رمضان في الأندلس من الفتح.. حتى السقوط

رمضان في الأندلس من الفتح.. حتى السقوط

رمضان هو شهر العبادات والفتوحات والأحداث الجسام، وقعت فيه العديد من المعارك التي حولت مجرى التاريخ الإسلامي، ولم يمنع الصيام المقاتلين من خوض أعنف المعارك، فقد تمثلوا الحكمة الأساسية لهذا الشهر الفضيل وتساموا عن الدنايا الصغيرة.. وسعوا نحو خلاص الروح.

تحتفظ الذاكرة الإسلامية بالكثير من الأحداث المهمة التي وقعت خلال شهر رمضان، والتي أضافت أبعاداً جديدة في رصيد ذلك الشهر، فهو ركن أساسي من أركان الدين الإسلامي، وهو الفضاء الزمني الذي أنزل فيه القرآن الكريم. وقد شكل النصر الأول للمسلمين في معركة بدر ارتباطاً روحياً ببركة هذا الشهر الفضيل لأنه كان الإعلان الرسمي والواضح عن وجود الدين الجديد في جزيرة العرب، والكثير من المسلمين يكثرون من العبادة وأعمال الخير في رمضان طلبا للأجر المضاعف في هذا الشهر. وفي الأندلس مثل غيرها من بلاد الإسلام، وقعت العديد من الأحداث التاريخية في شهر رمضان، بدءاً من الفتح ومروراً بوفاة الخليفة عبد الرحمن الناصر، وانتهاء ببدء مرحلة انفراط وحدة وتماسك الأندلس، مع تبيان آثار وأهمية كل حدث منها.

فتح الأندلس

سبق تحرك جيش القائد طارق بن زياد لفتح بلاد الأندلس حملة استطلاعية في شهر رمضان ترأسها أبو زرعة طريف ابن مالك سنة 91 هـ - 710 م مكونة من 500 مقاتل مقسمين على 100 فارس و400 راجل، وسهل لهم حاكم سبته جوليان، الناقم على ملك إسبانيا لذريق الذي قيل إنه اعتدى على شرف ابنته، نقل هذه القوة العسكرية على عدة مراكب من ميناء سبته إلى جزيرة بالوماس قبالة الشواطئ الإسبانية في نقطة سميت على اسم قائد القوة الاستطلاعية طريف ولايزال مستخدما بالاسم الإسباني (Tarifa).

وقد شجعت النتائج الإيجابية لحملة طريف طارق بن زياد في العام التالي على المضي قدماً في خطة دخول إسبانيا وقيادة تلك الحملة بنفسه مع 12 ألف مقاتل من العرب والبربر والتي انتهت بفتح بلاد الأندلس. وقد سيطر طارق في طريقه أولا على الجزيرة الخضراء وقضى على لذريق في معركة شذونة، وخاض بعض المعارك المتفرقة قبل توجهه إلى طليطلة. ووصلت أخبار نجاحات طارق بن زياد إلى قائده موسى بن نصير في القيروان فهب إلى مساندته وكان دخوله إلى الأندلس في شهر رمضان سنة 93 هـ - 712م بجيش يقدر بـ18 ألف مقاتل عربي جلهم من القبائل اليمنية، وقد سار موسى أول الأمر في خط مواز لجيش طارق بن زياد إلى أن تلاقيا في طليطلة ثم أكملا الطريق معا شمالا مستكملين فتح ما تبقى من الأراضي الأندلسية ولم يتوقفا إلا بطلب من الخليفة الوليد بن عبد الملك الذي أمر بعودة موسى لدمشق فور وصول كتابه إليه.

إحياء الخلافة الأموية

غيب الموت واحداً من أهم خلفاء بني أمية في الأندلس بعد عبد الرحمن الداخل وهو عبد الرحمن (الثالث) الملقب بالناصر لدين الله في رمضان سنة 350 هـ - 961 م بعد عمر مديد في الحكم ناهز الخمسين سنة. واشتهر الناصر بأنه أعاد للدولة الأموية سلطتها الروحية على المسلمين بعد أن فقدتها لمصلحة العباسيين، كما يسجل له أنه أعاد للأندلس وحدتها بعدما أصابها الضعف وأنهكتها الثورات والفتن واقتطاع الخارجين عليها الكثير من أجزائها المهمة، ولعل في طريقة انتقال السلطة للناصر مباشرة بعد وفاة جده الأمير عبدالله (حكم 889م 912م) خير دليل على اهتراء الدولة الأموية حيث عزف أعمامه عن تولي كرسي الإمارة نأياً منهم عن تحمل مغارم حكم متهاوٍ.

إلا أن الناصر تمكن بطول صبره ونفاذ بصيرته من تجميع ما تفرق وبناء ما تهدم ووازن بين السياسة والحرب والعمران والعلم فأعطى كلا منها حسب ما تقتضيه الحاجة وأوكل إلى خيرة الرجال ما يعينونه على عمله وبنى مدينة الزاهرة وصرف من خزينة الدولة على بناء دور العلم والكتاتيب واستقطاب أهل العلوم وتطوير المرافق العمومية. وتبقى محطة مهمة في تاريخ الناصر والأندلس بأسرها وهي إعلانه نفسه خليفة للمسلمين بعد ظهور الخلافة الفاطمية وانكشاف وهن خلفاء بغداد على تولي أمور المسلمين، وكان أمراء بني أمية أحجموا لما يزيد على 250 سنة عن التلقب بأسماء الخلفاء خوفاً من إثارة فتنة تقسيم المسلمين بين خليفتين، ولكن ظهور الفاطميين شجع الناصر لأخذ زمام المبادرة وملأ الفراغ وخطب في الناس قائلا «فأنا أحق من استوفى حقه، وأجدر من استكمل حقه، ولبس من كرامة الله ما ألبسه ... ثم قال: وقد رأينا أن تكون الدعوة لنا بأمير المؤمنين، وخروج الكتب عنا وورودها علينا بذلك، إذ كل مدعو بهذا الاسم غيرنا منتحل له، ودخيل فيه، ومتسم بما لا يستحقه، وعلمنا أن التمادي على ترك الواجب لنا من ذلك حق أضعناه، واسم ثابت أسقطناه».

بداية نهاية الحكم الإسلامي في الأندلس

يمكن اعتبار وفاة الخليفة الحكم بن عبدالرحمن الناصر في رمضان 366 هـ - 976 م وتولي ولده الصبي مقاليد السلطة، هو تاريخ بداية زوال حكم المسلمين في الأندلس وليس خلال عصر ملوك الطوائف، وكان من الممكن اعتبار تاريخ تولية الصبي هشام ولاية العهد بداية النهاية، ولكن الأحداث المتسارعة بعد وفاة المستنصر ثبتت تلك الحقيقة التاريخية، إذ جرت محاولة فاشلة من قبل صقالبة القصر لصرف الخلافة نحو المغيرة عم الصبي هشام مع حفظ حق الأخير في تولي الخلافة بعد وفاة عمه . ولكن الأمور سارت لمصلحة معسكر أم الخليفة والمستفيدين من بقاء الأوضاع على حالها.

قرار الناصر بالرغم مما تمتع به من حكمة وسعة الاطلاع، ضرب أول ما ضرب بأركان الدولة الأموية التي ظللت الجزيرة الأيبيرية كلها تحت حكم قوي واحد، وبسببه تغلب الحاجب المنصور أبي عامر على حكم الأمويين، وأعيد بناء الدولة الأموية على أسس عامرية تدين بالولاء لصاحبها المنصور وأبنائه وحتى عندما زال الحكم العامري عجز الأمراء الأمويون عن استرداد ملكهم، ولتبدأ بعدها سكين الثورات والاطماع بتقطيع أوصال الأندلس على ملوك الطوائف وتبعث روح الشجاعة في الممالك الإسبانية لتشن حروبها المقدسة لطرد المسلمين ولولا نصرة ملثمي المرابطين ومن بعدهم الموحدين ووعورة غرناطة لخرج المسلمون من الأندلس مبكرين قرنين ونصف القرن من الزمان.

الزلاقة معركة تأخير السقوط

على صعيد أشهر المعارك الحربية التي وقعت في الأندلس خلال شهر رمضان المبارك، نستذكر معركة الزلاقة في التاسع من رمضان 479 هـ الموافق 17 ديسمبر 1086م، التي انتصرت فيها الجيوش الأندلسية بمؤازرة جيش المرابطين، وملك قشتالة الفونسو السادس آنذاك لم يكتف بابتلاع طليطلة واخضاع جميع ملوك الطوائف بالإتاوات والمعاهدات المذلة، وفضل استكمال الزحف على باقي مناطق الأندلس وكانت سرقسطة هي مطمعه الثاني. ولم يجد ملوك الطوائف وعلى رأسهم المعتمد بن عباد ملك أشبيلية صاحب مقولة: «رعي الجمال خير من رعي الخنازير»، والتي رد بها على من حذروه من مخاطر إدخال الملثمين أرض الأندلس، سوى الاتفاق للمرة الأولى على الاستغاثة بأمير المسلمين وزعيم المرابطين يوسف بن تاشفين الذي لبى النداء وعبر بجيشه بحر الزقاق سائراً نحو أرض المعركة مع الجيش الأندلسي، وقد كتب لهم النصر في ذلك اليوم حتى كادوا يفنون جيش الفونسو عن بكرة أبيه إلا أنه تمكن ونفر قليل من جنده من النجاه بأرواحهم، وساهم النصر المؤزر في الزلاقة في تحجيم أطماع الفونسو السادس ومن جاء بعده من ملوك الإسبان. وتذكر بعض المصادر أن تاريخ الزلاقة هو 12 رجب 479 الموافق 23 أكتوبر 1086م.

 

 

 

 

إبراهيم المليفي