مساحة ود
مساحة ود
رسالة... !! عشرون سنة مرت ونقضت على تاريخ رسالة وصلتني من فتاة بلادي، وأنا أتيه في غياهب أوربا، وأرتشف رحيقها بتألم وتلذذ وعن سابق إصرار، حتى أهملت إرسال الجواب الذي أعددت، أنفة واستكبارا لأنها اتهمتني في أمانتي، وبينما كانت جوارحي لها لم تعجبها صراحتي، عندما كنت صادقاً معها إلى أن جاءها من قال لها.. إني أغرق... أغرق... أغرق، ولم يعد لفتاتي وجود في حياتي.. وما ألذ ذلك الغرق السادي والضياع السحيق في مراتع تلك الغارة البوهيمية الحسناء. ترى أنى له أن يعلم ....؟؟ كانت فتاتي ولا تزال هي كل حياتي، وسر ضياعي رغم أني ما تعبت أبحث عنها أينما كنت وحيثما حللت، حتى إذا ما التقيت شبهاً لها غرقت في حبها من كل جوارحي، وكنت لها وحدها طالما بقيت في تلك الغابة السوداء التي أقطع على مهل. خمس سنين مرت كالحلم الصغير على تاريخ اغترابي، عدت بعدها مرة واحدة إلى وطني كما وعدتها أن أعود.. ليس في قلبي إلا الوعود، وذكريات الغرق اللذيذ، جوارحي شوق وحنين لها.. ولكل أصالة الشرق وسحره وروعته.. فإذا بها كما تزوجت لتوها كما تفعل العاديات من الفتيات في غفلة من الزمن. بقيت أياماً هناك.. لأغترب مرة أخرى إلى غير رجعة.. عدت إلى ضفاف الراين حيث ينبت الكرم على السفوح الخضر والتلال الندية.. عدت إلى الربوع التي شهدت حكايات غرقي في كل مساء غبر مجراه الخالد مع السنين. أنا هنا منذ بضع سنين، أتيت بإحدى حكايات النهر، تعيش بقربي على مر الدهر وتعطيني امتداد بقائي وسر انتمائي وطول العمر.. وبضة مني اسميتها اسما كاسمها المكتوب بخط يدها على رسالتها التي بقيت يتيمة بلا جواب منذ أواخر الخمسينيات. وفي أواخر التسعينيات بعد أربعين سنة من تاريخ رسالتها تلك، وسبعة وأربعين عاماً من بداية القصة، واعدت نفسي أن أذهب إليها في بلدي البعيد القديم، وألتقيها لقاء الغرباء .. وأعطيها ردي على رسالتها تلك وأ.. وأسألها.. لماذا...؟؟ ترى هل يمهلنا العمر لتحقيق ذلك؟ !!