إلى أن نلتقي

 إلى أن نلتقي
        

مظاهرات

          تيمنًا بالربيع العربي، أطلق المتظاهرون على حركة الاحتجاجات المتواصلة، ربيع مونتريال، وقد بدأت المظاهرات حتى قبل أن يذوب الجليد، ولابد أن أحداث الثورة المصرية التي كانت تبث على الهواء كل يوم، قد أحدثت شيئًا في النفوس، جعلت الغاضبين والمهمشين والذين يشعرون بالغبن يجأرون بالشكوى، قيل لماذا تصرخ، قال حتى تسمعني، وهذا ما كان، انبعثت الشكوى من كل القطاعات تقريبا، وظهرت حركات احتلال الشوارع، كما حدث في ميدان التحرير، ثم في «وول استريت» في أمريكا، وفي مونتريال تم احتلال ميدان فيكتوريا، أكبر ميادين المدينة، ونصبت فيه الخيام لأيام طويلة رغم هطول الثلوج، وقد وصلت الحكومة للتفاهم والاتفاق مع كل الغاضبين إلا فئة واحدة مازالت عصية على الاتفاق، الطلبة الذين مازالت مظاهراتهم تجوب شوارع المدينة حتى الآن، بل إنها تكاثرت وزاد حجمها وتعددت أشكالها أيضا، الطلبة غاضبون، ومن فرط غضبهم لم يدخل الكثير منهم امتحانات هذا العام، وفي كل أسبوع تستنفر الشرطة قواها، وتغلق العديد من شوارع المدينة تحسبا للحشود التي تتزايد، وتطوف المروحيات في السماء، وتتأهب أعداد كبيرة من رجال الشرطة وهم يركبون الحافلات والسيارات والدراجات والخيول، ولكن هذا الحشد لا يخيف الطلبة، حتى بعد أن خرجت السلطات عن صبرها، وفرضت عقوبات رادعة وغرامات كبيرة ضد من يخرج عن قانون التظاهر، كل هذا بلا فائدة، الطلبة غير راضين عن السياسة الحكومية في رفع الدعم عن التعليم الجامعي، فالتعليم والصحة هما من الخدمات التي توفرها الدولة بالمجان لكل المواطنين، دلال لا يتمتع به الكثيرون في هذا العالم، ولكن التعليم الجامعي في مقاطعة كوبيك، ومنها مونتريال ليس بالمجان، ولكن يتم دعمه بمبالغ كبيرة، وبذلك فهو الأكثر أنظمة كفاءة والأقل تكلفة على الطلاب، وأقل من بقية المقاطعات في كندا وربما في العالم كله، ولكن أزمة كوبيك المالية مستحكمة، ويقال إن وضعها السيئ يشبه اليونان، لذا قررت أن توقف الدعم الذي تدفعه للجامعات، ويعني هذا مضاعفة أسعار الدراسة مرة واحدة، ولكن الطلاب معترضون، يعتبرون التعليم المنخفض حقا من حقوقهم، وعلى المقاطعة أن توفر الأموال من بنود أخرى، ما أهمية ذهاب الجنود الكنديين إلى أفغانستان على سبيل المثال؟

          ويؤكدون أن ما يقال عن الأزمة المالية هو نتيجة للفساد، فالمقاطعة غنية بالمصادر الطبيعية والأنشطة الاقتصادية، ولكنها تخضع للعالم السري للمافيا، فتحت هذا الطابع الهادئ توجد القبضة القوية لعصابات المافيا التي تحكم السيطرة فوق كل الأنشطة المالية، لدرجة أن تكلفة كل المشاريع الحكومية في مونتريال تزيد على مثيلاتها في المقاطعات الأخرى بمقدار الخمس، وهذا الفرق يذهب لجيوب زعماء العصابات، وهناك فضائح في مجال المقاولات، خاصة في أشغال الطرق والجسور، وهناك شركات موضوعة على القائمة السوداء ومع ذلك تظفر بنصيبها من مشاريع المدينة، ثورة الطلاب منطقية ومستمرة، لأنها ضد الفساد، وضد المافيا التي تريد أن تتحكم في مستقبلهم بطريقة غير مباشرة، ولكنها بطبيعة الحال مظاهرات متحضرة، فلا الطلبة يتعمدون التخريب ولا الشرطة تلجأ إلى القمع، وقد تصاعدت المظاهرات أخيرًا مع تحسن الطقس حين قرر الطلبة أن يقوموا بمظاهرة عارية تماما، وهكذا خلع الأولاد والبنات ملابسهم تمامًا، وتألقت أجسادهم العارية تمامًا في شوارع المدينة كأنها شموس صغيرة، وقد أسعد هذا الأمر الجميع وتمنوا أن تدوم المظاهرات طويلاً.

 

محمد المنسي قنديل