محمد فائق ومحمود المراغي

محمد فائق ومحمود المراغي

الإنسان العربي ... وحقوقه الضائعة

  • الإسلام سبق المواثيق الدولية في الحقوق الاجتماعية والذين يرفضون المواثيق باسم الإسلام مخطئون

نصت عليها الرسالات السماوية بأشكال مختلفة، لكن البعض- حكومات وأفرادا- يتحفظون على بعض ما جاء في الاتفاقات والمعاهدات حول حقوق الإنسان بحجة أن بعضا من أحكامها يخالف الشرائع السماوية. حال الإنسان العربي هو موضوع هذه المواجهة، والحوار دار في أواخر عام 1997، وقبل شهور قليلة من قرن جديد لا نتوقف عن الحديث عنه وتلمس الطريق إليه. ترى، كيف ندخل هذا القرن، وهل نساير العالم في أن أهم ملامح العصر: عودة الإنسان إلى إنسانيته؟ هل يسود بلادنا العربية الاقتناع بان الإنسان هو غاية أى نظام سياسي أو اقتصادي، هو محور التنمية وسندها وهدفها النهائي؟

السؤال قائم.. والحوار مع الأستاذ محمد فائق أمين عام المنظمة العربية لحقوق الإنسان، والذي عرفه الوطن العربي: ثائرا ووزيرا وسجينا وسياسيا لا يعمل بالسياسة، لكنه يتفرغ لمهمته: رعاية حقوق الإنسان، بدأت صلته بالحياة السياسية والعامة في الخمسينيات حين عمل مديرا لمكتب الزعيم جمال عبدالناصر للشئون الإفريقية، ثم مستشارا له للشئون الإفريقية والآسيوية ونائبا عنه في رئاسة كل الوفود المصرية التي حضرت المؤتمرات الإفريقية بعد عام 1967، عمل وزيرا للإرشاد في الستينيات وحتى مايو 1971، وأتم في ذلك ست سنوات، لكنه- وكما يقول " فقد قضيت في السجن عشر سنوات وثلاثة شهور". إذن فقد جمع بين حياة الحرية في أعلى المواقع، وحياة السجن في أصعب الظروف، وعقب صدام مع الرئيس الراحل أنور السادات، ومن هنا تكونت لديه خبرات متعددة، كما تأكد عنده الحس المرهف بآمال الإنسان العربي، وأناته. أما محاوره، محمود المراغي، فهو الكاتب الصحفي والنقابي المعروف، صاحب خمسة مؤلفات عن العالم العربي، وأحد مؤسسي المنظمة العربية لحقوق الإنسان .

في الطريق إليه كنت أتذكر ذلك اليوم الذي تاسست فيه المنظمة العربية لحقوق الإنسان،كان ذلك عام 1983، ولم نجد كمشاركين في ندوة علمية، وكمؤسسين للمنظمة الجديدة بلدا عربيا يستضيف ما نفعل، فكانت قبرص هي الملاذ!

هكذا كانت البداية، ولكن سرعان ما فرض الواقع نفسه، فاصبح ما نفعل محل اعتراف وتقدير، وأصبحت المنظمة حاصلة على الصفة الاستشارية بالمجلس الاقتصادى والاجتماعي بالأمم المتحدة، كما أصبحت التنظيم الأم الذى تجتمع حوله ومن خلاله لجان قطرية كثيرة!

الآن، توجد في الوطن العربي حركة لحقوق الإنسان، والآن نستطيع أن نحاور، وأن نفحص أحوالنا من خلال"مرصد" المنظمة العربية الذى تفرغ لذلك، وسعى من أجل تغييره. أقلب الأوراق، تطالعني الورقة الأولى تحت عنوان: مجلس الأمنء أطالع "25" اسما.. وتأتي المفاجاة فبين السماء: أمين اختفى، واختفتأخباره هو منصور الكيخيا "ليبيا"، وأمين اغتاله مجهولون في يونيو 1994 هو يوسف فتح الله "الجزائر".
وقلت: الحمد لله، فقد بقي من الأمناء ثلاثة وعشرون، وقلت ايضا فلتكن هذه هي البداية مع الأمين العام، محمد فائق.

يقول: نعم..الاختفاء، والقتل خارج القانون من أبرز الانتهاكات التي عرفها الوطن العربي في الآونة الأخيرة، تسألني عن احوال الإنسان العربي، أعود بك لتقريرنا الأخير الذى يسجل- بالمعلومات والأرقام- اطراد تدهور حالة حقوق الإنسان ،فقد تزايدت في العديد من بلدان الوطن العربي أعمال العنف والإرهاب والإعدام خارج القانون، وتزايدت الاعتقالات التعسفية وانتهاك معايير العدالة والعودة لتعزيز صور القضاء الاستثنائي وتعذيب السجناء والمحتجزين وقمع الأشكال المختلفة للاحتجاج السلمي، أيضا، فقد تراجع هامش الحريات الديمقراطية والتي تعرضت لانتهاكات جسيمة.

حلف الفضول

أعود للتاريخ، ويعود معي فيقول:
ربما يكون "حلف الفضول" والذي أسسه فضلاء مكة قبل الإسلام هو أول جمعية لحقوق الإنسان، فقد تعهد فضلاء مكة حينذاك بألا يتركوا مظلوما إلا فضلاء مكة حينذاك بألا يتركوا مظلوما إلا وقفوا معه، حتي إن الرسول عليه صلوات الله قد نقل عنه انه قال حول حلف الفضول:" لو دعيت إليه لأجبت".

وهكذا كان عهدنا نحن العرب بحقوق الإنسان عهدا قديما، تأكد واتسع بظهور الإسلام الذى تضمن الكثير مما نتحدث عنه الان من حقوق إنسان معترف بها.

وقد عرفت شعوب كثيرة نفس الشيء، فكانت "الماجنا كارتا" في إنجلترا، وكان الدستور الأمريكي، وكانت معظم الثورات وفي مقدمتها الثورة الفرنسية التى نادت بالحقوق السياسية والمدنية مثل الحرية والإخاء والمساواة، والثورة البلشفية التي أكدت حقوق الإنسان الاقتصادية.

أقول إن قضية حقوق الإنسان قديمة وعرفتها كل الأديان، لكن التعبيرات الحديثة والمواثيق العصرية ظهرت أخيراً في الغرب فدت الحركة غربية، والحقيقة غير ذلك.

الآن ، هناك مائة اتفاقية دولية تنظم حقوق الإنسان، وتضعها في سياق القانون الدولي، والآن تأتي قضية حقوق الإنسان كاهتمام رئيسي للأمم المتحدة، وقد بدأت مواثيق هذه الضية بالإعلان العالمي لحقوق افنسان عام 1948، وهو إعلان ساهمت فيه كل الثقافات والحضارات والشعوب وشارك في صياغته اثنان من العرب وهما محمود عزمي وشارل مالك.

بعدها أتت مواثيق كثيرة من أبرزها: العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالإضافة لاتفاقيات أخرى تناهض التمييز العنصرى، أو تناهض التعذيب، أو الإبادة الجماعية، أو التمييز ضد المرأة ، أو تحمي حقوق اللاجئين أو حقوق الطفل ، الاتفاقيات كثيرة لكن الأصل كما قلت أن هناك حداً أدنى متفقا عليه لحقوق الإنسان ، وهو حد أدنى عرفته الأديان قب أن تعرفه المواثيق الحديثة.

ذكرتم الأصل الديني أكثر من مرة، فلماذا يعترض البعض إذن علي اتفاات حقوق الإنسان باعتبارها منافية لهذا النص أو ذاك من النصوص او الأحكام الدينية، خاصة الإسلامية.

- دعنا نتحدث عن الإسلام، وأظنه أكثر بعداً وعمقاً في إقراره لحقوق الإنسانن انظر لما أشار إليه في قضية المساواة حيث يقول الحديث " لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى"، وانظر لإشاراته في قضايا العدل والتراحم والتكافل والفقر، يقولون إن هناك تعارضاً بين أحكام المواثيق الدولية فيما يتعلق بالمرأة ،فالمواثيق تتحدث عن المساواة وأحكام الإسلام تتحدث عن أن المرأة ترث نصف الرجل، ولذلك فقد تحفظت بعض البلدان العربية علي مواثيق حقوق الإنسان وأضافت عبارة "بما لا يخالف الشريعة" ، وقد تبنينا في المنطقة العربية لحقوق الإنسان ما ورد في الأديان السماوية مع التفرقة بين ما هو دين وما هو عادات وتقاليد وتراث، والمعروف أن لكل مجتمع ظروفه وثقافته التي تسمح بأشياء وتعترض على أشياء، ففي أوربا علي سبيل المثال، هناك من يطالب بحرية الشذوذ الجنسي، وهذه خصوصية قد يقبلها المجتمع الأوربي لكنها غير مقبولة في بلادنا العربية، وعلى النقيض من ذلك فإنني أعتقد أن الإسلام قد أعطى حقوقا أكثر للإنسان في جوانب أخرى اجتماعية، فلا جائع في الإسلام، ولا محروم، أى أن الإسلام قد اهتم بالجوانب الاجتماعية بينما اهتمت أدبيات حقوق الإنسان في الغرب بالحقوق الفردية.

يضيف محمد فائق : ولقد ظهر التباين بيننا وبينهم فيما يعتقدون وظهر أيضا بين المعسكرين الكبيرين إبان الحرب الباردة، كان المعسكر الغربي يعلي من شأن الحرية الفردية والسياسية والمدنية، بينما كان المعسكر الشيوعي يهتم بدرجة أكبر بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وحقوق المجتمع، وأنا أرى أن حقوق الإنسان لا تتجزأ، وكل من اهتم بجانب دون الآخر وقع في مأزق، فالغرب يواجه الكساد من حين لآخر لأن المحور عنده هو الفرد، كذلك فقد انفجر الشرق الأوربي لأنهم أهملوا الحقوق المدنية والسياسية فانهارت المجتمعات وقد ظل التفاوت في النظرة قائما ياستمرار، فالولايات المتحدة، والتي كانت لها بصمات مبكرة في قضية الاتفاقيات الرئيسية في هذا المجال إلا في عام 1993 والسبب أنها كانت تتحفظ على الحقوق الاقتصادية ،بينما تعهدت الدول الشيوعية بمثل هذه الحقوق ومنها: حق العمل، وحق السكن، وحق التمتع بنصيب عادل من ثروة الوطن.

ويمكن القول إن هناك ثلاثة أجيال لحقوق الإنسان، جيل أول بدأ الفرنسية وينظر لهذه الحقوق من الزاوية السياسية والمدنية، وجيل ثان أضاف الحقوق الاقتصادية، وجيل ثالث أضاف أبعاداً دولية مثل الحق في السلام، والحق في بيئة نظيفة.

السياسة .. وهذه الحقوق

ينتقل الحوار على منطقة أخرى هي منطقة التماس بين حقوق الإنسان والسياسة،أسأله عن حالة الصين مع الولايات المتحدة،أسأله عن توزيع المساعدات أو حجبها طبقا لحالة حقوق الإنسان، أسأله عن موقف الحكومات ابتداء من تخصيص وزراء وتقارير حول حقوق الإنسان وامتدادا لاعتقال نشطاء حقوق الإنسان، أسأل وأسأل ثم أواجه: هل أنتم ضد الحكومات؟

ويجيب محمد فائق مسترسلا:

- نحن نفصل بين السياسة وحقوق الإنسان، صحيح أن البعض يعتبر الاهتمام بشئون افنسان، سياسة، لكننا نعتبر أنفسنا غير مشتغلين بالسياسة، وعلى العكس فغننا ندين استغلال قضية حقوق الإنسان لتحقيق مكاسب سياسة، كذلك فنحن ندين الازدواجية والانتقائية في الأحكام، ندين التفرقة بين إسرائيل ودول عربية جرى اتهامها بخرق حقوق الإنسان، وندين طريقة التعامل مع قضية البوسنة والهرسك.

وحتى يمكن تجنب الازدواجية في الأحكام اقترحنا في مؤتمر أخير بفيينا وجود مفوض سام لحقوق الإنسان، مفوض من جانب الأمم المتحدة تكون عنده المرجعية بعيداً عن الدول العظمى أو الدول المانحة والتي تتبنى سياسات بعينها وتخضع لها قضية حقوق الإنسان كما هو الحال بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، وبالفعل تم إنشاء هذا المنصب،وأظن أنه لتعزيز الاتجاه إلى مقاومة الازدواجية والانتقائية والوصول لمعالجات صحيحة في قضية حقوق الإنسان فإنه لابد من تكتل دولي يحول دون ذلك، فهناك هيمنة أمريكية على الأمم المتحدة ومنظماتها، ولا مفر من مواجهة هذه الهيمنة فالولايات المتحدة مهتمة بحقوق الإنسان، لكنها تستخدمها للضغط السياسي هنا وهناك، مما يفقدها مصداقيتها، ذلك برغم أن لها برامج في مجال حقوق الإنسان، ولديها تقرير سنوىن والكونجرس يناقش حالة حقوق الإنسان في الدول المختلفة وهو يناقش المعونات، وهناك نشاط أهلي واسع في أمريكا حول القضية، برغم ذلك فإن الانتقائية في التعامل تفسد كل ذلك.

  • والعرب?

- بعضهم لم يصدق على الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان بحجة التعارض مع الإسلام، وأظن أن الحجة هنا نوع من المغالطة فأى دولة تستطيع أن تتحفظ على بعض البنود، فإذا كان وضع المرأة مثار جدل فليتم التحفظ عليه، على أي حال فنحن نستعد للاحتفال بمرور خمسين عاما على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان "48-98"، ويشمل البرنامج فيما يشمل مطالبة الدول العربية بالانضمام للاتفاقيات والمواثيق الدولية المنظمة لحقوق الإنسان، أو مطالبتها بتعديل تشريعاتها الداخلية، فالبعض قد وقع على اتفاقيات تنص على حق الإضراب، بينما الإضراب محظور بموجب قوانين محلية.

أيضا، يدخل في برنامجنا محاولة الحصول على اعتراف أكثر بالمنظمة العربية لحقوق الإنسان والجمعيات القطرية التي تعمل في هذا المجال، وبالمناسبة فإن عدد الدول العربية التي تعترف بالمنظمة ثماني دول فقط ومع ذلك فإنه بالمقارنة بعام التأسيس "1983" وما يجرى الآن فقد حدث تقدم حيث أصبح لنا فروع في الدول الثماني،كما أن لنا اتصالات ومعاملات مع كل الحكومات،وقد تقدمت حركة حقوق الإنسان بشكل عام، وإن كانت هناك تراجعات مثلما جرى في قوانين الصحافة والنشر، ومثلما جرى في بعض الانتخابات النيابية بعدة بلدان، وقد بدأت دول عديدة تجربة التعددية الحزبية، ثم خربتها في الممارسة، وفي رايي أن هناك ثلاثة عوامل مؤثرة في حقوق الإنسان، بالإضافة لسلوك الحكومات، وهذه العوامل هي الحروب الأهلية والجماعات التي تعمل خارج القانون فتقتل وتأسر وتسجن أحيانا، بالإضافة للعدوان الخارجي والاحتلال مثلما هو الحال في فلسطين، كل هذه عوامل مؤثرة في حقوق الإنسان، وقد كانت أخطر الانتهاكات في الفترة الماضية ما يمس الحق في الحياة، والحق في الأمان، أيضا كانت هناك الاعتقالات دون محاكمة، وهناك قضية الأسرى، وفي هذا المجال فإن هناك أسرى الكويت الذين تنكر وجودهم العراق، ونحن من جانبنا نطالبها دائما بإجلاء مصيرهم، وأرسانا بعثة تقصي حقائق حول القضية، ومازالت هناك مشاكل.

في نفس الوقت فإن هناك أسرى عراقيين في بلدان عدة، وهناك ترحال قسري من فلسطين والصومال والعراق.

تسألني عما إذا كانت حركة حقوق الإنسان معادية للحكومات بالضرورة،أقول إننا ضد الانتهاكات ولسنا ضد الحكومات، بمعنى أننا ضد انتهاكات ترتكبها حكومة أو ترتكبها جماعة غير حكومية أو قوى خارجية، وبطبيعة الحال فإن هناك تجاذبا يحدث من بعض الحكومات فتهتم بما نثير من قضايا،وقد تستجيب للشكاوى المقدمة من أفراد أو جهات وتحققها المنظمة، وقد يحدث العكس.

  • أعود فأسأل عن حال الإنسان العربي، عن تفاصيل أكثر، فيقول محمد فائق:

- يمكننا أن ننافس ذلك على ثلاثة مستويات:
مستوى التطور الدستورى والقانوني، ومستوى الحقوق الأساسية، ومستوى الحريات الأساسية.

على المستوى الأول فقد شهد عام 1996 تعديلات دستورية مهمة في بلدين من البلدان العربية وهما:
المغرب والجزائر، وصدر تعديل إجرائي في الإمارات، وصدر دستور لأول مرة في سلطنة عمان تحت اسم " النظام الساسي للدولة".

وفي مجال القوانين حدثت في كل من لبنان ومصر تطورات قانونية مهمة تتعلق بحرية الرأى والتعبير، وشهدت لبنان واليمن تشريعات مماثلة في مجال مباشرة الحقوق السياسية، ووسعت كل من البحرين والأردن، من صلاحيات محاكم أمن الدولة ، كان التطور في مصر إيجابيا، حيث ألغي التشريع الجديد قيودا تم وضعها على الصحف وخفف جزاءات مقررة على جرائم النشر وألغي الحبس الاحتياطي للصحفي.

هذا عن المجال الأول، الدستور والقانون، فإذا انتقلنا لأرض الواقع وناقشنا الحقوق الأساسية مثل الحق في الحياة، والحق في الحرية والأمان الشخصي، وطريقة معاملة السجناء والمحتجزين فإننا نجد الكثير من السلبيات، لقد استمرت النزاعات الداخلية المسلحة في ثلاثة بدان عربية هي السودان والعراق والصومال، وافضى ذلك لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، خسائر في الأرواح بالآلاف، وقصف عشوائي للمدنيين، وإعدام خارج القانون وقتل للأسرى وتخريب للمنشآت، وشملت الاتهامات جميع الأطراف المتحاربة والقوى المتحالفة معها وصاحب ذلك خروج عشرات الآلاف من اللاجئين وتهددت وحدة الأراضي في البلدان الثلاثة. وفي إطار حق الحياة جاءت انتهاكات إسرائيل أو غدوانها على جنوب لبنان ، والتفاصيل معروفة. أيضا وفي مجال الحقوق الأساسية تأتي انتهاكات تمس الحق في الحرية والأمان الشخصي، والحق في المحاكمة القانونية، ومعاملة السجناء والمحتجزين، وكل ذلك شائعن بل إن الانتهاكات قد وصلت لأن تكون المحاكمات بأكملها سرية والدفاع غائبا، ففي بعض البلدان جرت محاكمات وفق قوانين تم سنها بعد وقوع الجرم والقبض على المتهمين، وكانها قوانين خاصة بهذه الأفعال وبعد أن تمت ، وهو ما يخالف أي قاعدة دستورية، وقد سجل تقرير المنظمة عن عام (96) توثيقا لعشرين حالة وفاة أمكن حصرها لأشخاص قيد الاحتجاز بشبهة التعذيب في ست بلدان عربية، وكانت الوفاة بعد الاحتجاز بوقت قصير، كما كان التبرير الأمني، : الانتحار أو تعاطي المخدرات أة الأزمات الصحية، ولم تكن هذه التقارير صادقة ، ما لم تعن السلطات، في أغلب الأحيان، بالنحقيق في هذه الوقائع.

كل ذلك يستدعي أن نثير قضية الإشراف القضائي على السجون، وتحسين أجواء هذه السجون.

حرية أن تتكلم

يمتد الحديث لنوع آخر من الانتهاكات، ونوع آخر من الحقوق، مثل : حق الرأى والتعبير، حرية التنظيم، حق المواطن في المشاركة، ويقول الأستاذ محمد فائق:

- لقد استمرت عدة بلدان عربية تعاني من تقييد صارم لحرية الرأى والتعبير ، فالمعارضة فيها محظورة، والاحتجاج أو التجمع السلمي ممنوعان، والسجن ينتظر من يخالف، أيضا هناك البلدان التي تسمح بحرية الرأى، لكن هذه الحرية بين وجزر. كذلك فقد استمر حظر العمل الحزبي في بعض البلدان، إضافة إلى تقييد حركة التنظيم النقابي والحق في تشكيل الجمعيات برغم الاعتراف بهذا الحق. وبطبيعة الحال فإن أحوال حقوق الإنسان في فلسطين المحتلة بالغة السوء، ويكفي أن نسجل ما وافقت عليه محكمة العدل العليا الإسرائيلية لجهاز الأمن الداخلي " الشين بيت" وهو أن يستخدم الضغط البدني العنيف!

أسأل: هل يمكن ان نعتبر حركة حقوق الإنسان وقد تحقق لها الانتشار الواسع، كما تحققت لها مساندة دولية كبيرة، هل يمكن أن نعتبرها نهاية عصر من المظالم واضطهاد الإنسان ؟ هل نحن، وبفضل هذه الجهود وغيرها، أمام عصر جديد تتحقق فيه حرية الإنسان، وآدميته، حقه في حياة آمنة وحقه في عمل ومسكن ومدرسة وزجاجة دواء؟ اعلم أن حقوق الإنسان قد تطزرت لتشمل ذلك كله، فهل تشهد البشرية انقلابا؟

ويجيب؟

- التطور سريع، وثورة المعلومات جعلت المعرفة متاحة للجميع، ودخول حقوق الإنسان القانون الدولي جعل أي انتهاك قضية دولية وليس مجرد شأن داخلى، وإذا كانت قضية الديمقراطية غامضة وقد يختلف مفهومها من مكان لآخر ، فإن قضية حقوق الإنسان محددة، فنحن نقول: يحاكم الإنسان محاكمة عادلة وامام قاضية الطبيعي والمحاكمة علنية. هذا على سبيل المثال،وكلها قضايا محددة لا خلاف عليها، وغذا تم احترامها تحققت الديمقراطية أيضا، أي أن العالم يكون قد انتقل بالفعل إلي مرحلة جديدة، وذلك مع اعترافي بالتفاوت في مستوى التقدم، وفي تباين الرؤي ، فالمرأة في بعض بلادنا تطالب بالحق في قيادة سيارة، بينما تتولي، في بلدان أخري، رئاسة الجمهورية، ونظرتنا للمرأة والطفل والعلاقة الأسرية عندنا تختلف عن نظرة الغرب، فقضية العنف ضد المرأة قضية أساسية في الغرب لكنها لا تأخذ نفس الاهتمام عندنا، والطفل في بعض البلدان يدير قرص التليفون ليطلب الشرطة إذا أحس بمعاملة سيئة من أهله، وهكذا تختلف الثقافات والمفاهيم، لذا فإننا نرى أن جزاءاً من مهمتنا كمنظمة عربية أن ننشر مفاهيم حقوق الإنسان، أن نقيم المعاهد التي تعني بها، وأن نجعلها مادة دراسية في الكليات المعنية ككليات الشرطة أو القانون، ذلك بالإضافة لعلمنا الأساسي في تلقي الشكاوى والدفاع عن حقوق الإنسان، واستخدام سلاح النشر لإحاطة الرأى العام بما يجرى وكل ذلك بتمويل من الاشتراكات والأصدقاء فنحن لا نحصل علي أي تمويل أجنبي.

قبل الختام، كان لابد أن أتوقف أمام ذلك المزيج بين تاريخ الرجل وتاريخ القضية، فقد كان سياسيا بارزا في ثورة يوليو وإلي جوار عبدالناصر، وكان سجينا في عهد السادات، وانتقل من الدائرة المصرية والإفريقية إلي الدائرة العربية، فكيف ينظر للوراء الآن؟ ما هو تقييمه؟ وهل يعطي ثورة يوليو،بكل ما توجه لها من اتهامات شهادة براءة أم شهادة إدانة؟

يقول الأستاذ محمد فائق:

- هناك عدة جوانب لثورة يوليو، فقد أدخلت جانبا من الحقوق كان غائبا، أعني الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أنهت الاستعمار لتحقق حرية الشعب في مواجهة المستعمر، أدخلت قضية العدل الاجتماعي، ولكن- مع الأسف- فقد اهتمت بذلك علي حساب الحقوق السياسية والمدنية! اهتمت بالمشاركة، لكنها وهي تحاول إحداث تغيير اجتماعي واسع لجأت لنظام الحزب الواحد " الاتحاد الاشتراكي" وقد ثبت بعد ذلك أن هذه الفكرة تتنافي مع الديمقراطية ، فالتعددية السياسية ضرورة .

تسألني عن تجربتي بين الوزارة والسجن من زاوية حقوق الإنسان ،أقول :إن الحرية شيء ثمين والسجن بسبب الرأى انتهاك لحق أساسي من حقوق الإنسان والنظام الذي يسجن وزيرا لأنه قدم استقالته يستحق وقفة للتقييم ، و علي أي حال فقد أصبح كل ذلك .. تاريخا .

تنتهي كلمات محمد فائق، لكن قضية حقوق الإنسان والحوار حولها، والاعتراف بها عربيا ، كل ذلك لن ينتهي اليوم أو غدا ، ربما بعد غد.

 



 
  




محمد فائق





محمود المراغي