السينما التسجيلية العربية فؤاد التهامي

السينما التسجيلية العربية

وقائع .. ووجهة نظر

مـازال مؤرخـو السينما العربيـة مختلفين حول بـداياتها الـروائية، وربما أضفنـا إلى همومهم موضوع بدايـاتها الـوثـائقيـة والتسجيليـة، ويسعى هـذا المقال إلى إلقـاء الضـوء على هـذا النـوع السينمائي الـذي يعمل أفـراده في الظل ومع ذلك يـؤرخـون لـذاكـرة الأمـة .

"إن العين التي يقولـون عنها إنها نافذة النفس البشرية هي الوسيلـة الرئيسية التي يمكن أن تدرك مظاهر الطبيعة اللا نهائية إدراكـا كاملا، والأذن هي الوسيلـة الثانية وهي تستمد أهميتها من أنها تسمع الأشياء التي رأتها العين" .

ليوناردو دافنشي 1452 - 1519

هل كـان ليونـاردو دافنشي يتنبأ أو يطمح لاختراع يعادل ما تراه العين وتسمعـه الأذن؟ على أية حـال كان لا بد أن يمر زمن طويل حتـى الثلاثينيـات من القرن الثـامن عشر عندمـا بدأ استعمال اللعبة البصريـة ومن أشهـرها لعبة عجلة الحياة "زيوتروب" التي كـان الناظر إلى الصـور الثابتـة من خلال فتحـاتها يتوهم أنه يـرى الحركة نفسها تدب في الصورة، وهناك نوع آخر مشهور من هذه اللعـب حيث كانت تطبع فيه على صفحات كتـاب مرن مجمـوعة من الصـور، كل صورة منهـا تمثل مرحلة تختلف عما قبلهـا اختـلافـا بسيطـا ، ويمسك المتفرج بحـافـة الكتاب في إحـدى يديه بقـوة ويثني الكتاب إلى الخلف بإبهام يده الأخرى ثم يسحب إبهامه تدريجيا بحيث تنطلق صفحـات الكتاب أمام عينيه في تتابع سريع فتبدو صورهـا وكأنها تتحرك .ووجـد نوع متقدم من هذا النوع من اللعب يسمى موتوسكوب .

وفي نفس الوقت تقريبا بداً التصـوير الفوتوغرافي على ألواح من الزجاج ومن أوائل الصور المحددة التاريخ تلك التي صورها عام 1839 فيبس وواجير .

وفي 21 يونيـو 1887 حصل المخترع الإنجليزي فريز جرين على براءة اختراع مؤقتة لكاميرا سريعة الحركة تتغذى بشريط مثقوب من "الـورق أو أي مادة أخرى مناسبة" وقد أمكن في النهـاية الوصول إلى حل ويذلك باستخدام شريط رفيع من السيلولويد الشفاف المغطى بالمزيج الفوتوغرافي .

لم يمر وقت طويل بعـد ذلك حتى اخترع أديسون جهاز "كينتـوسكوب" واستخرج براءة اختراعه في عام 1889 وكان هذا الجـهاز هو آلة عرض تستخدم فيلم السيلولويد لغرض صور فوتـوغرافية متحركة من خلال ثقب يستطيع متفرج واحد أن ينظر خلاله.

بعد كل هـذا التطور لم تبق سوى الإفادة من قاعدة عمل الفانـوس السحري لعـرض هذه الصور المتحركة على الشاشـة .وفي يوم 13 فبرايـر 1895 قام الأخوان لويس وأوجست " لوميير" بتسجيل براءة اختراع جهـاز السينما توجراف الذي يتيح عـرض الصور المتحركة على شاشة بيضاء أمام عدد كبير من المتفرجـين .

وجاء يوم 28 ديسمبر 1895 لينظم الأخوان لوميير أول عرض للسينما توجراف في الصـالون الهندي بمقهى "جران كافيه " الكائن في 14 شارع كابوسين في باريس أمام جمهور عام مقابل تذاكر مدفوعة الثمن .

وفي العـام التالي وفي يـوم 21 فبرايـر 1896 نظم الأخوان لوميير أول عرض سينمائي عام في إنجلترا بكلية الهندسة بشارع ريجنت في مدينـة لندن، وهكذا بدأ هذا الاختراع العظيـم يشـق طريقه لكل بلاد العالم .

بدأ المصريون يعرفون ما حدث في أوربا في مجال السينما تـوجـراف عن طريق الصحـافـة، فقـد نشرت جريدة الأهرام بتاريخ 23 إبريل 1896 أول مقالة عن "السينما توجـراف أو التصوير المتحرك " .وبتـاريخ 6 نوفمبر 1896 نشرت جريدة "لاريفورم" وكانت تصدر باللغة الفرنسية في الإسكندرية، خبرا عن بدء عروض السينما توجراف في بورصة طومسون بالإسكندرية، وفي 28 نوفمبر من نفـس العام بدأت العروض في القاهرة داخل صـالة حمام شنيدر بجانب دائرة البرنس حليم بـاشا، كـما يتضح مما نشـر في جـريدتي "المقطم" و" لاريفورم" وقد نظم هذه العروض مسيو هنـري ديللوسترولـوجو لحسـاب لويـس لوميير وكانت قيمة التذكرة أربعة قروش ومدة العرض نصف ساعة .

وفي نفس العام أيضا نظم أول عرض للسينما توجراف في تونس ثـم تـوالت العروض في سـوريـا وفلسطين والعراق 1908 وفي السـودان 1912 وتوالـت العروض في البلاد العربية.

ثم وصل إلى القاهرة المصور بروميو المهندس الأول بـدار لوميير يوم 9 مـارس 1887 "من أجل تصـوير منـاظـر مصريـة" ونشر جورج سادول في كتابه "لييروميليـس" كشفا ينظم القوائم من الأولى إلى الرابعة لأفلام لـوميـير وقد قام بإعدادها برنارديير مدير مـركز لوميير في ليـون، وتبدأ القائمة الثانية من الرقم 353 حتى 393 حيث نجد الموضوعات التالية :

الإسكندرية: ركوب البـاخرة- ميـدان محمد على - وصول قطار الرمل .

القاهرة: الخديو ومعيتـه- ركوب الجمل- رجال البدو بالجـمال يحرجـون من الجمرك- كوبري قصر النيل- الخروج من كوبري قصر النيل " جمال " - الخروج من كوبري قصر النيل "حمير" - قصر النيل- جنازة- ميدان القلعة- ميدان المحطـة- ميدان الأوبرا- ميدان سليمان باشا- شارع السيدة زينب- العتبة الخضراء- شارع النحاسـين - شارع تحت الربع .

متنوعات: قناطر النيل- جحـوش تحت النخيل وقرية سقـارة (فرسان على حمـير)- الأهرام (منظر عام )النزول من الهرم الأكبر .

بانوراما السكك الحديدية: الرحيل من القاهرة - الرحيل من بنها- الرحيل من طوخ .

بانوراما شواطئ النيل: ثمانية مناظر مختلفة .

وفي نفس العام أيضا قام أحد أعوان لوميير بتصوير اثني عشر منظرا في تونس .

دور العرض: بدأت العروض في أماكن مختلفة في بعض المحـلات والمقاهي والمسـارح وفي عـام 1907 أنشئت أول دور مخصصـة للعرض السينمائي في تـونس والقـاهرة والإسكندرية، وفي عـام 1909 في العراق، وفى عام 1916 في سوريا، وفي عام 1934 في السودان، وسرعان ما انتشرت دور العـرض في المدن العربية الكبيرة .

بداية الفيلم التسجيلي

في يـوم الجمعـة 21 يونيو 1907 نشرت جـريـدة الأهرام الخـبر التالي : " أخذ محل عزيز ودوريس المصورين المشهـورين في الثغر (الإسكندرية) وصـاحبي محل الصـور المتحركـة في محطة الرمل مناظر زيارة الجناب العالي للمعهـد العلمي في مسجـد سيدي أبى العبـاس .ولا شك أن الإقبال على هـذا المنظر الجميل سيكون عظيما جدا" .

وقـد قاما في شهر يـوليو من نفس العـام بتصوير الاحتفالات الرياضية في مدرسة سانت كاترين، وعزيز ودوريس هما الخواجـة عزيز بندرلى والخواجـة امـبرتـو ملافـاسى دوريس وقـد قـاما بـالطبع والتحميض في معاملهما بـوسط البلـد .وفي 29 يوليـو 1909 تعرض سينما توجـراف مونديال بالفجـالة فيلما تم تصـويره في القاهرة هو "ملعب قصر النيل بـالجزيرة" وفي 13 أغسطس 1909 تعرض سينما توجراف برنتانيا بالقاهرة "الاحتفال بجنازة المغفور لـه مصطفى باشا كامل" وفي 4 فبراير 1910 تعرض نفس السينما صـوراً متحـركـة جـديدة تمثل "رجـوع الجناب العالي الخديو من مكـة المكـرمـة والاستقبال الذي جرى لسموه والزينات الشائقة التي أقيمت إكراما له ولصـاحبـة العصمـة والدولـة والدته الكريمة" .ولم يستدل حتى الآن على من قام بتصوير هذه الأفلام .

في عام 1919 شاهد جمهور القـاهرة فيلم (606)وهو الاكتشـاف العبقري لعلاج مرض الـزهري في ذلك الحين كما عرض فيلم آخر عن تكبير الميكروب 10000 مرة في قرنية عـين أرنب .وفي عـام 1912 بدأ ديلاجارن الفرنسي محاولـة لاستثمار اهتمام المتفـرج المصري بالموضوعات التي تمس حياته اليـومية وترتبط بواقعه بإنتاج شريط سينمائي تحت عنـوان "في شوارع الإسكندرية"، على فترات غير منتظمـة، وفي عام 1915 أضـاف إلى فقرات شريطـه السينمائي بعض اللقطات الدعائية والفقرات الإعلانية عن بعض المرافق والأشخاص مما أعانه على تحمل تكاليف الإنتاج .

إن " الصور المتحركـة " والتي عرضت خلال الاثني عشر عاما 1907 - 1919 هي ما نعتبره سينما تـوثيقية، تعرض ما يوثقه المصـور على شريط السيلولويد من مظاهر الحياة الرسمية والشعبية .كان الشعب المصري يناضل ضد الاستعمار البريطاني وكـان للحركة الوطنية المصرية زعماء محبوبون يناضلون دفاعاً عن آمال التحرر والتقدم ومن هؤلاء مصطفى كـامل وسعد زغلول ولذا لم يكن عرض " الاحتفـال بجنـازة المغفـور لـه مصطفى كـامل" في عـام 1909 وكذلـك، رحلة سعـد زغلـول لفرنسـا" عام 1919 للـدفاع عن القضيـة المصرية مجرد عرض لصور متحركة وإنما كـان هذان العرضان يحملان وجهة نظر تخاطب المشـاعـر الـوطنيـة المصرية التي أحاطت بحبهـا هذين الزعيمين .

ولهذا فإننا نعتبر أن هـذين الفيلمين هما البـدايـة الحقيقية للسينما التسجيلية المصريـة بـرغم السنوات العشر التي تفرق بينهما .يقول ارنست لندجرن في كتابه " فن الفيلم " في المقارنة بين الجريدة السينمائيـة والمجلة السينمائيـة والفيلم التعليمي والفيلم التسجيلي : " أما الفيلم التسجيلي فان وحدته تكون أعمق من ذلك لأنه لا يعـالج موضـوعـا واحدا فحسـب، بل إنه يعرض أيضـا، وجهة نظر معينـة أو يدافع عن فكـرة مـا " . وينطبق هـذا التعـريف للفيلـم الوثائقي والفيلم التسجيلي على ما قدمه رشيد جـلال في سوريـا " زيارة الجنرال الفرنسي لدار الحكـومـة في دمشق " في عام 1928، وما قدمه نور الدين الرفاعي الذي حرص على تسجيل الأحداث الوطنية والمناسبـات القوميـة مثل المظاهرات الشعبيـة ضد سلطـات الانتداب الفرنسي والاحتفالات الشعبيـة بعودة المبعدين السياسيين عن رجال الكتلة الوطنية وغـير ذلك من الأحداث الـوطنية التي مرت بالبلاد في الثلاثينيات من هـذا القرن والتي كانت تحظـى بالإقبال الجماهيري والتأييد الشعبي بينما كانت تقف لها السلطات الفرنسيـة بالمرصاد، فكانت الرقابة الفرنسية في بيروت تقص وتحذف أكثر من نصف الفيلم أحيانـا، أوليست هذه الأفلام التي بدأ إنتاجها وتصـويرهـا نور الـدين الرفاعي هي البـداية الحقيقيـة للفيلم التسجيلي السوري الذي يحمل وجهة نظر تقف في صف حركة الشعب السوري إلى الأمام؟

الفيلم وصنع المستقبل

كتب يول روثا: " يجب أن يعكس الفيلم التسجيلي قبل كل شيء، مشـاكل ووقـائع الحاضر، إنـه لا يـستطيع أن يبكي على الماضي، رمن الخطـر عليـه أن يتنبأ بالمستقبل" .

وإن كان صحيحا أن الفيلم التسجيلي لا يستطيع أن يتنبأ بالمستقبل، إلا أنـه يستطيع أن يشـارك في صنع المستقبل بالوقوف إلى جانب قضايا الشعـوب المناضلة من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، فقد واكبت السينما التسجيليـة في الجزائر حـرب التحـريـر الوطني التي بدأت عـام 1954، وقـدمت السينما الجزائريـة أول شهـداء السينما العربيـة، فـاضل عمر زيتوني وعثمان مـرابط ومراد بن رايس وصـلاح الـدين السنوسي وفرذلي الغوتي مختـار وعبـد القادر حسنيـة وسليمان بن سمعان وعلي جنـادي .وهكذا نجد- كـما يقول جـان ألكسـان " أن السينما في الجزائر ولدت ومعها عوامل حيويتها كـفن إنساني ملتزم بقضايا الناس والوطن " .وإذا كنا لم نتعرف بشكل مباشر على الشهداء الجزائريين، إلا أننـا تعـرفنـا في مهرجان دمشق الأول لسينما الشباب عام 1972 على الفنان الشهيد هاني جوهرية المصور الفلسطيني، الـودود، دمث الخلق، المتواضع، المليء بالحيوية، المفعم بالشباب والذي يعلو وجهه دائما شبح ابتسامة هادئة بينما تشتعل عيناه النـافـذتان بـالذكـاء والتصميم، استشهد بعـد أربع سنوات من لقائنـا وهو يحمل سلاحـه، الكاميرا السينمائية، يـدافع عن قضيته التي آمن بها حتى الـرمق الأخير .وقد نـال الفيلم الذي صـوره هاني جـوهريـة وأخـرجـه مصطفى أبـو على "بـالـروح ..بالـدم"جـائزة الفيلم التسجيلي المتـوسط الطـول .والأهم أنه قـوبـل من أغلبيـة السينمائيين والمتفرجين بحفاوة حميمية وحماس عال .يقول مصطفى أبو علي : " كـان الحوار يدور حول هذا السـؤال: أيقدم تحليلا سيـاسيا لما حـدث في أيلـول (سبتمبر)، وهذا سيؤخر الانتهـاء من العمل في الفيلم، أو يكتفي بالمواد الوثائقية التي صدرت من أجل الإسراع في إنجاز الفيلم تبعا لمتطلبات حاجات الإعلام؟ .وقد استقر الرأي بعد حوار جاد على ضرورة تقديم التحليل السياسي المتكامل لما حـدث، وبعبـارة أخرى تم اختيـار أسلوب السينما النضالية بدل السينما الوثائقية".

نـلاحـظ في كلام مصطفى أبو على نقطتين: "المواد الـوثـائقيـة التي صـورت" و" اختيـار أسلوب السينما النضـالية" والأخيرة هي التي تقـدم وجهـة نظر صـانع الفيلم والتي يقدمها من خلال إعادة ترتيب هذه " المواد الوثائقية التي صورت".

إن مصطفى أبو علي يتفق هنا تمامـا مع ما يقوله رائد السينما التسجيلية البريطـانية جـون جريرسون: " إنك تصور الحيـاة الطبيعية، ولكنك في الوقت ذاته إذ تضع التفاصيل بجوار بعضها فإنك تفسر هذه الحياة".

نحن إذن نعتبر أن المادة الوثائقية هي في حد ذاتها قيمة ، وقيمة عاليـة، ولكنها حين تعرض دون وجهة نظر فلن تعدو أن تكـون خبرا، أما إذا انتظمت بوجهـة نظر تخدم قضـايـانـا الوطنية فهي عندئذ تكتسب قيمة جديدة مضـافة ومهمـة وتصبح فيلما تسجيليا ينتمي للسينما النضالية، ويجب أن نشير هنا إلى أن قضايـانا الوطنية تتسع بدءاً من حقوق الإنسان إلى العـدالة الاجتماعيـة مرورا بالديمقراطية وحـرية البحث العلمي والتعبير والتنظيم دون قيود أوتوقراطية من أجل حرية الإنسان العربي وتقـدم الوطن .والفيلم التسجيلي يـزدهـر في .حالتين، الأولى أن ينتمي إليه ويصنعه فنـان مناضل، والثانية توافر المناخ الديمقراطي الذي يفجـر الطاقات المبـدعـة الكـامنـة في سكـان هـذا الـوطن العربي، فالاستبداد هـو العباءة السـوداء التي تخيم فوق عقـول ومشـاعـر البشر كـالهم المقيم الـذي يكبت المشـاعر ويسطح العقول .

بورسعيد تحت النار

في عام 1956 أثنـاء العدوان الثلاثي اقتحم الفنان المصور الـرائد حسن التلمساني مدينة بور سعيد وهي تحت النيران والحصار والاحتلال، وعاد وهو يحمل مادة فيليمة وثائقية نادرة وعالية القيمـة، وعمل مع المخرج الرائد سعـد نديم في إخراج الفيلم التسجيلي " فليشهد العالم"والذي سـاهم بشكل مبـاشر في إدانة العـدوان الثلاثي في العالم وفي الأمم المتحدة وأينما عرض، كذلك لعب فيلم "العودة" للمخرج السوري مروان حداد دورا مهما في إدانة العـدوان الإسرائيلي على مدينـة القنيطرة والـدمار الذي حاق بها، ولقـد جـذب الفيلم اهتمام السينمائيين العرب والأجانب بـالمدينـة فجـرى تنفيـذ العديد من الأفلام التسجيلية حولها، نذكـر منها " تحية إلى القنيطرة" إخراج أمين البني و" زهرة الجولان" إخراج صـلاح ذهني و "أهداف استراتيجية" إخراج فيصل الياسري والفيلم الأمريكي " اغتيـال مدينة" .واستمرارا للتقاليد التي أرساها رواد السينما التسجيلية تكـونت مجموعة عمل سينمائيـة بعد هزيمة 1967 من كـاتب هذه السطور مخرجا ومحمـود عبدالسميع مصورا ومجدي كامل مهندس الصوت والسائق الشجاع محمد يوسف، وقد حققت هذه المجموعة عددا من الأفلام التسجيلية أثناء حرب الاستنزاف ، صورت كلها في جبهة القناة في محاولـة للمسـاهمة في ربط الجبهة الـداخليـة بجبهة القتال، منهـا " لن نموت مرتين" و " الرجـال والخنادق " و "مدفع 8" و"شدوان" .وفي القاهرة كان ( المونتيران ) المبدعـان أحمد متولي وعادل منير مستنفرين .كنـا جميعا في مطلع حياتنا السينمائية نتطلع لتقديم سينما جديدة ، وكنا جزءا من تيار واسع من الشباب يتطلع في الإبداع في منـاخ من الحريـة في شتى نواحي الحيـاة في مصر والـوطن العـربي .وفي حرب 1973 تـواجد عدد من السينمائيين العرب في جبهة الجولان بصفتهم مراسلين حربيين، واستمروا في تغطيـة المعـارك على الجبهـة السـورية حتى توقف القتـال، وكان من بينهم كاتب هذه السطـور .وفي عام 1975 تتحدى المخرجـة نبيهة لطفي والمصـور سمير نمـر الحصار المضروب على تل الزعتر ليحققا فيلم "لأن الجذور لا تموت" .

لقد تطـور الفيلم التسجيلي العربي وتناول القضـايا الاجتماعيـة، ففي عام 71 قدمـت المخرجـة عطيـات الأبنـودي فيلم "حصـان الطـين" وفي عام 1972 قـدم هاشم النحاس فيلمه "النيل أرزاق" ، وفى عام 1973 أبـدع عمـر أمـيرلاي الفيلـم التسجيلي الاجتماعي" الحياة اليومية في قريـة سوريـة" وفى عام 1978 قـدم المخـرج سمير ذكري "المرأة في سوريا" وأخـرجت أمل حنا فيلم "المرأة" وفى عام 1975 أخرج الفنـان المخرج خيري بشارة فيلم "طبيب في الأريـاف " وهو من الأفلام الاجتماعيـة الرائدة، كـما أخرج داود عبـد السيد فيلمه الاجتماعي العبقري "وصية رجل حكيم في شئون القرية والتعليم" .

وتتواصل الأجيال، وتقدم المخرجـة الشابة تغريد العصفوري فيلمها الأول "وقبل الأوان .." عن عمالـة الأطفال في مصر عام 1993، وفي نفـس العام تقـدم المخـرجـة الشـابة ناهـد غالي فيلمهـا الأول "الناس والفول " ، والفيلمان من إنتاج " أفلام الشباب " " بـالمركز القـومي للسينما في مصر .ومعظم أفـلام المخرج الكبير صلاح التهامي هي أفلام تسجيلية تحمل وجهة نظر واضحة في الانتماء للإنسان المصري والعربي .ولا يسعنا إلا أن نشيد بالبحث الاركيولـوجي والسينمائي الخلاق والجديد بالنسبة للسينما العربية الذي قـام به الفنان المخرج محمد كـامل القليوبي في فيلمه "محمد بيومي ووقائع الزمن الضائع"، كـما نشيد بـالجهد المساند الذي بذلته أكاديمية الفنون ورئيسها الدكتور فوزي فهمي كي ينجز الـدكتور القليوبي هذا العمـل الذي بدأ في عام 1978 ووصل إلى نهايتـه عام 1994 بإنجازه كتاب" محمد بيومـي الرائد الأول للسينما المصرية" .وفي الختام لقد أتاح لنا هذا المقال الاجتهاد، ولعلنا نكون قد وفقنا في إثارة هموم جديدة تحتاج إلى مناقشات بناءة في أوساط السينمائيين العرب، فلسنـا ندعي أننـا نملك الحقيقـة ولكننا طرحنا وجهة نظرنا .

 

فؤاد التهامي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




أول مقال عربي عن السينما توجراف أو التصوير المتحرك نشرته جريدة الأهرام في 23 إبرايل عام 1896





في 6 نوفمبر 1896 نشرت جريدة لاريفورم خبرا عن بدء عروض السينما توجراف في الاسكندرية