أطفال أوربا يرسمون مستقبلها رجب سعد السيد

في عام 1900، كان تعداد سكان قارة أوربا يمثل ثلث عدد السكان العالم، تناقص حتى وصل الآن إلى العشر. والمتوقع أن يستمر تعداد الأوربيين في التناقض ما دامو متوقفين عن إنجاب الأطفال تمسكا منهم الحجم الذي يرونه مثاليا للأسرة: ثلاثة أفراد .. أم وأب وطفل واحد.

تدعو الفكرة السائدة في أوربا بعامة إلى أن يكون للأسرة طفلان، غير أن المؤشرات الواقعية تشير إلى انخفاض معدل الخصوبة في المجتمعات الأوربية، خلال العشرين سنة الماضية من 2.6 إلى 1.6 طفل في المتوسط، لكل امرأة أوربية.

لماذا هذا الإحجام الأوربي عن التكاثر؟

يرجع علماء الاجتماع وخبراء السكان ذلك إلى عدة أسباب، أولها تخوف الأوربيين من التقلبات الاقتصادية وعدم وعدم إحساسهم بالأمان الاقتصادي. يلي ذلك مشكلة عدم توافر المسكن المناسب الذي يسمح لأسرة ذات حجم كبير بالحياة بين جدرانه في سهولة ويسر بالإضافة إلى صعوبة الحصول على الرعاية الكافية للطفل الأوربي، في أسرة عادية، فيها أم عاملة. ثم يأتي سبب مهم، وهو تزايد فرص العمل أمام النساء في أوربا، الأمر الذي جعل المرأة هناك تفكر كثيرا قبل أن تتزوج، ثم قبل أن تقدم على إنجاب طفل، خصوصا إذا كان أحد هذين الأمرين سيكلفها خسارة وظيفتها، أو تعطلها عنها لبعض الوقت، مع الأخذ في الاعتبار المردودات الاقتصادية لهذين الاحتمالين على حياتها.

وتتضح خطورة مشكلة تناقض عدد الأطفال الأوربيين عند بحث ستقبل سوق العمالة في أوربا. ويتوقع الخبراء أن يؤدي استمرار الحال على ما هو عليه إلى نتائج اقتصادية خطيرة. وتشير الدراسات الإحصائية أي عدد الأوربيين البالغين سن العمل، سوف يتناقض بشكل واضح في الربع الأول من القرن القادم، مما يعني ارتفاع الأجور يصاحبه تزايد في عدد كبار السن، الذين سوف تتزايد أعباء رعايتهم، إذ سيكون على عدد قليل من العاملين تحمل تكاليف رعاية عدد أكبر من العاجزين. ويزيد هذه المشكلة تعقيداً ارتفاع نسبة الطلاق..إذ إن معنى ذلك وصول الرجل أو المرأة إلى سن العجز في وحدة، ومن غير رفيق يساعده ويعتني به. وتقول الإحصائيات إنه من بين كل 39 عجوزا بريطانية في سن الخامسة والستين، تعيش واحدة دون رعاية زوج، بسبب الطلاق وتزيد النسبة إلى واحد من كل 44 رجلا في السن نفسها. والمتوقع أن ترتفع النسبة في عام 2025 إلى 1 : 8 للنساء و 1 : 12 للرجال، مما يزيد مسألة رعاية المسنين تعقيدا.

اختيارات تحت البحث

فكيف يواجه الأوربيون هذه المشكلة؟

يطرح الفرنسيون عدة حلول لمواجهة المشكلة داخل بلادهم. أول هذه الحلول يثير جدلا واسعا وعنيفا بين أنصاره، وبين قطاع كبير من الفرنسيين، يرى أن فرنسا أتخمت بالأجانب، ويجب التفكير في التخلص منهم بدلا من جلب المزيد. وواضح أن هذا الحل المر يقترح السماح بالهجرة لمزيد من العمالة الأجنبية. ويؤكد أصحاب هذا الحل على أن معدلات الإنجاب الحالية تجعل سوق العمل في فرنسا في احتياج للعمال الأجانب لسنين طويلة قادمة. ولكيلا يهتز الاقتصاد الفرنسي، نتيجة للنقص في الأيدي العاملة، لابد من السمح بدخول 142 ألف نهاجر سنويا، في الفترة بين عامي 2000 و2009، يزيدون إلى 148 ألفا سنويا في العقد التالي، ثم إلى 180 ألفا بين عامي 2020 و2029.

وتتضمن الحلول الأخرى اختيارات، مثل رفع سن التقاعد، وجذب مزيد من النساء لينضممن إلى القوى العاملة، مع بذل المزيد من الجهد لرفع معدلات الخصوبة. ويلقى الاختيار الأول قبولا معقولا، إذ يخدم هدفين: الأول، زيادة عدد دافعي الضرائب. والثاني، تقليل عدد الأفراد غير العاملين، الذين يعتمدون على الإعانات المالية. ويرى الخبراء أن رفع سن التقاعد بمقدار ثلاث سنوات كفيل بأن يحفظ للقوة العاملة في المجتمع مستواها الذي ستكون عليه في عام 2010 حتى عام 2040.

وتشجع حكومات أوربا الغربية على إنجاب الأطفال بكل السبل. ووضعت الحكومة الفرنسية نظاما للعلاوات العائلية، لا يعطي زيادة في دخل الأسرة مع الطفل الأول، بل مع الثاني والثالث.

ونتيجة للاهتمام المتزايد، بدأت معدلات الخصوبة في الارتفاع في بعض الدول الأوربية، مثل ألمانيا والنرويج والدنمارك وبلجيكا وبريطانيا. أما السويد، فقد حققت نجاحا كبيرا، إذا ارتفع معدل الخصوبة فيها من 1.6 في عام 1990، وهي قسمة يراها الخبراء كافية لتحقيق التوازن والاستقرار للمجتمع السويدي. وكانت هذه النتيجة الطيبة بفعل تدخل الحكومة خلال عقد الثمانينيات، فأتاحت للأم العاملة أن تحصل على امتيازات خاصة في العمل، وأجازات مدفوعة الأجر، إذ أنجبت طفلين لا تزيد الفترة بينهما على 30 شهراً.

وبالرغم من هذه النتائج الطيبة، فثمة تخوف من الأجيال الجديدة من الآباء والأمهات، أن يستمروا في تكوين أسر صغيرة، بل أصغر من تلك التي نشأ فيها آباؤهم وأمهاتهم، بالرغم من تحذيرات علماء الاجتماع والسكان ورجال الاقتصاد.