طرائف عربية

طرائف عربية

قليل البخت

رحيل في يوم الهول

من منا لم يدخل مصطفى لطفي المنفلوطي وجدانه؟ من منا لم يسكن روحه أدب هذا الكاتب الجميل؟

هذا كاتب صنع وجدان من مارسوا الكتابة الجميلة، وممن كتبوا بعد رحيله حتى على الأقل أوائل الخمسينيات. اللغة الطاهرة، والعفة البيضاء، والخير العادل، معانٍ علمها لنا عبر كتابته مصطفى لطفي المنفلوطي رحمه الله.

قال يوما كأنما يتنبأ: (أحياناً يموت الإنسان في وقت ليس هو الملائم تماما).

درس في الأزهر وتركه، والتقى الإمام محمد عبده ودرس على يديه، وعندما تولى سعد باشا الوزارة أوجد له وظيفة أسماها (المحرر العربي) وفي الوقت الذي أيد فيه (روزفلت) الاستعمار الأمريكي لمصر تصدى له المنفلوطي بمقالات أثارت الاستعمار الذي قرر فصله لكن سعد باشا رفض بإباء وقال مقولته المشهورة (إن الحكومة في حاجة إلى رجال مثل الشيخ منفلوطي، ولكنه ليس في حاجة إليها، والوظائف قبور الأدباء ومن الخير للحكومة أن يكون مثله داخلها).

ومن مآسي القدر أن هذا الشيخ الجليل، ذائع الصيت الذي رقق مشاعر الأمة، رحل لايدري برحيله أحد. وكان في الثامنة والأربعين من عمره لأن موته صادف يوم حاول شاب طائش من هؤلاء الشباب الذين كانوا يتعاطون السياسة تلك الأيام من غير وعي إطلاق الرصاص على سعد باشا.

وفي اللحظة التي اشتعلت فيها مصر بالحدث كان يخرج من بيت متواضع من مدينة القاهرة نعش المنفلوطي على أكتاف بعض الفقراء، لايعلم بموته أحد، غريباً كان، متوجها نحو آخرته بلا ضجة أو إعلان، لأنه مات يوم الهول العظيم، مؤكدا مقولته، أو نبوءته: (أحيانا يموت الإنسان في وقت ليس هو الملائم تماماً).

سلطان لن يعود

كان عباس حلمي الثاني ابن الخديو إسماعيل باشا أحد السلاطين الذين أحبهم المصريون حبا عظيما لوجه الله والوطن.

أولا: بسبب كرهه للإنجليز.

ثانيا: لرغبته في تحقيق الدستور.

ثالثا: لوقوفه مع الحركة الوطنية المصرية.

ومن سوء حظه أنه عندما نشبت الحرب العالمية الثانية كان في تركيا المتحالفة مع الألمان، وانتهزها الإنجليز فرصة وتم عزل عباس باشا عن الحكم، فعاش غريبا يشتاق أن يعود لوطنه.ظل المصريون في الشوارع يدورون صارخين:

ـ الله حي.. عباس جي (أي قادم).

كانت هذه الصرخة تطلق في وجه الإنجليز فيزداد خوفهم من الرجل، وحرصهم على ألا يعود.

إلا أن الأيام تمر وتنقضي، وينسى الشعب عباس باشا، ويموت في الغربة، ولا يبقى منه إلا كلمات كان الصغار يرددونها حتى أواخر الخمسينيات:

الله حي.. عباس جي.

ولكنه أبداً لا يجيء!!

حزمة من الفجل وآلاف من الجنيهات

كل يوم يمر من حياتنا نحن العرب يثبت أن فقراء هذه الأمة قادرون على تحمل المسئولية والدفاع عن تبعات حرية الوطن برغم الإغراء الذي يتعرضون إليه.

كان (توفيق العزب) فدائىا مصريا دخل السجن في قضية اغتيال الموظفين الإنجليز وقتل كبيرهم المستر (هاتون)، وقبل أن يفر هارباً لمحته إحدى بائعات الفجل وتعرفت عليه. كانت تجلس على رصيف الشارع تبيع للمارة خضارها بأنصاف الملاليم، وكان الزمن زمن برد وزمهرير لايسترها إلا ثوب أسود كالح من غائلة البرد، ولايقيم جوعها ثمن ما تبيع به سلعتها للفقراء.

عندما قبض على (توفيق) أتوا بالمرأة كشاهد إثبات يذهب بالمناضل إلى المشنقة، عرضوا عليها أول الأمر مكافأة تصل إلى عدة ألوف من الجنيهات، ثم عرض المتهم وسط أناس مثله في الطول والملامح. كان عرضاً قانونياً، وكانت المرأة تتأمل ملامحهم في ثبات وعندما يمرون بها تنـظر للخواجة الإنجليزي قائلة: ليس فيهم، الثاني طويل ورفيع.

الذي لايمكن أن ينساه (توفيق العزب) أن المرأة في كل مرة عاينته كانت عيناها تتعلقان به وكأنها تعرفه، وكان يشعر في نفسه بأنها تدعو له بالنجاة، وأنها على استعداد أن تفديه بروحها.

يحدثنا التاريخ أيضا أن بائعة الفجل بعد أن نجا المناضل على يديها خرجت لتجلس على الرصيف، في يوم مطر، تشتد ريحه تنادي على فجلها فيصل صوتها للفقراء كأنه الناقوس في يوم غائم.

قاعدات في البيت

جاء في طبقات النحويين واللغويين أن أحدهم سأل الآخر: كيف تأمر المرأة بالغزو من غزا يغزو. فقال له الرجل متضايقا: ما رأيت أشنع من مسألتك! الله يأمرها أن تقر في بيتها، وأنت تريد أن تأمرها بالغزو؟!

الاستغفار من قول الحمد لله

قال أحد الزهاد الورعين: مرت عليّ ثلاثون عاما وأنا أستغفر من قولي مرة: الحمد لله. قيل له: وكيف ذلك؟. قال: وقع ببغداد حريق فاستقبلني رجل وقال: نجا دكانك! فقلت: الحمد لله! فأنا نادم من ذلك الوقت حيث أردت لنفسي خيراً من دون الناس.