عزيزي القارئ

عزيزي القارئ

المجال العربي

عزيزي القارئ..

الترحال في أرجاء عالمنا العربي يكشف عن حقيقة مثيرة، هي المدى الواسع من التنوع البيئي والثقافي الذي تزخر به بلداننا العربية، حتى ليصح أن يُقال ـ دون أدنى مبالغة ـ عن مجموع هذه البلدان بأنها "عالم". عالم تجمعه مظلة اللغة العربية، التي تتجاوز كونها مجرد أداة للتخاطب، إلى حقيقة أنها سبيل للتواصل الثقافي والتاريخي، إضافة للبعد الأعمق، أي البعد الروحي. وتحت هذه المظلة الجامعة النادرة تنداح عوالم من ألوان شتى في الطبيعة وحياة الناس، وكثيرا ما يشكل بعض هذه الألوان نوعاً من المفاجأة الحقيقية لدى العربي الذي ينتقل من هذا الركن العربي إلى ذاك. ومثال تلك المفاجأة نجدها في منطقة أبها وعسير التي يذهب إليها استطلاع العربي في هذا العدد، فمن يصدق أن كل هذا الاخضرار وكل هذا الارتواء يمكن أن يكون موجوداً في هذا الجزء من شبه الجزيرة العربية؟ إنها مفاجأة من حياة وجمال لدى كثيرين ممن يظنون أن شبه الجزيرة العربية مجرد رمال وجمال ونفط ومدن أسمنتية. صحيح أن حقائق الحياة الجديدة، والعريقة أيضاً، في شبه الجزيرة العربية باتت معروفة لدى كثيرين من المواطنين العرب، لكن ليس من رأى كمن سمع. ولأن "العربي" ـ عبر سنوات طوال تمتد على مدى أربعة عقود ـ ظلت ترفع شعار "اعرف وطنك أيها العربي"، وتحقق هذا الشعار باستطلاعات مصورة حية لم تنقطع، ولم تأل جهداً في استكشاف ألوان البيئة والحياة العربية المختلفة، فإن العربي تكون كمن رأى وسمع معاً، وهذا يجعلها صاحبة مصداقية في إعلان دهشتها بكل هذا الغنى البيئي والثقافي والبشري الذي يزخر به عالمنا العربي، حتى يمكننا أن نقول دون مبالغة إن هناك مجالاً عربياً كبيراً متكاملاً يطيب الترحال في إطاره ويتنوع، وتُثري ألفة اللغة ومودة القربى بهجة ذلك الترحال.

هذا هو المجال العربي بالمعنى الجغرافي، وما يتعلق بهذه الجغرافيا من إشعاع في التاريخ والبشر والروح، أما اتساع هذا المجال ليتجاوز حدود الجغرافيا، فإنه يتأتى عبر السعي المعرفي لجغرافيا أخرى، كما في استطلاعات العربي الخارجية التي تتواصل في هذا العدد وتتوقف عند كراتشي كما رأتها أخيراً، وهي رؤية راصدة لواقع الحال لكنها في أعماقها آملة كل الخير لهذه البقعة الغالية من العالم الإسلامي القريب جداً منا بإطلالته على "البحر العربي".

ويظل المجال العربي يتسع ويترامى خلف حدود الجغرافيا، موغلاً في أرض المعرفة وبحارها التي صارت تقارب الخيال، وليس أدل على ذلك من مواضيع العوالم الأخرى التي يختار منها هذا العدد موضوعاً مثيراً يؤصله عن "المادة المظلمة"، وموضوعاً آخر يقترب من المتاح البشري هو "العلاج بالموز المهندَس جينياً".

وما بين الواقع، والمتاح والخيال، يتسع مجالنا العربي، وينبغي أن يتسع.
لى لقاء متجدد

 

المحرر