مجلس التعاون الخليجي (28) عاماً في مواجهة التحديات.. د. سليمان إبراهيم العسكري

مجلس التعاون الخليجي (28) عاماً في مواجهة التحديات.. د. سليمان إبراهيم العسكري

  • التحديات التي استدعت وجود مجلس التعاون ما زالت قائمة بل وازدادت حدة عن ذي قبل
  • إنشاء السوق الخليجية المشتركة هو الهدف الرئيسي ولكن الوصول إليه يحتاج إلى عمل جاد
  • مطلوب للمجلس.. مراجعة للذات وخطوط مواصلات مفتوحة ومشاركة شعبية ورقابية

بالرغم من الصعوبات والتناقضات الداخلية والضغوط الخارجية التي تمارس ضده، فقد نجح مجلس التعاون لدول الخليج العربية في الاستمرار منذ أن أعلن عن قيامه في الخامس والعشرين من عام 1981 أي منذ 28 عاما على وجه التحديد. إن تاريخ العرب المعاصر حافل بالعديد من التجارب الوحدوية الفاشلة، بعض هذه التجارب مات فور ولادته، والبعض الآخر لم يحمل إلا شعاراً براقا لم يستطع أن يحقق إنجازاً على أرض الواقع، ويمكننا أن نذكر العديد من هذه التجارب دون حاجة لحصرها، بداية من تجربة الجامعة العربية التي أصبحت أشبه بساحة للصراع العربي العربي أكثر منها مكانا لتجمعه، إلى تجربة الوحدة القصيرة العمر بين مصر وسورية، مرورا بالاتحاد المغاربي الذي ما زال شعاراً بالرغم من تحول بعض زعمائه للبحث عن نجاح أفريقي يعوضون به فشلهم العربي، لم تنج من عوامل التفتت والانفصال حتى الآن إلا تجربة الوحدة اليمنية التي ما زالت صامدة رغم ما تعانيه من مخاض، وتجربة مجلس التعاون الخليجي التي يوجه إليها البعض العديد من الانتقادات أقلها أنه حي وموجود حقاً، ولكنه يسير بسرعة السلحفاة.

إن مجلس التعاون ليس بذاك البطء العاجز ولا قليل الإنجازات كما يتصور المتعجلون، ولكنه ربما يتحسس مواقع أقدامه على أرض الواقع أكثر مما ينبغي، فبالرغم من فكرته النبيلة والسامية فإنه ولد في ظروف سياسية وإقليمية بالغة الصعوبة، وسط منطقة عربية شاسعة مهددة بعوامل التفتت والتشرذم، تترصدها القوى الخارجية، وتحاول اقتطاع أجزاء منها، لم يكن المجلس تجمعا للنخبة الغنية من العالم العربي كما اشيع وقتها في بعض الأدبيات السياسية، ولكنه ولد استجابة طبيعية للتحديات التي كانت تواجه أبناء منطقة الخليج في ذلك الوقت.

تحديات رئيسية

ويمكننا أن نجمل الأسباب التي استدعت قيام مجلس التعاون إلى ثلاثة تحديات رئيسية كبرى:

أولا - التحدي الأمني: كان قيام مجلس التعاون محاولة للبحث عن الأمان وسط منطقة مشتعلة بنار الحرب، فقد أوشكت نيران الحرب بين العراق وإيران والتي كانت تدخل عامها الثاني أن تمتد إلى حدود بقية دول الخليج، وخاصة الكويت، وكانت التهديدات الإيرانية بتوسيع مدى الحرب أو ضرب منابع النفط لا تتوقف، وبدأت ناقلات النفط تحترق في مياه الخليج بشكل متكرر، وقامت إسرائيل بشن غارة مفاجئة، دمرت فيها المفاعل النووي العراقي الذي كان لايزال تحت الإنشاء، بينما كانت فرق الاغتيال تستعد لقتل الرئيس المصري أنور السادات وهو يحتفل بذكرى انتصاره في حرب أكتوبر.

وسط هذا الجو السياسي المضطرب، كان لابد لدول الخليج العربي أن تبحث عن غطاء تحتمي خلفه، خاصة بعد أن رحلت القوى العسكرية الكبرى من المنطقة مع بداية السبعينيات، ولم يكن أمامها إلا أن تعتمد على نفسها، وتستمد قوتها الذاتية من تجمعها وتوحيد جهودها.

ومما لا شك فيه أن قيام مجلس التعاون كان خطوة موفقة، فبعد مرور كل هذه السنوات، مازال الهاجس الأمني قائما وموجودا، ولايزال الوضع الذي يحيط بدول الخليج مضطربا كما كان في بداية الثمانينيات، فالعراق لم يستقر بعد ومازالت نزاعاته الداخلية تعصف بأمنه وأمن من حوله، وإيران تحتل الجزر الإماراتية رغما عن إرادة أهلها، وتواصل برنامجها النووي وهي ترد على التهديدات الغربية بتهديدات أكثر عنفا، وهو ما يعني شمول دول الخليج، كما ان الدول التي تحيط بمنطقة الخليج من قريب او بعيد قد ازدادت قوة وتوحشا بعد أن أصبحت مدججة بالسلاح النووي، فالمشكلة ليست في إيران وحدها، التي مازال برنامجها النووي في أوله، ولكن في إسرائيل العدو الواضح والمؤكد الذي يملك عددا من القنابل النووية لا يكف عن التلويح بها، وكذلك الأصدقاء الذين يقعون على مرمي البصر مثل الهند وباكستان، اللتين يوجد الآلاف من رعاياهما على أرض الخليج، ويزيد من حدة هذا التحدي الأمني ظهور الإرهاب الدولي كقوى عابرة للحدود، تتطلب وسائل جديدة ومتطورة من أساليب الحماية على كل الدول بما فيها دول المنطقة الأخذ بها.

ثانيا - التحدي الاقتصادي: شهدت بداية الثمانينيات انهيارا حادا لأسعار النفط، وهو المورد المالي الرئيسي لكل دول الخليج، ولم يكن من المجدي ان تحاول كل دولة الخروج بمفردها من هذه الأزمة، وقد اكتشفت دول الخليج العربية جميعها أنها في حاجة إلى كيان اكبر تشعر في داخله بالأمان، ومع فشل كل مشاريع الوحدة العربية الكبرى لم يكن أمام هذه الدول إلا أن تلملم شملها وتعيد تنظيم خرائطها الجغرافية والاقتصادية وفق ما هو متاح، فالمساحة الإجمالية لكل دول مجلس التعاون هي 2673 ألف كيلو متر مربع، والجزء الأكبر في هذه المساحة يعود للمملكة العربية السعودية، اما بقية دول الخليج فهي محكومة برقع صغيرة، داخل حدود مغلقة، ويبلغ عدد السكان 36.2 مليون نسمة، وناتجها المحلي نحو 823 مليار دولار سنويا، ونصيب الفرد من الناتج المحلي 22.8 ألف دولار، (وفق إحصائية رسمية من الأمانة العامة لدول مجلس التعاون لعام 2007) هذه الأرقام إذا قسمت على عدد الدول الست التي تكون مجلس التعاون تبدو ضئيلة للغاية وسط عالم يسعى للتكلات الضخمة، لذلك لم يكن أمام دول الخليج إلا أن تفتح حدودها بعضها على بعض بحثا عن نوع من التكامل الاقتصادي والاجتماعي والأمني بالدرجة الأولى.

ولم يكن انهيار النفط هو التحدي الوحيد في ذلك الوقت، كانت هناك العديد من التحديات والمتغيرات الاقتصادية، وفي مقدمتها اتفاقية الجات التي كانت تفرض ظلها على العالم وتهدد الدول الصغرى بالرفع التام للحواجز الجمركية، ولا تمنح مزايا الإعفاءات الجمركية والضريبية إلا للكتل الاقتصادية الكبرى، ومازالت هذه التحديات قائمة، وزاد من وطأتها تلك الازمة العالمية التي تهدد بتباطؤ الاقتصاد والمزيد من التدهور في اسعار النفط.

ثالثا - التحدي الثقافي: وجدت دول الخليج نفسها في أشد الحاجة للدفاع عن هويتها الثقافية، فهي جميعا تعتنق الدين الإسلامي، وتنتمي للأمة العربية وتنطق بلسانها، ومع ذلك فهي محاطة بكم هائل من الهويات المختلطة والمتنوعة تشاركها نفس الارض، وتعيش على نفس التراب، وعلى الدائرة الأوسع كانت قوى العولمة تفرض وجودها، وتهدد الكيانات الصغرى بمحو تراثها وتهميش ثقافتها، وكان التحدي المفروض على دول الخليج العربية أن تؤكد حضورها وتعزز هويتها من خلال تجمعها معا.

التحديات التي استدعت قيام مجلس التعاون مازالت قائمة، بل وازدادت حدة عن ذي قبل، ويؤكد هذا على ضرورة وجود المجلس وأهميته، فلا يستطيع أحد أن ينسى الدور الذي قام به المجلس في مواجهة الغزو الغاشم الذي قام به النظام العراقي السابق ضد الكويت، وكان للموقف الصلب لدول هذا المجلس دور حاسم في صيانة حق الكويت والحفاظ على شرعيتها وتقديم الدعم لها حتى لحظة التحرير، كما حافظ المجلس على تماسك دول الخليج العربي وتعاونها فيما بينها في ظل حالة التشرذم والتفتت التي عصفت بالعالم العربي في السنوات الأخيرة.

إنجازات أم إخفاقات؟

ولكن ما هي حصيلة إنجازات المجلس طوال هذه المدة التي تزيد على ربع قرن بثلاث سنوات؟ وهل استطاع أن يحقق بعضا من الآمال المعقودة عليه؟

لاشك أن الانتقادات تحاصر مسيرة مجلس التعاون رغم شعور الجميع بضرورة وجوده، يقول البعض إن مسيرته كانت بطيئة أكثر مما ينبغي، وإن كل ما يتخذه من قرارات لا يدخل حيز التنفيذ منها إلا اقل القليل، ويرى البعض الآخر، ان الإخفاقات كانت أكثر من الإنجازات، وأن سقف المجلس كان منخفضا إلى حد كبير عن مستوى طموحات شعوبه، وتعليل ذلك أنه وبالرغم من كل النوايا الحسنة بين دول الخليج فإن هناك الكثير من التناقضات الكامنة تحت التراب، وهي التي تمنع المجلس من السير بالسرعة المطلوبة.

والتقرير السنوي الذي أصدره المجلس بمناسبة انعقاد دورته التاسعة والعشرين في ديسمبر الماضي لايرقى للطموح والآمال المعقودة عليه، فهو يستعرض حصيلة هذه الإنجازات بشكل طويل وتفصيلي إلا ان القراءة المتمعنة لا تخرج بنتائج كبيرة، فهو مليء بالقرارات التي لم تدخل حيز التفيذ، والمشاريع البراقة التي تنتظر لحظة البدء، الشيء الأكثر إيجابية في هذا التقرير هو محاولة توسيع رقعة الحوار والمشاركة الشعبية عن طريق إنشاء الهيئة الاستشارية للمجلس الاعلى للتعاون، وقد تكونت هذه الهيئة بناء على اقتراح تقدمت به دولة الكويت في القمة التي انعقدت على أرضها عام 1997، وهي هيئة عالية المستوى تضم ثلاثين من المستشارين، خمسة من كل دولة، تكون مهمتها تقديم الرؤى والدراسات، وتهدف إلى إيجاد عدد من الحلول، في القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تدخل في صميم اختصاصات المجلس، وقد تصدت هذه الهيئة الاستشارية لعدد من القضايا المهمة مثل توظيف القوى العاملة المواطنة وتيسير انتقالها، وبناء القدرات العلمية والتقنية لدول المجلس، وإصلاح التعليم وتوحيد المناهج والتأكيد على أهمية دور المرأة في الاقتصاد، والبيئة والطاقة، وغير ذلك من القضايا التي أضفت نوعا من الحيوية على عمل المجلس وجعلته أكثر ارتباطا بنبض الشارع الخليجي.

وعلى المستوى العسكري يقدم التقرير صورة للتعاون في هذا المجال منذ إنشاء قوة درع الجزيرة وتوقيع اتفاقية الدفاع المشترك في عام 2000 وإقرار عدد من المشاريع العسكرية المشتركة، مثل مشروع حزام التعاون الذي يهدف إلى ربط عمليات ودفاعات القوى الجوية آليا بين كل دول المجلس، وكذلك تأمين الاتصالات وخلق شبكة مُؤمّنة تصل بين جيوش هذه الدول، وكذلك وضع خطط للقيام بمناورات مشتركة بين كل القوات المشاركة في درع الجزيرة.

وعلى المستوى الأمني، أقر المجلس مشروع تطوير وتحديث الإستراتيجية الأمنية الشاملة التي تهدف إلى حماية الحدود، ورفع كفاءة الأجهزة الامنية، ومكافحة الإرهاب والتطرف، وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي في مجال مكافحة الجريمة، ويعد توقيع هذه الاتفاقية إنجازاً لافتاً، وتبقى مهمة تفعيل بنودها بأسرع وقت لمواجهة خطر الجريمة المنظمة، والتيارات الإرهابية التي تتصاعد وتيرتها في كل يوم.

وعلى المستوى الاقتصادي فمازال الهدف الأساسي لقيام المجلس قائما وهو إنشاء سوق خليجية مشتركة، ولكن الوصول إلى هذه الغاية يحتاج إلى كثير من الإجراءات في مختلف الميادين، وعلينا ألا ننسى ان السوق الأوربية قد استغرق الإعداد لها نحو نصف قرن، ولكن كان المأمول أن يتيح التشابه في البني الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لدول الخليج فرصة أكبر وأسرع للاندماج، لقد بدأ العمل بالاتحاد الجمركي بحيث يقوم أول منفذ جمركي في اي دولة خليجية بإجراء المعاينة والتفتيش للسلعة، ثم تنقل بعد ذلك إلى بقية دول المجلس بسهولة وحرية، وتم توحيد التعرفة الجمركية منذ يناير 2003 بحيث تكون 5% لكل الدول، والسماح للبضائع الوطنية المنتجة داخل دول المجلس بالتنقل بحرية، وتطبيق المساواة التامة في المعاملة في ممارسة المهن والحرف والأنشطة الاستثمارية والعقارية، ولكن تبقى القضايا الصعبة وهي تنفيذ البرنامج الزمني للاتحاد النقدي وصولا إلى العملة الخليجية الموحدة.

ضربة مفاجئة

لقد تلقى برنامج توحيد العملة ضربة قوية قبل أيام قليلة من حلول الذكرى الثامنة والعشرين لولادة المجلس، عندما أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة انسحابها من اتفاقية الوحدة النقدية الخليجية، وأصبحت بذلك الدولة الثانية بعد انسحاب سلطنة عُمان، وتتردد أنباء تفيد بأن دولة الإمارات تريد ان تكون هي الدولة المضيفة للبنك المركزي الخليجي، وكان أعضاء المجلس قد وقع اختيارهم على المملكة العربية السعودية كمقر لهذا البنك نظرا لثقلها السياسي والاقتصادي في المنطقة مما يجعلها ملاذا آمنا لوحدتها النقدية الموحدة، ولكن الإمارات ترى أن لها دورا اقتصاديا لا يقل في الأهمية بين دول الخليج، كما أن الانظمة البنكية فيها تتسم بالمرونة والقدرة على التكيف مع المتغيرات، ولاشك أن هذه الازمة سوف تعطل الوصول إلى اتفاقية السوق المشتركة، ولكنها لن تكون سدا أمامه إذا اتخذ المجلس سياسة الحوار والتفاهم بين الدول الست للتغلب على هذه المشكلة، وعلى جميع الدول أن تدرك أن مصلحتها المشتركة تحتم وجود عملة خليجية موحدة، فهي التي ستجعل منها منطقة نقدية قوية، قادرة على فك ارتباطها بالعملات الأخرى، وتحصين اقتصادها ضد عوامل الانهيارات المالية، وإرساء نظام مالي يساعد على النمو والتطور.

رؤى للمستقبل

ومهما كانت الانتقادات التي نوجهها نحن أهل الخليج إلى مسيرة مجلس التعاون، فإننا ندرك أنه يمثل الأرضية التي يجب أن نقف عليها جميعا ونحن نتطلع للمستقبل، إن تفعيل عشرات القرارات التي اتخذها المجلس هي السبيل الوحيد لتحويل الطموح إلى إنجاز، ولعل البداية هي في اعتماد أسلوب المراجعة والتقييم، فلا تكفي أن تحفل أروقة المجلس بالقرارات، وأن يحتوي تقريره السنوي على عشرات الوعود، ولكن لابد من معرفة السبب وراء تأخر تنفيذ هذه القرارات، هل السبب هو عدم نضج الدول الخليجية لهذه الخطوة الوحدوية وتمسكها الزائد بمفهوم السيادة الوطنية وحرية اتخاذ القرار، واعتبار أن كل خطوة في سبيل العمل المشترك يسلبها جزءا من سيادتها، أم أن السبب يكمن في المعوقات والقيود البيروقراطية التي يقيمها صغار المسئولين حين يشعرون بأن هناك انتقاصا من نفوذهم على المستوى المحلي فيبادرون بالتمسك بالأطر القانونية والوظيفية الضيقة، أم أن السبب هو خصوصية كل دولة خليجية واختلاف رؤيتها لمفهوم التعاون المشترك والوحدة عن الدول الأخرى، هذا ما يجب أن يضعه المجلس في اعتباره وهو يقيم مسيرته وأن يزيد من شفافية مواقفه وقراراته لدى جماهير دول المجلس.

وبالنسبة للسوق الخليجية المشتركة فهي ليست مجرد شعار ولكنه حلم نسعى جميعا إلى تحقيقه، ولكن هذا المشروع الطموح يحتاج إلى بنية تحتية تساعد على الوجود والتطور، وعلى وسيلة تضمن سهولة حركة الناس والبضائع عبر الدول المختلفة، لذلك فإن من الضروري البدء في تنفيذ مشروع خطط السكك الحديدية الموحد الذي يربط بين دول المجلس. إن انسياب حركة النقل والتجارة بين الحدود، وكذلك سهولة تنقل الأفراد سيولد نوعا من الترابط والمصلحة المشتركة ويكون له أثره الفعال على المستوى الاجتماعي، وسيحول الدول المتعددة إلى دولة واحدة يمكن تسويقها استثماريا وسياحيا.

على المستوى العسكري فإن المجلس منوط به مهمة كبرى، هي تكوين الجيش الخليجي الموحد القادر على حماية حدود دوله وردع من يفكر في الاعتداء عليها، ولعل الخطوة الأولى في سبيل ذلك هي توحيد مصادر السلاح بين دول الخليج المختلفة، فهناك دول تعتمد على الولايات المتحدة، وأخرى على فرنسا أو بريطانيا، وتوحيد مصادر السلاح هو الذي يخلق نوعا من التجانس بين هذه الجيوش، ويؤهلها للدخول في الخطوة التالية وهي تصنيع السلاح، إن العديد من الدول التي تقع على تخوم الخليج، ومنها إيران على سبيل المثال تقوم بتصنيع معظم أسلحتها التقليدية إضافة إلى تصنيع أعداد كبيرة من قطع الغيار المتقدمة، وهو الأمر الذي يؤهلها للوقوف على أعتاب السلاح النووي، عندما تجتمع دول الخليج لن تكون أقل شأنا من إيران، وسوف تقبل بالتأكيد كل التحديات التي تجعلها تدافع عن نفسها ووجودها.

والهم النووي يجب ألا يغيب عن بال مجلس التعاون، فالطاقة النووية هي المصدر المستقبلي الذي سيبقى بعد أن ينضب النفط، ودخول الخليج في المجال السلمي لها سيوفر كثيرا من اعتماده على مخزونه الطبيعي من النفط، وقد بدأت دولة الإمارات العربية المتحدة الخطوة الاولى عندما أعلنت عزمها الدخول في هذا المجال، ولم تبد الولايات المتحدة اي ممانعة، كما تم الاتفاق مع فرنسا لبناء هذا المفاعل، وستفتح هذه الخطوة الطريق أمام دول الخليج للدخول في هذا المصدر المستقبلي للطاقة، بحيث يكون لها إدارة مركزية نووية تساهم فيها وتستفيد منها وتوظف فيها كوادرها بحيث لا يقتصر الدخول في هذا المجال على دولة بعينها.

ودول الخليج العربية مطالبة بالنظر إلى قضية البيئة بجدية أكثر، فهي تعيش جميعا على ضفاف بحر مغلق، يمتلئ بنفايا وبقايا حاملات النفط العملاقة ونتائج حروب ثلاثة خلال 25 عاما، ويهدد هذا الأمر مصادرها من المياه كما يهدد ثرواتها البحرية، وتحيط بها صحراء جرداء لا تكف عن طمرها بالرمال، إضافة إلى ما تحدثه حركة التطوير الصناعي من تلوث في البيئة المحيطة بها، وعلى مجلس التعاون أن يتخذ الإجراءات التي تؤكد للعالم كله أن الخليج منطقة بحرية خاصة لا يجوز تلويثها من أي سفينة مهما كانت جنسيتها، كما يجب الإسراع في إنشاء مرافق للتخلص من مخلفات السفن، وأن تنضم دول الخليج للاتفاقية الدولية لحماية البيئة حتى تحافظ على مستقبل أرضها ومصيرها.

وبالطبع لن تكتمل صيغة مجلس التعاون الخليجي إلا بالمشاركة الشعبية، فأهل الخليج هم وحدهم القادرون على تحقيق منجزات هذا المجلس وحمايتها، وتكوين الهيئة الاستشارية ما هو إلا خطوة أولى من أجل مشاركة شعبية أكبر، فيجب أن يكون هناك دور لمنظمات المجتمع المدني في كل دولة من دول الخليج، وعلى أجهزة الرقابة الشعبية أن تمارس دورها في الرقابة على الخطوات التي تم إنجازها، وعلى القائمين على المجلس أن يوسعوا من صدورهم للنقد والمراجعة لأن الهدف في النهاية هو تقويم المسيرة ودعمها. إن الدخول إلى عالم المستقبل ليس سهلا، وهو يتطلب الكثير من العمل والكثير من المرونة والتضحية من كل الحكومات ومن الشعوب الخليجية على حد سواء، فهذا المجلس مازال في عمر الشباب، ولديه القدرة والإمكانات على التطور والتقاط كل الفرص المتاحة ليتحول إلى قوة اقتصادية وأمنية تؤكد وجودها في مصير المنطقة، ويصبح أحد اللاعبين الأساسيين في شئونه، ولا يسمح له أن يكون مؤسسة متفرجة على ما يدور من حولها، ولديه الفرصة لأن يكون نموذجا يحتذي به كل العرب، وتجربة يقتدى بها في النهوض لبناء مجتمعات عربية جديدة، وجديرة بالحياة.

 

 

سليمان إبراهيم العسكري