مناعتك في طعامك وسيم مزيك

مناعتك في طعامك

إنها دورة خبيثـة تـربط بين سـوء التغـذيـة وانخفـاض المنـاعـة الطبيعيـة . . كل واحـدة منهما تـؤثـر في الأخـرى . فهل يمكن أن نكسر هـذه الـدورة الخبيثـة؟

يشتمل جهـاز المنـاعـة الفطري على العـديد من الحواجز التشريحية، (جلـد- غشاء مخاطي- بطانة الطريق المعـدي المعوي) والخلايا (البلاعم- الخلايا القـاتلـة الطبيعيـة) والجزيئـات (الليزوزيم- أنزيمات- مفرزات الغـدد الظهـارية- بروتينات الـدم...إلخ)، التي تقوم بعملية دفاع غير نوعية ضد أي عـامل خارجي غاز ، مؤدية في معظم الحالات إلى قتله والقضاء عليه .

إلا أننا نكون في بعض الأحيـان بتماس مع كـائنـات دقيقة تمكنت بفضل الاصطفـاء التطـوري من استنباط آليات تمكنها من مقاومة ومراوغة هذه الحواجـز الطبيعية والدخـول إلى الجسم لتبدأ بالتكاثر وتسبب المرض لاحقـا. هنا تبدأ بالفعل آليات دفاعية أكثر تخصصا ونوعية Specific ، تقوم بتوجيه استجـابة منـاعية للعامل الغازي حصرا (لا تـؤثر في سواه) .يعتمـد جهاز المناعة التخصصي هذا على فعالية نوعين أساسين من الخلايا، اللمفاويـات البائيـة B - lymphocytes واللمفاويات التائية Tlvmphocytes - بمساعدة بالغة الأهميـة من بعض أصناف الخلايا البلاعم Phagocytes . تكـون الخلايا البلاعم أول الـواصلين إلى مكان دخـول العامل الغازي وعلى عاتقها تقع مهمة حساسة جـدا لإتمام الاستجـابـة المنـاعيـة التخصصية ، إذ تقـوم بمعاملـة الجسيم الغريب المبتلع داخلها لتقوم بعرضه لاحقا بشكل يضمن تعرف اللمفاويات المتخصصـة عليه ، أي تتواسط عملية التعرف Recognition النوعية التي تميز الاستجـابة المناعية المتواسطة باللمفاويات .

بالإضافة إلى وظيفتها المهمة، بعـرض مستضـدات antigens معينـة من العـامل المبتلع على سطحهـا بشكـل يضمن التأثير في وتحريض اللمفاويات المتخصصة، تقوم البلاعم أيضـا بإفراز وسائط مناعية تدعى المونوكينات Monokines التي تدعم فعاليـة وتنشط خلايا أخرى مناعية (اللمفاويات على الأخص) .

تقسيم اللمفاويات إلى نوعين رئيسيين، التائيات T - cells التي تقوم بعمليـات المناعة الخلوية الطـابع بشكل أسـاسي mediated immunity ، والبائيات B - cells التي تقوم بإنتاج الأضداد antibodies والعمليات المناعية الخلطية الطابع.

وبخـلاف الخلايا البلاعم التي تستطيع التعـامل مـع طيف واسع من الأهداف، تكون اللمفاويات فائقة في التخصص والنوعية، حيث تقوم كل خلية (أو عدة خـلايـا) ليمفاوية بالتفاعل ضد مستضد وحيد معين، بشكـل يضمن تـوفير استجابة مناعية قوية ونوعية ضد العامل الغازي .

تقوم اللمفاويات التائية بمهمة الدفـاع ضد العـوامل ذات التوضع داخل الخلـوي بشكـل أسـاسي ، كالفطور fungi ، الفيروسات viruses ، والطفيليات parasites ، لعدم تمكن الأضداد الجائلة في الدم من الـوصول إلى داخل الخلايا وبالتالي القضـاء على هذه المتعضيات.

أما اللمفاويات البائية (المنتجة للأضداد) فتتخصص بعمليات الدفاع ضد العـوامل ذات الجولان الحر في الدم والنسج كـالجراثيم بأنواعهـا.

دور التغذية

من البديهي أنه لكي يقوم جهاز المناعة بوظيفته الدفاعية المعقدة على أكمل وجه يتوجـب أن يكون تموينه من الطاقة والتغذية جيدا.

لهذا السبب فان الناس الذين يعانـون من سوء التغذية يتميزون بقابليـة أعلى للإصـابة بالإنتانات المختلفة من الأصحاء، وتكون هذه المشكلة حـرجة خـاصـة في بلـدان العالم الثالث حيث يـؤدي الإنتان Infection إلى كثير من الوفيات عند الأطفال المصابيـن بعوز بروتيني - طاقي PEM( protein - enmalnutrition) ، الذي غالبا ما يكـون سببه في مثل هـذه البلدان الجوع الطـويل الأمـد، أو الإسهالات المزمنة.

أما في البلدان المتطـورة فيشكل نقص التغذية والإنتان مشكلة جدية عنـد مجموعات سكانيـة غير تلك المشـاهـدة في البلدان النـاميـة، كالمرضى المصابين بأمراض عضال ، والمرضى الخاضعين لجراحـات معقـدة، أو المصـابين بـرضـوض شديدة .

يـؤثر نقص التغذيـة سلبـا على جميع وظائف جهاز المنـاعة الفطري والمتخصص على حد سواء، بما فيها الجلد والأغشية المخاطية .

ويـؤثر أيضا في كفـاءة الخلايا اللمفـاويـة المتخصصـة، حيث لـوحظ تثبيط الخلايا التـائيـة عنـد المصـابين بنقص التغـذية، كـما أنه لوحظ عنـد المصـابين بـدرجـات شديدة من نقص التغذية انخفاض عدد اللمفاويـات الجائلة في الدم ونقصان في حجم غـدة التيمو Thymus (عضـو مهم للمنـاعـة الخلـويـة)، الطحـال، العقـد اللمفية .

وعلى ما يبدو فان المناعة الخلوية (فعالية الخلايا التائية T-cells) ،تعـاني أكثر من المنـاعـة الخلطيـة (فعالية الخلايا البائية B-cells) ،عند المصابين بنقص التغذية.

وللسبـب السـابق نستطيـع باستخـدام الاختبارات الـوظيفيـة للمنـاعة الخلـوية تحديد المصابين بدرجات شديدة من نقص التغذية في بعض الأحيـان ، ومن هذه الاختبارات التجارب الجلدية skin tests وتعداد اللمفاويات .

ومع أنـه من الثـابت أن نقص التغذية يؤدي إلى نقص في المناعة ، إلا أنـه ليس واضحـا تمامـا كيف يمكن للعـلاج بـالحميـات التعـويضية تصحيح هـذا الخلل . فقـد لـوحظ أن المصـابين الـذين يعطـون تغذيـة تعـويضية يبـدأون بكسب بعض الوزن ويحققون توازنا إيجابيا لـلآزوت (أي أن عمليـات البناء تفوق عمليات الهدم)، إلا أن التحسن في أداء الجهـاز المنـاعي لم يكن ثابتا بحيث يمكننـا الخروج بنتائج واضحة في هذا المجال .

ولوحظ أيضا أن إعطاء التغذية التعـويضيـة للمصـابـين بنقص التغـذية عن طريق جهـاز الهضم يعيـد إلى هـذا الجهـاز وظيفته الدفاعية كحـاجز مناعي، بينما تفشل المعـالجة التعـويضية عن طـريق الـوريـد في تحقيق نفس النتيجة .

تنشيط قدرات المناعة

ولا شك أن هذا المجال بالذات لا يـزال يحتـاج في كثير من الدراسات لتحديد أهم العناصر الغذائية الواجب إعطاؤها لرفع أداء جهاز المناعة إلى مستـواه الطبيعي عند هؤلاء المرضى .

وتشير بعض النتائج الأولية في هـذا المجـال إلى أن حميـة غنيـة بـالأرغنين (حمض أميني)، والنيوكليوتيدات صناعية (جزيئات تصنع في الحالة الطبيعية في داخل العضوية الحيـة، إلا أن الأشخاص المضعفين جـدا قـد يفشلـون في اصطناع كميات مناسبة من هذه الجزيئـات البنـويـة الأساسيـة ، والحمـوض الشحميـة من النـوع أوميغا - 3، مـع بعض العناصر الغذائية الأخرى، تحمل بعض الرجاء في تصحيح العيوب المناعية عند الأشخاص المضعفـين بشـدة . وقـد بدأ تسـويق حميـات صناعيـة (رافعة للمنـاعة) كهـذه تجاريا، إلا أنه يلزمنا بلا شك المزيد من الوقت والتجـارب للتحقق من فعـاليـة منتجات كهذه .

إن جهاز المناعة حيوي من أجل البقاء، ودونه يكون الجسم عرضة لمختلف العـوامل الغـازيـة والسرطانات .

ومن أهم الشروط اللازمة، لهذا الجهـاز الرفيع التنسيق، للقيـام بوظيفته الدفاعية بكفاءة، توافر العناصر الغذائية الضرورية لعمله، وتمتع الفرد بتغذية متوازنة كما وكيفاً .

ومع أن هذا الموضوع (علاقة التغذية بجهاز المناعة) أخذ يلقى مزيداً من الأضواء في الآونة الأخيرة، إلا أنه لا تزال هناك الكثير من الأسئلة بحاجة للإجابة مثل : ما هي أهم العناصر الغذائية اللازمة لقيام هذا الجهاز بوظيفته على أكمل وجه؟ هل تؤثر التغيرات الجغرافية في أداء هذا الجهاز؟ ما هي الحمية التعويضية الواجب إعطاؤها للأشخاص المثبطي المناعة؟ . . وغيرها .

لقد عرف ولفترة طويلة أن التغذية الجيدة المتوازنة هي مفتاح التمتع بصحة جيدة، إلا أن الطريقة التي تؤثر بها العناصر الغذائية في الأجهزة المختلفة ومنها جهاز المناعة، وأي العناصر أكثر أهمية للحفاظ على أداء مناعي عالي الكفاءة، هي من المواضيع التي بدأت تأخذ حيزاً من الاهتمام العلمي في الآونة الأخيرة فقط . ولا شك أن تسليط الضوء على جوانب التغذية المناعية سيساعدنا على المدى الطويل في حربنا التاريخية المضنية مع العوامل الإنتانية .

 

وسيم مزيك

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات