مساحة ود

مساحة ود

حين فقدت الإحساس

لقد خمدت حرائق الثورة في دمي، وسكن الجليد أزقة شراييني. لم تعد كلمة حنونة تشعلني.. تطفئني.. تزلزل كياني. لم تعد للأغنية الرومانسية القدرة على نقلي الى مدن الاقحوان، هناك حيث الشمس ساطعة، والقمر دائماً فضي كبير، والمطر ناعم، والأخضر دائم الخضرة. هناك حيث للورد روعة الألوان، والسماء متلألئة بالنجوم. حيث يحلو لي مرافقة الفراشات، والتسابق مع السواقي، وتسلق الجبال لتمشيط جباهها. هناك حيث الألحان سيمفونية، والبراءة أغنية، والحب صادق، والصداقة محبة، والمحبة فعل إيمان.

الاحتفال كان صاخبا في دمي، والاحساس مرهف في قلبي، لي قدرة السفر عبر الأزمنة والأماكن، وعلى نسج قصص الغرام حيث الحب رواية رومانسية بنهايتها يتزوج الأبطال (بالإذن من الراحل الكبير نزار قباني). روايات سكانها من طبيعة ملائكية، لا يعرفون الخداع، متحضرون، يأكلون الورد ويشربون الماء والسكر، يؤمنون بالله والإنسان والوطن.

لم تعد الدموع تجرحني، فلدي بحور منها، لم تعد الجراح توجعني، تخدرت المشاعر من كثرتها. لم تعد النهايات المأساوية تبكيني، فكل نهاياتي أصبحت مخيبة للآمال.

لم أعد أؤمن بوطن الأخوين رحباني، لم يعد عشق أم كلثوم يلهمني، ولا رومانسية عبد الحليم تهزني، لم تعد سخرية زياد الرحباني تضحكني وتوجعني، لم تعد ثورة مارسيل خليفة تستمد نيرانها من دمي. لم تعد تعنيني القضايا الكبرى، لم أعد أؤمن بالإنسان والوطن.

لائحة الانفعالات اختلطت على مشاعري، أصبحت النكتة تبكيني، والتراجيديا تضحكني، وقصص الخداع تشفي غليلي، لم يعد لي القدرة على الحب أو على الكره.

لم تعد لي القدرة على الكتابة، أصبحت أكتب القصص بلغة الخطاب السياسي، والمقالة لم تعد مقالة، أصبحت مرثية، وكأنني سأتلوها في مأتم العقائد والفكر والقضايا العامة.

لم يعد بي وفاء للأماكن، لم أعد أتردد الى مراتع الصبا والشباب، زيارة الأماكن لم تعد تثير فيّ الحنين إلى أناس مروا في حياتي، وغابوا مع آخر شعاع للشمس.

حتى صلاتي أصبحت مجرد أداء واجب.

وأنا في طاعة الصلاة بين يدي الخالق عز وجل، لم أعد أسمع رفيف أجنحة الملائكة المتنقلة بين محراب الصلاة والسماء، لم أعد أحس بذلك الاتحاد بالكون الذي يكبر ويكبر ليسع الأرض والسماء.

لقد فقدت الإحساس. كل ذلك منذ أن أصبحت عاطلة عن العمل.

فيا كل ثورات العالم اشتعلي في دمي كي يذوب الجليد، فأستعيد مشاعري وانفعالاتي، وصخب الاحتفال.

 

 

لينا شيباني