مساحة ود

مساحة ود

شبح مفتش الجوازات

نبت لحم طفولتي على أنشودة مُدرس اللغة العربية وهو يلوح بعصاه حتى نحفظ «بلاد العُرب أوطاني» في تلك الفصول الإسمنتية المكعبة الشبيهة بالأفران في صيفنا الخليجي الضاري. ولطالما حلمت بالسفر إلى أرجاء الوطن العربي الكبير ، لشدة وقوة الشوق الذي زرعته فيَّ تلك الأنشودة المستيقظة بفتنتها في تجاويف ذاكرتي حيث استمر بي الحلم.كبرت وعندما أخذني أبي «يرحمه الله» إلى أحد البلدان العربية صُدمت عند رؤيتي لمفتش الجوازات وهو يهجم على حقائبنا المصلوبة في هجير الشمس مثلنا وقد أطلق يديه يبعثر محتويات أكثر من خمسين راكباً، حتى ملابس النساء الداخلية تعرت في شمس ذاك اليوم واندلقت من بطون الحقائب من أجل التقيد بحرفية الإجراءات الحدودية وأصول الضيافة العربية!

كرهت بعدها السفر بالحافلة والانتقال ما بين الحدود ونقاط التفتيش التي تخضع لأمزجة العساكر وتقلبات الطقس!

ولكن صدى «بلاد العرب أوطاني» لم يتزعزع في داخلي. وأصبحتُ قادراً على السفر وحدي ، تلقيت دعوةً من رابطة أدباء الكويت في شهر ديسمبر 2008م ، حيث شعرت حينها بالغبطة لزيارة إخواني، ولكن.. لحظة التحام إطارات الطائرة بمدرج المطار، أول شيء هجسته بداخلي هو شبح مفتش الجوازات، اعتقدته منسوخاً بهيئةٍ متعجرفةٍ يستقبل إخوانه في العروبة بالنظرات الفاحصة والمتشككة، تجده بنفس الملامح في كل المنافذ الحدودية العربية!

لله الحمد، استقبلني وجه دافئ وبشوش لأنثى كويتية عربية، وجه جميل القسمات بخطوط ماكياج خفيفة وناعمة وسؤال سريع بلهجة حضارية أنيقة، «أول مرة تزور الكويت»؟

نعم .. إنها المرة الأولى، أُعطيت جواز سفري وقلبي يرقص طرباً، أحسست بأن الكويت كلها تجسدت في حنان وترحيب ذلك الوجه حيث يجب أن تتعلم منه منافذ الحدود العربية، خصوصاً ونحن في خطابنا الوحدوي للعمل العربي المشترك نشدد على أهمية التبادل البيني للسياحة العربية العربية، إذن علينا أن نؤهل الكوادر الأمنية العاملة على الحدود ونعلمها أنه لا فائدة من تجهم الوجه وتفتيش الوجوه العربية الزائرة بخوف، في زمنٍ أصبح فيه السائح الأجنبي مرحباً به وبدولاراته والعربي يُحسب له ألف حساب، حتى لو كان عند شاطئ البحر وهو يلتقط الصور يُتهم بانتهاك المناطق الأمنية المحظورة «كما حصل مع كاتب هذه السطور» في بلد عربي آخر يجيد الترحيب بإخوانه العرب ويستقبلهم كما يجب!
--------------------------------
* قاص وصحفي من مملكة البحرين.

 

 

أحمد المؤذن