ممارسات خاطئة في طب الأطفال

ممارسات خاطئة في طب الأطفال

في الممارسات الطبية الشائعة بعض الأساليب الجديرة بالمراجعة والتصويب لشدة خطورتها خاصة على الأطفال.

لنبدأ بالكي من أكثر وأسوأ العادات التي نشاهدها في عياداتنا ـ خاصة في المجتمع الخليجي ـ وهي عادة قديمة يلجأ إليها الكثير من المرضى ولأتفه الأسباب, ظنا منهم بأنهم سوف يتخلصون من مرضهم إلى الأبد من خلال تلك الإفرازات التي تخرج من مكان الكي أو لاعتقادهم الجازم بأن النار تداوي كل داء وتشفي كل علة.

وكم من طفل برئ جميل شوه جسده بعشرات من الحروق والبثور والنتوءات التي تركها الكي على أجسادهم, حتى أن بعض هذه الحروق قد تترك ندبات تدوم مدى العمر إذا كانت عميقة, وكم من طفل قضى نحبه بسبب الالتهابات التي أصابت مكان الكي وأحدثت تجرثماً في الدم كان سبباً في القضاء على الطفل.

وقد ثبت أن عملية الكي قد تتسبب في إحداث الآم شديدة قد تؤدي إلى توقف القلب, أضف إلى ذلك أن هذه الممارسة تأخر مراجعة المريض للطبيب لاعتقاد ذويه بأن هذا الإجراء سوف يخفف من معاناته ويشفي علته.

التمليح:

كثيرات هن الأمهات اللاتي يلجأن إلى دلك أجسام أطفالهن المولودين حديثاً بملح الطعام وتركه دون حمام لعدة أيام اعتقادا منهن بأن هذا الملح يكسب جلد الطفل قوة وجمالاً ويمنع عنه الالتهابات. ولهذه العادة خطر كبير على الطفل حيث يمتص الملح من خلال شبكة الأوعية الدموية الغزيرة في جلد الطفل إلى الدوران العام مما يؤدي إلى ارتفاع مستوى الصوديوم في الدم وإحداث نزف دماغي قد يودي بحياة الطفل أو يؤدي إلى تشجنات عصبية شديدة قد تفضي إلى تأخره عقلياً وجسمياً مدى الحياة.

إذن لا فائدة من هذا الإجراء بل يجب إجراء حمام للطفل المولود كل 2ـ 3 أيام حسب الفصل الذي يولد فيه الطفل ولا مانع من إضافة الشامبو الطبي لماء الحمام ليعمل على تنظيف جلده ووقايته من الجراثيم.

الكحل:

حالما يولد الطفل وتبصر عيناه النور تكتحل عينا والديه برؤيته, وتكتحل عينا المولود بصبغة سوداء حالكة السواء تصبغ عيني الطفل وما فوقهما وما تحتهما كما أن السرة تنال نصيبها أيضاً من هذه المادة (التي تدعى كيماويا بكبريتات الإثمد أو الرصاص) حيث يعتقد الكثيرون أنها تمنع التهاب السرة وتسرع في سقوطها.

ومن المؤكد علمياً أنه ليس لهذه العادة أية فائدة ترجى بل على العكس فإن ضررها أكيد حيث يمكن لمادة كبريتات الرصاص أن تمتص إلى الدم من خلال السرة وتحدث تسمماً قد يؤذي الجهاز العصبي للطفل ويؤثر على نموه العصبي والجسمي طوال حياته, كذلك فإنها تحدث فقر دم مزمنا يصعب علاجه بالأدوية المعتادة لعلاج فقر الدم, وعوضاً عن ذلك يمكن للأم أن تقوم بتنظيف السرة بقطع من الكحول 70%.

(عادة ما تكون جاهزة في الصيدليات) 2 ـ 3 مرات يوميا وتترك مفتوحة للهواءبعيدة عن البوال والبراز, ويجب تجنب وضع أي مراهم على السرة لأنها تمنع وصول الأوكسوجين إلى السرة وقد تسبب حدوث كزاز الوليد (الذي تنمو جراثيمه في وسط لاهوائي).

من الناحية العملية لا أدري إن كانت هناك أنواع من الكحل عند العطارين أم إنه نوع واحد هو ما أشار إليه عليه الصلاة والسلام؟, فاذا كان الحل الموجود في الأسواق هو الذي عناه الرسول الكريم فلا مانع من استعماله بعد أن يستوفي الشروط الصحية من تحضيره وتعقيمه وتعقيم الأداة التي يستعمل فيها الكحل في العين وأن يستعمل في منتهى الهدوء والحذر, أما إذا كان غير ذلك فلا ننصح باستعماله وعوضاً عن ذلك يمكن استعمال بعض القطرات العينية (المضادة للالتهاب التي يصفها الطبيب عادة للمولودين حديثاً وقاية لهم من التهاب العينين الذي يكثر حدوثه بعد الولادة).

القماط (رباط الطفل):

مظهر نواجهه يومياً في عياداتنا حيث يدخل الوالدان العيادة دون الطفل وعندما نسألهم أين المريض تمد الأم يدها إلى عبائتها لتخرج منها ما يشبه المومياء, كيس أبيض صغير ملفوف بإحكام ومثبت بدبوس وبرباط قد يطول متراً أو مترين ويلف الطفل مرة أو مرتين, حيث يخيل إلى من ينظر إليه كأنه ينظر إلى مومياء صغيرة بيضاء برأس حي متحرك, وإذا ما سألت الوالدين عن سبب هذا الرباط أجاباك بأنه يشد جسم الطفل ويمنع الخلع والملخ كما يسمونه, وما أن يفك الطفل حتى يبدأ بالتمطط والتثاؤب كأنه سجين ربطت قدماه ويداه طويلاً ثم فك قيده فارتاح.

ما ذنب هذا المسكين الصغير الذي أمضى في بطن أمه تسعة أشهر وهو مضغوط على نفسه? أما آن له أن يرتاح خارج بطن أمه?, هذا ما يحدث عملياً أما طبيا فليس لهذه العادة السيئة أية فائدة ترجى, بل على العكس فإنها تعيق تنفس الطفل وقد تسبب له خلع ورك (إذا كان أنثى) مما يضطرنا إلى وضع جبس وإجراء جراحات نحن في غنى عنها.

أضف إلى ذلك أن مثل هذا اللف قد يرفع حرارة الطفل ويسبب له طفحا جلديا معمما لأن جهاز التعرق عند المولود يكون غير مكتمل عند ولادته.

ويندرج تحت هذه العادة السيئة عادة أخرى لا تقل عنها سوءاً ألا وهي ربط سرة الطفل بقطعة معدنية إذا كان هناك فتق سري (بروز في السرة) ودون قطع معدنية إذا لم يكن هناك فتق سري, حيث تقوم الأم بلف رباط طويل حول بطن الطفل وظهره مرورا بالسرة اعتقاداً منها بأن ذلك يقوي ظهر الطفل ويمنع فتق السرة, وهذا أيضاً اعتقاد خاطىء ينطوي على خطر التأثير على الحركات التنفسية التي يستعين فيها المولود حديثا بعضلات بطنه أكثر من عضلات صدره.

أما الفتق السري فغالباً ما يزول تلقائياً خلال السنة الأولى أو الثانية من العمر أما إذا كان كبيراً ولم يزل خلال السنة الثانية فيجب عرض الطفل على طبيب الأطفال أو الجراح ليقرر العمل المناسب, أما الرباط فإنه لا يقدم ولا يؤخر ناهيك عن أن القطعة المعدنية قد تسبب تسحجات وتقرحات في مكانها بسبب الضغط المطبق من قبل الرباط.

المتهم البريء

لعل وصف الأسنان كمتهم برىء ينطبق تماما على الواقع, فكل ما يصيب الطفل في مرحلة التسنين سببه الأسنان فاذا ما ارتفعت حرارته قلنا الأسنان? وإذا ما أصيب بالإسهال أو الإقياء قلنا الأسنان? وإذا فقدت شهية الطفل وتوقف نموه قلنا إن الأسنان هي المشكلة? وكم من طفل قضي على مستقبله أو أصيب بتأخر في النمو بسبب التأخر في مراجعة الطبيب ومازلت أذكر تلك الحالة التي جاء بها الأهل بطفلهم مصابا بإسهالات مائية شديدة وإقياءات منذ عدة أيام مما أدى إلى حدوث الجفاف والفشل الكلوي, ولما سألت الأهل عن سبب تأخرهم في مراجعة الطبيب قالوا إنهم كانوا يعتقدون أن الأسنان هي السبب.

والآن ما هي عملية التسنين? وهل تسبب حقا كل هذه المشاكل?

ـ التسنين ظاهرة طبيعية يمر بها كل طفل, ولا تخلو من بعض المشاكل البسيطة ـ أكرر وأقول البسيطة ـ إذ لا يمكن أبداً للأسنان أن تسبب مشاكل خطيرة أو تهدد حياة الطفل, ومن المعروف طبياً أن عملية التسنين قد تترافق ببعض الظواهر البسيطة مثل:

ـ نقص شهية الطفل.

ـ العصبية والتوتر وقلة النوم.

ـ زيادة في إفراز اللعاب.

ـ البكاء.

ـ ارتفاع بسيط في درجة الحرارة ومن الأعراض الأخرى لعملية التسنين:

ـ احتقان وسيلان بسيط بالأنف.

ـ ليونة خفيفة في البراز مع زيادة بسيطة في عدد مرات التبرز لكن دون إسهال صريح ودون تغير في لون البراز للأخضر أو وجود مخاط أو دم.

إذ إن وجود أي من العلامات السابقة يدل على احتمال وجود التهاب حاد في الأمعاء ويستدعي مراجعة الطبيب.

وبشكل عام أقول إن وجود أي عرض غير ما ذكر من الأعراض التي يسببها بزوغ الأسنان يستدعي مراجعة طبيب الأطفال فوراً ودون تأخير.

هذه بعض المفاهيم والممارسات الخاطئة في طب الأطفال التي نواجهها يوميا, والتي نرجو الله أن نتخلص منها إلى الأبد في أقرب وقت.

 

هيثم القاسم