الحروق المنزلية.. الأسباب والعلاج

الحروق المنزلية.. الأسباب والعلاج

تحيط بنا العديد من مصادر الطاقة والحرارة، وإذا لم نأخذ الحذر، فقد تصيبنا بالحروق وتؤذي طبقة الجلد التي تمثل خط الحماية الأول.

يتكون جلد الإنسان من طبقتين تشريحيتين، تعرف الظاهرة منهما بالبشرة Epidermis، والباطنة منها بالأدمة Dermis. وتتفرع كل من هاتين الطبقتين إلى طبقات أخرى أدق، تتوزع خلالها خلايا الجلد المختلفة، في نسق دقيق، حتى يتسنى لها القيام بوظائفها المختلفة ، فسبحان من أحسن كل شيء خلقه.

ولجلد الإنسان وظائف عديدة مهمة، تجعله أحد أهم أعضاء الجسم التي تلزم لاستمرار حياته بصورة طبيعية. ولعل من الضروري هنا أن نذكر أن إصابة مساحة واسعة من جلد الإنسان بالحروق أياً كان سببها قد تؤثر في حياة المصاب، وتصبح الحروق بذلك وفقاً للدراسات الإحصائية، رابع سبب للوفاة حول العالم، في سُلّم الأسباب المختلفة للوفاة.

وجلد الإنسان يعمل حاجزاً ميكانيكياً، يقي جسم صاحبه من دخول الجراثيم والأحياء الدقيقة الأخرى، وهو بذلك يعد خط الدفاع الأول أمام غزو تلك الكائنات الضارة التي تتمكن من غزو الجسم، في حال عدم تغليف الجلد له، وبالتالي إصابته بالعديد من الأمراض الالتهابية الخطيرة.

ويحوي جسم الإنسان أيضاً، كميات كبيرة من السوائل التي يقف الجلد السليم أمامها حائلاً قوياً يمنع تبخرها، وهذا يحافظ على رطوبة الجسم الداخلية، وعدم تعرضه للجفاف.

وللجلد أيضاً دور مهم في تنظيم درجة حرارة الجسم ، كما أن له دوراً في صناعة بعض الفيتامينات، وتنظيم ضغط دم الجسم.

أسباب الحروق

تحيط بنا العديد من مصادر الطاقة والحرارة، وتتفاوت شدة هذه المصادر بين الخفيف والمتوسط والشديد. ويعتمد الأذى الناتج عن ملامسة الجلد لمصادر الحرارة تلك، على قوة المصدر الحراري، والمدة التي تعرض الجسم خلالها إلى تلك الطاقة الحرارية، وبصورة عامة تقسم أسباب الحروق إلى:

1 - حروق السوائل الساخنة والمغلية، وهذا النوع من الحروق يكثر لدى الأطفال.

2 - حروق النار.

3 - حروق التيار الكهربائي وبطاريات الطاقة.

4 - حروق كيميائية ناتجة عن ملامسة الجلد لبعض المواد الحمضية أو القاعدية. ويكثر حدوث ذلك، في المصانع التي تعتمد في صناعاتها على استخدام مثل تلك المواد.

وقد صنف الأطباء هذه الحروق إلى ثلاث مجموعات رئيسة، وذلك بناء على مساحة الجلد المصابة وهي:

1 - الحرق الكبير.. وهنا يصاب أكثر من 30 % من مجمل مساحة سطح الجلد.

2 - الحرق المتوسط.. وهذا يصيب بين 15 إلى 30 % من مجمل سطح الجلد.

3 - الحرق الخفيف وبه يصاب 15 % أو أقل من مساحة الجلد.

وهناك من يصنف الحروق إلى حروق سطحية، تصيب طبقة البشرة فقط، وأخرى عميقة تصاب خلالها البشرة، وجزء من أدمة الجلد، وفي حال الحروق العميقة، فإن الأثر التخريبي قد يمتد إلى أعمق من ذلك ليصاب كامل طبقتي الجلد، وهنا تعرف الإصابة بحرق الدرجة الثالثة، وفي بعض الحالات فإن تأثير الحرق قد يمتد إلى أعمق من ذلك، وقد تصاب حينها العضلات أو العظام. ويعرف هذا الحرق بحرق الدرجة الرابعة، وهو بلا شك أخطر أنواع الإصابات على الإطلاق.

مضاعفات خفيفة.. وأخرى شديدة

كما هو الحال مع غيرها من الأمراض والإصابات، فإن للحروق بعض المضاعفات التي تتراوح خطورتها بين الخفيف والشديد.

ومن تلك المضاعفات ما يحدث موضعياً، أي في مكان التعرض للإصابة بالحرق، ومن ذلك: التهاب الجلد، وتشوهه، وتساقط الشعر، وحدوث النزيف. ومن المضاعفات ما يصيب الجسم بصورة عامة. وهنا تتأثر بعض أعضاء الجسم الأخرى بسبب احتراق الجلد ، فقد يصاب المريض بالاختناق الذي ينتج عن الأبخرة والغازات المصاحبة لعملية الاحتراق. وقد يصاب المريض بفشل الكلى وقرحة المعدة وانتشار الجراثيم من مكان الحرق إلى أجهزة الجسم المختلفة. وقد يظهر لاحقاً فشل القلب، وفقدان سوائل الجسم واضطراب نظام المعادن والأملاح فيه.

إسعافات أولى

يجب الإسراع في تقديم الإسعاف والعلاج اللازمين إلى الشخص المصاب بالحرق، ويهدف ذلك إلى وقاية الجسم من المضاعفات والمخاطر التي تنتج عن تلك الإصابة. ويمكن لنا تحديد النقاط الأساسية الإسعافية والعلاجية كما يلي:

1 - تعتمد النقطة الأولى في البرنامج العلاجي، على إبعاد المصاب عن مصدر الحرارة، وتجريده من الثياب المتأثرة بذلك المصدر، وذلك لأن بقاء الثياب المحترقة في تماس فوري مع الجلد، يقود إلى المزيد من التأثير المخرب للحرارة في أنسجة الجسم.

2 - ويأتي بعد ذلك، دور صب كميات وفيرة من الماء فوق الجزء المصاب بالحرق، ويخفف هذا الماء من حدة الألم، كما أنه يحد من انتشار الإصابة، وله دور في تخفيف حدة التورم الذي سيظهر لاحقاً في المكان المصاب.

3 - ويتم بعد ذلك تغطية المصاب بثوب نظيف، وينقل بعدها بأسرع ما يمكن، إلى أقرب مستشفى أو مركز صحي متخصص، وهناك يتم تخفيف الألم بإعطاء الأدوية المسكنة، ويتم تقييم حدة المرض، وتحديد نسبة الحرق، والبدء حينها بتقديم العلاج النوعي للحرق.

4 - وحجر الأساس في علاج الحرق يعتمد على تعويض السوائل التي سيفقدها الجسم سريعاً نظراً لإصابة الجلد، وقد علمنا أن الجلد السليم يقف مانعاً أمام تبخر سوائل الجسم، ولذلك فإن كسر هذا المانع، سيسمح لسوائل الجسم بالخروج سريعاً، وهذا ما يجب تعويضه بأسرع ما يمكن، وتعتمد كمية السوائل المعطاة على عمر المريض، ووزنه، وشدة إصابته، ومساحة حرقه، وتعطى عادة تلك السوائل في صورة محاليل وريدية.

5 - وبعد استقرار الحالة العامة للمريض، فإن بعض الحالات قد تحتاج إلى علاج جراحي. وأكثر عمليتين جراحيتين يتم إجراؤهما في قسم جراحة الحروق، هما إزالة الجلد الميت Escharectomy، إذ إن بقاء هذا الجلد، قد يؤدي إلى انتشار الالتهاب ووصوله إلى مجرى الدم، وإصابة أعضاء أخرى سليمة، ولذلك فإن من الحكمة المسارعة في التخلص من ذلك الجلد الميت عديم الفائدة.

والعملية الأخرى تعرف بعملية تطعيم الجلد Skin grafting وهنا يتم أخذ جزء من جلد سليم غير محروق، ليتم زراعته مكان الجلد المحروق، ويتم بذلك تغطية الأجزاء المكشوفة من الجسم المصاب.

6 - وبمرور الوقت ، فإنه قد تظهر على المريض بعض التشوهات وبخاصة في حال الحروق العميقة، وهذه تستدعي تدخلاً جراحياً تجميلياً، ويختلف هذا من حالة إلى أخرى، وذلك حسب التشوه الذي نتج عن الإصابة.

بقي لنا أن نتذكر الحكمة المعروفة، التي تنص على أن درهم وقاية خير من قنطار علاج، ويمكن لنا بإذن الله - حماية أجسامنا من مخاطر التعرض إلى إصابات الحروق، باتباع بعض وسائل الوقاية، ولعل من أهمها: إبعاد الأطفال عن مصادر الحرارة وخاصة في المطبخ المنزلي، الذي يوجد فيه أهم مصدرين حراريين، وهما النار والماء المغلي المعدان لأغراض الطهي. ويجب توفير أجهزة إطفاء الحريق البسيطة في المنازل والمكاتب ووسائل النقل، ومن دورها إخماد الحرائق قبل انتشارها. وأخيراً، فإن اتباع وسائل الأمان، وتوخي الحيطة والحذر أثناء التعامل المباشر مع مصادر الطاقة المختلفة، يبقيان حجر الأساس في هذا المجال.

 

 

حذيفة أحمد الخراط