عبدالعزيز حسين .. وحلم التنوير العربي عبدالرزاق البصير

عبدالعزيز حسين .. وحلم التنوير العربي

صدر كتاب جامع يحمل إنجازات وأعمال الأستاذ عبد العزيز حسين، المربي ، والسياسي، وحامل فكر التنوير ومشعل العروبة في بلاده الكويت والأقطار العربية .ويأتي هذا الكتاب احتفالا من تلاميذه ومحبيه في الكويت وسائر أقطار العرب بمناسبة بلوغه الخامسة والسبعين من عمره المديد .

وليس بدعا إذا جاءت الصورة التي اشترك في رسمها الذين أسهموا في مادة هذا الكتاب والتي تعني الأستاذ عبدالعزيز حسين، ليس بدعا أن جاءت هذه الصورة متكاملة فإن الذين رسموا ملامحها رسموها وهم بالقرب منه يعايشونه معايشة حية لأنهم كانوا يعملون معه في أكثر أدواره التي قام بها، وليس من شك في أن الذي يرسم الصورة وهو على مثل هذه الحال يكون أصدق من الذي يتحدث عنه وهو عن بعد معتمدا على ما يسمعه من أصدقائه وزملائه وعلى ما يقرؤه من بحوثه ومقالاته .فمن المعروف أن الدكتور حسن الإبراهيم وزير التربية السابق ، والدكتور سليمان العسكري أمين عام المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، والدكتور شاكر مصطفى أمين عام الخطة الشاملة للثقافة العربية ، وزير الثقافة السوري السابق وأستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة الكويت (وكانت هذه الخطة قد وضعت بطلب من المنظمة العربية .للتربية والثقافة والعلوم .ووضع لها الأستاذ عبد العزيز حسين كل ما تحتاج إليه من أمور مادية ومعنوية حيث سجلت كل ما أبداه المشاركون في هذه الخطة من أفكار وآراء فكونت سبعة أسفار أصبحت مرجعا لا يستغنى عنه لكل من يريد أن يتعرف على الطريق الذي يجب أن تسلكه الثقافة العربية) .كما ساهم في الكتاب الدكتور محيي الدين صابر المدير العام- السابق للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، والدكتور محمد الرميحي رئيس تحرير مجلة العربي، كل هؤلاء اشتركوا في بحوث هذا الكتاب وكلهم قد عمل مع أستاذنا الجليل عبد العزيز حسين .وكلهم أيضا قد وصل إلى مكانة ممتازة في الأوساط العلمية والتربوية .

التنوير لماذا؟

لست أعرف من الذي اختار عنوان هذا الكتاب (عبدالعزيز حسين وحلم التنوير العربي) لكن الذي أعرفه أن تنوير العقول كان حلم أبي هاني "وهذا لقبه" منذ انفتح عقله على الثقافة الإسلامية والثقافة العالمية فكان يبذل كل ما في وسعه لإشاعة التعليم والتثقيف في الكويت .وهناك فرق بين التعليم والتثقيف، فالتعليم يعني الابتعاد عن الأمية على درجات متفاوتة أما التثقيف فإنه يعني في جملة ما يعنيه احترام الإنسان لعقله احتراما تاما وذلك بأن يعتمد في تفكيره على النتائج التي تنشأ عن المقدمات الصحيحة وأن يتجرد الإنسان من معلوماته السابقة حين يعرض ما يقرؤه من آثار العلماء والمفكرين على عقله .

كان الأستاذ عبد العزيز حسين يسعى لإشاعة هذا اللون من التثقيف بين الناس، "وذلك عندما استنار عقله فقد أرسل لدراسة التربية وعلم النفس في جامعة لندن سنة 1950 .كانت هذه تجربة أخرى أرسله فيها مجلس المعارف، وبعد أن قضى سنوات في أجواء التعليم العربي الإسلامي في مصر، ذهب يطلع على الوجه الآخر وجه التربية والتعليم في الغرب .كان في الثلاثين من العمر وقد نضجت تجاربه فكانت هذه البعثة تتويجا لفكره المتفتح وتدريبا جديدا على أساليب التربية الغربية ومدارسها وطرقها .وقد انتهز المناسبة ليطلع على الجو الثقافي الإنجليزي من عروض مسرحية ومتاحف وتطور سياسي وقراءات أدبية وفكرية شتى .كانت إقامته في أوربا اتصالا مكثفا بمدنيتها وما يمكن أن يستفاد منها" .

ذلك بعض ما قاله الدكتور شاكر مصطفى في بحثه القيم الذي كون أحد فصول هذا الكتاب .وليس بدعا أن ينتفع الأستاذ عبد العزيز حسين باتصاله المركز والواسع بالثقافة الغربية فإن من طبيعة هذا النابغة أن تكون له صحبة عميقة مع الذين يدرس على أيديهم وإن من طبيعته أيضا أن يقبل أشد الإقبال على الدراسة الدقيقة للكتب التي تقع بين يديه .

أقول ليس بدعا حين نجد كل هذا الانتفاع من الاتصال بالثقافة الغربية فقد قال عن نفسه "أنا نشأت في بيت مثقفين، بيت دين، بيت أدب، بيت فيه مكتبة، وفي ذلك الوقت كانت المكتبات العامرة نادرة في الكويت .وكنت دائما أشعر بتحريض نفسي على مزيد من المعرفة والاطلاع والاتصال بالمثقفين والمتعلمين وهذا هو الذي دفعني لأن أحاول أن أنال قسطا معقولا من التعليم .ولعل من علامات الاهتمام بالكتاب أنني وجدت ضمن عدد من المخطوطات في مكتبة والدي ،مخطوطا أنيقا لكتاب الموطأ للإمام مالك، راويه يحيى ابن يحيى الليثي، كتب بخط جميل في جزيرة فيلكا في السنة الرابعة والسبعين بعد الألف من الهجرة أي قبل حوالي 330 عاما"، ثم يضيف الدكتور سليمان العسكري بعد الفقرة التي أوردناها قائلا: "واستمد أستاذنا من نشأته في هذا البيت دفعة كبيرة ساعدته على مواصلة تعليمه المدرسي بسهولة ويسر فاجتاز المدرسة المباركية ثم بعدها الأحمدية" .

أولى البعثات

ويمضي الدكتور العسكري في سرد تاريخ تنقل الأستاذ عبدالعزيز حسين من مدرسة إلى أخرى وفي كيفية سفره إلى القاهرة مع رفاقه، وهم: "أحمد مشاري العدواني، يوسف عبد اللطيف العمر، يوسف المشاري البدر وهذه البعثة أول بعثة كويتية ترسل إلى مصر للدراسة في 1939 م .فحصل على شهادة العالمية من كلية اللغة العربية في جامعة الأزهر عام 1943 م ثم شهادة تخصص التدريس من كلية اللغة العربية من الجامعة نفسها عام 1945 م ودبلوم المعهد العالي للمعلمين التابع لجامعة القاهرة في العام نفسه .وكانت الفترة التي قضاها في القاهرة فترة شديدة الثراء والخصوبة بالنسبة له وبالنسبة لهذه المدينة العريقة .فقد كانت حاضرة العالم العربي تمر بمرحلة مخاض تاريخي وتتهيأ لخوض سنوات التحولات الكبرى التي أعقبت الحرب العالمية الثانية .ولم يكتف فتانا هنا بدور المتفرج أو المراقب الخارجي بل ألقى بنفسه وسط هذه التطورات الموارة يتفاعل معها ويقرأ ويدرس ويراقب ويستوعب، وكان حلمه أن تستعيد أمته العربية عافيتها وتعود إلى مكانتها المرموقة التي احتلتها طوال حقبة طويلة من التاريخ الإنساني، وقد أدرك جيدا أن التحرر من نير الاستعماري والخطوة الأولى في مسيرة النهضة التي لن تتحقق بالتغني على أطلال الماضي لكن بالعمل على إعلاء كلمة العقل واحترام كرامة الإنسان وإشاعة حرية الفكر" .ذلك ما أردت نقلة من بحث الأستاذ د .سليمان العسكري الذي ضمه هذا الكتاب .وكم كان الدكتور خليفة الوقيان موفقا حين أوضح أن " في حياة الأمم والشعوب مراحل تتسم بالخصوبة والثراء، وفي هذه المراحل المهمة تنجب الشعوب بناة نهضتها الذين نذرهم القدر للقيام بالمهمات الصعبة ومواجهة التحديات والانتقال بمجتمعاتهم من طور السكون إلى طور آخر تتسارع فيه الخطى وتتكسر الحواجز على طريق تحقيق المنجزات الكبرى .وفي مرحلة من أخصب مراحل تاريخ الكويت الحديث أنجبت الكويت جيل النهضة الذي يقف الأستاذ عبدالعزيز حسين واحدا من أبرز أعلامه وإذا كان لكل واحد من أعلام النهضة وبناتها تميزه في مجال معين كالتربية أو الثقافة أو السياسة، فاللافت للنظر أن الأستاذ عبد العزيز بالغ التميز في هذه المجالات كافة، فهو حجر الأساس في النهضة التعليمية الحديثة وهو العلم الشهير في مجال العمل الثقافي ، أما دوره في العمل السياسي فيكفي أنه ارتبط بم رحلة الاستقلال والنضال من أجل ترسيخ كيان الدولة وتوطيد دور العمل المؤسسي " .والذين قدر لهم أن يعاصروا تلك الفترة من تاريخ الكويت يعرفون أن ما قاله هؤلاء الأساتذة في دراساتهم التي احتواها هـذا الكتاب صورة حقيقية فإن إدارة المعارف- كما كانت تسمى في ذلك الحين- كانت أقوى مؤسسة تصنع تاريخ الكويت .فقد كانت المدارس تفتح تباعا لأن الناس كانوا يقبلون على التعليم كل الإقبال، الأمر الذي يتطلب زيادة واسعة في عدد المدارس خاصة أن مدير المعارف الأستاذ عبد العزيز استطاع أن يقنع المسئولين بتعليم المرأة فشيد عدد من المدارس لتعليم البنات .كما استطاع مدير المعارف أيضا أن يقنع المسئولين بأن التعليم لا يؤدي رسالته إلا إذا صاحبه تثقيف عام للشعب فكان أن نشأ موسم ثقافي اشترك فيه أكابر العلماء والفلاسفة أمثال الأستاذ قدري حافظ طوقان والأستاذ صبحي الدجاني والدكتور عمر فروخ والدكتور عبد العزيز الدوري والأستاذ إسماعيل القباني والدكتور أحمد زكي والأستاذ منيف الرزاز ..وغيرهم من العلماء والمفكرين في شتى المجالات .وأستطيع أن أقول بكل اطمئنان أن جميع المثقفين كانوا يشهدون تلك المحاضرات .فقد كانت مدرجات ثانوية الشويخ تضيق بالناس، فكنت تشهد الواقفين خارج المدرجات بالمئات .وكان الموسم حديث الأوساط الأدبية والاجتماعية إذ كان كل محاضر يستطيع أن يقول كل ما في ذهنه من آراء وأفكار بكل حرية، ولم يكن شيء آخر يشغل المثقفين عن حضور تلك المواسم .

بين أبي هاني وابن جرير الطبري

وأستطيع أن أشبه الأستاذ عبد العزيز حسين بالعالم الكبير محمد بن جرير الطبري فقد كان هذا العالم إذا تحدث في التفسير تعتقد أنه المفسر الوحيد، ويقال مثل ذلك في هذا العالم حين يتحدث عن التاريخ واللغة وعن كل ما يتحدث عنه .فصاحبنا تربوي من الطراز الأول كما أنه علم من أعلام السياسة حتى كأنه خلق لهذا المجال، فقد ذلل مصاعب وعقبات كأداء حين كان يناضل لتكون الكويت عضوا في الجامعة العربية وفي هيئة الأمم المتحدة .ولقد كان منزله محجة للأدباء والكتاب والسياسيين والصحفيين حين كان سفيرا للكويت في القاهرة حتى كأنه لم يخلق إلا للعمل في المجال الدبلوماسي .ولقد أجمع الذين اتصلوا به وعملوا معه، بل حتى الذين كانوا روادا لمجلسه "ديوانيته"الذي كان يفتتح في معظم ليالي الأسبوع، اجمعوا على أن في الأستاذ عبد العزيز شيئا يجتذبك إليه .فأنت لا تكاد تتردد على مجلسه حتى تشعر أن لك به صلة قوية كأنك من الذين عملوا معه .ولقد زين هذا الكتاب بأربع وستين صورة كل صورة تجمع عدة أشخاص من ذوي المكانة المرموقة بين أمير وزعيم، أديب وفيلسوف .كالصورة التي جمعته مع الأمير الراحل المرحوم عبد الله السالم .والصورة التي تجمعه مع الزعيم الراحل جمال عبدالناصر في افتتاح بيت الكويت بالقاهرة 1958،. والصورة التي معه فيها الشيخ محمد بن عيسى آل خليفة مع البعثة البحرينية في القاهرة 1945 م .كما زين الكتاب بصور من عدة رسائل تلقاها الأستاذ عبد العزيز حسين من بعض الأمراء والزعماء وفي مقدمتهم الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح .وتشهـد كل هذه الرسائل بالدور الكبير الذي قام به الأستاذ عبد العزيز حسين في حقول التربية والتعليم والسياسة وما بذله من جهد في استقلال الكويت .

فهذا الكتاب هو في واقع الأمر كتاب وثائقي يرسم حياة هذه الشخصية الكبيرة، قامت بجمع ما فيه وطبعه مشكورة على هذا الجهد الدكتورة سعاد الصباح كما أشرف على تحريره الدكتور سليمان العسكري الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب .

جاء في بعض ما قالته الدكتورة سعاد الصباح في كلمتها التي استهلت بها هذا الكتاب: "قليلون في تاريخ الشعوب من يلقون مثل هذا الإجماع دون عداوة ودون غرض .ولقد بقيت للأستاذ عبد العزيز حسين هذه الهالة التي استحق وستبقى العمر كله .فالرجل ليس صاحب حظوة ولا صاحب ديار وليس له رصيد سوى عمله وحكمته ورصانته وتاريخه وكفاه هذا ويكفيه ويغنيه عن كل أشكال الأرصدة وأسباب الجاه الأخرى" .ولا بد لي من أن أعترف بأن هذه الكلمة ليست إلا لمحة قصيرة عن هذا الكتاب، إذ إنني لو أردت أن أنقل ما قاله عنه جهابذة التربية والفكر من دراسات في هذا الكتاب لخرجت عن القصد، فقد بحث عن الأستاذ عبد العزيز حسين كل من الأستاذ الدكتور محيي الدين صابر والأستاذ صدقي حطاب والدكتور سليمان حزين والدكتور محمد الرميحي والأستاذ ثروت أباظة والدكتورة دلال الزبن ، وغيرهم من العلماء .وبذلك أصبح هذا الكتاب مرجعا لكل من يريد أن يعرف جانبا مهما من تاريخ الكويت بالإضافة إلى أن هذا الكتاب أخرج بصورة لائقة بمن ألف لأجله وهو الأستاذ عبد العزيز حسين .

ولقد كان يوم مجيء الدكتورة سعاد الصباح لتسليم الكتاب يوما عاطفيا تاريخيا حيث حضره صفوة من أصدقاء الأستاذ عبد العزيز حسين خاصة حينما ألقت الدكتورة سعاد كلمتها في الحفل، تلك الكلمة التي تفيض بالفهم الدقيق والإيمان العميق بالقيم كما تفيد بالتقدير لهذه الشخصية العظيمة شخصية الأستاذ عبد العزيز وقد رأيت أن تكون خاتمة عرضنا لهذا الكتاب فإنها خير ما نختم به هذا المقال .

تقول الدكتورة سعاد: "أستاذي الكبير ..

ليس مهما أن يكون الإنسان غنيا في قومه أو أن يكون القوي ..أروع من ذلك أن يكون الجليل، وأنت والله جليل في قومك وفي وطنك وفي أمتك العربية بأسرها .

يسعدني ويشرفني أن أقف في دائرة التنوير، في بيت عبد العزيز حسين، الذي عرفته رمزا للمعرفة وأنا طالبة، ورمزا للحكمة وأنا على سفر ، ورمزا للعطاء الذي لا يتوقف وأنا أرقب دنيا الكويت تتقدم بفضل من الله ومن العقل والحكمة والمعرفة .

أستاذنا الجليل: هذه الكوكبة من الرجال والنساء يجمعها في هذا الصباح أمر رائع ونبيل هو الوقوف في محراب الثقافة منشدين لك من القلب دعاء ومن الحناجر نداء والله بأن يمنح الكويت المزيد من عطائك والمزيد من علمك .

لقد علمني رفيق عمري وسيدي الشيخ عبد الله المبارك أن للكويت حصانة في عقل الأستاذ، وما كان لغيرك هذا اللقب .لقد شببنا وكبرنا ونحن نرى فيك رمزا لكل ما تتمناه القلوب من تجذير لدور المعرفة في بناء المجتمع لأن المجتمع معرفة والمعرفة قوة .

يا أبا الهانئ العظيم

شكرا لك فقد أعطيت وتعطي، وشكرا لك أنك قبلت منا بتواضع العلماء المؤمنين، أن نلتقي بك في هذا الصباح لنقول لك باسم الوطن:

شكرا لك يا عبد العزيز حسين ..

شكرا ..شكرا من الأمس واليوم

ومن غدنا الذي يطلع نوره بفضل المعرفة

وأنت فيها الرائد والمعلم " .

 

عبدالرزاق البصير

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




عبدالعزيز حسين وحلم التنوير العربي





عبدالعزيز حسين يصافح أمير الكويت الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح





مع الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر في بيت الكويت بالقاهرة





يصافح وزيرة الثقافة اليونانية السابقة ملينا ميركوري أثناء اجتماعات لجنة الصندوق الدولي لتعزيز الثقافة





مع الدكتورة نجاح العطار وزيرة الثقافة االسورية في افتتاح معرض للفنون التشكيلية السورية