الفقراء وحدهم ضحايا كوارث المناخ

الفقراء وحدهم ضحايا كوارث المناخ

في كل عام، يسقط 250 مليون إنسان ضحايا للكوارث الطبيعية، 98 في المائة منهم يعانون نتيجة لكوارث مرتبطة بالمناخ، مثل الجفاف والفيضانات. وكشفت دراسة جديدة أجرتها منظمة أوكسفام الخيرية البريطانية أنه بحلول العام 2015، سيرتفع هذا الرقم إلى أكثر من النصف ليتضرر حوالي 375 مليون شخص سنويا بتغير المناخ وبالكوارث الناتجة عنه. وحذرت الدراسة من أن هذا الارتفاع سيفوق القدرة الاستيعابية لمنظمات الإغاثة الإنسانية في العالم.

حسب دراسة منظمة أوكسفام، التي حملت عنوان «الحق في الحياة.. تحديات العمل الإنساني في القرن الحادي والعشرين» «Right to Survive.. The humanitarian challenge in the twenty-first century»، فإنه على مدى السنوات الست المقبلة، سيرتفع عدد ضحايا الكوارث الطبيعية بنحو 54 في المائة، الأمر الذي قد يقوض النظام العالمي للمساعدات الإنسانية.

وقد تم إطلاق الدراسة في 21 أبريل الماضي لتقدم أدلة قاطعة على الحاجة إلى إعادة التفكير في طريقة استجابة العالم للكوارث واستعداده لها ومحاولته الوقاية منها».

وتعود الزيادة المتوقعة إلى اقتران الفقر المدقع والهجرة الواسعة إلى أحياء الصفيح والمناطق العشوائية الكثيفة السكان المحيطة بالمدن، مع الازدياد المستمر للكوارث المناخية. ويفاقم من تأثيرها الإخفاق السياسي في مواجهة هذه الكوارث وفشل نظام المساعدات الإنسانية في التخفيف من تبعاتها.

وتقول الدراسة إن العالم يحتاج إلى إعادة هندسة الطريقة التي يتعامل بها العلم مع الكوارث الطبيعية على مختلف الصعد، بداية من تفادي الكوارث وحتى الاستعداد لوقوعها وتقليل تبعاتها المدمرة.

واستنادا إلى بيانات تم جمعها من 6.500 كارثة مرتبطة بالمناخ منذ العام 1980، تتوقع أوكسفام أن يرتفع العدد الحالي للسكان المتضررين إلى نحو 133 مليون شخص أو 54 في المائة سنويا، ليصل الرقم إلى 375 مليون إنسان في المتوسط بحلول العام 2015. ولا يتضمن ذلك الرقم المتضررين من الكوارث الأخرى، ضحايا الحروب والزلازل والثورات البركانية.

وتقول سارة آيرلند، المديرة الإقليمية لمكتب أوكسفام بريطانيا بشرق آسيا: «قد يرى البعض أن هذا مثير للذعر، لكننا ملزمون بتبليغ الرسالة». ووصفت حجم التحدي الإنساني بأنه «غير مسبوق»، مضيفة أن «هذا يشكل تهديدا فعليا لقدرتنا على التعامل مع هذه الكوارث والاستجابة لاحتياجات المتضررين منها».

وبالتأكيد أن هذه التوقعات ليست دقيقة علميا تماما، لكن الأمر المؤكد أن هناك زيادة هائلة في عدد ضحايا الكوارث الطبيعية ستحدث على المدى القريب جدا، مع تزايد موجات الجفاف والفيضانات والأعاصير والكوارث الأخرى نتيجة لتغير المناخ وسوء الإدارة البيئية، وسيصبح المزيد من الناس أكثر انكشافا أمامها نتيجة لفقرهم أو مكان عيشهم.

وستؤدي بعض هذه التغيرات المناخية إلى ازدياد التهديد بحدوث نزاعات، وهو ما يعني المزيد من موجات النزوح، والمزيد من الحاجة إلى المساعدات الإنسانية. وأشارت الدراسة إلى أن هناك 46 بلدا ستواجه «خطرا كبيرا لاندلاع نزاعات عنيفة» عندما يفاقم تغير المناخ التهديدات الأمنية التقليدية. وتشير الدلائل الراهنة إلى أن عدد النزاعات آخذ في الازدياد.

وباختصار، ستقود النزاعات الراهنة والمستقبلية، بالإضافة إلى ارتفاع عدد الكوارث المرتبطة بالمناخ، إلى مستوى غير مسبوق من الحاجة إلى المساعدات الإنسانية سيتجاوز بكثير القدرات الحالية للعمل الإنساني بحلول العام 2015.

وقد فشلت حكومات عديدة بالفعل في الاستجابة السريعة والفعالة على نحو كاف للعواصف، والزلازل، والكوارث المشابهة، أو لتخفيض الوفيات والمعاناة غير الضرورية. وفي يناير 2009، قالت الأمم المتحدة إن الكثير من الـ 235 ألف إنسان الذين ماتوا نتيجة للكوارث في العام 2008 كان من الممكن إنقاذهم من خلال تحرك حكومي أفضل. والواقع أن تصرفات بعض الحكومات وضعت المهمشين من مواطنيها في موضع شديد الهشاشة في مواجهة الكوارث من خلال التمييز ضدهم، مثل هؤلاء الذين يسكنون في مدن الصفيح التي تعصف بها الفيضانات أو الانهيارات الأرضية.

وللتذكير، فقد وقعت في العام الماضي وحده عدة كوارث طبيعية كبرى تعد نموذجا حيا لتأثيرها على البشر وحياتهم في البلدان الأفقر بشكل عام، وتقويضها لإنجازات التنمية بشكل خاص. ففي شهر مايو، تسبّب الإعصار الاستوائي «نرجيس» في حدوث موجة عاصفة في دلتا نهر «إيراوادى» المنخفض والكثيف السكان، أفضت إلى خسائر في الأرواح قدرت بحوالي 140 ألف نسمة في «ميانمار».

وفي شهر مايو ذاته، أدى أقوى زلزال ضرب الصين منذ العام 1976، والذي أثَر في أقاليم سشوان وأجزاء من «تشونج كنج» و«جانسو» و«هوبى» و«شانزي» و«يونان» إلى مقتل ما لا يقل عن 87556 نسمة وإصابة ما يزيد على 365 ألفا آخرين، كما أثّر الزلزال في أكثر من 60 مليون نسمة في عشرة أقاليم ومقاطعات صينية. وقد انهار ما يقدر بـ 536 مليون مبنى ودمّر أكثر من 21 مليون مبنى.

وفي أغسطس 2008 ، دمَر نهر «كوزي» أحد السدود في ولاية بيهار بالهند ومرَ من خلاله، ثم غير مساره مسافة 120 كم باتجاه الشرق، مما جعل أكثر من 300 كيلو متر من حواجز الفيضان والتي بنيت لحماية المدن والقرى عديمة الفائدة، وبمرور فيضان النهر خلال مناطق يفترض أن تكون آمنة من أخطار الفيضان، أدى إلى تأثر 3.3 مليون نسمة في 1598 قرية واقعة في 15 مقاطعة، وقد وصف الفيضان بأنه أسوأ فيضان في المنطقة خلال 50 عاماً، مما دفع رئيس وزراء الهند مانموهان سينج لإعلان «كارثة قومية».

ويقول المدير التنفيذي لمنظمة أوكسفام الدولية جيريمي هوبز: «إن نظام المساعدات الإنسانية الدولي يعمل كلعبة قمار كونية، حيث يتعامل مع المساعدات على نحو عشوائي، وليس استنادا إلى احتياجات الناس. واستجابته عادة ما تكون متقلبة - ضئيلة قليلا، ومتأخرة قليلا ودائما ليست على المستوى المطلوب. وهي تكفي بالكاد لمواجهة المستوى الحالي للكوارث. وستؤدي أي زيادة كبيرة في عدد الضحايا إلى تقويض النظام كله، ما لم تكن هناك إصلاحات جوهرية للنظام تضع هؤلاء المتضررين في قلب اهتماماته».

وتقول أوكسفام إن نظام المساعدات الإنسانية الدولي يحتاج إلى التحرك بسرعة وتجرد ودون تحيز بعد الكارثة، وإلى استثمار الأموال والجهود بما يتناسب مع مستويات الاحتياجات. وعادة ما تقدم المساعدات على أساس حسابات سياسية، الأمر الذي يجعلها غير عادلة. ففي العام 2004، أنفق ما متوسطه 1241 دولارا على كل واحد من ضحايا كارثة موجات المد العملاقة (التسونامي) التي ضربت شرق آسيا، بينما لم ينفق سوى 23 دولارا في المتوسط على كل واحد من ضحايا الأزمة الإنسانية في تشاد.

وعلى العالم أن يغير الطريقة التي يقدم بها المساعدات حتى يبني على قدرة كل بلد على الاستعداد للصدمات المقبلة ومواجهتها. وتحتاج الحكومات الوطنية، بمساعدة المجتمع الدولي، إلى استثمار أكبر في تخفيض مخاطر الكوارث.

ومع تصاعد وتيرة تغير المناخ، فإنه من المرجح أن يستمر هذا الاتجاه في الازدياد إلى ما بعد 2015. وهنا يجب على البلدان الغنية أن تلتزم فورا بتخفيض انبعاثاتها من غازات الاحتباس الحراري لإبقاء ارتفاع درجة حرارة الأرض تحت حاجز الدرجتين المئويتين المرعب، وتوفير 50 بليون دولا سنويا على الأقل لمساعدة البلدان الفقيرة للتكيف مع الآثار والتداعيات السلبية لتغير المناخ.

ويذكر أنه لكي يَتفادى العالم تغيرا كارثيا في المناخِ، فإنه يجب الإبقاء على سقف ارتفاع متوسط درجة الحرارة على مستوى الكوكب دون حاجز الدرجتين المئويتين. وهذا يتطلب من البلدان الصناعية كمجموعة أن تخفض انبعاثاتها من غازات الاحتباس الحراري بنسبة 40 في المائة تحت مستويات العام 1990 بحلول العام 2020. ويجب أن يعلن هذا الالتزام على أقصى تقدير عندما يجتمع قادة هذه الدول في كوبنهاجن في نهاية العام الحالي.

ويقول جيريمي هوبز: «بينما كانت هناك زيادة مستمرة في الحوادث المرتبطة بالمناخ، فإن الفقر واللامبالاة السياسية هما اللذان يحولان العاصفة إلى كارثة».

والواقع أن أعدادا متزايدة من الناس تعيش الآن في أحياء الصفيح وأحزمة العشوائيات الكثيفة السكان المحيطة بالمدن الشديدة الهشاشة، والعاجزة عن الصمود في مواجهة تقلبات المناخ الحادة والكوارث الطبيعية. ويعيش أكثر من نصف سكان مدينة مومباي الهندية، على سبيل المثال، في أحياء الصفيح، التي شيد العديد منها على أراضي مستنقعات تم تجفيفها. وفي العام 2005، أدى فيضان اجتاح المدينة إلى مصرع أكثر من 900 من سكان هذه الأحياء، قتل معظمهم بسبب الانهيارات الأرضية وانهيارات المباني المشيدة في هذه المناطق.

وفي الوقت نفسه، يزداد الجوع، الناجم عن موجات الجفاف، والكثافة السكانية، وازدياد الطلب على اللحوم ومنتجات الألبان في الاقتصادات الناشئة. ويتواصل إجبار الناس على ترك بيوتهم. تشير التقديرات إلى أن أكثر من بليون إنسان سيضطرون إلى هجران منازلهم بسبب تغير المناخ، وتردي الظروف البيئية، والنزاعات. ويضاف إلى هذا وذاك فقدان المزيد من الناس لوظائفهم بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية.

ومع ذلك، فإن بعض البلدان، مثل كوبا وموزمبيق وبنجلادش، استثمرتْ، رغم فقرها، بكثافة لحماية مواطنيها من العواصفِ. فبعد إعصارِ 1972 الهائل الذي قَتلَ رُبع مليون شخص، خصصت بنجلادش اعتمادات مالية هائلة للاستثمار في إجراءاتِ منع حدوث الكوارث والحماية منها. وأصبحت حصيلة الوفيات نتيجة الأعاصير الكبيرة في بنجلادش منخفضة وتقدر بالآلاف. وبالرغم من أنها لاتزال عالية مقارنة بالمستويات العالمية، فإنها على الأقل أصبحت أقل تدميرا.وتثبت تجارب كوبا وموزمبيق وبنجلادش أنه بالمساعدات الكافية، يصبح بوسع أفقر بلدان العالم أنْ تُوفر حماية أفضل لمواطنيها.

وتشير أوكسفام إلى أنه على الرغم من أن العددَ الإجمالي للنزاعاتِ قد انخفض على مر السنين، فإن عددا آخر يبقى عصيا على التراجع. ويقول هوبز: «هناك أجيال كاملة من الناس تم ترحيلها ثلاث أو أربع مرات، وهؤلاء لا يعرفون شيئا سوى العنف المسلح والنزوح». وتؤكد بيانات الأمم المتحدة أن هناك 18 مليون إنسان لم يَحْصلوا على المساعدات الإنسانيةِ الكافيةِ بسبب النزاعات في 2007.

ويضيف هوبز: «إن تغير المناخ يهدد بالفعل عملَنا للتغلب على الفقر، ويزيد من الضغوط على مهمتنا الصعبة في إغاثة الملايين. وبالتالي فإن التصدي لتغير المناخ أمر حاسم. والعالم مطالب اليوم بإبرام صفقة كونية لتفادي التغير الكارثي للمناخِ، والتوقف عن العشوائية في تقديم المساعدات، وإدخال تحسينات جذرية على الطريقة التي يتعامل بها مع الكوارث».

وفي سياق متصل، أفاد تقرير جديد للأمم المتحدة أن خطر الكوارث التي تحدث في جميع أنحاء العالم يشهد ارتفاعا كبيرا نتيجة توسع الأحياء الفقيرة وتفاقم ضعف سبل عيش سكان الأرياف بسبب التغيرات المناخية بالإضافة إلى تدهور النظم الإيكولوجية.

حيث جاء في الإصدار الأول من ««تقرير التقييم العالمي بشأن الحد من مخاطر الكوارث»، الذي تم إطلاقه من البحرين في 17 مايو الماضي، أن: «تفاقم هذا الثلاثي القاتل يشكل التهديد القائم والموجود في كل مكان لتغير المناخ، تزيد من حدته انبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة عن ثراء المجتمعات والأفراد، مع ما ينتج عن ذلك من أعباء تثقل كاهل البلدان النامية والمواطنين الأشد فقرا».

ويمثل هذا التقرير ثمرة جهود مشتركة بين وكالات الأمم المتحدة وشركائها والدول الأعضاء والبنك الدولي والمنظمات الإقليمية الحكومية والمؤسسات التقنية وشبكات المجتمع المدني والمؤسسات الأكاديمية وشركاء آخرين للاستراتيجية الدولية للأمم المتحدة للحد من الكوارث. وفي هذا السياق، أفاد أندرو ماسكري، أحد مؤلفي التقرير أن: «أهم النتائج التي خلص إليها التقرير تتمثل في أنه حتى من دون تغير المناخ لا تزال حدة الكوارث تتزايد في جميع أنحاء العالم... وإذا أضيف تغير المناخ إلى هذه الأنماط من المخاطر فإن ذلك سيشكل صورة كارثية تماما».

وانتهى التقرير، وهو الأول الذي يصدر عن الاستراتيجية الدولية للحد من الكوارث التابعة للأمم المتحدة، إلى عدد من التوصيات، ضمن ما أطلق عليه اسم «خطة العشرين نقطة للحد من المخاطر»، رأى أنها قد تكون كفيلة بتخفيف أثار الكوارث الطبيعية، إذا ما التزمت الحكومات المختلفة بما ينبغي عليها نحو حماية شعوبها. وهو ما سنعرض له في مقال مقبل.

 

 

أحمد الشربيني 





 





المساعدات الإنسانية عادة ما تكون ضئيلة قليلا، ومتأخرة قليلا ودائما ليست على المستوى المطلوب





فيضان نهر «كوزي» في أغسطس الماضي أعلنته الهند «كارثة قومية»





زلزال سيشوان في مايو 2008 قتل ما لا يقل عن 87556 وأصاب ما يزيد على 365 ألفا آخرين





الإعصار الاستوائي «نرجيس» قتل 140 ألف نسمة في«ميانمار»