ر

«بلد يقرأ بلد يعيش» بيروت عاصمة عالمية للثقافة والنشر والكتاب

يتألقُ الكتاب في بيروت هذا العام، وتتزاحمُ المشاريع الثقافية على أجندة المدينة، احتفاء ببيروت عاصمة عالمية للكتاب لسنة 2009. حدثٌ يُؤكد دور بيروت الثقافي المتميز، كعاصمة للتنوع والإبداع الفكري، وللكُتَّاب العرب والنشر العربي والطباعة والمكتبات. بيروت قادت مسيرة ثقافية مميزة في العالم العربي، وتاريخُها يحفل بالإنجازات الثقافية والأسماء اللامعة في عالم الفكر والأدب.

ماضيها مرتبط بالحرف والكتاب، وهي لاتزال المصدر الرئيسي للنشر رغم الظروف التي مرت بها، وأحد أكبر الأسواق العربية التي تضم عدداً كبيراً من المطابع ودور النشر وصل إلى 650 داراً مُسجلة و750 مطبعة. ارتكزت في نشأتها وتطورها حتى اليوم على الأسواق العربية، وعلى المؤلفين والناشرين العرب.

لقد حملت بيروت منذ 23 أبريل الماضي لقب عاصمة عالمية للكتاب، كثاني دولة عربية بعد الإسكندرية، التي أعلنتها منظمة اليونسكو عام 2002 عاصمة عالمية أيضاً. وجرت منافسة بين بيروت ودول عديدة على اللقب، مثل تايلند وبانكوك وإفريقيا الجنوبية وكايب تاون وروسيا، إضافة إلى المنافسة مع الدول الثماني التي سبقتها، وكان آخرها أمستردام. وقد جاء اختيار بيروت لهذا الموقع من قِبل أعلى منظمة ثقافية دولية، بناء على التقييم الذي قامت به حول واقع الكتاب في بيروت ماضياً وحاضراً، وتنوع إنتاجها ولغاتها، وتفوق لبنان في صناعة الكتاب من ألفه إلى يائه، إلى جانب مناخ الحرية المؤاتي للكتابة والكِتاب والنشر والطباعة، البعيد عن قواعد الرقابة المشددة في الدول العربية. وهذا تحدٍ وضع لبنان الثقافي الرسمي ومؤسسات المجتمع المدني الخاص، والهيئات المعنية بقطاع المعرفة، أمام مسئوليات كبيرة وحقيقية لإنجاح هذه التظاهرة، والاستفادة إلى أبعد الحدود من المناسبة، لإعادة الإعتبار للكتاب المُهدد، في ضوء تراجع مستوى القراءة عموما في العالم العربي، وعلاقة الجيل الحالي الملتبسة بالكتاب، وسيطرة المرئي المُقتضب على المكتوب. ما يطرحُ إشكالية جدية سيواجهها العرب في السنوات المقبلة، يتطلب التصدي لها خططاً واستراتيجيات مدروسة تستقطب العقول الشابة، وتُبقيها ضمن دائرة الكتاب، الذي يُشكَّل العصب الرئيس للمعرفة، والركن الأساس في الصناعات الثقافية.

بيروت عاصمة للقراءة

«بلدٌ يقرأ بلد يعيش» شعار ورشة المشاريع الثقافية التي تشهدها بيروت ومختلف المناطق منذ الشهر الماضي. لقد وضعت وزارة الثقافة اللبنانية لهذه الغاية استراتيجية لجعل بيروت عاصمة للقراءة أمام الجميع، تُبنى على أساسها كل المشاريع التي ستُنفذ ما بين 23 أبريل 2009 تاريخ تسلم لبنان الشعلة من أمستردام و23 أبريل 2010 . وقد استنهضت الوزارة مؤسسات المجتمع المدني، بغية إشراكهم في ورشة الأفكار، واقتراحات العمل، حتى وصلت المشاريع التي اعتمدتها الوزارة وأدرجتها ضمن برامج بيروت عاصمة عالمية للكتاب إلى 250 مشروعاً، أي بمعدل نشاط ثقافي كل يوم، موزع بين المناطق اللبنانية، في حين وصل عدد المشاريع المتعلقة بالتشجيع على المطالعة إلى 575 مشروعاً في مختلف المناطق اللبنانية. ولاتزال الأبواب مفتوحة أمام مزيد من الاقتراحات والأفكار التي تقع ضمن الإستراتيجية التي وضعتها، بحسب مدير عام وزارة الثقافة عمر حلبلب، الذي أوضح أن الوزارة هي المواكب والراعي لهذا الحدث بالتعاون مع بلدية بيروت، ودعم هيئات المجتمع الأهلي، واللجان التي تعمل ضمن المشروع، وأشار إلى أن الإستراتيجية التي نعتمدها تتضمن ثلاثة محاور رئيسية، لإبراز وجه بيروت المبدعة، وبيروت العالمية وهي: صناعة الكتاب الذي هو عبارة عن سلسلة تبدأ من المؤلف، مروراً بالمطبعة، وصولاً إلى الناشر والموزع، تشجيع المطالعة العامة لرفع مستوى القراءة، علماً بأن نسبة المطالعة متدنية في لبنان. وفي هذا الإطار تم تخصيص أسبوع وحملة المطالعة العامة على مستوى كل لبنان، ستشارك فيها كل مراكز المطالعة والمكتبات العامة التي يصل عددها إلى 110 مكتبات. وقد أدرج حتى الآن 575 مشروعاً يتعلق بالقراءة، أي بمعدل عشرين نشاطاً في كل بلدة لبنانية. أما المحور الثالث فيتعلق بالتنوع الثقافي الذي يتميز به لبنان، والذي ساهم في مد الجسور بين الثقافات المحلية والعالمية، وفي إرساء أسس التبادل والتواصل الثقافي بين لبنان ومحيطه.

وأكد حلبلب أن الهدف الأساسي من الأنشطة المرافقة لعاصمة الكتاب، هو إرساء تنمية ثقافية مستدامة لا تنتهي فور انتهاء الحدث. فرهاننا الأساسي هو استمرار هذه الأنشطة الحيوية الفاعلة أطول وقت ممكن، ومساهمتها في تطوير العمق الثقافي للناس والمدينة، ونحن منفتحون على كل الأفكار والمشاريع التي تتوافق مع إستراتيجيتنا ومحاورنا. أما تمويل المشاريع فيتم إما على نفقة الوزارة، وإما بالتعاون بيننا وبين صاحب الفكرة.

حيوية النشر في لبنان

حركة النشر والطباعة الناشطة في لبنان، كانت سبباً أساسياً وراء اختيار الأونيسكو لبيروت عاصمة عالمية للكتاب. إذ إن عدد العناوين التي تُطبع في بيروت سنوياً يرتفع بشكل مطرد، وتتضاعف نسبة الإصدارات لدى معظم دور النشر الرئيسية في العاصمة، خصوصاً خلال الأعوام الأخيرة، وتُبيَّن الإحصاءات المتوافرة لدى دائرة الإحصاء المركزي والمحفوظات الوطنية، نمواً مطرداً في عدد الدور والمطابع اللبنانية. فمن 95 داراً و25 مطبعة عام 1962 إلى حوالي 490 داراً و500 مطبعة سنة 1985، إلى 640 داراً و700 مطبعة سنة 2004، وصولاً إلى 655 داراً مسجلة لدى نقابة اتحاد الناشرين ونحو 200 دار غير مسجلة و750 مطبعة سنة 2009. وبالرغم من ازدهار هذه الصناعة وانتشار مئات دور النشر في العالم العربي، فإن لبنان لا يزال على لائحة الدول الأكثر تصديراً للكتب، إذ تُصدِر دور النشر اللبنانية سنوياً نحو 3000 عنوان جديد، بما فيها الكتب الأجنبية والمترجمة. واللافت في هذا المجال ارتفاع وتيرة إصدار الروايات خلال العقد الأخير في لبنان، وبقية البلدان العربية، إضافة إلى أن أكثر من مئة رواية ترشحت للجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر»، عدا عن الإصدارات الكثيرة المتخصصة والمنوعة.

هذه الحيوية في قطاع النشر اللبناني ترفدها بيئة منفتحة وحرية في التعبير، لكن هذا لا يعني تفوق السوق الإنتاجي على الاستهلاكي، وبالتالي فإن حسابات منظمة الأونيسكو تتعلق بالسوق الإنتاجي في لبنان، والنوعية الجيدة أكثر منه بالسوق الاستهلاكي، ويقول أمين عام اتحاد الناشرين العرب وصاحب الدار العربية للعلوم ناشرون ( لبنان) بشار شبارو: إن «نسبة البيع المحلية في أي دار لبنانية لا تتجاوز 7 بالمئة سنوياً من مجمل الإنتاج، فيما يتم تصدير القسم الأكبر إلى الدول العربية، في حين يبيع أقل ناشر عربي أربعين إلى خمسين بالمئة من إنتاجه في أرضه، وأحياناً تصل النسبة إلى سبعين بالمئة. ونحن كلبنانيين نذهب وننافس الآخرين على أرضهم. مشيراً إلى أن ذلك يظهر جلياً في كل المعارض التي تنظمها هذه الدول والتي تضعف إذا ما غاب عنها لبنان. ولفت النظر إلى أن حجم لبنان السكاني - قياساً لعدد دور النشر والمطابع الموجودة فيه - صغير جداً. لكن قوة لبنان تكمن في مجموعة من العناصر المرتبطة بهذا القطاع وأهمها: الحرية التي تنسحب على كل مراحل صناعة الكتاب، بدءاً من التأليف والكتابة، مروراً بالطباعة، وصولاً إلى النشر والعرض والتوزيع، قوة المطابع في لبنان وقوة الإنتاج وقوة حركة الشحن، وأيضاً عدد الناشرين العرب الموجودين في لبنان، مثل السوريين والأردنيين الذين يملكون مستودعات كبيرة هنا، إضافة إلى عامل مهم ساهم في إنقاذ الكتاب اللبناني، وهو إعفاؤه من الضرائب والرسوم، ذلك أن ضريبة الـ TVA لم تشمل الكتاب والطباعة في لبنان، على خلاف دول المغرب العربي وبعض دول الخليج، والأهم من ذلك كله حركة التجميع الكبيرة أو ما نطلق عليه الشحن التجميعي البري والبحري الذي ينفرد به بلدان فقط، هما لبنان ومصر، وهو إجراء يُساعد على خفض تكاليف الكتاب ووصوله إلى دول الانتشار كلها. في حين تبقى حركة التوزيع في الدول العربية بطيئة جداً, خصوصاً في السعودية والكويت. والمؤلفون الراغبون في طباعة كتبهم في لبنان يأخذون هذه الميزة في الحسبان. فالرقابة تتضاءل في الدول العربية، والحرية أصبحت متوافرة نسبياً في دول الخليج. وأكبر دليل على ذلك الروايات النسائية في السعودية. لكن الكُتَّاب يسعون للانتشار وبسرعة، ولبنان يُلبي لهم هذا التطلع، نتيجة كل العوامل التي ذكرناها، وعلى رأسها قوة الشحن والتوزيع، لافتاً إلى أنه لا توجد شركة توزيع واحدة للكتب في الدول العربية تسيطر على السوق، في حين نجد العديد من شركات توزيع الصحف والمطبوعات التي لا تفي بهذا الغرض.

واعتبر شبارو أن اختيار بيروت عاصمة عالمية للكتاب جاء بناء على كل هذه المعطيات، وعلى خلفية التعدد الثقافي والمعرفي الذي يتمتع به لبنان. وأشار إلى أن هذا التنوع نلمسه بالصوت العالي في دور النشر والمكتبات التي تطبع وتنشر وتترجم الكتب الأجنبية. فمثلاً في المغرب العربي نجد الكتب الفرنسية إلى جانب العربية، وفي الخليج نجد الكتب الإنجليزية وحدها إلى جانب الكتب العربية، وفي ليبيا الإيطالية، لكن في بيروت نجد كل هذه الكتب وفي كل المكتبات ودور النشر، وهذا مصدر غنى للبنان أيضاً. ولفت إلى أن ماضي الكتاب في بيروت التي تكرست كمطبعة للعرب عقب حدوث الإشكالات السياسية في مصر كان جيداً، وقد تكرَّس دورها التجاري في هذه الفترة مع مناخ الحرية النقدية والفكرية وحرية التنقل، والمعاملات المالية وعدم وجود الرقابة، حتى أن بعض دور النشر المصرية انتقلت إلى بيروت مثل «دار الشروق». وساهم احتضان بيروت للتيارات السياسية المتنوعة في رفد حركة الطباعة والنشر أيضاً، إذ كان للمنظمة الفلسطينينة مطابعها ونوعية كتبها التي تتلاءم مع توجهاتها السياسية. وكان للأخوان المسلمين مطابعهم واليساريين أيضاً وغيرهم. وأكد على اختلاف واقع الكتاب في المرحلة الراهنة، لكنه قياساً للسنوات السابقة يُعتبر جيداً، علماً أن المؤسسات العاملة في هذا القطاع تعرضت لظروف عديدة أمنية واقتصادية ما أدى إلى تراجع حركة النشر نسبياً، أما مستقبل الكتاب فهو برأيي على المحك نتيجة لأسباب قديمة وحديثة، منها انتشار الأمية والعزوف عن القراءة في الدول العربية، على خلاف الدول الأوربية، حيث نجد الكتاب بين أيدي الناس في كل مكان، في القطارات والحدائق والطائرات. كما أن سيطرة الإنترنت وغيره من التقنيات الحديثة عمَّقت الهوة، علماً أن 2 في المائة من العرب يستخدمون الإنترنت، كذلك فإن هذا الاستخدام في أغلبيته ليس لأغراض البحث العلمي والمعرفي وإنما للتسلية والترفيه. وبرأيي فإن هذا الواقع سيُحدث فرزاً في عالم دور النشر، ولن يستطيع الجميع الصمود في وجه الإشكاليات والمتغيرات التي تطرأ على واقع الكتاب، ومع ذلك أنا لست متشائماً، وأعتقد أنه لا غنى عن الكتاب في الحاضر والمستقبل.

ناشر وصاحب مكتبة «دار بيسان» عيسى أحوش أشار إلى «الارتفاع الملحوظ في عدد العناوين خلال الأشهر الأخيرة. ومن 25 عنواناً جديداً يصدر عن الدار كل سنة تقريباً ارتفع العدد إلى 35 كتاباً العام الماضي، ولا تزال حركة الارتفاع مستمرة». وأوضح أن «معظم المؤلفين هم من العرب وخصوصاً السعوديين»، عازياً السبب إلى بحث المؤلف عن الحرية والانتشار خارج حدود بلده. إضافة إلى تفوق لبنان في صناعة الكتاب على أقرانه في الدول العربية، سواء لجهة الرسم أم الإخراج أم الفرز الفني، وصولاً إلى عمليات التسويق والترويج».

برنامج بيروت عاصمة عالمية للكتاب

تتوزع فعاليات المناسبة على أربعة محاور أساسية، تُبرز تنوع بيروت الثقافي، وهي: بيروت العالمية، بيروت المبدعة، بيروت تستنهض المجتمع المدني وبيروت تطلق مسار التنمية الثقافية المستدامة. وتتضمن المحاور المذكورة أنشطة عديدة أبرزها: «بيروت 39» الذي سيتم على أساسه اختيار 39 كاتباً عربياً من قبل لجنة تتألف من أربعة كُتَّاب عرب هم: علاء الأسواني رئيساً وسيف الرحبي وعبده وازن وعلوية صبح. «الكُتَّاب مساحو المدينة» يشارك فيه خمسة عشر كاتباً من أنحاء العالم كتبوا عن المدينة. «أسبوع الأدب الفنزويلي»، احتفال بالأدب المترجم إلى الفرنسية، «رسائل إلى بيروت» من تنظيم السفارة الفرنسية، «إعلان شرعة أصحاب المكتبات الفرنكوفونيين»، مؤتمر دولي حول «دور بيروت في الإنتاج الأدبي والفكري في موضوع الصراع العربي الإسرائيلي». مؤتمر حول «حركة التأليف والنشر في العالم العربي»، وآخر حول الترجمة. مؤتمر حول «بيروت رائدة الحريات في الشرق»، ومؤتمر عربي حول «تقنيات صناعة الكتاب في بيروت»، وحول «بيروت عاصمة الكتاب المترجم». لقاء للأديبات العربيات مع بيروت تشارك فيه الشاعرة جميلة الماجري، الأديبة كوليت خوري، والأديبة والباحثة الكويتية فاطمة العلي وأخريات. إضافة إلى تنظيم مهرجان للصوت والضوء. و«مهرجان الأرز الشعري» الذي يضم نخبة من شعراء العالم العربي، مثل أدونيس وسليمان العيسى ومحمد الفيتوري وفاروق شوشة ووفاء العمراني وجريس سماوي وغيرهم من بلدان أخرى. كما تتضمن الأنشطة محاور خاصة حول الكتاب والتكنولوجيا وأدب الأطفال ومعارض كتب ومهرجانات للكتاب تتعلق بكل مراحل صناعته.

ماضي الكتاب وواقعه في بيروت

صاحب دار ومكتبة الفرات عبودي أبو جودة تحدث عن ماضي الكتاب في لبنان وواقعه الحالي ومستقبله، فأكد أن «لبنان كان سباقاً في طباعة الكتب الدينية المقدسة منذ القرن الثامن عشر مع دخول مطبعة دير مار قزحيا. لكنه بقي يستورد الكتاب المصري حتى الخمسينيات. القاهرة كانت رائدة في مجال الطباعة والنشر، حتى أن كبار الأدباء اللبنانيين مثل جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وآخرين صدرت بعض كتبهم في مصر. ولبنان كان في تلك الفترة همزة وصل بين مصر والدول العربية عبر عمليات التوزيع إلى المشرق العربي، لكن في مطلع الخمسينيات ومع تحقق الإستقلال في دول المغرب العربي، والتحول من اللغات الأجنبية إلى العربية، ومع انتشار التعليم في الدول العربية، ارتفع الطلب على الكتاب العربي، فبدأت بيروت تطبع الكتب المصرية تصويراً أو عبر الحصول على حقوقها من المؤلفين. وهكذا أصبح لبنان تدريجياً مركزاً للطباعة وأصبحت بيروت تطبع والآخرون يستوردون، وبقيت حتى الثمانينيات تتصاعد وتيرة الطباعة إلى أن حدثت حرب الخليج الأولى، فتراجعت الطباعة. ذلك أن السوق العراقي كان سوقاً رئيسياً، والمطابع دخلت في الفترة نفسها على دول المغرب العربي، واستعاد المصريون لاحقاً نشاطهم في هذا المجال».

وتحدث أبو جودة عن الموجات الطباعية التي يتأثر بها عالم النشر إيجاباً، فخلال فترة الستينيات كانت هناك هجمة على الكتب الماركسية، وقبلها على كتب القومية العربية، ومن ثم الكتب الدينية. اليوم تعيش الرواية في الخليج العربي بصورة خاصة طفرة، ولبنان لا يزال إلى اليوم مطبعة رئيسية في المنطقة، سوقه الداخلي صغير، لكنه يتكيف مع الموجات الطباعية التي ذكرتها. نحن نطبع ما يريده الخليجيون، إضافة إلى الكتب التي تضرب ويرتفع عليها الطلب، وكتب العلوم الإنسانية المطلوبة أيضاً، معتبراً أن ميزة لبنان ليست في مطابعه الحديثة وحسب، ففي دول الخليج العربي مطابع أضخم وأحدث، لكن حرية الطباعة عززت ثقة الكاتب والقارئ معاً بالكتاب اللبناني. هناك ثقة حقيقية بالمطبعة اللبنانية والناشر اللبناني، على خلاف الكتب المطبوعة في القاهرة أو سورية وغيرهما التي تبقى موضع تشكيك من قبل القراء».

العالم يعترف بإنجازات لبنان الثقافية

«بيروت عاصمة القراءة للجميع، واختيارها هو فخر للوطن العربي»، هذا ما أعلنته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «ألكسو»، عشية إعلان بيروت عاصمة عالمية للكتاب. وأكد رئيس الجمهورية اللبناني ميشال سليمان خلال الحفل الرسمي الذي أقيم في قصر الأونيسكو للمناسبة، بحضور الرؤساء الثلاثة وأمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى، ووزير الثقافة اللبناني تمام سلام، «أن لبنان يسير إلى زوال إن لم يكن مطبوعاً بالحوار والثقافة والأنسنة، وإن لم تكن الكلمة أساس البناء فعبثاً يُنقب البناءون». وقال «إن لبنان الذي حمل الأبجدية إلى العالم من شواطئ بيبلوس التي أعارت حروف اسمها للتوراة والمكتبات، ونشأت على أرضه أول مطبعة للشرق في دير مار قزحيا في القرن السادس عشر، وتأسست فيه أول مدرسة سنة 1789 في عين ورقة، تخرَّج فيها المعلم بطرس البستاني. يعود العالم إليه معترفاً بما أنجز وحقق، ويطالبه بالمزيد لأنه أهل لذلك». داعياً إلى «المبادرة لاعتماد برامج جديدة تشدُّ الناشئة نحو الكتاب»، كما دعا نقابات النشر والطباعة والتسويق «لاعتماد وسائل حديثة وتطوير صناعة الكتاب بما يتناسب مع التطورات وتشجيع المبدعين في كل مجالات الكتابة والتأليف». واعتبر أن «الهدف النهائي لكل الفعاليات المرافقة لروزنامة الأنشطة الغنية، هو خلق دينامية تفاعلية تؤسس لأرضية حاضنة لولادة الكتاب وصناعته وانتشاره. وصولاً إلى ترسيخ الشخصية الثقافية في نفوس أبنائنا».

صمود قطاع النشر اللبناني

وعلى الرغم من الظروف التي مرَّ بها لبنان منذ منتصف السبعينيات وحتى اليوم، وهجرة العديد من دور النشر نحو دول الخليج، واشتداد المنافسة مع دور نشر عربية تأسست في السنوات العشر الأخيرة. فإن لبنان لا يزال محافظاً على موقعه في هذا المجال، ولا يزال الوجهة الأمثل لأصحاب المشاريع الكتابية، الباحثين عن التميز والجودة، كما يقول مدير عام نقابة اتحاد الناشرين في لبنان أحمد فقيه. وشدد على «مهنية اللبنانيين العالية وإحترافهم عملية النشر، نتيجة تراكم معارفهم في هذا المجال منذ الستينيات وحتى اليوم، ومتابعتهم لكل التطورات». وأشار إلى أن «عوامل الجذب لا تتوقف على هذه الناحية فقط، فلبنان متفوق في التقنيات الطباعية المستخدمة، والمهارات البشرية الفنية والإخراجية، والذوق الرفيع والقدرة على التعامل مع النصوص. كما أن قطاع النشر في لبنان هو الأكثر صموداً، وهو بقي محافظاً على ديمومته وتطوره، وبقي بالرغم من كل الصعوبات التي واجهها حريصاً على المشاركة في معارض عربية وعالمية. ولفت النظر إلى أن أكثر من 30 دار نشر تعرضت للتدمير خلال عدوان يوليو الأخير على لبنان، لا سيما في مناطق الضاحية الجنوبية. إلا أن أصحاب هذه الدور رفضوا التوقف والإقفال، واستأنفوا دورة عملهم من جديد ما إن أنهوا ورش البناء وترميم الأضرار».

--------------------------------------

أخدعُ النفسَ بالمنى، وَهي تأبى
وَخِدَاعُ الْمُنَى غِذَاءُ الأَنَامِ
فَمَتَى يَسْمَحُ الزَّمَانُ، فَأَلْقَى
بـ «شكيبٍ» ما فاتني منْ مرامِ
هُوَ خِلٌّ، لَبِسْتُ مِنْهُ خِلاَلاً
عبقاتٍ، كالنورِ في الأكمامِ
صَادِقُ الْوُدِّ، لاَ يَخِيسُ بِعَهْدٍ
وقليلٌ في الناسِ رعى ُ الذمامِ
جمعتنا الآدابُ قبلَ التلاقي
بِنَسِيمِ الأَرْوَاحِ، لا الأَجْسَامِ
وَبَلَغْنَا بِالْوُدِّ مَا لَمْ يَنلْهُ
بِحَيَاة ِ الْقُرْبَى ذَوُو الأَرْحَامِ
فَلَئِنْ لَمْ نَكُنْ بِأَرْضٍ،
فَإِنَّا لاِتِّصَالِ الْهَوَى بِدَارِ مُقَامِ

محمود سامي البارودي

 

 

ثناء عطوي 





 





 





جانب من الاحتفال.. بيروت عاصمة للكتاب للعام 2009





عيسى أحوش - دار بيسان





دار بيسان





الرئيس اللبناني ميشيل سليمان يفتتح المهرجان





 





عمر حلبلب - مدير عام وزارة الثقافة اللبناني





بشار شبارو - دار ناشرون





منظر عام لرأس بيروت