هل قدمت العقيدة اليهودية حقاً ديانة التوحيد؟!

هل قدمت العقيدة اليهودية حقاً ديانة التوحيد؟!

مزاعم كثيرة أحاطت بالعقيدة اليهودية منذ زمن طويل، اختلطت فيها الديانة بالأساطير، والسطو على عقائد الآخرين بعد تزييفها. وهو ما اشارت اليه الآية الكريمة سورة البقرة آية 79فويلٌ للذين يكتبون الكتاب بآيديهم ثم يقولون هذا من عند الله صدق الله العظيم.

قيضت مجموعة من الظروف التاريخية ذكراً عظيما واستمراراً مدهشاً ـ عبر المأثور الديني ـ لواحدة من القبائل الهامشية القديمة هي القبيلة الإسرائيلية، التي جاءت إلى منطقتنا من مكان بعيد لم يزل تحديده بشكل دقيق مثار خلاف بين الباحثين والمؤرخين، مع أن تلك القبيلة في حقيقة أمرها لم تكن بهذا الذكر في مراجع التاريخ كعلم.

وقد دانت هذه القبيلة بدين يعرف باسم الديانة اليهودية التي تنسب إما للسبط يهوذاِ أحد الأسباط الاثنى عشر أبناء يعقوب في أساطير الآباء البطاركة الأولين، وهو الرأي المرجح، وإما لرب اليهودية المعروف في التوراة باسم يهوه أو جاهوفاه أو ياه أو إهيه أو يهيه على مختلف التنغيمات. وهو الذي ـ حسبما تقول التوراة ـ قد ظهر لموسى في تجلٍ سحري على هيئة لهب مضئ ينبعث من شجرة لا تحترق باللهب.

رواسب بدائية

ورغم ارتفاع شأن يهوه في أفق الديانة اليهودية في طورها المتأخر فإنه لم يكن كذلك في البدء أبداً، لأن عقائد القبيلة أو القبائل المنعوتة باسم إسرائيل حسبما وصلتنا في كتابها المقدس (العهد القديم) تتضمن رواسب لأشكال بدائية من عبادات الحيوانات كالسوائم النافعة مثل الثور والخروف، أو الضارية الصحراوية كالذئب والضبع، إلى عبادة قوى الطبيعة كالشمس والقمر والمطر والأنهار والبراكين، إضافة إلى عبادة الأسلاف الغوابر. كذلك عبد هؤلاء أرباب المنطقة وخاصة آلهة الخصب الكنعانية "البعول: جمع بعل أي سيد أو رب". وقد تميز من بين تلك البعول البعل الرافدي (تموز)، والبعل الكنعاني (بعل مولك/ أي السيد الملك)، والبعل الفينيقي (أدونيس) واسمه بحذف التصريف الاسمي (يس) هو (أدون) أي السيد أو الرب أيضا. وأيضا عبدوا كبير الأرباب السامية وشيخها ورئيس مجمعها "إيل".

كما عبدوا ربات الزرع والخضر مثل عشتروت الرافدية وعشيرة الفينيقية وعناة الكنعانية، وكلهن زوجات لأرباب الخصب البعول، وكان الثور عادة هو الرمز الأعظم تجليا والمشترك الواضح بين تلك البعول لما يتميز به من فحولة جنسية تقارن بخصب الطبيعة وعطائها. كذلك عبدوا عبادات مصرية واضحة مثل اليورايسي الحية المصرية حامية الملكية والتاج، ومراكب الشمس التي تحمل رب الشمس رع في جولته السماوية من الشرق إلى الغرب. ونماذج لهذه العبادات نقرأ بالعهد القديم (فقال لهم هارون: انزعوا أقراط الذهب التي في آذان نسائكم وبنيكم وبناتكم وائتوني بها.. فأخذ ذلك من أيديهم وصوره بالإزميل وصنعه عجلا مسبوكا، فقالوا: هذه آلهتك يا إسرائيل التي أخرجتك من أرض مصر/ خروج 32/1 ـ 4).

وفي سفر العدد (25/1 ـ 3) نجدهم يعبدون بعل قغور في بلاد مديان، وفي سفر القضاة (2/11 ـ 7) يعبدون مع البعل الأنثى السماوية المخصبة عشتروت ربة الجنس والخصب. وقد عبدأعظم ملوكهم طراً (شلما) المعروف باسم (سليمان) عدداً من الآلهة (فذهب سليمان وراء عشتورت آلهة الصيدونيين وملكولم رجس العمونيين.. وبنى سليمان مرتفعة لكموش رجس الموآبيين على الجبل الذي تجاه أورشليم ولمولك رجس بني عمون/ ملوك أول 11/1ـ 8). وبعد موت سليمان سار الملك يربعام على ذلك الدرب (وعمل عجلي ذهب وقال لهم: هوذا آلهتك يا إسرائيل الذين أصعدوك من أرض مصر/ ملوك أول 12/28). ويحدثنا سفر (ملوك ثاني) (18/14) أن الحية نحشان (أي الحنش) ظلت تعبدمنذ صنعها لهم موسى في سيناء وحتى زمن الملك يوشيا. وذات السفر يؤكد أنهم قد عبدوا رع رب الشمس المصري لأنهم كانوا يسجدون لمركبه السماوي (عبادة مراكب الشمس). ويحدثنا سفر (ملوك ثاني) عن الملك حزقيا بن أحاز الذي كان متعصبا لعبادة يهوه، وكيف أنه (هو أزال المرتفعات وكسر التماثيل وقطع السواري وسحق حية النحاس التي عملها موسى لأن بني إسرائيل كانوا إلى تلك الأيام يوقدون لها (أي يقربون لها القرابين) ملوك ثاني 18/4). وقد عبد البطاركة الأوائل من إبراهيم إلى إسحق إلى يعقوب حتى زمن موسى، الإله السامي المعروف بكبير الآلهة (إيل)، لكن إلى جواره كانت عبادة الأصنام شيئا اعتياديا معلوما بالتوراة. فهذه راحيل زوجة يعقوب تسرق أصنام أبيها المنزلية اعتزازاً بها، عندما غادرت موطنها حاران إلى فلسطين بصحبة زوجها يعقوب (تكوين 31/34). وقد بقيت هذه الآلهة مع غيرها في بيت يعقوب على ما يفهم من الإصحاح (35/2.1) من سفر التكوين. كذلك نجد ذات الأصنام المنزلية موجودة بشكل اعتيادي في بيت الملك داود بن يس بعد قرون طويلة باسم الترافيم، وهو ما يوضحه لنا سفر صموئيل أول 19/12، 13، بل يبدو أن يهوه نفسه وهو في عزه عند مطلع القرن السادس قبل الميلاد لم يكن متفرداً، فهناك جالية يهودية عاشت في ألفنتين عند أسوان بمصر وحافظت على مأثور اختفى في التوراة ولم يذكر، فكانت تعبدإلى جوار يهوه زوجته عناة يهوه، ومعلوم أن اسم عناة كان لربة الخصب الكنعانية، وهو اسم زوجات البعول بشكل اعتيادي.

قبائل وآلهة

والإله يهوه نفسه في التوراه وبلسانه هو لم يدع لحظة أنه رب البشر أجمعين بمفرده، بل كان نقيض ذلك تماما، فهو يعترف ببساطة بوجود آلهة أخرى أبدى غيرته منها ووجد أن من حقه على الشعب الذي اختاره أن يميزه عن هذه الآلهة ويعبده دونها، لذلك كانت الوصية الأولى بين الوصايا العشر (لا يكن لك آلهة أخرى أمامي/خروج 20/3). لذلك ـ ومثل جميع القبائل ـ أجلّت القبيلة الإسرائيلية ربها يهوه، وعبرت التوراة عن انزعاجها من عبادة الإسرائيليين لآلهة أخرى لقبائل أخرى، فالمزمور 86/8 ينادي مؤكدا: (لا مثل لك بين الآلهة يارب)، ويقول المزمور 135/5: (عرفت أن الرب عظيم وربنا فوق جميع الآلهة). أما أمر يهوه لموسى وأتباعه فكان: (لا تسجد لإله آخر لأن الرب اسمه غيور، غيور هو/ خروج 34/14). وكان الشرك بمعنى عبادة آلهة عديدة واضحا في أفق تلك العقيدة منذ بدئها حتى نهاية تدوين الكتاب المقدس اليهودي، ففي أسفاره الأولى المبكرة نجده يقول صراحة: (آباؤكم.. عبدوا آلهة أخرى/ يشوع 24/2)، والآباء هم البطاركة من إبراهيم حتى موسى. ولم يقتصر ذلك على زمن إيل والبطاركة الأوائل، بل يبدو أنه كان سمة زمن يهوه منذ موسى، فترنيمة الخروج تتساءل: (من مثلك بين الآلهة يارب? خروج 15/11) و(الآن علمت أن يهوه أعظم من جميع الآلهة/ خروج 18/11)، وحتى الأزمنة المتأخرة المفترض أن يهوه قد تفرد فيها بالعبادة وحده نسمع النبي إرميا ينادي شعبه صارخا فيه: (بعدد مدنك صارت آلهتك يا يهوذا/ إرميا 11/13).

وخلال ذلك السير التطوري الطويل كان كهنة يهوه وأنبياؤه يكافحون طوال الوقت العبادات الغريبة الأخرى، وحاولوا ـ خاصة في الأسفار الأخيرة ـ تمييز يهوه بحسبانه ربا عالميا. ومع التطور أمكن لهم إدماج جميع الرموز المعبودة في رب واحد هو يهوه، الذي صار ربا واحداً لكن تتجلى فيه قدرات آلهة أخرى قديمة، فهو رب البرق والرعد والأعاصير مثل بعل، وهو الذي ينزل السخط والعذاب والجوع والجفاف مثل سيت المصري، وهو رب الرحمة رغم ذلك مثل (أوزيريس المصري، وهو أيضا رب البراكين والزلازل المدمرة، وهو الذي قتل الحية الشريرة المعروفة في مصر باسم أبوفيس عدو رع الشمس، والمعروفة في بلاد الشام باسم لوياثان الحية متعددة الرءوس، ومثلما كان رع وأتباعه ينتصرون على أبوفيس كل يوم لتعود الشمس ساطعة في اليوم التالي، وكما كان البعل ينتصر على لوياثان، فإن ذات المهمة قد نسبت إلى يهوه، فنجد وصفا مرعبا للوياثان في الكتاب اليهودي المقدس يقول: (من يفتح مصراعي فمه، دائرة أسنانه مرعبة، عطاسه يبعث نوراً وعيناه كهدب الصبح.. من فيه تخرج مصابيح، شرار نار يتطاير منه، من منخريه يخرج دخان كأنه من قدر منفوخ أو من مرجل، نفسه يشعل حجراً.. أيوب 41/14 ـ 20).

وهذا التنين الثعباني قد قتله يهوه في النص (أنت شققت البحر بقوتك، كسرت رءوس التنانين على المياه، أنت رضضت رءوس لوياثان/ المزمور 74).

وهو الأمر الذي سجلته لنا ألواح أوغاريت المكتشفة على الساحل السوري/ رأس شمر الآن، فنقرأ في ملحمة البعل (في ذلك الوقت ستقتل لوياثان الحية الهاربة وتضع نهاية للحية الملتوية شالياط ذات الرءوس السبع). وقد كررت هذا النص التوراة في قولها نصيا(في ذلك اليوم يعاقب الرب بسيفه القاسي العظيم الشديد لوياثان الحية الملتوية/ إشعيا 27/1). وأدمجت جميع الآلهة ووظائفها في شخص يهوه، بعضها كان يمثل الخير، وبعضها الآخر يمثل الشر، ومثل يهوه الاثنين (أنت فجرت عينا وسيلا، أنت ألبست أنهاراً دائمة الجريان، لك النهار ولك الليل أيضا/ المزمور/74). لذلك ـ وبالضرورة ـ احتسب أن الخير والشر ينبعان كلاهما من يهوه الواحد بذات الدرجة دون تناقض. لكن ذلك أدى إلى مشكلة مستعصية ظلت بعد ذلك أرقا دائما للأنبياء والكهنة.

شعب مختار.. ولكن من اختاره؟

وتتمثل المشكلة في أن الديانة اليهودية على غير المعتاد في جميع الديانات، اختار فيها الرب شعبه إسرائيل من دون الناس ليتأله عليه وينقذه من ظلم المصريين بينما المعتاد أن تختار الشعوب آلهتها.

أي أنه خص تلك القبيلة دون العالمين بذاته وعبادته وفضلها على العالمين، ومع ذلك فإن هذا الرب الذي جمع صفات آلهة الخير مع آلهة الشر، لم يكن ينزل الشر فقط بالآخرين الأغيار غير اليهود، بل باليهود أنفسهم بشكل يكاد يكون أكثر من الآخرين، لقد كانت مهمته بعد دمج الآلهة في شخصه إنزال الشرور بالأعداء فما باله ينزل نقمته على شعبه الذي اختاره واصطفاه وفضله على العالمين? وتفاقمت المشكلة بعد انقسام مملكة سليمان وظهور قوى جبارة أخرى في الشرق كالأشوريين والبابليين إضافة إلى المصريين، وهم من جعل المملكتين الإسرائيليتين كرة يتقاذفونها فيما بينهم، إضافة إلى سنوات القحط والمجاعة المتواترة، ناهيك عن أولئك اليهود الذين أخذوا بالإثراء على حساب الآخرين بجشع لا يرحم، وهنا ظهرت المفارقة ما بين الإيمان بإله حليف للشعب ظهر أصلا لإنقاذ هذا الشعب وحمايته، وبين ما بات يعانيه من آلام وخطوب لاشك أن الذي ينزلها يهوه نفسه بعد عمليات الإدماج الألوهي، فكيف يجوز احتساب هؤلاء شعبا مختاراً أم كان مختاراً للعذاب؟ لقد كان ضروريا من أجل توحيد يهوه الجمع بين السمتين القومية والشمولية، ليصبح يهوه كلي الجبروت وتشمل سلطته الشعوب جميعا، لكن إسرائيل شعبه المختار والمحبوب فكيف يمكن تفسير ما لحق بهم من هزائم من الوثنيين؟

أما المشكلة الثانية التي اعترضت طريق اليهودية وترتبط بالمشكلة الأولى تماما، فهي غياب فكرة البعث والحساب ثم المصير الأبدي إلى ثواب أو عقاب دائمين، عن أفق التفكير الإسرائيلي مثلهم في ذلك مثل بقية محيطهم من الشعوب السامية، يعتقدون أن المصير بعد الموت هو الهبوط إلى مملكة تقع تحت الأرض هي مملكة شيول المظلمة دوما المخيفة، حيث يعيش الموتى على شكل هوام شبحية، وضعها أسوأ من الحياة ومن العدم. الكل فيها سواء، الصالح مثل الطالح.

البعث والعقاب

وبينما عالجت جارتهم الكبرى مصر هذه المشكلة مبكراً فقررت وجود عالم آخر بعد بعث جسدي فيه ثواب وعقاب عن العمل في الحياة الدنيا، حتى يمكن الاعتراف بعدل الإله، ويأخذ الشرير عقابه وينال الخير ثوابه، فإن الديانة الإسرائيلية ظلت منذ فجرها وحتى القرن الثاني قبل الميلاد تعتقد أن الثواب والعقاب دنيويان.

فالصالح من عباد يهوه ينال حياة أطول وخيراً مادياً، بعكس الشرير المنحرف دينيا يموت مبكراً بقرار إلهي ولا ينال خيراً في دنياه، فيضربه يهوه بالأمراض والسقم والفقر والخيبة ثم يموت حزينا كميداً. اليهودية كانت تثق في يهوه وترفض وهم العزاء الأخروي زمنا طويلا. لكن يهوه أبداً لم يأبه، الوثنيون أعزاء كرام بين العالمين، والإسرائيليون يكابدون، وبين اليهود أنفسهم يعيش الشرير وأصحاب المال عيشة رغداً ويتمتعون بالصحة والعافية، بينما يموت المؤمن بيهوه المخلص له فقيراً مريضا بعد أن ذهبت تضرعاته هباء. وهو الأمر الذي أدى إلى نزعات شك وإلحاد بدأت تنتشر بين هؤلاء نجدها واضحة في أسفار مثل سفر الجامعة وسفر أيوب.

ونتيجة انتشار الموجة الإلحادية قام الأنبياء يحاولون تبرير يهوه وتبرئته بالقاء اللوم في كل محنة على الشعب الإسرائيلي لأن بعضه ولو كان أفراداً قلائل لم يستقيموا في عبادة الرب وخانوه مع آلهة أخرى أو شعوب أخرى. وتتالت الخطوب تأخذ بعضها برقاب بعض حتى العصر الهلليني الذي أطلق عليه عصر الآلام، عشية مجيء القرن الأول الميلادي بقرنين، فقامت اليهودية تأخذ بالعقيدة الأخروية المصرية كأبرز تبرير للإله حيث سيمكن تحقيق العدل وتعديل الموازين لكن فيما بعد، عندما يأتي (يوم يهوه)، وينال المخلصون ثوابا أبديا ويذهب الآخرون إلى العار الأبدي. وبذلك يتحقق ليهوه ما كان ناقصا وهو العدل الذي لم يحدث في دنيانا الفانية ولا مرة واحدة.

اليهود والمأثورات المصرية

هنا يجب ألا نغفل أن هذا التطور الجديد وإن حدث في فلسطين، فإن فلسطين إبان ذلك كانت تموج بالأفكار المصرية، كما كانت تموج بها مختلف بقاع المتوسط الشرقي. ومن هناك، وعبر الديانة اليهودية قدر للعقيدة الأخروية لتبرير الإله أن تجد طريقها إلى المأثور السامي، فتصبح من بعد ركنا ركينا في ديانات شرقي المتوسط الكبرى، حتى أنها أدت إلى تطور الديانة اليهودية إلى ما يعرف بالديانة المسيحية، ثم جاءت بعد ذلك أحد الأسس الإيمانية في قانون الإيمان الإسلامي: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره.

لكن هذا المأثور المصري القديم جداً لم تتقبله اليهودية إلا متأخراً جداً وهي تلفظ آخر بقاياها مع آخر أنبيائها لينتظر اليهود بعد ذلك وحتى اليوم يوم يهوه الذي يسودون فيه الدنيا. وبينما تدفع العقيدة الأخروية بالدماء إلى شرايين اليهودية يبدأ الصراع بين القديم التقليدي الرافض للبدعة المصرية، وبين الجديد الذي وجدها ضرورة استمرار حتمية، لينتصر الجديد، فيأخذ العقيدة برمتها مع ربها أوزيريس الإله الطيب رب النور والخصب والخير، الذي يموت شهيداً من أجل رعاياه ويقوم في اليوم الثالث لموته في قيامة مجيدة، ليمنح من يؤمن بموته وقيامته حياة خالدة في عالمه الآتي، وتنادي الأناجيل هاوية عالم الموتى تحت الأرضي تقول أين شوكتك: يا موت أين غلبتك يا هاوية? الموتى الان يقومون، يصعدون ولا ينزلون، ويستبدل أوزيريس بيسوع الإسرائيلي وتظهر في أفق الدنيا ديانة جديدة هي اليسوعية أو المسيحية أو النصرانية نسبة إلى الناصرة حيث ولد المسيح. تنتصر على القديم ويتجدد القديم بجديد كان قديما مصريا، ويقوى أمرها ويستتب عندما تعتنقها الإمبراطورية الرومانية ديناً رسميا تفرضه على رعاياها فرضا.

لكن كي تتم تبرئة الإله نهائيا مما يحدث لعبيده الخلص من نوازل، كان لابد من العثور على مصدر للشر، وهنا تعود الإنسانية إلى فجر قديم عندما كانت العقائد القديمة تقول بإلهين للخير وللشر، أوزيريس وسيت في مصر، وبعل وموت في كنعان، وأهور فردا واهريمان في إيران، ووقع اختيار التيار الإسرائيلي الجديد (المسيحية) على شخصية عابرة وردت بالتوراة باعتبارها من بني الله. وبنو الله في التوراة عنصر هجين ناتج عن زواج الله ببنات الناس، وذلك الابن هو الذي يحمل اسما عبريا ترجمته: الغريم أو الواشي، واسمه (شاطان).

وكان يتوجب على شاطان أحيانا (في الأسفار المتأخرة من العهد القديم) أن يقوم بتجريب الناس في إيمانهم بتكليف من يهوه، فيضرب المخلصين اختباراً لإيمانه

 

سيد القمني