الحس الفني عند الإنسان الكويتي عبدالعزيز التميمي

الحس الفني عند الإنسان الكويتي

يشهد المجتمع الكويتي اهتماما متزايدا بتذوق جماليات الفن ويزداد عدد رواد المعارض والراغبين في اقتناء اللوحات. ولهذا الحس الفني جذور قديمة في وجدان إنسان الكويت.

كان الحس الفني في المجتمـع الكويتي محكوما ببعض الأفكـار والمبادئ التي حـالت دون ظهور الفن التشكيلي في تلك السنـوات القديمة مع ملاحظة أن الحس الفني كـان موجـودا لدى الإنسان الكـويتي منذ قـديم الـزمن، وكـما يعلم البعض فإن المؤرخيـن يتخـذون في تحديد نشأة الفنـون وتطورهـا أساليب ثلاثة، فهناك من يعود إلى المخلفات الأثـرية للإنسان فيجعلهـا أساسـا لأبحـاثـه ودليـلا على تصنيفـه، ومنهم من يعود إلى الحياة القبلية وما يعتريها من عـادات ورقصـات ومـا تصنع من حلي أو مواد يستخدمها في حياته اليومية .وهناك الأسلوب الثالث والأخير الذي يرى في الطفل دليلا على تطور ونشأة الفن بل يرون في الطفل وتطوره نشأة الحضارة وتطورها .

ولا ريب في أن هـذه الأسـاليب التي يقيس بها المؤرخون براهينهم يشوبها بعض الشك والتساؤل من البعض الآخر الذي يعتمـد في استنتاجـه على مدارك أخرى، لكننا نستطيع أن نرى هـذه المقاييس أو بعضها دليلا على ما نريد طرحه من موضوع آخـذين المقياس الأول (المخلفات الأثرية في البيئة الكويتيـة) دليلا على استنتاجنا .

فالحيـاة البحرية والبدوية هما الجانبان الأساسيان والأكثر خصوبة وثراء لإثبات أن الإنسان الكويتي كان صـاحب حس فني دون علمـه بالمذاهب الفنيـة أو الدراسـات الفنية الحديثة، فالحياة البحرية وصناعة السفن وتزيين هذه السفن ببعض اللمسات اللونية التي يدخلها على السفينة (صدر السفينة أو ساريتها) تدل على الحس الفني، وكـذلك عمليـة كسر اللـون البني بـاللون الأزرق على صدر السفينة أو الأبيض والأسـود والمساحة البيضاء التي تغطي الثلث السفلي من السفينة ليظهرها أجمل من أن تكون بلون الخشب البني دون تغيير .

ونعود إلى الجانـب التشكيلي .الذي يبدو واضحا في تلـوين صدر السفينة باللـون الأزرق الفاتح وقطع هذا اللون بخط أبيض أو أسود أو الاثنين معا يؤكـد أن الحس الفني مـوجـود لدى هـذا الإنسان العادي الـذي لم يتلق أية علـوم فنيـة وهذا هو أسـاس ظهور الفن التشكيلي الذي ازدهـر مع إرسال أول دفعة لـدراسـة الفن التشكيلي في مصر وإنجلترا في بداية الستينيـات وكان الاستمرار في العطـاء الفني وبتطـور ملحوظ حتى هذه الأيام .ولا يفوتني أيضا أن أضيف أن تلك الأشكال التي كـان يشكلها البحـار المبحر للغـوص ويجلبهـا هديـة لأولاده وهي تعطي شكل الجمل أو الحصـان ، تقـدم الدليل القاطـع على أن الإنسان الذي شكل من نجم البحر ما يشبه الحصان أو الجمل أنه صاحب حس فني مميز .

النحت على الجدران

ولو ألقينا نظرة - على الحياة داخل البيت الكويت قديما ودرسنا اللمسات الفنية على مداخـل هذه البيـوت والنحوت البارزة على أعالي الجدران لبعض الغرف لوجدنـاها أكثر وضوحا وتأكيدا على ما نقول، وكذلك الأم التي تصنع لعبة من بقايا الأقمشة وتحشوها بالقطن (عروسة) لتلعب بها ابنتها، دليل أيضا على قدرة الإنسان الكويتي على التشكيل واستخدام المواد المتوافرة في إعطاء لمسات فنية ذات نسب متناسقة ومعبرة وتأكيد علي أن الحس الفني موجود من القدم .

وعندما نعرج وبشكـل سريـع على الحياة البدوية مستعرضين تلك الألـوان الحارة والباردة وذاك التضاد اللوني المستخدم بدقة ومهارة في المنسـوجات البـدوية (السدو) وبعض بيـوت الشعر والأحزمة ولجام الخيول والجمال نجد أن الحس الفني هنا أكثر وضوحا، فالأحمر والبرتقالي والأسود والأبيض هي الألوان التي تفتقر إليها البادية فيدخلها الإنسان البدوي في مستخدمات حياته ولوازمه اليومية، فيعطي للون الصحراء الأصفر المزين بقليل من الأعشـاب الخضراء جمالا وتناسقا مدروسين ومعبرين وبشكل يوحي للمشاهد بأن هذا الإنسان البدوي الذي أضاف بفطرته هذه الألـوان ما هو إلا صـاحب ذوق وحس فني جميل (لكن دون دراسـة فنية) .

البيئة واهبة التميز

ولما كـانت هذه هي اللبنة التي استند عليها جيل الرخاء وعصر البترول فلا عجب أن نرى بيننا الآن عددا من الفنانين ممن منحهم اتصالهم بـالبيئـة والفلكلـور أساليـب مميزة، وتستحق تجاربهم المتـابعة والمشاهدة، ومن هـؤلاء الذين تدل أعمالهم على رسوخهم الفطري المقتبس من البيئة الفنان أيوب حسين والفنان عيسى الصقر وآخرون أضافوا إلى حسهم الفطري لمسات مدروسة بعناية وتناسب متناسق ورشيق في النسب والأبعاد وواقعيـة في مواضيعها .وخير شاهد على ذلك تماثيل الفنان عيسى الصقر البرونزية والخزفيـة منهـا بالذات التي إن تمعنا فيها وجـدناها بمثابـة اختصار لقصـة شعبية أو كتاب فلكلوري يروي قصـة الأمس ويجدد صورها للحاضر ويحفظها للمستقبل القادم .

ولأن الفنان عيسى الصقر منحـوت من هذه الأرض ومترعرع فيها فلا بد أن تضع البيئة آثارها عليه، فالحزن .والفرح مدعـاة تعبيره والبيئة منبع إلهامه فكانت هذه التماثيل الخزفيـة المتشققـة كـأنها أرض من الطين الصلصال جفت بعد مطر وشققها الجفاف .والتشقق الواضح علي هذه التماثيل ليس وليـد المصادفة وإنما هو نتاج دراسة وتجارب وإصرار مستمر من الفنان نحو الإبداع والابتكـار وطريق للوصول إلى الجديد الفني فيعمله (وسوف يكون لنا في المستقبل بهذا الخصـوص بحث آخر) .وختـاما فإن الأدلـة على أن الظروف الاجتماعية والبيئية والدينية أصبحت واضحة على تطور الحركات الإبداعية وازدهارها أو تأخرها واضمحلالها كثيرة ومباشرة والحال في الكويت كذلك كما هي في باقي الدول، فـما أن وجـد الفنان المبدع الظروف المناسبة للإبداع حتى أطلق عنانه نحـو الكثير من التجارب والأعمال الإبداعية التي إن لم تضاه أعمال الذين سبقونا بسنوات كثيرة فإنها تقاربهم وهذا ينطبق ولله الحمد على كثير من الأعمال الفنيـة والأدبيـة في الكـويت دون استثناء .

 

عبدالعزيز التميمي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




عروية القطن هيكل من القماش محشو بالقطن - من ألعاب الماضي





تمثال الحيلة لعيسى الصقر





تمثال الفريسة لعيسى الصقر ويبدو واضحا الأسلوب الحديث في الخطوط





العروسة قطعة عظم وقطعة من القماش - من ألعاب الماضي