وأطفالنا هل نحمي حاضرهم وصولا إلى مستقبلهم؟ أمينة شفيق

سجلت دراسة لمنظمة اليونيسيف أن 14 مليون طفل دون سن الخامسة ينتمون إلى دول العالم الثالث يموتون سنويا نتيجة لإصابتهم بثلاثة أمراض هي الحصبة والتيتانوس والنزلات الشعبية. أي أن معدل وفيات هؤلاء الأطفال بسبب هذه الأمراض يصل إلى 250 ألف طفل كل أسبوع.

تضيف الدراسة أن الأطفال الذين يموتون نتيجة للمجاعة الناتجة عن الجفاف أو عن الفقر، يبلغ عددهم سنويا ومنذ بداية العقد السبعيني مليون طفل. من أقطارنا يموت الأطفال من الجوع أكثر من موتهم من المجاعة.

تنتمي أقطارنا العربية إلى العالم الثالث، أي أن نسبة من هذا العدد الكبير من الوفيات تحدث في الوطن العربي حيث تتفاوت أشكال وأنواع رعاية الطفولة. يحدث التفاوت بسبب الفروق الشاسعة في ثراء أقطار دون أقطار، أو ثراء أسر دون أسر أخرى. فلا شك أن القطر الأكثر ثراء يقدم خدمات للطفولة تفوق تلك المقدمة في الأقطار التي تعاني من أزمة اقتصادية. كذلك الأسر، فالأسرة الأكثر ثراء توفر رعاية لأطفالها أكثر من تلك التي يحصل عليها أطفال الأسر الأقل ثراء.

يحدث هذا في الوقت الذي تشير فيه الدراسات الإحصائية إلى أن معدلات المواليد لا تزال تسجل في أقطارنا العربية ارتفاعا مستمرا وأن نسبة من هم دون الخامسة عشرة تزيد بشكل عام على 45% من تعداد السكان على مستوى كل الأقطار العربية.

بمعنى أن الأسرة العربية تنجب بأعداد أكبر من قرينتها الأوربية في الوقت الذي يتعرض فيه أبناؤها إلى نسبة أعلى من الوفيات.

لذلك يمكن القول أن الطفولة العربية تحتاج إلى جهد متزايد بسبب عددها الكبير أو بسبب الأخطار التي تواجهها.

طفولة أوربا

تمر أوربا وكذلك كل البلدان المتقدمة صناعيا والمسماة بدول العالم الأول بمرحلة تتميز بجنوح الأزواج والزوجات إلى تكوين الأسر الصغيرة ، لا ينجب الوالدان إلا طفلا أو طفلين على أكثر تقدير. وبالرغم من كل الحوافز المادية والقانونية التي تقدمها الحكومات في تلك الدول، فالأسر تتمسك بفكرة وسياسة الإقلال من الإنجاب (أنظر المقال السابق) لذلك يقولون إن القارة الأوربية تحديدا ستتحول خلال عقد زمني واحد إلى ما أسموه بالقارة البيضاء، أي القارة التي يعلو رءوس مواطنيها الشعر الأبيض كدليل وتعبير عن تزايد عدد الشيوخ والكهول ومن هم على المعاش على عدد الشباب ومتوسطي العمر.

وهي تشير إلى أن الأقطار العربية تسير في طريق معاكس تماما.

في أقطارنا تتزايد معدلات المواليد، في حين في أوربا تتناقص تلك المعدلات.

في أقطارنا تتزايد معدلات الوفيات، في حين في أوربا تتناقص تلك المعدلات.

في أقطارنا تتزايد نسب الشباب ومتوسطي العمر على نسب الشيوخ والكهول في حين يحدث العكس هناك.

وهو ما يشير إلى تفاوت الموقف الحضاري العام من الطفولة هنا أو هناك، وهو موقف لم يعد في إمكاننا قبوله باستهتار أو عدم مبالاة، فالمرحلة الحالية من العلاقات الدولية والتي تتقارب فيها الشعوب والدول نتيجة لانتشار وتطور وسائل الاتصال ونمو حركة حقوق الإنسان، تقتضي منا إعادة النظر في موقفنا تجاه الطفولة والتزامنا نحوها بهدف تطوير ظروف نموها صحيا وعلميا وثقافيا.

إذا أردنا مواجهة التحدي السياسي والثقافي والتقني، وهو التحدي المفروض علينا، فلابد لنا من العمل، من أجل تطوير هذه الظروف التي ينشأ فيها الجيل الجديد الذي سيتحمل مسؤليات الأوطان خلال المستقبل القريب.

عناصر المواجهة

تحتاج الطفولة العربية إلى إعادة صياغة جميع السياسات الموجهة إليها.

في البداية تأتي أولى الاحتياجات وهي الخاصة بالخدمات الصحية التي تحميها من سائر الأمراض التي تنتشر كالوباء وتقضي على نسب عالية منها. ولا يمكن لهذه السياسات أن تحقق نجاحات إلا إذا وجهت في الأساس إلى الطفولة العربية في الريف ومناطق البدو والحضر الفقير. في هذه الأماكن الثلاثة توجد أعلى نسب الإنجاب. كما أن هذه المناطق توجد الأمراض التي تعرض الطفولة إلى حالات الوفاة العالية.

تحتاج هذه الخطوة إلى إعادة توزيع الخدمات الصحية الموجهة للأمومة والطفولة بحيث تعطي أولوية لإنشاء مراكز الرعاية في تلك المناطق البعيدة ليس فقط من ناحية المسافة. بل من ناحية الاهتمام العام، على أن تكون الخدمات خاضعة لفكرة ومبدأ التكامل.

عندما قدمت الدول المتقدمة هذه الخدمات ونشرتها في مناطق بلدانها، فعلت ذلك انطلاقا من مفهوم أن الطفل الذي يتمتع بصحة جيدة يستطيع عندما يشب ويصل إلى سن الشباب أن يمتلك القدرة الجسمانية ليس فقط للدفاع عن الوطن، بل لتقديم الإنتاج العالي في عمله اليومي كذلك.

ثم يأتي الاحتياج الثاني وهو الخاص بالخدمات التعليمية.

في هذا المجال لابد لنا من الاعتراف أن الأطفال العرب الذين هم في سن الإلزام لم يتم استيعابهم جميعا في المراحل التعليمية الأساسية، لا تزال نسبة منهم خارج إطار أو خارج سور المدرسة الأساسية. يعني ذلك أننا من الآن ندفع بأعداد من أبنائنا إلى صفوف الأميين في مجتمعاتنا.

والمفارقة الحضارية التي نرصدها هي أن أطفال أوربا يتعلمون الآن التي نرصدها هي أن أطفال أوربا يتعلمون الآن على أجهزة الكمبيوتر في حين أن أطفال العرب لا يزالون خارج سور المدرسة ولا يملكون القدرة على قراءة الكتاب، ويصعب علينا الآن أن نطلب بتعميم التعليم على الكمبيوتر ولكن من واجبنا المطالبة بأن يجد كل طفل عربي يصل إلى سن الإلزام مكانا له في فصل دراسي، وأن يتمكن من الجلوس أمام مدرس ليتعلم منه فنون القراءة والكتابة والحساب. هذا هو الحد الأدنى الذي لابد أن يقدم لنا.

كما أن المدرسة لم تعد المصدر الوحيد للعلم والمعرفة، لقد سبقتنا المجتمعات المتقدمة في تقديم ثقافة عامة للإنسان حسب مراحل عمره وحسب نوعه - ذكرا كان أو أنثي - وكذلك حسب مستواه الثقافي والعلمي. حتى هذه المرحلة من تطور أقطارنا العربية لا نزال نهمل ثقافة الطفل المستمدة من الكتاب العام غير المدرسي، ومن المجلة الأنيقة الرخصية الثمن. لا يعني ذلك أن هذه المصادر غير موجودة. إذ أنها توجد هنا أوهناك، ولكنها لا تتوافر بالكم والسعر اللذين يتيحان لغالبية الطفولة العربية الاستفادة منها والاستزادة من معارفها.

إن مواجهة هذه المتطلبات الثقافية ستحقق عدد من الأهداف، أولها هو حماية الطفل أو الشاب الصغير من الارتداد إلى الأمية، ثم ثانيا إمداده بالمعارف التي تشكل تكوينه الفكري والثقافي، ثم ثالثا إعطاؤه الفرصة والقدرة على ملاحقة التطور العام الذي سبقته إليه الطفولة في بلدان أخرى.

ثم يأتي الاحتياج الثالث المرتبط بصحة أبدان أطفالنا.

لم يعد هذا الاحتياج من الأمور الثانوية أو الفرعية. إن نظرة عامة على تلك الدورات الرياضية العالمية والإقليمية أو تلك التي تنظم على مستوى القارات تعطى مؤشرات مهمة لضرورة انخراط الإنسان في مجالات الرياضة وفنونها وألعابها منذ الصغر. لا تنحصر هذه الرياضات في ألعاب بذاتها، بل تتشعب وتتنوع في مجموعات من الألعاب الرياضية التي تشكل في مجموعها درجة درجة حضارية بذاتها. فثمة فارق كبير بين أجيال لا تعرف من فنون الرياضة إلا ألعاب الكرة وبين شباب آخر تعلموا وتدربوا على جميع فنونها. كذلك ثمة فارق بين بلد لا يتقدم إلا إلى الدورات الإفريقية لكرة القدم، وبلد آخر يمتلك أعداد من الفرق، هذه لكرة السلة وتلك لألعاب السلاح، وثالثة لألعاب القوى ورابعة لألعاب السباحة .. هكذا.

إن هذه الأجيال من الشباب الرياضي لا تنشأ فجأة، بل يبدأ تكوينها منذ الصغر. يبدأ مع المدرسة ثم يتدرج إلى أن تصل به مهاراته إلى الملاعب العامة، ثم إلى الدورات العالمية.

عندما تسجل منظمة اليونيسيف أن 14 مليون طفل دون سن الخامسة ينتمون إلى بلدان العالم الثالث يموتون سنويا نتيجة للأمراض والأوبئة، فإنها تسجل

أن هذا العدد من الأطفال لا يوجد في بلدان العالم الصناعي، بما يعني أننا نملك الأعداد لكننا نفرط فيها، في حين أن أوربا تمتلك القليل ولكنها تطوره. نحن نواجه التحدي الحضاري الذي يفرض علينا أن نحول الكم إلى الكيف، أي أن نحول ما نملك من إمكانات بشرية إلى قدرات إنسانية.

لن يكون ذلك لصالح الفرد فحسب، ولكنه سيصب في صالح المجتمع ككل.