أرقام

أرقام

صراع الحاضر مع المستقبل!

ماذا يفعل الإنسان عندما يواجه "المجهول وغير المرئي"؟.. ماذا يفعل إذا كان ما يواجهه هو أحداث الغد التي لم تأت بعد.. أو أحداث الطبقات العليا في الجو والتي تحدد الكثير من جوانب حياته؟

السؤال مطروح منذ فترة حين بدأ الاهتمام بقضية البيئة، وتجدد والعالم يذهب لتوقيع معاهدات دولية تنظم طريقة التعامل مع هذا المجهول أو غير المرئي.. ثم اشتد الخلاف حوله والعالم يودع عام 1997 ويستعد لدخول قرن جديد ملىء بالاحتمالات.

في ذلك العام، 97 صدر تقرير للبنك الدولي عن التنمية في العالم، وفيه تعبير صريح يقول إن البيئة في العالم تشهد تدهورا شديدا. المناخ يتغير إلى الأسوأ.. وتنوع الأحياء، وبفعل الإنسان، معرض للخطر، والمياه الدولية تتلوث.. وفي أماكن كثيرة من العالم تختفي الغابات وتتدهور التربة وتتلوث مياه الشرب والهواء الذي نتنفسه.

إنه النشاط الإنساني الذي أفسد كل شيء.. وهو التقدم الذي صاحبه تدمير لبيئة الإنسان.

في تقرير جرت مناقشته في مؤتمر الدوحة الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في شهر نوفمبر "97"، أن المائة، عام الماضية من تاريخ البشرية كانت هي الأسوأ.. فمنذ قيام الثورة الصناعية، واستخدام الطاقة تضاعف التلوث بسرعة شديدة تاركا خلفه تلك الغازات التي نتحدث عنها، مثل ثاني أوكسيد الكربون وغاز الميثان.. والبداية: إقبال على الصناعة، وحياة حضرية يستخدم فيها الإنسان أدوات العصر من السيارة إلى أجهزة تكييف الهواء.. لكن النهاية مخلفات تقتل الأخضر واليابس، تلوث الجو، تؤثر في الطبقات العليا، تخرق طبقة الأوزون التي تحمي الأرض من اشعاعات ضارة تسبب سرطان الجلد وأمراضا أخرى للإنسان والحيوان والنبات.

والأخطر هو توقعات المستقبل، عندما ترتفع درجات الحرارة في الكرة الأرضية، فتذوب الجبال الجليدية في أطراف الأرض، ويرتفع منسوب المياه في البحار، وتختفي بلدان وشواطىء وجزر مثل جزر المالديف التي قال العلماء عنها "سوف تختفي من الوجود".

مائة عام مضت شهدت الكثير، ولم يكن الإنسان على دراية كاملة بما يجري.. لكن المائة عام القادمة هي الأكثر خطورة على حياة البشرية.

وفقا لتقرير البنك الدولي فإن المائة العام المقبلة سوف تشهد ـ طبقا للتوقعات العلمية، وإذا استمر التعامل مع البيئة على النحو الراهن ـ ارتفاعا في درجة الحرارة على سطح الأرض.. وارتفاعا في مستوى سطح البحر.

وقد اختلفت التقديرات، فتراوحت بين "1.2" و"6.2" درجة فهرنهايت بالنسبة للحرارة.. وبالتالي فقد اختلفت التوقعات حول الارتفاع في سطح البحر للتراوح بين 6 إلى 38 بوصة.. وهو ما ينتج عنه: غرق الشواطىء، وجفاف في بعض المناطق، وتراجع لجبال الجليد، وعواصف عاتية، وأمراض منتشرة.

هذا هو ما يتوقعه البنك الدولي وخبراء البيئة، فالعالم الصناعي مستمر في تلويثه للبيئة وإن كان بدرجات مختلفة وبرامج عدة للمواجهة، أما الدول النامية فهي القادم الجديد إلى عالم التلوث، والنهضة الصناعية التي تشهدها بلدان كبرى مثل الصين والهند، لابد أن تترك أثرا سالبا على البيئة.

و.. كما أشرت، فلم تكن القضية مستحدثة عندما نشب خلاف حولها عام "97".

قبلها، كان العالم قد تنبه للمشكلة وعقد العديد من المؤتمرات، وأبرم الكثير من المعاهدات.

مرفق البيئة العالمي

في عام ،1991 تم في إطار منظمات الأمم المتحدة إنشاء "مرفق البيئة العالمي".. وكان الهدف منه مساعدة البلدان النامية في أربعة مجالات: التغيرات التي تحدث في المناخ ودورها في ذلك، وقضية تنوع الأحياء، وحماية طبقة الأوزون، وحماية المياه الدولية.

وخلال فترة وجيزة، أصبح مرفق البيئة العالمي يضم "165" دولة.

وفي عام "1992" انعقد مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية في "ريودي جانيرو".. وكان النقاش حول جدول أعمال للقرن الواحد والعشرين، وفيه التزمت الدول الصناعية الكبرى بأن تقدم العون للدول النامية في قضية البيئة.

وفي نفس العام، جاءت معاهدة تغير المناخ التي صدق عليها "159" بلدا حتى عام "97".. ومما جاء فيها: إيلاء كل الاعتبار لمصالح الجزر الصغيرة والبلدان منخفضة السواحل والمناطق القاحلة وشبه القاحلة والغايات ومناطق الكوارث الطبيعية.

إنها معاهدة ضد الهواء الملوث، والبحار الهائجة، والغرق، والجفاف وما ينتظر الإنسان من كوارث.

جهود كثيرة تم بذلها..
ولكن، وعندما جرى طرح إبرام اتفاقية دولية جديدة تضع التزامات أكثر وضوحا على الدول الصناعية بدا الخلاف واسعا بين المجموعات الدولية، وخاصة أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.

كان معلوما، في ذلك الوقت، أن الولايات المتحدة هي أكبر مستهلك للطاقة في العالم. وبالتالي فهي أكبر مصدر تلوث.

وكان معلوما أن هناك طاقة صناعية ضخمة في أوروبا واليابان، وأنه على الطريق قوى صناعية أخرى وزحف نحو التحضر في الدول النامية.. وبالتالي كان محسوبا مقدار الخطر الذي يواجه العالم والذي حاول مشروع اتفاقية جديدة أن يواجهه.

كان موعد المواجهة: ديسمبر ،1997 وموقع الحدث: كيوتو اليابانية، حيث تقرر عقد مؤتمر يضم مائة وستين دولة جاءت لتوقع، أو لا توقع، على اتفاقية لتخفيض نسبة انبعاث الغازات للغلاف الجوي.

إنه عالم من الشك وعدم اليقين، لكن الأكيد أن البيئة تتدهور، وأن نزاع المصالح يهدد المستقبل.. فإما أن يزيد الكبار من أرباحهم، وإما أن يلتزموا بسلام العالم.. وجزء من سلامة: هواء نظيف غير ملوث.

 

محمود المراغي