إلى أن نلتقي

إنذار مايكل أنجلو

بعد خمسة قرون وسبعة عشر عاما ظهر مايكل أنجلو، فارتبك العالم.. كان فيروس الحاسوب "مايكل أنجلو"، الذي طوره أحد هواة الكمبيوتر في شمال أوربا، ينذر بكارثة في حجم "طاعون إلكتروني" يدمر 80 مليون كمبيوتر مبثوثة في أربعة أرجاء الأرض، لهذا اهتزت أربعة أرجاء الأرض، وكان مايكل أنجلو فيروسا خبيثا، من النوع الذي لا يسفر عن وجوده إلا بعد فترة من الكمون، فلا يبدأ التدمير إلا بعد أن تصل ساعة الكمبيوتر المصاب إلى موعد بعينه، وقد كان الموعد: يوم الجمعة، 6 مارس، 1992.

قيل إن "مايكل أنجلو" أصاب خمسة ملايين جهاز كمبيوتر، وقيل مليونا، وفي أكثر الإحصاءات تفاؤلا هبط الرقم إلى بضعة آلاف. لكن المعلومات الأكثر تواترا قالت إن من بين المصابين: 200 جهاز في وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا"، وبعض أجهزة مجلس الشيوخ الأمريكي، وأجهزة البعثات الدبلوماسية الأمريكية في تورنتو، وأديس أبابا، ولاباز. عدا ذلك، أزال الفيروس كل المعلومات المسجلة في كمبيوتر إحدى الصحف بالأرجنتين، ومعلومات الكمبيوتر في أربعة بنوك بالبرازيل. ومع ذلك، يؤكد خبراء المعلوماتية أن الأمر لم يصل إلى حد الكارثة، بفضل استخدام البرامج المضادة للفيروسات، وإخضاع 15% من حقل المعلوماتية الأمريكي للتفتيش، ووقف الكثيرين لأجهزتهم في هذا اليوم أو تغيير التوقيت في ساعات الأجهزة. فهل انتهى أمر "مايكل أنجلو"؟

أعتقد أنه يجدر بنا عدم اعتباره منتهيا، لأن الأمر هذه المرة لم يكن عبثا سطحيا لأحد هواة الكمبيوتر المراهقين، بدلالة ما يحمله تاريخ صاحب الاسم. ففي عام 1475 ترك الأبوان الإيطاليان - اللذان كانا في سن الشيخوخة - وليدهما مايكل أنجلو في رعاية زوجة عامل بأحد محاجر الرخام قرب فلورنسا. وما أن شب الصبي حتى أمسك بمطرقة وإزميل، وانطلق يواجه الرخام. صار دأبه أن يحرر بإزميله أرواحا يحبسها الحجر - كان ذلك تعريفه لفن النحت - ثم إنه بعد ذلك تبنى "المذهب الإنساني"، وفتنته من محاورات أفلاطون، تلك التي تتحدث عن الخلق، والتكوين، والجمال، والحب. وهي - جميعا - الأصل الفلسفي لكل ما أبدعه بعد ذلك. وهي - في يقيني - جوهر الإنذار الذي حمله إلينا فيروس الكمبيوتر المكلل باسمه. فكأنه يقول لنا: "حذار".

حذار، فإن ما ينقص مدنية نهاية قرننا، وبوادر القرن القادم، يتعلق بافتقاد الحب الإنساني الذي هو وليد الروح وأصل كل جمال حقيقي. وبقدر البراعة المذهلة في التكنولوجيا الحديثة، تبدو الحكمة الإنسانية في حالة انحطاط. وما بين شفير المقصلة وعتبتها يضع الإنسان رأسه ويغامر مغامرة جنونية،. وإن هو تخلى عن بقايا روحه في بهرة التكنولوجيا، وأفرغ عقله مرتاحا إلى امتلاء تلك العقول الإلكترونية التي يمكن أن يعصف بها عبث صغير، مبرمج، ويتركها ويتركنا كالحجارة.

وأنى لهذه الحجارة يومئذ من مايكل أنجلو، ليحرر بإزميله حبيس أرواحها؟!