كمبيوتر يحترم المشاعر

كمبيوتر يحترم المشاعر

في الفصل الثاني من مسرحية ستيفن سوندهايم الموسيقـية الشـعبـيـة التي عرضت قبل سنوات علـى مسـارح نيويورك بعـنـوان "يوم الأحـد في الحديقة مع جورج"ِ يعرض ممثل شـاب من أحفاد الرسام الفرنسي جورج سـوراتِ أحدث أعماله على أعضاء مجلس إدارة متحف الفن الحـديث ورعاته. والعمل الفني الذي يحمل اسم "الصبغ الضوئي رقم7"ِ عبارة عن عرض متـعـدد الوسائل من أضواء الليـزر Laser التـي يولدها كمبـيوتر. وعند لحظة حرجة من العـرضِ يحـدث خطأ ماِ فتتـوقـف المعجـزة الإلكترونية صارخة مدخنة. بعد لك يتقـدم منه زميل عهد إليه باستمرار عمل الأجهزة ويعلن عـزمه العودة إلى عمله القديم في إدارة الطـيران والفضاء Nasa حيث "هناك الكثير من الضغوط في الفن" حسب قوله.

ويستقبل القول بموجة سخية من ضحك الجماهير.

وفي جوهر تلك الضحـكـة ما يبدو أنه عـلاقة شاذة بين الفن والتكـنولوجيا المتقدمة. فكيـف يمكن لامـرئ أن يمـارس عمـلا فنـيا يوما ثم يصمـم أجهـزة فضـائيـة في اليـوم التالي? ما هي أوجه الشبه بين الفن والشرائح الدقيقة?

سحرة الكمبيوتر

فكرة وجود خبير في Nasa أو في تكنولوجيا الشركات المتقدمة قادر على العمل في الفن أو هو فنانِ ليست غريبة كما تبدوِ فمع تزايد تحول أجهزة الكمبيوتر ومعدات التكنولوجيا المتقدمة الأخرى إلى أدوات حيوية على جميع مستويات الأعمالِ تتحول كثير من الشركات إلى الرجال المدربين فنيا للمساعدة على ابتكار وتحسين التكنولوجيا الحديثة وأحيانا حتى فهمها. وهو مايرصده الكاتب الأمريكي مايكل فورمان في هذا الإطار بإيجاز وعمق مزدوج في نصه عن العلاقة بين التكنولوجيا والفن.

وبالنسبة لمعظم الأمريكيينِ كانت صورة خبير الكمبيوتر دائما هي صورة ساحر الهندسة أو الرياضيات آلي يستريح للغتي "بيسك" Basic و"فورتران" Fortranِ وهما من لغات الكمبيوترِ بدلا من اللغة الإنجليزية. وكان المعتـقـد أنهم بارعون في إدخال واستخراج المعلومات من الصناديق الإلكترونية فقطِ وحتى وقت متقدم لم يكن هذا القالب بعيدا عن الصـدقِ وبسـببه يتنبأ الكثير من الشـركات ببعض المشكلات غير المتوقعة.

وتقول كاثلين هوايتِ خبيرة الاتصالات عن بعد التي تعمل مع سيتيبانك وعضو عدة لجان استشارية حكومية للاتصالاتِ إن الشركات التي اعتمدت على مبرمجيها في طلب المشورة غالبا ما وقعت في مشكلات وتشرح وجهة نظرها بقولها: "يتجه الفنيون والمبرمجون إلي ابتكار أنظمة لها معناها الواضح بالنسبة لهمِ ولكنها لاتعني شيئا لأي إنسان ليست لديه خلفية في الكمبيوترِ ومع تزايد اعتماد الشركات على التكنولوجيا على كل المستوياتِ فمن الحيوي أن يصمم البرامج أناس يفهمون جيدا أن النظام الناجح هو الذي لايجد الناس متاعب في استخدامه".

أظهرت دراسات الكمبيوتر أن بعض العاملين والمديرين يشعرون أنهم معزولون عن معطياتهم الخاصة غير قادرين على الوصول إلى ملفاتهم وسجلاتهم ببساطة لأنه لايمكنهم فهم نظام دون مبرمج يفسره لهم. وتقول "هوايت": "والمشكلة النمو جية بالنسبة لشركات كثيرة لديها معلومات مهمة مسجلة على الكمبيوتر هي مشكلة الأمن. فالفني قد لايعرف ما إذا كانت معلومة لازمة ككلمة سر لمنع اقتحام اكرة الكمبيوترِ كما أن المدير قد لايعرف ما إذا كانت كذلك. من الواضح أن هناك مشكلة بالنسبة لتكنولوجيا الاتصـالات المتقـدمة بالنسبـة لكثير من الشركات".

وحيث إن التقدم التكنولوجي يتزايد بسرعة م هلةِ فإن كثيراً من الشركات يلجأ إلى نوع جديد من خبراء الكمبيوتر كفني يستطيع سد الثغرة بين التكنولوجيا والناس.

ابتكرت جامعة نيويورك برنامج ماجستير في التكنولوجيا المتقدمة يسمى برنامج الاتصالات المتفاعل وبدلا من وضع القسم في معهدي الهندسة والعلوم أصبح البرنامج جزءا من معهد "تيش" للفنون الذي يدير برامج المسرح والفنون الجميلة والرقص والتمثيل. لما ا هذا الاختـيار الذي يبـدو غربيا وحتى متناقضا?. ترى "ريد بيـرنز" رئيسة القسم أن الاختيار معقولِ لأن "الغرض من هـ ا البرنامج هو تـدريب الطلـبة على القـدرة على ربط حاجـات الناس بهذه الأساليب الجديدةِ فأجهزة الكمـبيـوتر هي فوق كل شيء أدوات الاتصالِ والفنانون هم أفضل من يقوم بهذا الاتصال".

برنامج جامعة نيويورك خليط من التدريب أثناء العمل والتدريب النظـريِ وهو لايعلم مجرد استخدام الأنـواع المختلـفة من المعـداتِ بل ما هي احتمالات تشعب استخداماتها. وتقول بيرنز: معظم المشاركين في البرنامج يعملون بالفعل في مواقع بالشركاتِ وهم هنا يتعلمون كيفية تطبيق التكنولوجيا بأفضل الوسائل المبتكرة والمفيدة.

وحيث إن مقر البرنامج في معهد الفنون فإن الكثير ممن يرتبطون به يقولون إنه يجت ب نوعا من الطلاب يختلف عما يمكن أن يجت به إذا كان مرتبطا بجزء مختلف من الجامعة. ويقول أحد الطلاب: في البرنامج عدد معقول من الطلاب ال ين تلقوا نوعا من التدريب على معالجة المعلومات ويريدون الآن نسيان كل هذا وإنشاء نظم يسهل توصل الجميع إليها.

فنانون لا خبراء

ربما لم يشهد التاريخ زمنا تغيرت فيه التكنولوجيا بهذه السرعةِ فلا يكاد الناس يجلبون ما اشتروه من أجهزة كمبيوتر شخصية أو مسجلات فيديو إلى منازلهم حتى يعتريهم الشعور الكئيب بأن الوقت قد حان لتحديث معداتهمِ وبالنسبة للشركات الكبيرة التي لم تخزن معلوماتها فقط في اكرة كمبيوتر بل في متناولها اتصالات الأقمارِ وخدمات فيديو تيكس وتليتكس الإخباريةِ وأقراص الليزر وغير لكِ فإن هذا الإحساس قد يكون غامرا. فكل هذه التكنولوجيا تجعل المديرين يتساءلون عما إذا كانوا يستمدون منها أفضل فائدة. تقول بيرنز: "أحيانا يصبح من يكلفون أعمال كل من هذه التكنولوجيا من ضيق التركيز بحيث لايدركون احتمالات الأنظمة".

وبالنسبة لكثير من الأعمال فإن الأمر يشبه استخدام مفاعل نووي في غلي الماء فقط. وحسب قول "حاييم إيفري" رئيس مجلس إدارة أوبس داتا سيستمز O.D.Systems وهي شركة لتطوير البرامج وتقديم المشورة مركزها نيويوركِ فإن معظم الشركات تتدنى استخداماتها للأنظمة بشكل خطيرِ ويقول: غالبا ما تكون الإدارة من عدم الثقة بأجهزة الكمبيوتر بحيث تكون سعيدة مادامت هذه الأجهزة تقوم بعمل الفواتير أو تقارير الإنتاجِ ولايزال هناك خوف من التكنولوجيا لدى جانب الكثير من المديرين.

وربما كان هذا هو السبب في أن اللااختصاصيين المدربين على الإبداع ال ين يتخرجون في جامعة نيويورك وغيرها من المعاهدِ يجدون المزيد من الشركات التي تحتاج إلى خدماتهم. وترعى عدة شركات مثل سيتي بانك City Bank Co.ِ ومحطة تليفزيون N.B.C. الكثيرين ممن يتدربون داخل الجامعةِ وتقول بيرنز: خريج هذا النوع من البرامج ليس لديه التركيز الضيق الذي لدى كثير من الناس فيما يختص بالاتصالات عن بعدِ فهم ليسوا قادرين فقط على رؤية الصورة الكاملة. بل وعلى تصميم نظام يبسط ولايعقد بخلاف الآخرين.

يقول "ديفيد رودز" رئيس مجلس إدارة معهد الفنون في نيويورك الذي يدرس عدة برامج في الكمبيوتر وعدة تطبيقات في مجال الأعمالِ إن ما يجلبه مبدع إلى شركة هو تفاؤل مفتح العينين بأن كل شيء يمكن عمله.

عندما اخترعت شعيرة التنجستينِ لك السلك السحري الموجود داخل مصباح الضوءِ لم يكن مخترعه من خبراء المعادن. ويقال إنه لو كان ك لك لربما أدرك أن ما يحاول ابتكاره يكاد يكون مستحيلاِ ولربما أحجم عن المحاولة. وهذا هو نوع التوجه الذي يجلب النجاح إلى فناني أعمال التكنولوجيا المتقدمة فهم يبتكرون أساليب جديدة للنظر في الأنظمة دن الأفكار المسبقة التي لدى الفنيين عادة.

"بربارة ساندرز" الطالبة ببرنامج الاتصالات المتفاعلة عن بعدِ والمديرة الفنية لمجلة "البيت الجميل"ِ نمو ج لهذا الجيل الجديد من فناني أعمال التكنولوجيا المتقدمة. وهي تحاول أن تعرف احتمالات جميع أدوات الاتصالات الجديدةِ واضعة في اعتبارها أن الأجهزة واحتمالاتها تتغير كل يوم. وتقول ساندرز: لايكفي أن تفهم مايمكن أن تفعله كل ه ه الأجهزة ِيجب عليك أن تحافظ على نظرة تقول إنه ليس لمجرد أنك لم تستطع عمل شيء بوساطة نظام ماِ أن قدرات هذا النظام لن تكون هناك غداً.

تكنولوجيا ترعى المشاعر

وإلى جانب المعلوماتِ تنتج الشركات الآن مواد مرئية أكثر من أي وقت مضىِ والكثير منها يستخدم الكمبيوتر وأجهزة المرئيات لإنتاج بيانات تضفي على كتيباتها وأفلامها الترويحية مظهرا حديثاِ ولإبقاء مظهر المواد مسايراً للعصرِ تستخدم الكثير من الشركات فناني الكمبيوتر.

ومعهد الفنون المرئية هو واحد من خيرة أماكن التدريب على بيانات الكمبيوتر حالياِ وهو يقدم دراسات وورش عمل تركز على تصميمات الكمبيوتر في مجال الأعمال. وحسب قول "رودز"ِ هناك طلب كبير في عالم الشركات على فناني بيانات الكمبيوتر والمصممينِ ويقول: الفنانون المبدعون ال ين كانوا من 10 سنوات يستخدمون الريشة والقلمِ يتعلمون الآن الرسم بوساطة الكمبيوترِ ومواهبهم تلقى الكثير من اهتمام الشركات.

"دونالد غامبنيو" مصمم بيانات كمبيوتر حر يدرس برنامجا لبيانات الأعمال بمعهد الفنون المرئىةِ وهو يؤكد لطلبته أن إبداعهم حتى في بيئة أعمال تبدو غير إبداعيةِ هو أفضل ما يمتلكونِ ويقول: إذا باشرت أي مشروع بيانات أو تصميم نظام كفنان مصمم على التجريب والوصول بالأشياء إلى أقصى حدودها فإنك غالبا ما تكون قد أنتجت شيئا أفضل مما كنت تتوقع.

أحد الأشياء التي يأمل المدربون على الإبداع في التكنولوجيا المتقدمة في تقديمه للشركات والعاملين هو الإحساس بأن التكنولوجيا وجدت لخدمة الناسِ وأنها ليست كابوس آلات العلم الخرافي التي ترمي في النهاية إلى الاستغناء عن كل العاملين من بين البشرِ ويلاحظ "هوايت" خبير الاتصالات عن بعد الذي يشارك في التدريس في برنامج جامعة نيويورك أن: الشركات أدركت أن المدربين إبداعيا يدخلون تبصرا في تصميم الأنظمة كلما كانوا يملكونهِ فهم يفهمون مشاعر وحاجات العاملين والعملاءِ ونتيجة لهذا الفهم فهم يساعدون على تسخير التكنولوجيا لخدمة الناسِ لا العكس.

 

زهراء محمد سعيد

 
  




الكمبيوتر قوة رقمية تعوزها البساطة





مماثلة الإبداع الإنساني هي هاجس كمبيوتر المستقبل





الأداء البياني الدقيق للكمبيوتر تكمله لمسة الفن