك في 24 أبريل عام .1907 وفي جلسة مجلس الإدارة المنعقدة بتاريخ 25 فبراير عام 1908 اقترح أمين سامي باشا تغيير اسم النادي إلى: "النادي الأهلي للرياضة البدنية". لأن الرياضة البدنية أعم وأكمل من عبارة "الألعاب الرياضية". ومازال الأهلي يحتفظ بهذا الاسم.

وقد كان عبدالخالق ثروت باشا. أحد أصدقاء عمر لطفي بك المقربين والذين طرح عليهم فكرة تأسيس النادي الأهلي. وقد تحمس لها. وعبدالخالق ثروت باشا تولى رئاسة الأهلي في الفترة من 9 فبراير عام .1916 إلى 14 فبراير .1924 وكان أحد المؤسسين للنادي. وكان وزيراً للحقانية "العدل". ثم وزيرا للداخلية. ثم رئيسا للوزراء. ثم وزيراً للداخلية. ثم رئيسا للوزراء في مارس 1922 حتى نوفمبر من نفس العام. وتولى منصب رئيس الوزراء للمرة الثانية في الفترة من 25 أبريل 1927 إلى 16 مارس 1928.

ونعود إلى النادي الأهلي. وإلى محاضر مجلس إدارته. لنقرأ ما قاله عبدالخالق ثروت باشا في الجمعية العمومية التي عقدت يوم 6 فبراير عام 1919 ليحكي لأعضاء النادي الدور الذي لعبه عمر لطفي في تأسيس الأهلي. إذ قال عبدالخالق ثروت باشا: "الآن وقد انتهينا من أعمال الجمعية فإني أنتهز هذه الفرصة لألقي على حضراتكم كلمة عن تاريخ هذا النادي. فإن تفضلتم وسمحتم بذلك فإن أول ما ينطق به لساني في هذا الحديث هو اسم المرحوم عمر لطفي بك. ذلك لأنه الواضع لهذا النادي وصاحب فكرة تأسيسه".

ومضى عبدالخالق ثروت باشا في روايته قائلا: "لم أتردد لحظة في الحكم بأن تحقيق هذه الفكرة هو خير ما نخدم به الشبيبة المصرية. ولكن لا أخفي عليكم أن أملي في نجاح المشروع كان أقل بكثير من تخوفي من عدم إمكانية تنفيذه. أو من سقوط النادي بعد تأسيسه. وعذري في هذا التخوف أني جربت في حكمي هذا قياس الحاضر بالغابر. والمستقبل بالماضي. فكم من مشروعات وطنية قامت بضجة عظيمة. وأقبل عليها الناس أيما اقبال. لكنها ما لبثت أن أخذت في التلاشي. والفناء حتى أصبحت أثراً بعد عيني. ولم أرد مع ذلك أن أثبط همته بمخاوفي هذه. وقلت في نفسي لعل في هذه الحركة بركة. واتفقنا على العمل. فسعى رحمه الله حثيثا حتى وفق في تشكيل نقابة أخذت على عاتقها دفع المال لتأسيس النادي. وقد تأسس بالفعلط". وهكذا تثبت رواية عبدالخالق ثروت باشا. أن عمر لطفي بك هو صاحب الفضل الأول في تأسيس النادي الأهلي. لكن لماذا لم يتولّ عمر لطفي رئاسة النادي عند تأسيسه؟! ومن هو أول رئيس للنادي الأهلي؟ هل كان سعد زغلول أم شخصية أخرى؟!.

يوم 8 أبريل عام 1907 عقد أول اجتماع للشخصيات التي تحمست لفكرة عمر لطفي بك وهم بجانب صاحب الفكرة. إدريس راغب بك. وعبدالخالق ثروت بك. وإسماعيل سري بك. وميتشل أنس بك. وهو رجل إنجليزي يعمل مستشاراً في وزارة المالية المصرية. وألف المجتمعون فيما بينهم نقابة أخذت على عاتقها جمع المال اللازم لتأسيس النادي في نقطة صحية ونائية خارج منطقة القاهرة "نطاق العاصمة المزدحم شرق النيل". واستقر الرأي على موقع في الجزء الجنوبي من جزيرة الزمالك. وقرر المجتمعون تأسيس شركة رأسمالها خمسة آلاف جنيه على شكل ألف سهم. على أن تكون قيمة السهم الواحد خمسة جنيهات".

واتفقت المجموعة على اختيار الإنجليزي ميتشل أنس رئيسا للجنة الإدارية العليا "مجلس الإدارة". وقد رأى المجتمعون الاستفادة من نفوذه لدى سلطات الاحتلال لتسهيل عملية الحصول على الأرض المناسبة لبناء النادي من قبل الحكومة.

سعد زغلول والأهلي

وقد تصور الكثيرون أن الزعيم المصري سعد زغول هو أول رئيس للنادي الأهلي. وهذا غير صحيح. وإنما اختير رئيسا للجمعية العمومية للنادي في 18 يوليو 1907 بصفته ناظر المعارف. وجاء هذا الاختيار في اجتماع مجلس الإدارة بنفس التاريخ السابق "18يوليو 1907". من منطلق توطيد العلاقة بين الوزارة والنادي. حيث كانت وزارة المعارف تقدم إعانات مادية للأهلي في مراحل تكوينه الأولى. وتولى رئاسة الجمعية العمومية وزراء المعارف بعد سعد زغلول. وكان منهم الدكتور طه حسين. وآخر وزير معارف تولى منصب رئاسة الجمعية العمومية للأهلي هو بهي الدين بركات.

وفي مقابلة شخصية مع الكاتب والأستاذ مصطفى أمين رحمه الله. بمكتبه بدار أخبار اليوم في 15 أكتوبر .1994 سألته عن علاقة سعد زغلول بالأهلي. خاصة أن علاقة الأستاذ مصطفى أمين بسعد باشا معروفة. حيث تربى في بيت الأمة. كما أنه كان من رواد الأهلي. وعضواً في مجلس إدارته في مطلع الأربعينيات. وقال لي الأستاذ مصطفى أمين:

"كان سعد زغلول محبا للنادي الأهلي ومقدراً لدوره الوطني باعتباره أول ناد للمصريين. وكان حريصاً على متابعة أخباره ومتابعة فرقه الرياضية. لاسيما أن الرجال الذين أسسوا الأهلي وساهموا في إنشائه كانوا من رجال سعد زغلول ومن أصدقائه المقربين. وكان سعد باشا يحضر أحيانا مباريات فريق كرة القدم للأهلي. وهو يشغل منصب رئيس الوزراء. وكان فخوراً بهذا النادي".

وفي كتابه "رواد الرياضة في مصر" يذكر السيد فرج رواية أخرى تؤكد اعتزاز سعد زغلول برئاسته للجمعية العمومية للأهلي. فعندما تقرر اشتراك مصر في دورة الألعاب الأوليمبية الثامنة التي أقيمت في باريس عام 1924 واكب موعدها امتحان شهادة الكفاءة. وتحرج الموقف أمام ناظر المعارف محمد سعيد باشا بسبب التلميذ محمود مختار "التتش" الذي كان عليه أن يختار بين التضحية بشهادة الكفاءة حتى يتسنى له السفر مع فريق الكرة أو يتخلف عن السفر. ولم يتردد التتش. إذ قرر التضحية بالشهادة. لكن والده الدكتور محمد رفاعي رفض أن يوافق على سفر ابنه حرصا على مستقبله. ولهذا اضطر الوزير إلى عرض المشكلة على سعد زغلول باشا رئيس الوزراء فقال:
"لقد كنت رئيسا للجمعية العمومية للنادي الأهلي. وأنا أريد لابنائنا أن يمارسوا الرياضة فهي غذاء للعقل والجسم والروح. ولهذا فإني لا أقبل أن يضحي التلميذ بشهادته. ولا أقبل أن يحرم من رياضته. ولهذا فإني أوافق على سفر محمود مختار مع فريقه إلى باريس. وأن ترسل أوراق امتحانه إلى المفوضية المصرية لكي يمتحن هناك".

وهكذا كان الزعيم المصري معتزا بتوليه رئاسة الجمعية العمومية للأهلي. وكان يشجع الرياضة. ويدرك أن العقل السليم في الجسم السليم. والواقع أن العلاقة التنفيذية المباشرة بين سعد زغلول والأهلي لم تكن موجودة. لكن مع ظهور سعد زغلول كأحد قادة الحركة الوطنية. ثم قيادته لثورة .1919 توارثت أجيال الأهلي وجماهيره انتماء سعد زغلول للنادي. بينما كان سعد زغلول سعيدا وفخوراً ببطولات الأهلي وانتصاراته. وبنجاح أصدقائه ورجاله في تأسيس النادي وتطويره. ولا يقلل هذا الاهتمام من مكانة قائد ثورة .1919 كما يدعي البعض. وتاريخ الرياضة في الوطن العربي وفي العالم له عشرات القصص مع رجال السياسة وقادة الثورات. ورؤساء الجمهوريات. والأمراء والملوك.

اللون والشعار

اشتهر النادي الأهلي بلون فانلته الحمراء. وقد استمد المؤسسون هذا اللون من لون علم مصر. وقد كان هو العلم العثماني في فترة حكم الخديو عباس حلمي الثاني الذي يتوسطه الهلال. وفي قلب الهلال نجمة. وكانت فانلة الأهلي في البداية حمراء مقلمة طوليا باللون الأبيض. ثم تطورت إلى فانلة نصفها أحمر ونصفها أبيض ثم إلى فانلة حمراء بحروف بيضاء.

وكان شعار النادي مزينا بالتاج. رمز الحكم. في الطرف الأعلى. وفي الطرف الأسفل كتب اسم الأهلي. وفي الوسط النسر المحلق. وعقب قيام ثورة يوليو 1952 وتغيير رمز الدولة من التاج إلى النسر رفع الأهلي التاج عن شعاره واقتصر على النسر. وقد صمم شعار النادي في 3 نوفمبر عام .1917 أي بعد 10 سنوات من تأسيسه. وكان الشعار من تصميم شريف صبري بك عضو النادي.

وفتح الأهلي أبوابه أمام المصريين. وكان الاشتراك السنوي لموظفي الحكومة ثلاثة جنيهات يمكن دفعها على أقساط شهرية. أما الاشتراك العادي لغير موظفي الحكومة فقد كانت قيمته خمسة جنيهات. بينما حظى طلبة المدارس العليا وخريجيها بمعاملة خاصة. فالنادي أنشىء لهم أصلا. ولذلك كان اشتراك الطلبة ستة قروش في الشهر. أما اشتراك الخريج فكان خمسة عشر قرشا.

لكن الأهلي لم يفتح أبوابه للمرأة المصرية إلا في عام 1921 بشرط عدم مزاولة أي نشاط رياضي. وكان وراء هذا القرار الجرئ ـ في حينه ـ لمجلس ادارة النادي. الدور الذي لعبته المرأة المصرية في ثورة 1919. وفي يناير عام 1922 خصص صباح يومين في الأسبوع لنشاط السيدات ثم زيدا إلى ثلاثة أيام هي السبت والإثنين والأربعاء. ولم يكن مسموحا لأي رجل بدخول الملاعب المخصصة للنساء. بل منع الرجال من دخول النادي تماما في الأيام الثلاثة!.

كان الطلبة يشكلون أغلبية أعضاء الأهلي. في مراحل تكوينه الأولي. وكان طلبة المدارس العليا يقودون الحركة الوطنية المصرية. يضاف إلى ذلك أن مؤسسي الأهلي وقيادته خلال السنوات العشر الأولى كانوا من وزراء وشخصيات سياسية لعبوا دوراً مهما في الحركة الوطنية المصرية مثل عبدالخالق ثروت باشا. وعمر بك لطفي. ومحمد محمود باشا الذي كان معتقلا مع سعد زغلول في مالطة. ومحمد طلعت حرب باشا. وحسين رشدي باشا. وعمر سلطان باشا.. وغيرهم.

وفي المراحل الأولى من عمر النادي الأهلي وبعد أن شكلت فرقه الرياضية وبدأت انتصاراتها تكسب النادي شعبية وتلتف حوله الجماهير. كان جمهور الأهلي يحول مبارياته إلى مظاهرات وطنية. فعندما شارك فريق النادي لكرة القدم في مباريات كأس السلطان حسين التي تقام على الأرض الخضراء بالعباسية كانت المباراة تتحول إلى تظاهرة شعبية كلما حقق الفريق فوزاً على فريق الجيش البريطاني.

وعندما أحرز الأهلي هذه الكأس لأول مرة في موسم 1922/1923 حملها الجمهور وحمل اللاعبين من العباسية إلى مقر النادي في الجزيرة في تظاهرة داخل شوارع القاهرة. وأمام معسكرات قصر النيل ليرقبها الإنجليز!.

ومن مقر الأهلي في الجزيرة خرجت إشعاعات الحركة الوطنية وكان طلبة المدارس العليا يقودون المظاهرات ويشعلون الروح الوطنية في وسط الجماهير أثناء ثورة .1919 وكانت أغاني سيد درويش تتردد في أروقة وطرقات الأهلي. وهو الذي غنى للطلبة:

"يا عم حمزة احنا التلامذة"
"ما يهمناش من السجن ده. ولا المحافظة"
واخدين عالعيش الحاف. والنوم من غير لحاف".

وقد شارك الأهلي في كل معارك مصر الوطنية وحروبها. فعندما قامت الجيوش العربية لتخوض حرب فلسطين عام 1948 كان شباب النادي في طليعة المتطوعين الذين لبوا نداء الوطن وشاركوا في الحرب كفدائيين وقد سقط منهم الشهداء والجرحى. فقررت الجمعية العمومية للنادي عمل لوحة تذكارية للاعضاء الذين استشهدوا في هذه الحرب. وحين قامت ثورة يوليو 1952 ساند النادي الضباط الأحرار دون تردد. وفي يوم 17 يناير 1956 أعلن الرئيس جمال عبدالناصر قبوله رئاسة شرف النادي الأهلي تقديراً للدور الوطني الذي لعبه في مساندة الثورة وتدريب الفدائيين.

وحين لاحت بوادر حرب السويس عام 1956 عقد مجلس إدارة النادي اجتماعا طارئا يوم الأربعاء الموافق 15 أغسطس ومنع ممارسة النشاط الرياضي. وفتح باب التطوع للعمل الفدائي أمام الأعضاء وتحولت ملاعب النادي إلى مراكز تدريب لأفراد المقاومة الشعبية. وسقط شهداء من أعضاء الأهلي في مدينة بورسعيد وأقيمت مباراة مع الزمالك يوم 23 نوفمبر 1956 وخصص دخلها لصالح ضحايا وشهداء بورسعيد. وتكرر نفس الأمر في حربي .1967 .1973 حيث فتح مجلس الإدارة باب التطوع أمام الأعضاء سواء للقتال أو للتبرع بالدم. وفي حرب أكتوبر تحديدا تقدم ثمانية آلاف عضو في الـ 24 ساعة الأولى للتبرع بالدم.

وفي تلك المعارك كانت هناك العديد من المواقف والتفاصيل والقرارات التي اتخذها الأهلي. إلا أن ما ذكرناه ما هو إلا مجرد اشارات. وقد لعب الأهلي دوراً كبيراً على مدى عمره في صياغة الحركة الرياضية المصرية. وقاد في النصف الاول من القرن العشرين حملة تمصير الاتحادات الحكومية والأهلية. رافضا سيطرة الأجانب على مقاليد الأمور في الرياضة المصرية.

وقدم أحمد حشمت باشا وزير المعارف في ذلك الوقت كأسا فضية للنادي لتتبارى عليها فرق كرة القدم من طلبة المدارس العليا ومتخرجيها المشتركين في الأهلي. ولاقت هذه المسابقة نجاحا كبيرا وغطت على مسابقة الاتحاد المختلط الذي كونه الأجانب. وعندما تم تشكيل الاتحاد المصري الإنجليزي في سبتمبر 1916 قرر الأهلي الاشتراك في أولى مسابقات الاتحاد وكانت كأس السلطان حسين التي بدأت عام 1917. لكن في الوقت نفسه كان رجال الأهلي يتحركون في كل اتجاه لتأسيس اتحاد مصري صميم لكرة القدم.

وبعد أربع سنوات بدأ الأهلي يجني ثمار تحركاته. حيث وجه فؤاد أباظة بك سكرتير النادي الدعوة عام 1921 إلى جميع الأندية لتأسيس الاتحاد المصري لكرة القدم. واجتمع مندوبو الأندية ولاعبو الكرة برئاسة جعفر ولي باشا وكيل الأهلي الذي قاد فريق عمل تأسيس الاتحاد ومعه فؤاد أباظة. ومحمد صبحي الأتربي. ويوسف محمد من أعضاء النادي ثم انضم إليهم فيما بعد رياض شوقي ووضعوا القانون الذي على أساسه خرجت الفكرة للوجود. ولقى الأهلي تأييدا من أندية المختلط "الزمالك" والسكة الحديد. والعباسية. والقاهرة. والاتحاد السكندري.

وهكذا تأسس الاتحاد المصري لكرة القدم في أكتوبر عام 1921 بجهود رجال النادي الأهلي. وفي عام 1922 بدأت مسابقة كأس الأمير فاروق "كأس مصر".

وامتد دور الأهلي في تمصير الاتحادات إلى رياضات أخرى وكان النادي يتبنى هذا الاتجاه لسببين واضحين. أولهما أنه يناهض الأجانب ويرفض سيطرتهم على الرياضة في مصر. وثانيهما حاجة النادي إلى تنظيم مسابقات تنافسية بين الفرق المصرية على مستوى القطر. إذ تمارس به لعبات ولا يجد الأعضاء نشاطا تنافسيا على مستوى عال. وقد توالت عملية تأسيس الاتحادات المصرية في مختلف اللعبات. والواقع أنه لم يتأسس اتحاد مصري إلا وكان الأهلي ممثلا فيه بأعضائه أو إدارييه. وهو أمر منطقي أن يكون للنادي الذي كان رائدا في بدء إدخال أو ممارسة لعبات أغلبية أو وجود ملموس في الاتحادات المصرية الوليدة.

وكانت حركة الأهلي وسعيه لتمصير الاتحادات الرياضية. من صميم شعور رجاله بدورهم الوطني. ولم تكن الوطنية في أوائل هذا القرن وفي الظروف التي كانت تعيشها مصر مجرد شعارات وخطب. ولم يسجل رجال الأهلي في محاضر مجلس ادارتهم كلمات تدين الاحتلال وتهتف بسقوط الاستعمار. ولم يسجل رجال الأهلي في محاضرهم إعلانا عن مصريتهم ووطنيتهم. لأن الوطنية كانت سلوكا واتجاها. ولأن الوطنية موقف. وقد تظهر في مواقف بسيطة. ومنها تمصير الاتحادات الرياضية.

الأهلي وكرة القدم

عرفت مصر كرة القدم مع بداية الاحتلال البريطاني سنة .1882 حين كان الشباب يشاهد الجنود يلعبون الكرة داخل ثكناتهم. وكان أول فريق مصري أسسه "محمد أفندي ناشد" عام .1895 وأطلق عليه المصريون: "فرقة ناشد". وبدأت اللعبة تدخل المدارس الابتدائية والثانوية مثل السعيدية والخديوية والتوفيقية. وبدأت ـ في الوقت نفسه ـ أندية الجاليات الأجنبية في مصر تمارس اللعبة. لكن التاريخ الحقيقي لكرة القدم في مصر بدأ حين دخل الأهلى عام .1909 ثم حين تأسس الزمالك "المختلط" بعد ذلك بعامين.

في عام 1911 كون النادي الأهلي أول فريق كرة قدم في تاريخه من طلبة المدارس وكان يضم: حسين فوزي. إبراهيم عثمان. محمد بكري. سليمان فائق. حسن محمد. حسين حجازي. أحمد فؤاد. حسين منصور. إبراهيم فهمي. فؤاد درويش. عبدالفتاح طاهر.

واقتصر نشاط كرة القدم داخل الأهلي على المباريات الودية. حتى وافق مجلس الإدارة في 7 مارس 1914 على قبول الكأس المهداة من أحمد حشمت باشا ناظر المعارف ورئيس الجمعية العمومية لتتبارى عليها فرق طلبة المدارس العليا واشترط عدم اشتراك لاعب في هذه المباريات من خارج الأعضاء المشتركين في النادي. وكان الغرض من تقديم أحمد حشمت باشا لهذه الكأس. أن تعوض شباب النادي من الطلبة عن غيابه عن مسابقة الاتحاد المختلط التي قاطعها الأهلي لأنها تدار بواسطة الأجانب.

وبدأ الأهلي نشاطه الرسمي على مستوى القطر في كرة القدم عام 1918 بالاشتراك في الكأس السلطانية. والتي نظمها الاتحاد المصري الإنجليزي. وكانت تلك بداية مرحلة جديدة من تاريخ النادي واللعبة. حيث أقبل فريق الكرة على حقبة العشرينيات ليسجل العديد من الانتصارات على الساحة في مصر وليكسب شعبية كبيرة. لعلها كانت القاعدة التي بنى عليها الأهلي اسمه وتاريخه العريق في كرة القدم. وفي الفترة من 1923 إلى 1931 حقق فريق النادي الأهلي الفوز بكأس السلطان حسين "6" مرات. وفاز بكأس الأمير فاروق "كأس مصر" "6" مرات. وفاز بدرع الأمير طوسون "5" مرات. وكانت تلك أهم بطولات كرة القدم في مصر في ذلك الوقت. وكان فريق الأهلي إما بطلاً أو وصيفا للبطل في هذه المسابقات الثلاث. وهذا أكسب النادي شعبية والعديد من المؤيدين والأنصار. وكان فريق النادي خلال هذه الفترة مكونا من : عبداللطيف الحسين. أحمد مختار. خليل حسني. محمود مختار "التتش". زكي عثمان. مجدي الديب. حسن علي. السيد صبري. رياض شوقي. محمد السيد. كامل طه. أحمد عسكر. رضوان محمود. محمد علي رسمي. إبراهيم يكن. جميل الزبير. حسين حجازي. علي الحسني. هاشم شريف. السيد أباظة. علي العدوي.

المنافسة مع الزمالك

ومع ذلك تبقى المنافسة والخصومة بين الناديين الكبيرين من ظواهر كرة القدم المصرية والعربية في القرن العشرين. فما أسباب تلك المنافسة؟

إن المنافسة بين الناديين من عمريهما فقد تأسس الزمالك تحت اسم نادي قصر النيل عام 1911 بعد الأهلي بأربع سنوات. وتغير اسمه إلى المختلط عام .1913 وأسس فريقا قويا لكرة القدم. وطوال ما يقرب من 85 سنة. كانت المنافسة دائمة بين الأهلي والزمالك. وإذا فاز الأهلي ببطولة فإن الزمالك هو وصيفه. وإذا فاز الزمالك ببطولة فإن الأهلي هو وصيفه. والفريقان يحصدان البطولات المحلية المصرية بلا منافسة حقيقية من الأندية الأخرى.

لكن التاريخ يقول أن الأهلي والزمالك التقيا معا لأول مرة عام 1917 في مباراتين الأولى يوم 9 فبراير وكانت المباراة على أرض المختلط في شارع فؤاد وفاز الأهلي 1/صفر. والثانية في 2 مارس من نفس العام وكانت على أرض الأهلي وفاز المختلط 1/صفر.

ويقول التاريخ أن جذور الخصومة بين الأهلي والزمالك تعود إلى عدة أسباب. في مقدمتها أن الأهلي كان أول ناد يؤسس للمصريين. بينما تأسس الزمالك بواسطة مجموعة من الأجانب. وهذا وحده كان كافيا لزرع الخصومة. كذلك كان بالناديين فريقان قويان. وتوازن القوة صنع الخصومة بالتالي. وقد زادت واتسعت المسافة بين الناديين وزادت حدة الخصومة بسبب حسين بك حجازي.

وحسين حجازي يلقب بأبي الكرة المصرية ـ وكان قد اشتهر كلاعب وهو طالب بالمدرسة السعيدية قبل أن يسافر إلى إنجلترا للدراسة وإن احترف في فولهام ومثل منتخب جامعة كمبردج. وقد عاد حجازي إلى مصر عام .1914 ولم يشأ أن ينضم إلى أي ناد. وشكل فريقا خاصا به أطلق عليه اسم "حجازي الفن" أي "حجازي 11" .وأخذ يتحدى به الفرق الإنجليزية. واشتهر صيته وسعى النادي الأهلي إلى ضمه لصفوفه. وبالفعل انضم حسين حجازي للأهلي عام 1917 ولحق به مجموعة من فرقته. بينما انضم الباقون إلى المختلط. بقى حجازي في الأهلي لمدة عامين. ثم انتقل إلى المختلط عام 1919 فأصبح المختلط أقوى الفرق المصرية. لكن بعد انتقال المختلط من مقره عام 1924 قرر حجازي أن يترك الفريق لأن المقر الجديد لا يوجد به مكان للعب البريدج والبلياردو وانتقل إلى النادي الأهلي. وعلى مدى 4 سنوات متتالية هبط مستوى فريق الكرة في المختلط. وكان هذا الانتقال من أسباب غرس جذور المنافسة والخصومة بين الأهلي والزمالك. فكلاهما كان قد بدأ يكون الشعبية والجماهيرية. وكان انتقال حجازي سببا في غرس مشاعر الغضب والضيق لدى الجمهور الذي كان يحبه ويشجعه ويحب ناديه ويشجعه!.

في عام 1928 عاد حسين حجازي إلى المختلط غاضبا من الأهلي الذي أوقفه بسبب واقعة عدم تسلم لاعبي الفريق لميداليات المركز الثاني من الفريق صادق يحيى باشا كبير الياوران ومندوب الملك بعد هزيمة الأهلي في نهائي الكأس أمام الترسانة. وعاد مع حجازي إلى المختلط أبرز نجوم الأهلي. واستطاع حسين حجازي أن يجدد شباب المختلط. وهكذا ساهم حسين حجازي في صناعة شعبية وجماهيرية الأهلي والزمالك وكان انتقاله من هذا النادي إلى ذاك وراء روح التنافس والخصومة التي ظهرت بينهما.

تكررت قصة حجازي مع الأهلي والزمالك لكن بأسماء أخرى منها على سبيل المثال عبدالكريم صقر. وزكي عثمان. ويكن حسين. وألدو. وحتى رضا عبدالعال وأيمن شوقي وجمال عبدالحميد. وعلى مدى عشرات السنين. كان التنافس شديدا بين الناديين على ضم لاعبين. ووصل الأمر _إلى أن مجلس الإدارة وقعا على معاهدة في يوليو 1957 لعدم خطف اللاعبين. إلا أن الاتفاق لم يستمر بطبيعة الحال!.

وفي التاريخ العديد من الأحداث التي صنعت الخصومة وزادت منها. ومنها قرار اتحاد كرة القدم عام 1944 بإيقاف 14 لاعبا من النادي الأهلي. وكان رئيس الاتحاد في ذلك الوقت هو حيدر باشا رئيس المختلط. واعتبر جمهور الأهلي حيدر باشا "الزملكاوي. مسئولا مسئولية شخصية عن قرار الإيقاف"!.

وشهدت مباريات الأهلي والزمالك أحداث عنف وشغب. وأخذت منذ الخمسينيات طابعا مميزا. ولذلك تم اللجوء إلى التحكيم الأجنبي في 22 مارس 1956 ومازال هذا الأمر متبعا في مباريات الفريقين حتى اليوم. وفي حقبة الستينيات ترنمت الفنانة صباح بأغنيتها الشهيرة "بين الأهلي والزمالك محتارة والله" وغنتها مصر كلها في ذلك الوقت بنفس القدر من الحيرة وبنفس القدر من الانقسام. وكان انتماء المشير عبدالحكيم عامر في فترة الستينيات إلى الزمالك من أسباب زيادة شعبية النادي وفي نفس الوقت زيادة الخصومة من جهة جماهير الأهلي.

إلا أنه مما لاشك فيه أن قيام ثورة 23 يوليو .1952 والغاء الأحزاب. زاد من حدة التحزب والتعصب للأهلي وللزمالك نتيجة للفراغ السياسي في مصر في ذلك الوقت. وكان التعصب لأحدهما هو البديل للانتماء للأحزاب. لاسيما أن مصر في عهد ما قبل الثورة شهدت صراعات حزبية شديدة.

والخصومة والتعصب للأهلي أو للزمالك وصلت إلى حد في غاية الخطورة الآن. ويبدو في أحيان كثيرة أن مصر انقسمت إلى معسكرين أحدهما يشجع الأهلي والآخر يشجع الزمالك. وأذكر واقعة لا أنساها أبداً ولا أأمل من تكرارها أبدا لأنها ذات معنى.

ففي 24 فبراير 1989 كنت باستاد القاهرة أتابع مباراة بين الأهلي والزمالك. ولمحت السفير الأمريكي "فرانك ويزنر" يجلس في المقصورة الرئيسية. وأدهشني حضوره لمباراة بين الفريقين. وقد عرف عن فرانك ويزنر انغماسه في الحياة المصرية بكل صورها. المهم أنني سألته: سعادة السفير.. حرصك على حضور مباراة الأهلي والزمالك يجعلني أسألك: "أيهما تشجع"؟! فأجاب قائلا: "أنا أحب الاثنين"!.

وكانت إجابة دبلوماسية جدا. أكدت كيف أن السفير الأمريكي بالقاهرة يدرك حساسية المنافسة بين الأهلي والزمالك وحرص المشاهير على إدعاء الحياد والمساواة بينهما. وقد قلنا جميعا فيما بعد على سبيل المزاح: "لقد خشى السفير أن تصنف بلاده الولايات المتحدة كدولة تؤيد الأهلى أو الزمالك. لأن ذلك معناه أن يكون لبلاده أعداء من أكبر الأندية المصرية شعبية وجماهيرية!!.

لعبات وأبطال وبطولات

وإذا كانت كرة القدم صنعت الجزء الأكبر من شعبية النادي الأهلي وساهمت بدور أساسي في تطور اللعبة في مصر. فإن اللعبات الأخرى كان لها نفس الدور. ومن النادي الأهلي تخرج نجوم وأبطال. ومنهم الرباع المصري الشهير السيد نصير بطل رفع الأثقال. وقد لقب بـ "قاهر الغرب. ونظم فيه أمير الشعراء أحمد شوقي قصيدة قال فيها:

إن الذي خلق الحديد وبأسه

جعل الحديد بساعديك ذليلا

لم لا يلين لك الحديد ولم تزل

تتلو عليه وتقرأ التنزيلا

قل يا نصير وأنت بر صادق

أحملت إنسانا عليك ثقيلا

أحملت دنيا في حياتك مرة

أحملت يوما في الضلوع عليلا

أحملت ظلما من قريب غادر

أو كاشح بالأمس كان خليلا

أحملت طغيان اللئيم إذا اغتنى

أو نال من جاه الأمور قليلا

تلك الحياة وهذه أثقالها

وزن الحديد بها فصار ضئيلا

وقد ألقى هذه القصيدة جعفر ولي باشا رئيس النادي الأهلي. في حفلة تكريم بطل العالم السيد نصير الذي سجل رقما عالميا في الوزن الثقيل قدره 162.5 كيلوجرام نظراً في 26 يناير سنة .1930 ثم بعد أسبوع واحد تخطى هذا الرقم وسجل 165 كيلوجرام. وفي نفس السنة سجل 127 كيلوجرام في الخطف. وبعدها سجل رقمين عالميين 127.5 كيلوجرام "خطف" و167 كيلوجرام "نطرا".

أما السباحة فقد دخلت الأهلي عام 1940 وبذل أحمد عبود باشا جهوداً مضنية لبناء حوض السباحة الأولمبي بالنادي. وساهم بجهد كبير الأستاذ الصحفي مصطفى أمين الذي كان عضوا في مجلس إدارة النادي في مطلع الأربعينيات وتولى مهمة جمع التبرعات لبناء حوض السباحة. ومن أبرز السباحين المصريين الذين تخرجوا من الأهلي. اسحق حلمي قاهر بحر المانش في سبتمبر .1928 وطه الجمل الذي شارك في دورة الألعاب الأوليمبية بلندن. وعبدالعزيز الشافعي. وأحمد مراد. وحجازي سعيد. ومحرم الراغب ومروان غزاوي وجرير منصور وشقيقته سحر منصور. وفاتن عفيفي. وأخيراً رانيا علواني البطلة المصرية الدولية الشهيرة حاليا.

وتعد ألعاب القوى من أقدم الألعاب في الأهلي. ففي عام 1914 قدم عزيز عزت باشا كأسا باسمه تتنافس عليها المدارس العليا وخريجوها. وكان الأهلي سباقا بانشاء أول مضمار قانوني للعدو في مصر. وقدم النادي العديد من أبطال اللعبة. ومنهم الناقد الرياضي الراحل الأستاذ نجيب المستكاوي. وعماد الشافعي. وناجي أسعد. ومحمود لاشين، وأمينة محمود.

وكانت المصارعة من الألعاب التي مورست في الأهلي في سنواته الأولى. وتحديدا عام 1912 ومن أشهر المصارعين المصريين محمود حسن بطل العالم في وزن الديك عام .1947 وعيد عثمان. الحاصل على ميدالية فضية في دورة روما الأولمبية عام .1960 وكمال السيد ثالث العالم عام 1962. والقائمة طويلة تضم عشرات الأبطال. لكن الطريف أنه عندما قرر مجلس إدارة الأهلي الغاء لعبة المصارعة عام 1968 تلقى جميع أعضاء مجلس إدارة النادي تهديدا بالقتل وقام المجلس بابلاغ النيابة العامة!.

أم كلثوم نجمة حفلاته

والنادي الأهلي ليس مؤسسة رياضية تربوية فحسب. إنما كان له دور بارز في النشاط الاجتماعي والثقافي المصري. في مطلع القرن العشرين. وكان النادي في سنواته الأولى ينظم حفلات ساهرة في دار الأوبرا المصرية ويحضرها السلطان فؤاد. وكان سيدة الغناء العربي أم كلثوم نجمة حفلات النادي التي تقام بمقره في الجزيرة. وقد أنعم عليها الملك فاروق بوسام الكمال عند حضوره حفلة عيد الفطر عام 1946 في النادي. وكانت أم كلثوم نجمة حفلات الأهلي في الأربعينيات والخمسينيات. وتحصل على أجر قدره "500" جنيه. ونظراً لمكانة الأهلي وأم كلثوم كان الملك فاروق يحضر حفلات النادي. وتقول سيدة الغناء العربي في مجلة "الراديو المصري" العدد 576 الصادر في 30 مارس عام 1946 رداً على السؤال: هل من الممكن أن نعرف أسعد ليلة مرت بك في حياتك الفنية؟!. تقول أم كلثوم: "الحمد لله وأشكر فضله ونعمته. فقد مر بي في حياتي كثير من الليالي السعيدة. لكن واحدة من هذه الليالي طغت على كل ما سبقها. وهي حين كنت أغني في حفلة الإذاعة بالنادي الأهلي ليلة عيد الفطر المبارك. وإذا طلعة الفاروق تشرق على المكان فتشيع في الجميع فرحة جعلت العيد عيدين".

وكان حضور الملك فاروق لهذه الحفلة مفاجأة وقد قال لي الأستاذ مصطفى أمين رحمه الله في مقابلة شخصية معه يوم 15 أكتوبر 1994 أنه أقنع الملك فاروق بحضور هذا الحفل. وفي هذا الوقت كانت سلطات الإحتلال قد أصدرت أمرا إلى كل الصحف والمطبوعات الصادرة في مصر بعدم ذكر اسم الملك أو أخباره. وقال الأستاذ مصطفى أمين. أنه قال للملك إن الحفل مذاع على الهواء مباشرة وحضوره سوف تنقله الإذاعة وهذا سوف يغيظ الإنجليز. وعندما دخل الملك إلى النادي الأهلي استقبله الأعضاء بترحاب وبعاصفة من التصفيق. وشعر الملك فاروق بسعادة غامرة. فكان أن أنعم على أم كلثوم بوسام الكمال في هذا الحفل. وقام الأستاذ مصطفى أمين بابلاغ أم كلثوم في نفس الليلة.

ومن المعروف أنه في 8 يناير 1929 أصبح النادي الأهلي تحت رعاية الملك فؤاد. حيث تلقى رئيس النادي جعفر ولي باشا خطابا من سعيد ذو الفقار باشا كبير الأمناء يبلغه بموافقة الملك على أن يضع النادي الأهلي تحت رعايته.

وتساءل كثيرون كيف يكون النادي الأهلي وطنيا ويرتبط اسمه بالملك فؤاد؟

والواقع أن جيلا عريضا من المصريين. لاسيما جيل ثورة يوليو. تربى على أن كل ما قبل الثورة غير وطني. ومنه الملك. سواء فؤاد أو فاروق. لكن في هذه الفترة نهاية العشرينيات. كان الملك أولاً رمزاً للحكم. وكان الشعب يلتف حوله ويسانده في مواجهة الإنجليز. وكانت الزعامات الوطنية تقف مع الملك ضد الاحتلال. ومن هنا جاء ارتباط الأهلي بالملك. وإن كان يكفي أنه رمز الحكم. هذا يكفي بلا مزايدة وطنية بعد هذه الواقعة بعشرات السنين!.

لماذا.. الأهلي؟!

الأهلي والزمالك دولتان. جمهوريتان. في جمهورية مصر العربية. بل وفي الوطن العربي والانتماء الجميل إليهما تحول إلى تعصب خطير. ولذلك لابد أن يكون كل ما يكتب عنهما بميزان. وقد بدأت حدة التعصب تزداد في حقبة الستينيات. وأصبحت دنيا كرة القدم في مصر والوطن العربي. هي دنيا الأهلي والزمالك. ومثلا كان أبي نجيب المستكاوي رحمه الله عائدا إلى المنزل في سيارة تاكسي في مطلع الستينيات. وعرفه السائق. وسأله:

أنت أهلاوي ولا زملكاوي يا كابتن؟!.

أجابة أبي قائلا: لا أهلاوي ولا زملكاوي. فرد سائق التاكسي بسرعة: ليه.. حضرتك خواجة مش من البلد دي؟!.

وحتى اليوم. يسألني الجمهور عن هوية أبي. رغم رحيله. وعن هويتي. وهل أنتمي إلى الأهلي أم إلى الزمالك؟!.

وفي عام 1996 كتب الأستاذ أنيس منصور في عموده اليومي بالأهرام "مواقف" أنه يحب النادي الأهلي. وأن الأهلاوية أغلبية في مصر. وكانت حكاية. إذ تلقى الأستاذ أنيس منصور عشرات الخطابات والبرقيات التي تؤيده. والتي تنتقده. إذ كيف يجرؤ ويجاهر بالانتماء لأحد الناديين الكبيرين؟!.

وهذا كله باختصار شديد يعكس حدة المنافسة والخصومة بين الناديين المصريين الكبيرين. ولكن مرة أخرى لماذا النادي الأهلي. لماذا هذا الاستطلاع؟!.

لأنه بطل الدوري المصري لموسم 96/1997 ولأن رصيده من البطولات التي حققها منذ تأسيسه عام 1907 إلى عام 1997 لا ينافسه فيه أي ناد آخر. ولأن الأهلي ظاهرة رياضية ووطنية مصرية وعربية. ولأن هذا النادي العريق جذب المؤيدين والمشجعين في الوطن العربي كله. فكان أن أطلق أسم الأهلي على العديد من الأندية في الوطن العربي تيمنا واعجابا به. مثل أهلي جدة "السعودية". وأهلي بنغازي. وأهلي طرابلس "ليبيا". وأهلي دبي "الإمارات". وأهلي الحديدة "اليمن". وأهلي "الأردن". وأهلي "لبنان" وأهلي "سوريا". وأهلي "قطر". وأهلي "البحرين".

كذلك لأن الأهلي أول ناد يؤسس في مصر للمصريين. ولأنه كان مجتمعا وطنيا مصريا خالص. وامتزجت فيه الرياضة بالسياسة وبالفن. وارتبط اسمه بشخصيات مصرية كان لها دورها البارز في المجتمع وفي الحركة الوطنية والسياسية في النصف الأول من هذا القرن. وفي مقدمة هذه الشخصيات سعد زغلول باشا قائد ثورة 1919.

ولا ينافس في ذلك الأهلي أي نادي مصري آخر. وفي هذا الاستطلاع ستجد ذلك كله مسجلاً ومكتوباً. ومسنوداً إلى كلمات ونصوص أبطاله وشخصياته. وأرقام بطولاته وانتصاراته.

 

 

حسن المستكاوي