مساحة ود

قانون المحافظة

استحضرت كل ما تملك من قوة لتثبت قدميها على الأرض، تركت حقيبة يدها تسقط، وكتف البلوفر ينزلق، والجونلة تلتف، وشعرها يزداد تشعثا. وحين وصلت إلى حافة المكتب، واستطاعت أن تتشبث بها، كانت قمة ما تتمناه أن يسمعها ذلك الرجل القابع خلف الأوراق. تطل من عينيه نظرة كراهية للعالم كله، لكن عشرات مثلها لهم الهدف نفسه، ونجاح الواحد منهم يبدأ من فشل الآخرين. فالرجل لا يمكنه إلا أن يسمع واحدا فقط، وعدد شقق المحافظة - بالتأكيد - أقل كثيرا من عدد المتزوجين حديثا.

عليها الآن أن ترفع صوتها بأقصى ما تستطيع حتى يصل إلى أذنيه.

انتفض الموظف فزعا، نهرها قائلا: "اخفضي صوتك، أذناي لا تتحملان" منحها نظرة كراهية خاصة بينما ينتزع الأوراق من يدها وسط حسد الآخرين المعلن وتأكيداتهم بأن الصوت العالي هو الفائز في النهاية.

تحقق حلمها، أو هكذا تصورت، لا يهم - إذن - أن يكرهها كل موظفي العالم. لحظة قصيرة وفوجئت بالموظف يقذف بالأوراق في وجهها قائلا بسرعة وبمنتهى التعالي: "إننا هنا يا متعلمة في محافظة غير التي تم فيها الزواج.

" ماذا تعني؟"

صرخت مندفعة كالسهم، مخترقة الزحام، متشبثة بيد الموظف هذه المرة .

- أنا مقيمة في هذه المحافظة وزوجي أيضا، أحد أصدقائنا صحبنا إلى عمه مأذون المحافظة الأخرى نوفر التكاليف.

تخلص بصعوبة من قبضة يدها، هب واقفا، فتراجعوا إلى الخلف خطوة:

- هل ستحكي لي قصة حياتك، ليس من حقك أن تتقدمي بطلب شقة في هذه المحافظة.

وافقه الجميع، وأشادوا بحكمته وعدله، وأخذوا يحذرونه من أثر التوتر على صحته.

هذه المرة خارت قواها تماما، تعب أربع سنوات كاملة ظهرت آثاره دفعة واحدة، كل الأشياء التي وقفت أمامها تذكرها الآن فجأة وبعنف. أمها التي كانت تنتظر عريسا يرحم الأب من عناء تدبير نفقات الجهاز. وتفوقها الدراسي الذي جعلها تحمل شهادة أعلى من شهادة من اختارته وقدره في أن يكون أول من يتقاضى راتبا في أسرة فقيرة. وأخيرا اكتشف أن المحافظة نفسها ترفض زواجهما.

عندما بدأت في البحث عن حقيبة يدها وأوراقها لتغادر المكان، أدركت - فجأة المأزق، أنها تزوجت دون علم أهلها لتحصل على شقة. فقانون أمها " الشقة قبل الزواج " وقانون المحافظة " الزواج قبل الشقة" تصورت أنها انتصرت على أمها والحكومة معا. وبكل يأس الهزيمة كانت قفزتها، وتعلقها بعنق الموظف، وصرختها: "ماذا أفعل الآن؟".

ببساطة وابتسامة ساخرة تحمل قسوة البشرية قال:

اسكنوا في جهنم.