القارئ المتردد

القارئ المتردد

عرض: أحمد عمر شاهين

حين عادت (ميتشيل) إلى البيت، وجدت ابنتها ذات الأعوام العشرة، متسمرة ثانية أمام شاشة التلفزيون، وتعجبت، لماذا لم تفكر بالتقاط كتاب وقراءته? حين كانت في الخامسة، كانت تحب أن تسأل عن كل شيء، وبدت مغرمة بالتعلم، لكنها الآن تجلس بالساعات أمام التلفزيون كقطعة من الأثاث، أو تلعب بألعاب الكمبيوتر.

تلك الليلة سألها زوجها، لماذا هي قلقة من هذا الوضع? قالت: حين كنت في سنها كنت أقضي ساعات وساعات في القراءة حتى أنني كنت أنسي تناول الوجبات لكني لم أر ابنتي تلتقط كتابا لتقرأه من أجل متعة القراءة، على الرغم من أنها جيدة في المدرسة.

قال زوجها: أعتقد أنك تبالغين، فهي فتاة ذكية، ثم إن الأولاد هذه الأيام لايقرأون كما كانت تفعل الأجيال السابقة.

إن زوج (ميتشيل) يفكر مثل معظم الآباء الذين يعتقدون أن أولادهم سينجذبون للقراءة حين يكبرون، أو أن وسائل الحصول على المعلومات بطرق المعرفة الأخرى كالكمبيوتر والكتاب الإلكتروني وغيرها، تغني عن الكتاب الذي تتضاءل أهميته بتقدم وسائل المعرفة التكنولوجية. وهم بذلك مخطئون.

وسيلة المعرفة الأولى

دراسات وبحوث عديدة أكدت أهمية الكتاب كوسيلة أولى للمعرفة، الآن ولسنوات طويلة قادمة، كما أكدت هذه الدراسات على العلاقة بين القراءة ومعدل الذكاء وتحقيق أهداف المرء في الحياة. فالشاب القارئ يتذكر حقائق أكثر، ويستخدم المعلومات بشكل أفضل، ويعرف الإجابة على معظم الأسئلة التي تواجهه، وحصيلته اللغوية أكبر، ويتكلم بلغة جيدة، ويعرف الكثير عن أشياء مختلفة، ويتميز بسعة الأفق وبمعلومات أكثر قيمة من المعلومات التي يعرفها الشباب عن طريق التلفزيون مثلا.

إن القراءة تفتح أبواب الحياة أمام الشباب، وهي مرتبطة بالنجاح في مجالات عديدة، وهي عادة يمكن تعلمها، وكلما اكتسبها الفرد من الصغر كان ذلك أفضل.

إن الأطفال لايبدأون في التقاط الكتب وقراءتها ما لم يؤكد البيت والمدرسة على مباهج القراءة، وعلى الوالدين انتهاز كل فرصة لحمل أولادهم على القراءة ومساعدتهم في اكتساب هذه العادة الأساسية، ومثل أي عادة تحتاج إلى تدريب، ولكن ما إن يتعلق الولد بها حتى يحبها وتستمر في إعطاء ثمارها الممتعة له.

وإذا كان ابنك لايحب القراءة، فلا تيأس، هناك أساليب ناجعة تساعد على جعله محبا للقراءة، وهناك أساليب لاتساعد، ومع الأسف، كما تقول مؤلفة الكتاب ـ فإن الآباء يختارون، غالبا، الأساليب المنفرة.

ما الذي يجب أن يفعله الوالدان لجعل القراءة محببة إلى أولادهما؟ وما الذي يفعله الآباء، بشكل خاطئ، يبعد أولادهم عن القراءة؟

مؤلفة هذا الكتاب (ويندي وليامز)، وهي أستاذة وباحثة متخصصة في علم النفس والبيولوجيا والأنثروبولوجيا في جامعة (ييل) ولها مؤلفات عديدة حول التعليم وعادات القراءة، تحاول في كتابها The Reluctant Readr الذي صدرت طبعته الأولى في أغسطس 1996 عن دار (وارنر) للنشر في نيويورك، أن تجيب عن هذين السؤالين.

قامت بإجراء عدة بحوث حول عادة القراءة، قابلت واستمعت إلى آلاف الآباء والأمهات والأبناء والمدرسين، وناقشتهم في المشاكل التي واجهتهم حول هذا الموضوع، ثم عرضت في كتابها نماذج مختلفة من الأطفال ومشاكلهم مع حب القراءة والوسائل التي تساعد كل نموذج على تخطي العقبات والإقبال على هذه العادة الممتعة.

فالكتاب، باختصار، يبين لك كيف تشجع الأطفال على اختيار الكتب وقراءتها حتى وهم لايرغبون في ذلك. وهو موجه، أساسا، إلى الآباء والمدرسين.

الآباء هم المشكلة

تقول المؤلف: إن المشكلة تكمن في الآباء بالدرجة الأولى. بعضهم يعتذر بأنه هو نفسه لايقرأ، أو أنه لايستطيع قبول هذا التحدي مع ابنه، أو أن العائلة كلها ليس لديها ميل للقراءة، كما يقول البعض إن هذا دور المدرسة، والبعض يرى أنها مشكلة مهمة لكن ليس لديه الوقت لمعالجتها، فلديه التزامات أخرى.

مهما كان السبب، فعليك أن تنحيه جانبا، وتبدأ الآن كي تعلم ابنك أو ابنتك متعة القراءة.

ثم تقدم المؤلفة خلاصة بحوثها على شكل مقترحات للآباء في كيفية معالجة هذا الأمر، وعليهم أن يأخذوا ما يرونه مناسبا لحالة أطفالهم.

تقول مثلا:

ـ اعرف الطراز الذي منه طفلك، فبعض الأطفال (رواد) يحبون أن يختاروا ما يقرأونه بأنفسهم، والبعض يحتاج إلى مساعدة وإرشاد، لكن توقف عن فرض أفكارك وقيمك الخاصة على ما يقرؤه ابنك، فإذا لم تستطع أن توصل قيمك بطريقة إيجابية وبحماسة معدية، فستحقق عكس الهدف الذي تسعى إليه، دع ولدك يقرأ ما يريد بعد أن ينهي واجباته المدرسية، ولاتضغط عليه ليتبع خطواتك إذا كنت قارئا، وقدم المساعدة والتشجيع بدلا من المحاضرة عن نجاحاتك السابقة، وتقبل أن ابنك قد لايشاركك اهتماماتك ودعه يقرأ ما يمتعه.

ـ لا تدفع الأبناء إلى القراءة كل الوقت، فذلك يمنعهم من تطوير حافز حقيقي ـ الرغبة في القراءة لأنها متعة ـ ولاتستخدم القراءة كوسيلة عقاب وإلا فسيتعلم ولدك الخوف من القراءة.

ـ إذا كنت لاتستمتع بالقراءة فلا تعكس هذه الحقيقة على ابنك، فقد يظن أنه لن يستطيع أن ينجح فيما فشلت فيه أنت، وقد يظن أنك أصبحت ناجحا دون الحاجة إلى القراءة، فلماذا يحاول؟ تذكر أنك مازلت قادرا على المساعدة حتى لو لم تكن قارئا أو فشلت في المدرسة، لاتكن مثلا سيئا لابنك، دعه يرك وأنت تقرأ وتستمتع بالقراءة.

ـ اخلق بيئة مشجعة على القراءة حول طفلك في البيت، وشجعه على القراءة كل يوم كإحدى العادات اليومية للعائلة، اختر وقتا وعين ركنا تجعله العائلة للقراءة حتى يشعر ولدك أن هناك من يساعده في هذا النشاط، وشاركه القراءة في موضوعات تشتركان في حبها، واحرص على أن يكون هناك مكان في البيت للمكتبة.

ـ ضع حولك في البيت مواد تجذب طفلك للقراءة ـ مجلات وكتبا ـ حتى لو كانت لاتحظى باهتمامك، وتقبل اهتمامات ولدك حتى لو بعثت فيك الملل أو رأيتها سخيفة، اشتر أو استعر كتبا ومجلات لها علاقة بما يحبه ولدك.

ـ اقرأ عاليا للأطفال، ودعهم يروك وأنت تقرأ وتستمتع بالقراءة. اقتبس أقوالا مما تقرؤه، وقلها لهم. خذ الأطفال إلى المكتبة العامة وأظهر لهم تقديرك للقراءة. اشتر كتبا واستخدمها كهدايا تقدمها وتقدم لك، واجعل القراءة مثيرة. حدثهم بأن الكتب مليئة بالأفكار الجيدة التي يمكن أن يستفاد منها، واعمل اشتراكات بأسماء الأولاد في مجلات تهتم بموضوعات يحبونها، وأعط جوائز للقارئ الجيد من أولادك ـ كتابا جديدا، تذكرة إلى مسرح، أدوات فنية، رحلة إلى متحف أو حديقة حيوان... إلخ.

علق خرائط واشتر كتبا

ـ علق خارطة للعالم وخارطة لبلدك في البيت، واعمل مسابقة لمن يقرأ أكثر حول مكان أو بلد ما، واجعل الأولاد يقرأون الخرائط وطرق الوصول من مكان إلى آخر، واسألهم تفسيرهم ووجهة نظرهم في الأحداث الجارية، واترك الجرائد أمامهم، واطلب منهم أن يقرأوا المقالات حول الأفلام قبل ذهاب العائلة لمشاهدتها، أو حتى الفرجة عليها في التلفزيون، ودعهم يهتموا بالتاريخ بأن تطلب منهم البحث عن تاريخ المدينة التي ولدت فيها أو مدن لها أهمية خاصة عندهم.

ـ أحضر كتبا تجعل عند الأولاد رغبة في قراءتها، عن الديناصورات أو رحلات الفضاء مثلا، ولو شاهد الأطفال موضوعا مثيرا في التلفزيون، اشتر كتابا حول الموضوع، واستغل الهوايات والنشاطات التي يحبها طفلك لتغريه بالقراءة.

ـ حين تذهب معهم إلى حديقة الحيوان أو إلى أحد المتاحف، أحضر لهم كتبا حول الموضوعات التي أحبوها، وقدم لهم الكتب العلمية المبسطة مثل، سلسلة كتب لماذا? وشجع طفلك بالاشتراك في مشاريع مدرسية تتعلق بالقراءة، ومصادقة زملاء يحبونها.

ـ إذا كان لطفلك ميول فنية، فيجب أن تدرك أنه سيقضي معظم أوقات فراغه في هذه الهواية، شجعه على القراءة باختيار كتب تتعلق بهذه الاهتمامات (عن الفن أو الموسيقى أو المسرح وغيرها.).

ـ شجع الأطفال على القراءة لك حين يسمح وقتك بذلك لتطوير مهاراتهم وثقتهم في أنفسهم، واسألهم رأيهم في الكتب التي قرأوها، ودع الأطفال يقرأوا الموضوعات والقصص القصيرة في البداية، فذلك يعطيهم إشباعاً، واجعلهم يقرأوا لواحد من العائلة لم يعد يستطيع القراءة لسبب ما إن وجد.

ـ لا تقل لأحد ابنائك اذهب واقرأ بينما أنت تداعب أخاه مثلا، فأنت بذلك تعطي الانطباع بأنك لاتهتم بما يقوم به ولدك، أو أنك تفضل الابن الآخر، وأنك تريد التخلص منه ومن مشكلته.

ـ تفهم انغماس طفلك في مشاهدة الفيديو أو ألعاب الكمبيوتر، فهو يعتقد أنها أكثر متعة من أي اختيار آخر لتمضية وقت فراغه، وضح لابنك أن هناك اختيارات أخرى لقضاء الوقت تكون أكثر فائدة، واقترب منه أكثر حتى تصبح هذه النشاطات الأخرى ـ القراءة ـ عادة لديه، وراقبه بدقة لتقليل الوقت الذي يقضيه مع هذه الألعاب، واستبدل، أحيانا، بدل الفرجة على التلفزيون، قراءة كتاب كوميدي بشكل جماعي.

ـ لا بد أن تكون قادرا على أن تتحدث عن آخر كتابين قرأهما ابنك، إذا لم تستطع فأنت مبتعد عنه، وقد حان الوقت لتنغمس معه أكثر، ولاتمتعض أو تظهر الاستياء من حضور مجلس الآباء في المدرسة، ومناقشة المدرسين حول مشاكل الأولاد مع القراءة أو الأساليب التعليمية، وقدم لولدك الوقت والدعم الكافيين اللذين يحتاج إليهما، ولاتقل بأن مشاكل القراءة عادية، قد تكون مشاكل عامة، لكن كل طفل يحتاج إلى مساعدة فورية ومستمرة، ولاتتوقع أن تحل المدرسة والمدرسون وحدهم مشاكل القراءة مع ابنك دون مساعدتك. فمساهمتك ضرورية مهما كان مستوى المدرسة.

ـ إذا كان القارئ المتردد في عائلتك بنتا، فاسأل نفسك: هل لو كانت ولدا لكنت اهتممت أكثر حول حبه للقراءة? إذا كانت إجابتك بنعم فأنت تقلل من شأن ابنتك، راجع نفسك.

راجع مشاكله

ـ فور شعورك بمشكلة في تعامل ابنك مع القراءة، اجلس معه، واسأله وجهة نظره في الوضع، واصغ إليه جيدا، وتعاونا معا على حل المشكلة، ولاتنزعج من أداء غير كامل، فكلنا نفعل الأخطاء، ولاتجعل من (الحبة قبة)، وإلا فستعلم الطفل أن الأخطاء لايمكن غفرانها، وهذا يجعله يشعر بأنه فاشل. كما لاتنتقد فشله، وتنسى أن تمتدح نجاحاته، بدلا من ذلك ناقش معه مشكلته مع القراءة، وبين له أن مهارات القراءة يمكن اكتسابها مثل أي مهارات أخرى، وإذا كان إخوته يقرأون ويجيدون فلا تتحدث عن إنجازاتهم بفخر أمامه وتنتقده. شجعه على الاندماج والاختلاط مع آخرين يحبون القراءة. وقلل من الوقت الذي يقضيه في التسوق أو اللعب أو التجول إلا إذا كان ذلك للمكتبات، واجعل الطفل يحس أنه من العادي أن يخطئ على شرط أن يتعلم من أخطائه.

ـ شجع الابن على تخصيص كراسة يكتب فيها ما أعجبه من فقرات، أو أفكار أو نكات أو معلومات من الكتب التي قرأها. ودعه يكتب رسائله الخاصة إلى المدرسة يشرح فيها سبب غيابه مثلا، أو أي خطابات أخرى مثل جواب شكر على كل هدية يتلقاها قبل استخدامها، وشجـعه علـى القراءة قبل النوم كل ليلة.

القراءة عادة مهمة وممتعة وضرورية في هذا العصر، ولعل الآباء يتنبهون، ويهتمون، ويتبعون بعض هذه الإرشادات، حتى نخلق جيلا محبا للقراءة نحن في أشد الحاجة إليه.

 

ويندي م. وليامز

 
  




غلاف الكتاب