إلى أن نلتقي

 إلى أن نلتقي

ذكرى شرلوك هولمز

يحق للبريطانيين أن يفخروا بشرلوك هولمز، ويحتفلوا بالذكرى الـ 150 لمولده التي حلت في شهر مايو الماضي. تلك الشخصية الخيالية لمحقق من أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وقد ابتكرها الكاتب والطبيب الأسكتلندي سير آرثر كونان دويل، وظهرت لأول مرة عام 1878 وأصبح بعد ذلك أشهر محقق في العالم، وبلغت عدد القصص التي كتبت عنه ستاً وخمسين قصة قصيرة قام بروايتها جميعا الدكتور واطسون الشهير، وهو القناع الذي كان يتخفى تحته المؤلف، وقد أعطى للراوي نفس مهنته.

ويعد شرلوك هولمز صفحة ناصعة البياض في تاريخ الأدب البريطاني، ومن الصعب أن يكون هناك سبب وحيد ومقنع لبقائه حيا وخالداً في نظر كل هذا العدد من القراء حول العالم، فالبعض يعتقد أنه شخصية حقيقية، والبعض مازال موقنا أنه مازال على قيد الحياة، ومازالت هناك الآلاف من الرسائل تنهال في كل عام على العنوان الوهمي لذلك المحقق الخاص وهو 10 شارع بيكر، الأمر الذي دفع البوليس البريطاني إلى تخصيص من يقوم بفحص هذه الرسائل لعل فيها خيوطاً أو أدلة تؤدي إلى حل القضايا الغامضة، أو تمنع وقوع جرائم جديدة، وتشبه أعمال شرلوك هولمز مسرحية هملت لشكسبير في بعض أوجهها رغم عدم عدم اكتراث مؤلف هولمز بالشخصيات النسائية، فهملت منذ البداية يبحث عن قاتل أبيه، وهو يحاول أن يجد الأدلة المادية بالطريقة نفسها التي يعمل بها هولمز، ولكن مشكلة هملت الحقيقية كانت شدة دهاء الذين يحيطون به، الأمر الذي أثار انفعاله وأثر في شخصيته إضافة إلى شغفه بالهروب إلى شطحات الخيال، مما دفع به إلى الجنون ولم يعد ملائما له العمل مخبراً سرياً، وقد وصف شرلوك هولمز نفسه بأنه محقق استشاري، يتم استدعاؤه لحل القضايا صعبة الحل على المحققين الرسميين (النمطيين). وفي العديد من المناسبات استطاع حل القضايا من دون مُغادرة بيته مستخدماً قواه الاستثنائية في المراقبة والتحليل المنطقي، يوصف هولمز في رواياته بأنه سيد إنجليزي من الطراز الفيكتوري، طويل ورشيق، له عينان حادتان دقيقتان، وأنف معقوف. وبالرغم من قامته النحيلة، فإن قدراته البدنية عالية. هو ملاكم ومبارز ماهر، وعادة ما يتغلب على خصومه في المرات القليلة نسبياً التي اضطر فيها للاشتباك جسدياً.

وقد درس مؤلف شخصية هولمز آرثر كونان دويل الطب في جامعة أدنبرغ - بأسكتلندا، وتأثر بالتفكير المنطقي لأستاذه البروفيسور جوزيف بل، واقتبس ملامح شخصيته وحورها لتصبح ذلك المخبر السري الشهير، وكانت أول قصة يخطها هي «الغرفة ذات اللون القرمزي»، ودويل يعد مزيجاً من عدة شخصيات، فهو مهتم بالرياضيات، وصائد حيتان، ومراسل حربي في حرب الزولو في جنوب إفريقيا في 1979، وحرب البوير الأولى بين المستعمرين البيض والبريطانيين، بل إنه أنقذ رجلين من حبل المشنقة عندما أثبت براءتهما باستخدام الأساليب نفسها التي يتبعها في رواياته.

ومن الخدمات الجليلة التي قدمها لحكومة صاحبة الجلالة، أنه لعب دورا مهما في إنشاء دائرة المخابرات البريطانية المعروفة بـ «إم 16»، كما أسهم في بناء مستشفى ميداني في جنوب إفريقيا، عندما كان يعمل هناك مراسلاً حربياً، مما جعل الملكة فيكتوريا تُنعم عليه بلقب «سير».

 

 

علي سيد أحمد